لدى العديد من البشر قدرات فائقة فى فعل التسويق.. هؤلاء يستطيعون التسويق لأى شىء وكل شىء.. وكما يقول المثل الدارج «يبيعون الهوا فى أزايز».
هؤلاء قادرون على الترويج لكل تافه.. وبإلحاح حتى يحسبه الجاهل شيئا.. هؤلاء يسوقون الأفكار التافهة والقصص الفارغة والمشاريع الفاشلة والكتب الخاوية والخطط الفاسدة.. والأخطر من كل ذلك الترويج لـ«الأشباه».
وخطورة الأشباه.. أنها تملأ المكان.. تطرد الحقيقى.. تدعى أنها أنجزت المهمة وتحصل على التصفيق والمديح والشهرة والمكافآت.. تسبق الجميع لالتقاط الصور فى الصفوف الأمامية.. والمحصلة لا شىء.
ضجيج لا ينتج غير السراب.. لكن النتيجة الأكيدة هى أن المهمة انتهت، وتوارى القادرون على الإنجاز، ولن يفكر أحد فى المحاولة من جديد.. وتبقى الحقيقة، والمحصلة النهائية ما تم هنا لم يكن أكثر من «هوستا كوستا».
إن الترحيب بالأشباه وثقافة «الهوستا كوستا» قادر على تدمير أعتى الحضارات.. قادر على تشتيت أكثر المجتمعات أصالة.. فلهؤلاء قدرة غريبة على المزاحمة.. قدرة كبيرة على التشويش والجدل وإرباك، وتشويه كل ما هو جيد ونافع، واشغال المجتمع بكل خبيث وكل ما ليس منه طائل.. تجدهم فى كل المواقع وعلى كل المنصات.. الحديث منها والقديم.. ويرتكن هؤلاء بحرفية شديدة إلى المثل الشعبى الشهير «الصيت ولا الغنى».
«الهوستا كوستا» ملأت حياتنا.. صنعت نجوما وهمية.. أرهقتنا واستنزفت قدراتنا.. شتتنا وأضاعت الهدف من أمام أعيننا.. ملأت جيوب وحسابات كل تافه بالملايين بل بالمليارات.. أربكت المجتمع وشوهت القيم.. أصابت كثيرين بلوثة اللاشىء واللا قيمة.. أحبطت كل مجتهد وكل ذى رسالة.. بات من الصعب أن تقنع طفلا بضرورة الاجتهاد والمذاكرة من أجل مستقبل أفضل.. وهو يرى العلماء والمجتهدين والنابهين فى الطوابير يتسولون فرصة عمل أو هجرة إلى الخارج.. صار من المستحيل إقناع الشباب بقيمة العمل وهو يشاهد يوميا على منصات التواصل من حققوا الملايين لقاء تسجيلات تافهة وسمجة ومملة.. أما الحديث عن أهمية الثقافة وأصالة المعرفة فهو حديث سخيف بلا معنى فى أعين الأجيال الجديدة.. وهى ترى التافهين والأشباه يتصدرون المشهد.. وكثير من منصات الإعلام لا تحتفى إلا بمن له رصيد معتبر من الهزل أو الفضائح اللا أخلاقية.
الأغرب والأخطر من ثقافة «الهوستا كوستا» التى أوشكت أن تأتى على الأخضر واليابس.. هو تلك القوة الخفية الدافعة لها.. والقادرة على خلق ألف هوستا كوستا كل يوم لاشغالنا.. تلك الأيادى التى تتلقف كل تافه لتروج له وتفسح له الطريق.. فى تناسق وتناغم يصعب معهما التبرير بالمصادفة.. وكأنه عمل خطط له بدقة وأدير بنظام صارم.. القضية ليست قطاعا بعينة ولا فئة بعينها.. القضية فى تحول شغل «الهوستا كوستا» لثقافة عامة واقتربت من أن تكون سمة مجتمع.. فتقبل الضحالة والترحيب بالردىء من السلع للفنون للأفكار للأشخاص صار الأمر الطبيعى.. بات منطقيا أن نخطط ونحلم ونسعى ونجهد وتكون المحصلة صفرا.. صفرا كبيرا كبر تلك البروباجندا المصاحبة للهوستا كوستا.
أعلم جيدا أن هذا الحديث سيثير غضب مجتمع الهوستا كوستا.. ولهؤلاء أقول لا داعى للانزعاج هى مجرد كلمات ستمر كغيرها.. فأصواتكم أعلى.. ومكبراتكم فى كل مكان.. وأتباعكم أتفه من أن يقرأوا أو يتدبروا.. لا تقلقوا إنها بعض كلمات وسط صراخكم فلن تؤدى لأى رد فعل.. وإن كان فلن يكون أكثر من «هوستا كوستا».
