يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من هبة التبعي

“منذُ ستة أشهر وأنا أحاول فسخ عقد قرآني في محكمة تعز ولكن بلا جدوى” بهذه العبارة تختصر سارة المليكي معاناتها، بعد أن تم عقد قرآنها مع ابن خالها قبل عام ونصف وبينما هي تستعد لحفل زفافهما، تزوج عاقدها بأخرى بدون عذر وتلقت سارة صدمة عاطفية قوية أدخلتها بعقدة نفسية.

تتحدث سارة لـ “يمن مونيتور” حول مأساة قصتها العاطفية بالقول: ” أعتقد أن زواجه بأخرى سبب كافي لفسخ عقد القرآن ولكن القاضي لم يقتنع متذرعًا بأن الشرع يحل له الزواج بأربع نساء”.

وتضيف “أنها تنازلت عن كافة الحقوق واختارت أفضل المحامين وخسرت الكثير من المال حيال هذه القضية حتى تم الفسخ بعد طرح أسباب أخرى كاذبة تقنع القانون، بينما الرجل إذا أراد أن يطلق زوجته لا يفترض عليه أن يقدم أي سبب.

المشرع اليمني

تفانى المشرع اليمني في عكس الطبيعة التقليدية الثقافية للمجتمع اليمني وحول العرف الذي ينظر للمرأة بنظرة تحقيريه للأسف إلى صيغة قوانين نافذة دون مراعاة لمهمة القوانين والتشريعات في تحقيق العدل بين الناس وتلبية حاجاتهم.

تُظهر القوانين اليمنية تناقضًا واضحًا بين التزامها بالمواثيق الدولية والعربية المتعلقة بحقوق الإنسان، حيث التزمت بميثاق “41” (المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة) وبين تشريعاتها التي تسهل انتهاك حقوق النساء في الأحوال الشخصية والجرائم والعقوبات.

الأحوال الشخصية

تنص المادة (20) في الأحوال الشخصية على أن “يصح أن يتولى عقد الزواج عن طرفيه شخص واحد ينطق بصيغة الإيجاب والقبول في مجلس العقد”.

المحامي والباحث عمرو السعد يرى الواقعة من منظور قانوني بالقول: “هنا تتجلى درجة الاحتقار للمرأة في القانون اليمني وـعمال الموروث التقليدي محل العقل التطوري المستقبلي في القوانين، المادة تؤكد سلب حق المرأة في التصرف الحر في مضمون عقد نكاحه -باعتبارها طرفاً أصيلاً فيه- واجبرها على تمثيلها بأحد “الذكور” وكيلاً عنها”؟

ويضيف عمرو في حديث لـ”يمن مونيتور”، أن “القوانين اليمينة مهدت لبعض الجرائم الخطيرة ضد المرأة كما فعلت المادة (15) من قانون الأحوال الشخصية والتي قضت بصحة عقد نكاح ولي الفتاة الصغيرة عن العمر القانوني، وهو ما شجع ظاهرة زواج القاصرات في اليمن والتي انتشر في اليمن أكثر فأكثر فوفقاً لتقرير اليونيسف 2017م فإن ثلثي الفتيات في اليمني قد تزوجن قبل سن ال18”.

وتابع: “إذا ما تأملنا قانون الاحوال الشخصية اليمني ككل فإننا لن نجد مادة واحدة تجرم العنف الاسري أو اعتبر الاعتداء الجسدي على الزوجة بالضرب أو ما شابة كجريمة تستحق العقاب، للأسف لا يزال المشروع اليمني يعتبر جريمة العنف الأسري مسألة خاصة وليست جريمة جنائية لها آثرها الفظيعة على الأسرة والحياة الزوجيّة”.

الجريمة والعقاب

تبيح المادة (232) من قانون الجرائم والعقوبات جريمة قتل المرأة حيث تنص أن (إذا قتل الزوج زوجته هي ومن يزني بها حال تلبسهما بالزنا أو اعتدى عليهما اعتداء أدى إلى موت أو عاهة فلا قصاص في ذلك وإنما يعزر الزوج بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة ويسري ذات الحكم على من فاجا إحدى أصوله أو فروعه أو اخواته متلبسة بجريمة الزنا)، كما يرى عمرو، وقضت المادة(42) من نفس القانون “عقوبة المرأة نصف دية الرجل.

