بوابة الوفد:
2024-12-28@13:47:56 GMT

يوم يذهب الزبد جفاء

تاريخ النشر: 26th, January 2024 GMT

هناك، بين أروقة الذكرى تتهادى المشاهد، طيبها وسيئها، يتداعى ما أكره منها، وينطوى فى ركن قصى من العقل، فيما يلوح لى ما أحب، فيبرز إلى سطح الوعى مؤكدا أن ما ينفع الناس يمكث فى الأرض، وأما غيره فتذروه الرياح، ويصبح نسيًا منسيًا.

وككل عام، يأخذنى عرسه الثقافى بكليتى، أهفو كطفلة فرحة بثوبها العيدى الجديد، أنطلق إلى أرضه ليس لأحتفل بين الأصدقاء بإصدار جديد لى فحسب، بل لشعورى بأنى العروس الوحيدة لذلك العرس، كل هذا نظم من أجلى أنا.

. وما كل هؤلاء النازحين المتزاحمين المتحلقين حول بواباته سوى مدعوين إلى عرسى. 

هكذا كان ومازال شعورى بمعرض القاهرة الدولى للكتاب لحظة انطلاق كل دورة من دوراته، لا يختلف ذلك الشعور على مدار سنى عمرى، كونى قارئة أم كاتبة، أم زوجة كاتب أو شاعر، أو مجرد طفلة يغلبها الفضول نحو حبيب طفولتها الأول.. المعرض. 

أقف بين قاعاته المتطورة وشوارع ساحاته، أنظر حولى لكل هذا الترف من مطاعم وكافيهات ومسارح متنقلة، لأبتسم فى حسرة، مستدعية بذاكرتى هذا الشق الأطيب من صباى.. معرض الكتاب فى مكانه القديم بمدينة نصر، والذى كان شاهدا على تفتح أول لقراءاتى، ودهشتى المتأججة نحو هذا الكم من المعرفة والعناوين، لا يؤففنى سوء تنظيم، ولا تردى حال الخيم والأجنحة، ولا ذلك التراب الذى يغطى كل شىء حولنا حتى ملابسنا، بل ننفضه عنا وعما اقتنيا من عناوين ونحن نعبر بوابته بعد انتهاء معركة محببة خضنا غمارها بفرحة... لنباهى أصدقاءنا بما اشترينا..

تسعينيات لم يكن للمحمول بيننا مكان، ولا للكتاب الإلكترونى ظهور، ولا للكتاب المسموع ذكر، فقط أوراق تلاطفها أيدينا ونربت على أغلفتها بحنو، كأنما صارت جزءا منا.. مشدوهين كنا نحو عناوين جديدة، عناوين جادة، صنعت فارقا معرفيا، وزخما وجدالا ثقافيا على مدار سنين طوال، وقت كان من يكتب هم العارفون وليس الهواة، وقت كان النشر صناعة ورسالة، فيأبى القائمون عليه إلا أن تكون رسالته ذات هدف ووعى، لا مجرد هادف لربح مادى، فلا يعنيه ما يُنشر ومن يكتب، حتى صارت هناك آلاف آلاف الكتب، لكنها فى معظمها غثاء لا شىء فيه.. هكذا صار عدد من يكتبون أضعاف من يقرأون!

أزفر فى ضيق وصوت الأغانى الحديثة المنطلق من أحد الكافيهات ذات الاسم الشهير يخترق أذنى، لأفيق ناظرة إلى هذا الكم من الزائرين والذين تفوق أعدادهم أعداد من يدلفون إلى الأجنحة، وأعداد من يقتنون الكتب فعلا، فتنتهى زيارتهم عند الكافيهات والمطاعم فى ساحة المعرض المتطورة..

أدير وجهى فأصدم بطابور لا نهاية له من الصبية والصبايا، من يطلقون عليهم بلغة العصر underege

لأدرك أنهم fans كاتب لم يتخط الثلاثين من عمره وربما أقل بكثير، يكتب ما يشتهون من قصص رعب أو تنمية بشرية، لكنه يبيع آلاف النسخ.. أتساءل بينى وبين نفسى: ترى كم كتابا قرأ ذلك الكاتب ذو الfuns، بل كم من المعارف والخلفيات التى تشبع بها ورأى فى نفسه أحقية أن ينطلق نحو الكتابة؟ 

أسحب ناظرى بعيدا بعيدا، بينما تحتل مقولة عباس العقاد المساحة الأرحب من ذاكرتى: (لا أحب الكتب لأننى زاهد فى الحياة.. ولكننى أحب الكتب لأن حياة واحدة لا تكفينى).

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نبضات

إقرأ أيضاً:

د. عصام محمد عبد القادر يكتب: الوعي الثقافي.. تعضيد الهُوِيَّة

ننشغل بماهية الهُوِيَّة؛ كونها من دعائم الاستقرار، ومقوم تحقيق الأمن والأمان للأوطان، ومن الثوابت التي تسهم في تعزيز اللغة، والمعتقد، وداعم رئيس لتوجيه السلوك في مساره الصحيح، وضمانة لحفظ مقدرات الوطن، وما به من تراث، وما يمتلكه من حضارة، وعبر كل ذلك يستطيع الإنسان أن يرسم تطلعاته ويبرهن عن طموحه ويعتز بثقافته ويفتخر بمكون حضارته ويشارك بقوة في نهضة دولته.


والوعي الثقافي من مقومات تعزيز الهُوِيَّة دون مواربة؛ حيث تعضيد شعور الإنسان بالتفرد والتميز في ضوء ما يمتلكه من تراث ثقافي وما لديه من زخائر حضارية متراكمة عبر تاريخ غائر يؤكد على أصالة الجذور وسبق الجميع على وجه المعمورة، وهنا ندعي أن هذا النمط من الوعي يسهم في تحسين المقدرة على الاختيار، بل ويساعد في اكتشاف ما نملكه من مقومات ومهارات نوعية، ويحثنا دومًا على اكتساب مزيد من المعارف والمهارات في مختلف الفنون ومجالاتها.


وعندما يدرك الإنسان ما قدمه السابقون من تراث وما أضافته الأجيال تلو الأخرى من أجل بناء حضارة تتسم بالتسلسل والتكامل؛ فإنه يسعى جاهدًا من أجل أن يكون أداة للبناء، يضيف لهذا الرصيد من خلال ما يقدمه من طيب عمل ومبتكر ناجع وفكر راق رشيد وسلوك قويم يرفع من شأنه ومن مقدار مجتمعه، ويعلى من قدر الدولة ويصبغ الاتجاهات بمتلون الإيجابية لمن يحاول أن يكتشف طبيعة المجتمعات ويدرس خصائصها بطرائق أضحت ممكنة ومتاحة. 


وتعضيد الهُوِيَّة عبر بوابة التنمية الثقافية ومسارات تنمية الوعي الممنهجة، تمكن الفرد من أن يواجه مخاطر وسلبيات من يروجون لثقافات أضحت مآربها معلومة لدينا؛ فالخطورة هنا نرصدها في محاولات إضعاف الهُوِيَّة؛ ليستبدل الإنسان ثقافته بأخرى تحقق له تطلعًا وآمالًا مكذوبة، وتذهب بأمنياته لدائرة الغرق التي لا يستطيع أن يخرج منها في ضوء ما تمتلئ به من نفعية صرفه؛ حيث يأتي الوطن في المؤخرة والغاية الخاصة في الصدارة.
وكون أن العالم أصبح قرية صغيرة بات أمرًا لا جدال حوله، وهذا يدعونا أن نولي اهتمامًا خاصًا بتنمية الوعي الثقافي؛ كي نعزز مكنون الهُوِيَّة التي يستطيع الفرد من خلالها أن يتعامل مع كافة المتغيرات التقنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية بما يحقق النفع العام لوطنه وبما يحميه من الانزلاق في بئر الخلاف والشرذمة؛ ومن ثم يتعرض لمخاطر مثلث تدمير الشعوب والأوطان.


