فايزة هيكل في ندوة بمعرض الكتاب: «طاسة الخضة وتقبيل الأيدى وجه وظهر عادات مصرية قديمة»
تاريخ النشر: 26th, January 2024 GMT
استهلت القاعة الرئيسية، ندواتها فى اليوم الثانى لمعرض القاهره الدولي للكتاب بندوة “مصر.. فجر الحضارة”، شاركت فيها كل من الدكتورة جيهان زكى، الرئيس السابق للأكاديمية المصرية للفنون بروما، وأستاذ علوم المصريات بالمركز القومى للبحوث العلمية بجامعة السوربون الفرنسية، والدكتور فايزة هيكل، أستاذ علوم المصريات وعميد الأثريين المصريين الرئيس الأسبق لجمعية الأثريين الدولية.
وقالت الدكتورة جيهان زكى، إن الكثير من الناس لا يعلمون المفهوم الحقيقي للحضارة، حيث يشيع استخدامها وسط الساسة فى المحافل المحلية والدولية، ويعتقد الكثير أنها كلمة ذات أصل عربى ولكن فى الواقع هى كلمة غربية تبلورت أواخر القرن الـ18 وبداية القرن الـ19، وجاءت إلينا مثل كلمتى التاريخ والتراث.
وأضافت "زكى" أن اسم مصر دائما ما يأتى مقرون بكلمة الحضارة، فهى كائن معنوى يتنفس وكلمة تفسر بتجليات الإنسان، فهى منظومة قائمة على الإنسان منذ مولده، مرورًا بنشأته وتكوينه ثم تفاعله مع المجتمع، وأخيرًا ما يتركه للأجيال القادمة.
وأوضحت أن الحضارة لها ركيزتان أساسيتان وهما التاريخ والجغرافيا، لذا يجب على الإنسان إدراك ماضيه، وأن يعى جيدًا ما يحيطه من ظواهر جغرافية، وما يحيطه من بلدان وبحار حتى يستطيع أن يبنى حضارته وأمجاده.
وتحدثت الدكتورة فايزة هيكل عن عمق "التراث المصرى القديم" والمقصود به استمرارنا فى ممارسة حياتنا اليومية بشكل يتشابه إلى حد كبير مع القدماء المصريين دون إدراك منا بذلك.
وضربت على هذا أمثال كثيرة منها استمرار استخدام “أسماء المدن” حتى وقتنا هذا، وهى لها أصول مصرية قديمة، مثل دمنهور وتعنى مدينة الإله حورس، والفيوم وتعنى البحيرة.. وغيرها.
أسماء الأشخاص مثل سوسن فهى تعنى اللوتس، وكلمات أخرى كثيرة مأخوذة عن اللغة المصرية القديمة مثل شونة وفرش وتمساح، والمعبد، والنفر وفوطة والسمسم وواحة.. الخ.
وذكرت “هيكل” أن اللغة تتكون من البيئة المحيطة، فالقدماء المصريين استخدموا الحيوانات والنباتات فى لغتهم القديمة حتى ظهرت بهذا الشكل المتعارف عليه.
كما أشارت هيكل إلى أنه بخلاف الأسماء واللغة فقد تشابهنا إلى حد كبير مع القدماء المصريين فى الأشياء غير الملموسة مثل بعض العادات والتقاليد الموروثة والعقائد والأفكار.
وقالت: تستطيع أن تميز المصريين من خلال النظر إلى وجوههم"، وضربت أمثال بذلك على اتباع المصريين عادة تقبيل الأيدى على وجهها وظهورها ونسبتها إلى المصريين القدماء.. والتقويم القبطى الذى يستخدم إلى وقتنا هذا، والفكر الدينى فى ذهاب الروح إلى السماء.
وذكرت أن الاعتقاد فى وجود الروح قديما لم يكن موجود فى بلدان كثيرة، وفكرة الثواب والعقاب بعد الموت، والطقوس الجنائزية هناك تشابه فى التابوت وطريقة التعبير عن الحزن.
أيضا رغبة المصريين فى استخدام كلمات إيجابية وعدم التلفظ بكلمات سلبية على الأحداث الكئيبة مثل استخدام كلمة النعش وهى تأتى من الانتعاش، فهى فكرة موروثة من القدماء المصريين فكانوا يطلقون على التابوت كلمة عنخ وهى تعنى سيد الحياة.