يفسر المادة أعلاه من القانون المحامي عمرو:” أن المرأة كنفس وروح أيضا أقل وأصغر من الرجل، هذا أقسى درجات الاحتقار الآدمي في التاريخ البشري، بأن يتم التمايز بين الأنفس، بين ذكر وأنثى أننا نعود إلى العصور الوسطى اليوم”.

ويرى على الصراري وهو محامي وخبير قانوي في تفسير هذه المادة أيضًا:”جمهور الفقهاء لم يقصدوا التقليل من قيمة المرأة وإنما هو تقدير ما أصاب الأسرة من نقص وخسارة كون الرجل هو من يعمل ويصرف على أسرته”.

“الدستور يدعم المرأة”

من جانبه، يقول محمد المياحي، إن “الدستور اليمني لم يشرع التمييز ضد المرأة ولكن بسبب عدم وجود مركزية قانونية في البلد، هناك ممارسات قانونية ليست قانونية في الأساس وغير دستورية”.

وأضاف المياحي وهو ناشط حقوقي وإعلامي في حديثه لـ”يمن مونيتور”:” القوانين اليمنية تفسر وتؤول بطريقة تعسفية؛ مما ينتج ممارسات تمييزية ضد المرأة”.

المصدر الأول للقوانين الدستورية هي الشريعة الإسلامية أي قانون تمييزي يخالف الشريعة الإسلامية؛ لأن الإسلام يساوي الجنسين بالحقوق والواجبات.

ويرى المياحي: “أن القوانين منحرفة على المبادئ الدستورية؛ لأن مُشرع القانون يعتمد على تأويلات فقهية معينة فيها تمييز وخاضعة لتلاعب بسبب العادات والتقاليد المتوارثة حول مكانة المرأة”.

“تأهيل كادر قضائي”

بدوره، يقول على الصراري “إن الدستور اليمني كفل الحقوق الأساسية للجميع بما فيها المرأة ولكن انعدام الوعي لدى الجهات الأمنية والقضائية والجهات الرسمية يتعارض مع الأحكام التشريعية الإسلامية”.

وأضاف في حديث لـ”يمن مونيتور”:” الكوادر القضائية تفهم القانون بمفهوم خاطئ فتعاملون مع النساء بطريقة لا تتناسب مع وضعهن، وتفسر القوانيين بطريقة تمييزية ضد المرأة”.

وتابع: “الكوادر القضائية والجهات المعنية ومشرعو القانون هم من يحتاجون إلى التأهيل واكتساب الوعي القضائي ليضعوا قانون يتناسب مع الدستور المستمد من الشريعة الإسلامية العادلة والمنصفة للمرأة”.

المرأة تغير القانون

في أكتوبر 2021، قامت مجموعة من النساء الناشطات والحقوقيات بإطلاق حملة تحت عنوان “جوازي بلا وصاية”، وهدفت هذه الحملة النسوية إلى إلغاء التمييز ضد المرأة في إصدار جوازات السفر اليمنية، حيث يتطلب استخراج جواز سفر للمرأة موافقة ولي أمرها.

وتحقيق أحد أهداف حملة “جوازي بلا وصاية” في منتصف مارس 2022، بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة.

وتتمثل هذه الإنجازات في صدور توجيه من رئيس مجلس الوزراء للوزير المسؤول عن الشؤون الداخلية ووزير الشؤون القانونية وحقوق الإنسان، يدعو فيه إلى مراجعة الإجراءات والشروط التي تعيق حصول المرأة على جواز السفر، وتطبيق القانون وإزالة جميع العقبات التي تواجه المرأة في استخراج وثيقة السفر. تم تحقيق هذا الإنجاز بعد لقاء بين أعضاء الحملة ورئيس مجلس الوزراء.

وفي هذا الشأن، تقول شروق السعدي وهي ناشطة حقوقية: “استطاعت المرأة أن تغير القانون بفضل نضالها وتمردها على الظلم، ولو أنها تدرك حقوقها الكاملة وتكسب الوعي الكامل بما هو المفترض أن يشرع لها لانتزعت كافة حقوقها”.

الحلول والتوصيات

من جانبه، يقول الناشط الشبابي، زهير الطاهري: “لتغير واقع المرأة اليمنية ليس من الضروري تغيير القوانين ذاتها، ولكن مجرد عرقلة سريانها فقط سيكون كافيًا لحل هذه المعضلة وتغيير واقع ومستقبل المرأة اليمنية”.

يضيف الطاهري، في حديث لـ”يمن مونيتور”، بأن هناك قوانين عديدة تتحيز ضد المرأة، هي قوانين دينية، وإلغاؤها يعني إلغاء الدين، ولكن يمكن أيضا تجاوز هذه القوانين مع بقاء النص القانوني لها، هو نوع من التحييد القانوني، تحييد قانون عبر قانون آخر. أو التقييد القانوني، تقييد هذه القوانين بواسطة قوانين جديدة مرنة، تتفق مع العصر ولا تلغي الدين.

وشدد الطاهري، على ضرورة “إيجاد قوانين تضمن للمرأة حقوقها الأساسية من التعليم حتى الإستقلال المادي، قوانين عصرية ولكنها لا تتنافى مع الدين، بل يمكن حتى تكييفها دينيا، لتصبح من صلب هذا الدين”.

بدوره، يرى الناشط الإعلامي المياحي أن “القانون اليمني يحتاج إلى تعديلات كثيرة، فقد مرت عقود كثيرة منذ آخر تعديل عليه بسبب الوضع السياسي المضرب في البلاد”.

وأضاف “بقاء هذه القوانين بهذه الصيغة دون تعديل عاجل من شأنه ترسيخ ثقافة مجتمعية تسلطية ضد المرأة يترتب عليه مزيد من الجرائم والتجاوزات بحق النساء”.

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الدستور اليمني المرأة اليمنية اليمن الأحوال الشخصیة لـ یمن مونیتور ضد المرأة

إقرأ أيضاً:

مذكرتي لممثلي دوائر الخريجين في الجمعية التأسيسية للتصويت ضد المادة 129 من القانون الجنائي (1988)

(إننا لنربأ بأنفسنا أن يتوّسل متوّسل بالردة ليكون وصياً على توقنا للحقيقة، ومناهج بحثنا عنها، ونتائج ذلك البحث)

أواصل هنا ما بدأته من حديث عن مشروعية مطلب الجماعة المسلمة وهيئاتها في إسلامية الدولة. ولا احتاج للقول هنا أنني ناصبت هذا المشروع العداء طويلاً. ولكني لم "استقذره" كما فعل تقدميون منا وليبراليون ويفعلون. فالمشروعات بين المسلمين لتديين الدولة بعد نهاية عهد الاستعمار من حقائق الخطط التي طرأت للخارجين من الاستعمار لبناء بلادهم المستقلة. فتجد من هذه المشاريع الليبرالية والاشتراكية والانفصالية إلخ كذلك فلا غرابة. واستمعت لمؤرخ بريطاني قال في عرض كتاب مرتجل عن حسن الترابي إنه عرف من الكتاب أن مؤلفه كاره للترابي. وسأل: لماذا لا تكرهه جيداً (hate him properly). وصرف المشروع الإسلامي كما نفعل ل"كهوس دني ظلامي" ليس هو الكراهية الجدية، بل هو الهروب إلى الإمام. وربما إلى الهاوية.
كانت الديمقراطية البرلمانية هي أكبر ضحايا هذا الاستقذار للمشروع الإسلامي. كان انقلاب نميري هو البداية بقوله إن الدستور الإسلامي الذي كان معروضاً على الجمعية التأسيسية "لا يسوى الحبر الذي كتب به". وحين استعدنا الديمقراطية في 1986 وصف منصور خالد نيابة عنا النقاشات الصعبة عن الدين والدولة التي كانت تجري فوق منابر برلمانية ب"الهوس". أي الهرج. فلم نكره المشروع الإسلامي صاح بملاقاته حيث أراد الملاقاة وهي البرلمانية إجراء وإدارة. وبالنتيجة استقذرنا البرلمانية نفسها فصارت فينا جثة على قارعة الطريق لا نهش عنها كلب رمرم عندها.
ماذا أعنى بمنازلة المشروع الإسلامي في برلمانية نقول نحن الأحرص عليها من أهله؟ وما صاح. لقد نفضنا يدنا عنها وتبع كثير فصيح منا "جيش التحرير". وحدث ما حدث.
كانت لي محاولة لهذه المنازلة بعد عودتي من البعثة في 1987. فقد أصابني السقم وأنا أرى التقدميين والليبراليين قنعوا من خير البرلمانية مرة واحدة. وفي محاولة استدراك مني كتبت كخريج مذكرة موجهة للبرلمان عن القانون الجنائي الذي كان في دائرة النقاش. ووجهت الرسالة إلى نواب الخريجين عن ولاية الخرطوم أدعوهم للوقوف ضد ذلك القانون. وبالطبع كنت أعرف أن أولئك النواب كانوا إسلاميين. وتحوطت لذلك بمناشدة الخريجين بالعاصمة ليوقعوا تعزيزاً للمطلب. هل كان ذلك الموقف الذي طلبته من إسلاميين واقعياً؟ نعم. لأنه هكذا يدار الأمر في البرلمانية. لست تملك أن يكون النائب عنك من لونك السياسي. وليس معنى هذا أن تضرب عن الضغط عليه والتأثير عليه وعلى الرأي العام ما استطعت سبيلاً. هكذا العيش في الديمقراطية وأي "حردان" ديمقراطية يجيب ضقلها يكركب. وأذكر هايف يساري كتب بعد نشري المذكرة يدعو الناس أن يمتنعوا عن التوقيع. ولا أعرف ما كان يفعله في يومه لمقاومة القانون الجنائي.
محنة التقدميين والديمقراطيين أنهم، متى جاؤوا بالديمقراطية، فشلوا ان يتأقلموا مع بيئتها ويعيشوا في كنفها. وركبهم خناس "واختارت جيش التحرير" أو الانقلاب. وأحبط الله اعماله.