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: لوجه الله أنجزت المهمة شبه عالم
إقرأ أيضاً:
مؤمن الجندي يكتب: مواجهة لا تعرف الرحمة
على خشبة المسرح، عندما يتلاقى الضوء مع العرق المتصبب، يقف الممثل منتصبًا أمام جمهور ينتظر منه العجائب! وفي الملعب، يركض اللاعب متشبثًا بآمال الملايين، وكل تمريرة خاطئة تُضخّم لتصبح صرخة خيبة.. أما المسؤول في منصب خدمي، فيُسابق الزمن بين واجبٍ لا ينتهي وانتقادات لا تهدأ، هؤلاء جميعًا يعيشون مواجهة مباشرة مع الجماهير، مواجهة لا تعرف الرحمة أحيانًا.
مؤمن الجندي يكتب: وصفة للفوضى مؤمن الجندي يكتب: انكسار روححين يعمل الإنسان أمام الجمهور، يصبح مكشوفًا.. إنجازاته مشرعة للتصفيق، وأخطاؤه محطمة! مهما كانت التضحية التي يبذلها هؤلاء الممثلون، اللاعبون، أو المسؤولون، يبقى سؤال يطاردهم: هل يُنسى كل شيء في لحظة؟ الإجابة في كثير من الأحيان، نعم!
الجمهور ذاكرته قصيرة، خاصة إذا كانت الخيبة طازجة، أو إذا كان الخطأ مستفزًا، فالجمهور يرى المسرح متعة، والملعب فوزًا، والخدمة حقًا، فلا يعذر حين يخيب أمله! قد يكون الهجوم نتيجة إحباط شخصي يُسقطه الجمهور على هؤلاء الرموز، أو شعور بأنهم يمتلكون القوة ولا يستحقون العذر.
شاهدت أمس في ليلة كانت مليئة بالأهداف والانتصار، انتزع فيها الأهلي فوزًا كاسحًا بسداسية أمام شباب بلوزداد الجزائري في دوري أبطال إفريقيا، إلا أن هذا الإنجاز لم يكن كافيًا لتهدئة غضب جماهيره! حيث تحولت المدرجات إلى مسرح للهتافات الغاضبة التي أصابت اللاعبين في عمق شعورهم.
مغامرة مدهشة ومؤلمة ومجهر لا يعترف بالخصوصيةهتافات الجمهور لم تكن فقط انتقادًا، بل كانت أشبه بطعنات لفظية موجعة تعكس خيبة أمل عميقة تجاه بعض الأسماء في الفريق؛ فالجمهور الأهلاوي، المعروف بعشقه اللامحدود لفريقه، قد يصبح قاسيًا في لحظات الغضب.
وهنا لا بد أن أوجه رسالة للاعبين ولكل شخص وظيفته إرضاء الجمهور، يتطلب الصمود أمام هجوم الجماهير صبرًا ليس عاديًا؛ إنه صبر يكاد يكون بطوليًا.. الصبر على التجريح، على النكران، على الأحكام الظالمة! قد ينهار الممثل بعد عرض قاسٍ، أو يشعر اللاعب بأن موهبته عبءٌ لا نعمة، وقد يترك المسؤول منصبه بحثًا عن راحة لن يجدها.. لكن القلة منهم يدركون أن الهجوم هو الوجه الآخر للتأثير! فالجمهور يهاجم من يتوقع منه الكثير، وحين يهدأ الغضب تعود الأصوات لتذكرهم بما قدموا.
في هذه الحالات، لا يمكن أن يُلقى اللوم على طرف واحد، الجمهور مخطئ حين ينسى أن هؤلاء بشر، لهم طاقة وحدود، لكن الممثل أو اللاعب أو المسؤول مخطئ إذا لم يدرك أن عمله يضعه تحت مجهر لا يعرف الخصوصية، فالعمل أمام الجمهور مغامرة مدهشة ومؤلمة في آنٍ معًا.. هو مزيج من المجد والهجوم، من التصفيق والانتقاد!الجمهور يخطئ أحيانًا، لكنه يظل جمهورًا، يحب ويكره بنفس الحدة، ينسى لكنه يعود ليتذكر.
مؤمن الجندي يكتب: عرّافة الكواكب في شقة "سِباخ" مؤمن الجندي يكتب: قائد على حافة الانفجارفي النهاية، يبقى من يعمل في مهنة عامة أمام مسؤولية تتجاوز حدود الوظيفة، فهي رسالة قبل أن تكون عملًا، وأمانة قبل أن تكون منصبًا.. الجمهور بطبيعته متقلب، يصفق في يوم وينتقد في آخر، لكنه يظل المحرك الحقيقي لكل نجاح! لذا، فإن التحلي بالصبر أمام هتافاته، سواء كانت مفعمة بالحب أو مشبعة بالغضب، هو واجب لا خيار! فمن يتحمل الجمهور في لحظات السخط، هو نفسه من ينال شرف احترامه وإجلاله حين تنجلي العاصفة.
للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا