أتذكر فى هذه الأيام قول الراحل الكريم المشير محمد حسين طنطاوى، وزير الدفاع، رئيس المجلس العسكرى السابق الذى حكم البلاد بعد رحيل الرئيس حسنى مبارك، فى الفترة من 2011 وحتى يونيو 2012، عندما قال «إن العين على مصر، باعتبارها قلب الخرشوفة». يأتى ذلك فى إطار ما تحدثت كثيراً عن المؤامرات البشعة التى تحاك ضد الدولة المصرية، ومازلت عند الرأى أن هذه المؤامرات لم تنته وتزداد ضراوة ضد الدولة المصرية، خاصة بعد الإنجازات الضخمة التى حققتها ثورة 30 يونيو والمشروع الوطنى الموضوع للبلاد.
كما أن مصر حرصت منذ الثورة على إعطاء الأولوية لرعاية مصالحها الحيوية، وسرعة استعادتها مكانتها ودورها المحورى وقوة تأثيرها فى حل القضايا والمشكلات الإقليمية والعالمية، مؤكدة التزامها بالمبادئ والقيم التى تحكم العلاقات الدولية، وترتكز على التعاون السلمى البناء فى حل المشكلات وتنمية العلاقات، وفق قواعد الاحترام المتبادل ومبادئ القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، مع توضيح رؤيتها وتأكيد موقفها الثابت فى المساهمة فى حل كافة القضايا الإقليمية والدولية، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية.
ولقد استعاد الشعب المصرى من خلال ثورة «30 من يونيو» هويته، وصوّب بها مساره ليثبت للعالم أجمع أن إرادته لا يمكن كسرها أو كبحها، وأن عزيمته راسخة لتحقيق تطلعاته المشروعة فى حياة أفضل ومستقبل مشرق لأبنائه. وكعادتها تعمل بكل ما أوتيت من قوة للضغط على الولايات المتحدة، لوقف الجرائم الإسرائيلية فى الأراضى العربية المحتلة، ولكن ماذا فعل الأشقاء العرب فى هذا الشأن سوى الشجب والإدانة والاستنكار، وهى كما قلت سياسة مرفوضة جملة وتفصيلًا.. والدول العربية لديها القدرة بأموالها الكثيرة واستثماراتها الواسعة فى الولايات المتحدة أن تضغط على واشنطن، من أجل ردع الكيان الصهيونى.. وأتمنى على كل الأشقاء العرب أن يكون لهم دور فاعل فى هذا الشأن. ويحضرنى فى هذا المقام الدور البطولى الذى قام به الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز الذى اتخذ قرارًا حكيمًا خلال حرب أكتوبر عندما ضغط بسلاح البترول، ما كان له أعظم الأثر خلال الحرب مع العدو الصهيونى.
نحن الآن فى حاجة شديدة وحاسمة لأن تكون هناك وسائل ضغط فاعلة على أمريكا وإسرائيل، ومن نعم الله أن الدول العربية لديها وسائل كثيرة للاستخدام فى هذا الشأن، لكن لا يتم تفعيلها، ما يطرح علامات استفهام كثيرة!.. والذى يغيب عن الأمة العربية أن الطناش فى هذا الصدد كما هو معتاد، سيجلب- ليس العار فقط- وإنما سيأتى اليوم الذى تلتف إسرائيل على هذه الدول العربية.. إن أطماع إسرائيل التوسعية لم تنته بعد ولن تنتهي، خاصة فى ظل هذه الفُرقة العربية وهذا الضعف الشديد، رغم ما تملكه الأمة العربية من وسائل ردع شديدة لكنها غير مستخدمة.. لقد آن الأوان للأمة العربية أن تفيق من غفوتها التى طالت، بدلًا من الاستيقاظ وقد ضاعت فلسطين، كما حدث فى الأندلس قديمًا.