تجد أدناه المذكرة التي وجهتها لنواب الخريجين في البرلمان لعام 1988 في سبيل مقاومة القانون الجنائي.

(نص مذكرة الاحتجاج على المادة 129 عن الردة في مشروع قانون 1988 الجنائي)

• دفاعا عن حرية الفكر
• وضد مادة الردة في القانون الجنائي وكل القانون

هذه المذكرة اقتراح مقدّم من الدكتور عبد الله علي ابراهيم المحاضر بجامعة الخرطوم إلى الناخبين الخريجين في العاصمة القومية بصدد مقاومة مشروع القانون الجنائي المعروض على الجمعية التأسيسية.
وتركز المذكرة بوجه خاص على مادة الردة من القانون (المادة 129) بوصفها المادة الأكثر اعتداء على ممارسة الفكر وحريته والأكثر استفزازاً لخريجين يعولون على تلك الممارسة والحرية لخدمة وطنهم وأهلهم. والمذكرة مذّيلة ببطاقة معنونة يوّقع عليها الخريج متى ما اقتنع اجمالاً بسداد وجهة المذكرة. وستسلّم المذكرة مع التوقيعات إلى السادة نواب الخريجين عن العاصمة القومية لكي يستنيروا بها في المناقشات الدائرة حول المشروع، ويعملوا بمقتضاها خلال التصويت. والله نسأل السداد، ونصرة الحق، وكسر شوكة الوصاة والظلمة.

السيدة/ سعاد الفاتح والسيدان/ محمد يوسف محمد وإبراهيم أحمد عمر نواب الخريجين عن دوائر العاصمة القومية:
نتابع باهتمام مشوب بالحذر والإشفاق مناقشات مشروع القانون الجنائي الجديد في مجلس الوزراء والترتيبات الجارية لعرضه على الجمعية التأسيسية. ويزعجنا حقا أن جماعة من المسلمين في الجبهة القومية الاسلامية، وفي ملابسات خيبة وتفكك سياسيين مؤسفين، تسعى للمرة الثانية في أقل من عقد من الزمان لفرض مفهومها الخاص للإسلام كقانون عام. وهو مفهوم لم يخرج عن وصف العالم المسلم فضل الرحمن لمفهومات مماثلة له بـ"إسلام الأدبه". ولم يحل بين هذه الجماعة وغرضها أنها ما تزال تتعثّر في بيان دورها في إنشاء وتنفيذ تشريعات 1983م النميرية. ولقد ساءنا بالفعل أن التزام حكومة الوفاق القائمة بإجازة القوانين البديلة لقوانين 1983م قبل الخريف قد كاد ينتهي بواضعي مشروع القانون الجنائي إلى نوع سرية في الأداء التشريعي مفروغ أن لا مكان له في بلد ديمقراطي.
لقد أسفنا كخريجين، لنا في المساهمة بالرأي مزيج من الكبرياء والحس بالواجب، أن يخيل لواضعي المشروع أن بوسعهم أن يباغتونا بإجازة قانون أساسي كالقانون الجنائي في سباقهم لتنفيذ خريف الوفاق السياسي الحاكم. وظلت حكومة الوفاق تصمي آذانها عن تذكير أفراد وجماعات جليلة الرأي بفساد خطتها في تطبيق قانون جنائي مسنود باجتهاد حزبي ضيق وما سيجره ذلك من كساد في قوام وروح الوطن كساداً يؤذن بذهاب ريحه.