ودعونا نؤكد على أن الوعي الثقافي يهيئ البيئة المواتية التي تجعل المواطن يؤدي ما يوكل إليه من مهام، وفق ما يعزز العادات والتقاليد التي يتبناها المجتمع، وفي ضوء ما يعضد منظومة القيم المجتمعية والخلق الحميد، وهذا ما يضمن تحقيق التماسك المجتمعي والتآلف حول المصالح العليا للوطن، كما يجعل الفرد مطمئنًا لما يقوم به، وهنا اعتقد أن يشعر بمزيد من الرضا والسعادة؛ ومن ثم يؤمن بفلسفة الاندماج الاجتماعي؛ حيث يمكنه من أن يدشن شبكة علاقات داخلية وخارجية تحقق ماهية التعايش السلمي سواءً أكان ذلك في خضم تعامله المباشرة أو عبر الفضاء الرقمي.


ودور الوعي الثقافي في تعضيد الهُوِيَّة يحمينا من كافة المحاولات التي تستهدف صهر الثقافات الأصيلة في بوتقة الثقافات المستحدثة، وهنا أود الإشارة إلى أن الغرض من هذا الأمر ليس فقط إضعاف الهُوِيَّة؛ لكن إصابة المنظومة القيمية بعطب في تفعيل ممارساتها، ودون شك نصف ذلك بالخطر الجسيم؛ حيث إن تعطيل هذه المنظومة تخرجنا من حيز الأمان والتماسك والترابط والتكافل لحيز النفعية وحب التملك والاستحواذ، بل وتمكن أصحاب القلوب المريضة من تفعيل مقدرتهم على ترويج فكرة المزج أو الدمج أو التوليف للثقافة الأصيلة بالثقافة المستوردة.


ومن أجل تعضيد الهُوِيَّة يلزم أن نعي أهمية لغتنا القومية باعتبارها مكون رئيس للثقافة المصرية، وأن الاهتمام بلغتنا الجميلة عبر إتقان فنونها والتعرف على ما بها من ثراء ومعاني لا يقابلها أي لغة أخرى، وهذا يفرض على الآخر احترام ثقافتنا وتقدير مكونها الأصيل من قيم ولغة وعادات وتقاليد ومكتسبات ساهمت في إثراء المعرفة العالمية.


وندرك أن الثراء الثقافي يقوم على فلسفة التفاعل الثقافي مع العالم بأسره؛ حيث يتوجب علينا الانفتاح المنضبط الذي يقوم على غاية التبادل الفكري والحياتي والحضاري، بما يعزز مجال الخبرة، ويمكن من تنمية كافة المجالات العلمية والعملية والحياتية وفق أسس ومعايير واضحة تقوم على ماهية الأخذ والعطاء والتأثير والتأثر الإيجابي، بما لا يؤدي إلى النيل من الهُوِيَّة أو محاولة إضعافها.


إن تنمية وتعزيز الوعي الثقافي لدى شبابنا بات من آليات وأدوات تعضيد الهُوِيَّة؛ فمن يدرك عمق ثقافته ويعي غور حضارته ويعلم أن نهضته وتقدم دولته مرهون بتوافر وعي ثقافي يجعله يحافظ على مقدراته في ظل زخم لا متناهي لإفرازات الفضاء الرقمي الذي أضحى التعامل معه فرض عين في شتى مجالات الحياة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

مقالات مشابهة

  • حاتم سعيد حسن يكتب: يوم عادي
  • الحسن عبدالشافي محمد يكتب: فى هِجاء النَّدَم
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: الوعي الثقافي.. تعضيد الهُوِيَّة
  • محمد المصري يكتب: ما بين الرحلة والتأويل
  • إصدار عناوين متنوعة في العلوم والمعرفة.. حصاد دار الكتب والوثائق القومية في 2024
  • د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!
  • "دار الكتب" تنظم ندوة حول حقوق الإنسان (صور)
  • معرض القاهرة للكتاب.. «نظرية المعنى في النقد الأدبي » إصدار جديد بهيئة الكتاب
  • «إدعاءات إخوانية».. الداخلية تكشف حقيقة تسجيل مخالفة على سيارة شخص بمحافظة لم يذهب إليها
  • «الملتقى الأدبي» يناقش روايتيّ «ساعي بريد الكتب» و«إيلينا فيرانتي»