تقسيم ليبيا أو تفتيت سوريا أو تجزئة اليمن والعراق وفوضى السودان لا يرضى المخطط الغربى الأمريكى، فكل هذه الدول لا تشفى غليل هؤلاء الأوباش، بل إن الهدف الرئيسى هو مصر التى تستعصى عليهم.. الهدف الأسمى هو سقوط مصر، ورغم أن هذه الدول العربية سقطت فى مستنقع التمزيق والنعرات الطائفية، إلا أن ذلك لا يرضى أصحاب المخططات الإجرامية، العين مفتوحة على مصر، فهى المراد الرئيسى، وجماعة الإخوان بدورها أداة ستظل بين الحين والآخر تمارس السفك وتنشر الأكاذيب فى محاولات مستميتة من أجل نشر الفوضى والاضطراب، باعتبار أن ذلك هو المفتاح لسقوط مصر.
التربص قائم والخطر مستمر والأعداء يتحينون الفرصة فى الخارج والداخل، ولا بد من تفويت الفرصة على كل هؤلاء المتربصين الذين لا همَّ لهم سوى إسقاط الدولة أو على الأقل زعزعة تماسكها وإضعاف قوتها فى هذه المهاترات، ومنع عودتها قوية متينة.. وهذا يقتضى من الجميع أن يفيقوا ويتخلوا عن أية فرقة أو أية فرصة لأى متربص يساعد على تحقيق هدف الغرب وأمريكا وأدواته من جماعة الإخوان الإرهابية، أو ممن يدعون أنهم حركات مدنية ديمقراطية.
مصر قلب الخرشوفة كما قال الراحل المشير طنطاوى، ستتعرض لكثير من المؤامرات، لكن الله حباها بقيادة سياسية رشيدة وشعب واعٍ يتصدى لكل هذه المخططات ولن تسقط مصر أبدا مهما فعلوا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الراحل الكريم وزير الدفاع الدول العربیة فى هذا
إقرأ أيضاً:
صدمة قاسية.. القارة العجوز تواجه عدم يقين استراتيجى وسط تحول السياسات الأمريكية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق الزعماء الأوروبيون مع الرئيس الأوكرانى فى اجتماع قمة فى لندن هذا الشهر
تواجه أوروبا شعورا عميقا بالصدمة مع تحول الولايات المتحدة، التى كانت ذات يوم دعامتها، بعيدًا عن التحالفات التقليدية. ففى ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، تواجه أوروبا إعادة توجيه غير مسبوقة للسياسة الخارجية الأمريكية التى تركت القارة تتساءل عن مكانها فى العالم. والواقع أن الخسائر المترتبة على هذا التحول واضحة، حيث تواجه أوروبا ليس فقط التخلى عن حليف بل وأيضا تحدى الإبحار فى عصر جيوسياسى جديد وخطير محتمل.
انفصال مفاجئ
لعقود من الزمان، كانت الولايات المتحدة حجر الزاوية فى الأمن الأوروبى، وخاصة أثناء الحرب الباردة عندما منع التحالف الغربى التوسع السوفيتى. ومع ذلك، فى الأسابيع الأخيرة، بدأ التحالف الذى كان صامدا ذات يوم فى التفكك. وقد ألقى تجاهل ترامب الواضح للتحالفات الأوروبية القديمة بظلال من الشك على موثوقية الدعم الأمريكى. الآن تجد أوروبا نفسها معزولة، وتواجه الواقع القاسى لعالم حيث لم تعد الولايات المتحدة تضمن سلامتها أو قيمها.
قالت فاليرى هاير، رئيسة مجموعة تجديد أوروبا الوسطية فى البرلمان الأوروبى: "كانت الولايات المتحدة العمود الفقرى الذى يُدار السلام حوله، لكنها غيرت تحالفها". هذا التحول له آثار عاطفية واستراتيجية عميقة، مع تزايد عدم اليقين فى أوروبا بشأن مكانها فى عالم منقسم بين روسيا والصين والولايات المتحدة.
إن مفهوم "الغرب"، الذى كان مرادفًا للديمقراطية الليبرالية والتحالف عبر الأطلسى الموحد، يفقد معناه بسرعة. تقف أوروبا وروسيا والصين والولايات المتحدة الآن ككيانات جيوسياسية منفصلة، كل منها يسعى إلى تحقيق مصالحه الخاصة.