ونعد – كخريجين – تضمين المادة 129 عن الردة في مشروع القانون الجنائي استفزازاً كبيراً. لقد كرمنا الوطن بصوت انتخابي زائد على صوت المواطنة الأصيل تفويضاً منه لنحرس الفكر وحرية الرأي. ونعد قول القائلين في باب الطمأنة أن الردة في مشروع القانون قد عُرفت بأوسع تعريفات الفقه الإسلامي، وأنها محايدة في الصراع السياسي إساءة غير متحفظة لعقلنا وخبرتنا ووجداننا، فلم يكن لتهمة الردة هذا الحياد في واقع الخلاف بين المسلمين. فقد تعرّض رجال اختلفت ممارساتهم للإسلام من أمثال الإمام ابن حنبل، والصوفي الشهيد الحلاّج، وشيخ أهل السنة ابن تيمية لإحن ومساءلات في نقاء إسلامهم فقط حين تآزرت عليهم ملابسات سلطوية متعينة في التاريخ، وعلاوة على ذلك لم يتفق للإسلام بعد آلية مجمع عليها حول محتوى واجراءات الردة والتكفير. فلا تزال بعض مدارس الحنفية تنكر قول من اتهم الحلاج بالردة وتتبرأ من مقتله.

ولم تكن تهمة الردة محايدة سياسيا في واقعنا في السودان منذ استحدثت بشكل غوغائي في عام 1968م. ما كانت الردة تهمة في القانون القائم عام 1968م، ولكن جماعة دينية، بعضهم من أسلاف واضعي مشروع القانون الجنائي، أخذت القانون في يدها وحاكمت الأستاذ محمود محمد طه بالردة لتصفية خلاف فكري وسياسي نشأ بينهما وبينه. وهو خلاف ذو أصول في الظاهرة الإسلامية بشكل عام. ولم يمنع كون الردة لم تكن مادة مضمنة في قوانين سبتمبر 1983م أيضاً من أن يحاكم بجريرتها نفس الشيخ، وتدق عنقه، ويزري بحواريه ويرغمون على التنكر لمعلمهم وعلى لحس عقائدهم المؤثلة أمام الملأ. وهذا باب في التعصب والملاحقة والترّصد في الدرجة السفلى من السياسة ذاتها. ولذا نرى في تخصيص مادة للردة في مشروع القانون الجنائي تدبيراً سياسياً ينذر بأوخم العواقب على نطاح الآراء والاجتهادات في بلدنا، وغاية ذلك التدبير تعطيل التسامح الفكري ومنع تخصيب الآراء بعضها البعض في لقاح نيّر.

لقد حسبنا بحسن نية أن بشاعة تنفيذ حكم الردة في الأستاذ محمود مما يعلمنا جميعاً بعدم جدوى البطش بالرأي، وأملنا أن يراعي بعض الدعاة الاسلاميين حساسيتنا لهذه المسألة كأهل رأي يعتدون بقيمة الفكر ومنزلته في نهضة الوطن، وان لا يفجعونا باستعلائهم الفكري مرة بعد مرة وبخاصة وأكثرنا ما تزال تؤرقه غفلته حين لم نرتاب بالقدر الكافي في قوانين سبتمبر حتى خرجت علينا بثمار المشانق المر، وأنوف الاستتابة الراغمة. ووددنا أن لا نضطر إلى القول أن الذي يريد طمأنتنا إلى قلة خطر المادة 129 عن الردة في المشروع الجديد قد يتحوّل بالزمن إلى معتاد اجرام فكري.

إننا لنربأ بأنفسنا أن يتوّسل متوّسل بالردة ليكون وصياً على توقنا للحقيقة ومناهج بحثنا عنها ونتائج ذلك البحث. لقد تأهلنا، وعلى نفقة الدولة السودانية غالباً، في شتى ضروب المعرفة تأهيلاً يلزمنا بإسقاط كل معرفة قبلية قبل بدء فحصنا وتحليلنا وتشريحنا للظواهر والعمليات الطبيعية والاجتماعية لاكتشافها وبلوغ حقائقها وقوانينها. وليس هذا الإسقاط تحللاً، فمناهج العلم والنظر الإبداعي جيدة التأسيس على أقباس من خلق النبوة في الفطانة والأمانة والتبليغ.

وعليه فقد أصبح الشك العلمي بعض عدة شغلنا. وهو شك لن نسمح لأحد أن يفسره برقة الدين أو بالاستخذاء امام الفرنجة ليعرضنا للمساءلة حول صحة العقيدة. إننا ثمرة توّرط عريض بالعالم. وهو توّرط لا منجاة منه ولا غنى عنه إلا بدفن الرؤوس الصغيرة في الرمال العميقة. لقد اشتبكنا بالعالم لأن ما في ذلك من مناص. ولقد حملنا بالطبع إلى خضم هذا الاشتباك هويتنا الاسلامية لتتجّمر في ابتلاءاته ووعثائه فتصفو وتذكو. وهذه هي الشجاعة الوحيدة الممكنة الآن. إن حاجة بعضهم إلى استنان مادة الردة هي خلود إلى طمأنينة مزيفة، وتخفيض للإسلام لصبح ملة قوم من الخائفين ليني الركب، وفرار من احتمالات اللقاء بالعالم. وهذا هو الجبن الوحيد الممكن الآن أيضا. W

وعليه فعرض طرائقنا في التحرّي، وبلوغ النتائج، وتعميمها على مفتشي العقيدة هي سبة سنعمل أن لا تفشو في بلدنا الذي لم يبدأ بعد اكتشافاته المثيرة لهوياته ولإمكاناته المادية والروحية في عالم طموح عجيب.

نتوجه بهذه المذكرة إلى حضراتكم للوقوف بقوة ضد مشروع القانون الجنائي البديل وضد المادة 129 المتعلّقة بالردة منه على وجه جدي. وربما اضطركم هذا الموقف إلى مفارقة التزام خاص أو رأي شخصي، ولكن مزية الديمقراطية هي هذا التسامي من أجل سداد التمثيل الانتخابي. وستكون استجابتكم لمطلبنا ممارسة مميزة للديمقراطية تجدد حسن الظن بكم والذي حملكم إلى مقاعد الجمعية التأسيسية. والأهم من ذلك أن هذه الممارسة ربما أعادت لدوائر الخريجين ألقها وقدوتها السياسيين اللذين بدأت بهما في باكر تجربتنا البرلمانية قبل أن تندرج ضمن التراكمات الحزبية العادية. إننا لنأمل أن تقفوا معنا ضد المادة 129 لنأمن في شغلنا الفكري والعلمي والوطن من شرور التطرف والتسلّط وغلو الوصاة.

إلى السيدة/ سعاد الفاتح والسيدان/ محمد يوسف محمد وإبراهيم أحمد عمر
لقد أطلّعت على المذكرة المرفوعة اليكم بشأن المادة 129 عن الردة في مشروع القانون الجنائي المعروض أمامكم في الجمعية التأسيسية. وإنني لأتفق اجمالاً مع المذكرة وأدعوكم للتصويت ضد القانون بشكل عام وضد مادة الردة منه بالتحديد ولكم تقديري.
الاسم: .......................المهنة: ....................................
المؤسسة التعليمية والدرجة العلمية وسنة التخرّج: .................................
التوقيع: ....................................
بعد ملء الاستمارة الرجاء ارسالها إلى العنوان التالي:
د. عبد الله علي ابراهيم
معهد الدراسات الأفريقية والأسيوية / جامعة الخرطوم
ص.ب: 321 الخرطوم.

ibrahima@missouri.edu

   

مقالات مشابهة

  • حذف مادة في قانون الإضراب تمنع تعويض العمال المضربين بعمال آخرين لا علاقة لهم بالمقاولة
  • مذكرتي لممثلي دوائر الخريجين في الجمعية التأسيسية للتصويت ضد المادة 129 من القانون الجنائي (1988)
  • احذر.. التزوير يعرضك لعقوبات صارمة حددها القانون
  • تقرير رسمي: 31 مليون مغربي(ة) يستخدمون فايسبوك و غياب قوانين تحمي الأطفال قد يؤدي إلى الإنتحار
  • الجريدة الرسمية تنشر قرارين جمهوريين للرئيس السيسي
  • مدة اجتماع المجلس القومي للأجور بمشروع قانون العمل
  • بعد موافقة النواب.. تقديم الإقرارات الضريبية للفترات السابقة دون غرامات
  • شروط قبول الادعاء بالحقوق المدنية في مشروع قانون الإجراءات الجنائية
  • “الوطني الاتحادي” يواصل مناقشة قانون تعديل بعض القوانين الاتحادية
  • نقابيون: أبدينا ملاحظاتنا على “معدل قانون العمل” وأزلنا أي مظاهر فيها تعسف على العمال