التأثير العاطفى على أوروبا لا يمكن إنكاره. لعقود من الزمان، كانت الولايات المتحدة أكثر من مجرد حليف عسكري؛ لقد كانت الولايات المتحدة رمزًا للحرية والتحرر. فمن خطاب جون ف. كينيدى الأيقونى فى برلين إلى تحدى رونالد ريجان لهدم جدار برلين، كانت الولايات المتحدة جزءا لا يتجزأ من هوية أوروبا بعد الحرب. ولكن مع تغير توجهات البيت الأبيض، يتساءل العديد من الأوروبيين عما إذا كانت المبادئ التى ربطتهم ذات يوم مهددة الآن.
تحدى الاستقلال
مع التشكيك فى الدعم الأمريكى، يسارع القادة الأوروبيون إلى إعادة تأكيد السيطرة على أمنهم ودفاعهم. دعا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى بذل جهود "تمويل مشترك ضخم" لتعزيز القدرات العسكرية الأوروبية بسرعة. كما طرح فكرة توسيع المظلة النووية الفرنسية لتغطية أوروبا، مما يشير إلى تحول محتمل فى استراتيجية الدفاع الأوروبية.
ألمانيا، وهى لاعب رئيسى فى التحالف الأوروبى، متأثرة بشكل خاص بتحول الولايات المتحدة. بالنسبة لأمة تدين بالكثير من استقرارها وازدهارها بعد الحرب للمساعدات الأمريكية، فإن المسافة المتزايدة بين الولايات المتحدة وأوروبا تبدو وكأنها خيانة. لقد أعرب كريستوف هويسجن، رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن، عن انزعاجه من تخلى الولايات المتحدة عن المبادئ الراسخة فى العلاقة مع أوروبا.. ويعكس هذا الشعور إدراكًا أوروبيًا أوسع نطاقًا: فقد حان الوقت لتكثيف الجهود وتحمل المسئولية عن دفاعهم.
تحولات استراتيجية
لقد أدت صدمة إعادة تنظيم أمريكا إلى شعور متزايد بالإلحاح فى أوروبا. وإذا كان للقارة أن تحافظ على أمنها، فيتعين عليها أن تفعل ذلك دون الاعتماد على الولايات المتحدة، وخاصة مع صعود القوى الاستبدادية فى أوروبا وخارجها. ويشير اقتراح ماكرون للتعاون العسكرى الأوروبى، إلى جانب الدعم المتزايد من ألمانيا والمملكة المتحدة، إلى أن الاتحاد الأوروبى قد يكون مستعدًا أخيرًا للاستثمار فى بنيته التحتية الدفاعية الخاصة.
ومع ذلك، فإن هذا التحول ليس خاليًا من التحديات. فالتعاون العسكرى بين القوى الأوروبية، وخاصة بين فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، سوف يتطلب استثمارات كبيرة وإعادة التفكير فى أولويات الدفاع فى القارة. إن تحول أوروبا من مستهلك سلبى للأمن إلى مزود نشط للأمن لن يحدث بين عشية وضحاها، ولكن أحداث الأسابيع القليلة الماضية أظهرت أنه لا يوجد خيار آخر سوى المضى قدمًا على عجل.
تهديد متزايد
ومع مواجهة أوروبا لتهديدات متزايدة، يتعين عليها أن تتكيف مع عالم حيث لم تعد التحالفات التقليدية مضمونة. ويحذر الخبراء من أن أوروبا عند مفترق طرق، ويجب على قادتها اتخاذ قرارات صعبة حول كيفية ضمان سلامة القارة وأمنها فى عالم حيث قد لا تلعب الولايات المتحدة دور الحامى.
وتلاحظ نيكول باخاران، عالمة السياسة فى معهد العلوم السياسية، أن الخطر الأكبر الذى يهدد أوروبا هو التقليل من خطورة إعادة تنظيم أمريكا. وتقول: "يعرف ترامب إلى أين يتجه"، مضيفة أن أوروبا لابد أن تبنى قدراتها العسكرية على وجه السرعة لحماية نفسها. إن التهديدات تجعل من الأهمية بمكان بالنسبة لأوروبا أن تتولى السيطرة على مصيرها.
*نيويورك تايمز