وذكرت أيضا حرص المصريين على زيارة الأموات وتقديم الرحمة والتى كان يقدمها المصريين القدماء فى هيئة قرابين، وزيارة الأولياء ومخاطبتهم.. وغيرها.
أيضا طاسة الخضة فهى مأخوذة عن القدماء وكانت عبارة عن مياه مخلوطة بطلاسم سحرية يروى منها العليل حتى يشفى، وعقيدة تلبس أرواح الأطفال ليلا فى هيئة القطط، وقصة القرين، وغيرها الكثير من المعتقدات المأخوذة من القدماء المصريين وممارستها بشكل يومى دون الوعى بأنها موروث قومى قديم.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: ندوة مصر القدماء المصریین
إقرأ أيضاً:
عادات وتقاليد رمضان بالقاهرة في العصر المملوكي
يُعتبر العصر المملوكي في مصر (1249: 1517) من أزهى العهود التي شهدت إحياء سلاطين المماليك للفنون والعمارة وحب العلم والعلماء والميل إلى التقوى والورع وحب الخير والتقرب إلى الله بكثرة الأعمال الخيِّرة كبناء المساجد والمآذن ودور العلم والزوايا والأضرحة وأماكن تناول الطعام للفقراء «الخنقاة»، والمشافي والمصحات. وأظهروا كذلك ذوقًا رفيعًا في العمارة والتحف والفنون بكل أشكالها تفوقوا فيها على الدول الأوروبية، ولهذا يُعَد عصر المماليك من أمتع العصور في تاريخ مصر لما اتصف به من الغرائب واحتوى عليه من المتناقضات.
وفي عهد المماليك بلغتِ العناية بالاحتفال بشهر رمضان حدًّا لا يُوصف تفوقوا فيه على مَن سبقهم وجاء بعدهم بسبب كثرة العادات والتقاليد المرتبطة بالشهر الكريم حتى كانت ليالي رمضان غاية في الأبهة والفخامة. وقد وُصفت مصر في عهدهم بسحر الشرق، لأنه كان عصر العلم والفن والأدب، بل عصر التدين لاهتمام سلاطين المماليك ومنهم قايتباي وبيبرس وبرقوق وقنصوه الغوري وأبو الدهب وغيرهم من السلاطين والأمراء والموسرين بالاحتفال بالمناسبات والأعياد الدينية. وتدل العمارة التي تركوها على عظمة هذا الفن وذوقه الرفيع في حينه، وقد اهتم المماليك بالمظاهر الاجتماعية وعرفوا حياة الترف والنعيم والبذخ حتى جاءت احتفالاتهم بمظاهر رائعة وبخاصة في شهر رمضان كاستطلاع الهلال عندما كان يجتمع الفقهاء من خلال منارة مدرسة المنصور قلاوون بالنحاسين وعند ثبوت الهلال يعودون مع المقربين من أصحاب المهن والطوائف حاملين الفوانيس والشموع التي تتزين بها القاهرة بأزهى أنواع الزينات ثم تُعلن الطوائف الصيام، وبعدها يجلس السلطان في الميدان تحت القلعة ويتقدم إليه القضاة الأربعة الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة وكبار رجال الدولة لتهنئته بدخول شهر رمضان.
وقد ارتبط شهر رمضان في عهد المماليك بالكثير من المظاهر الاحتفالية ومنها إقامة المراسم الدينية وإحياء الليالي في الأضرحة ولدى الأولياء وإقامة ليالي السهر وانتشار التزاور بين الناس وانتشار الأطعمة المميزة التي كانوا يُعِدونها لهذا الشهر كالكنافة والقطايف، وكانتِ الحلوى الرمضانية تباع بأنواعها المختلفة في سوق الحلاوين، وتباع الشموع في سوق الشماعين، وإعداد السحور ومدفع الإفطار ورؤية الهلال والاحتفال الخاص بليلة القدر التي كان يقام لها احتفال كبير يحضره السلطان أو الوالي والقضاة والعلماء ومشايخ وطلاب الأزهر ويتم خلالها توزيع الجوائز. ويُؤْثر عنهم أنهم أول مَن فكر في قراءة صحيح البخاري من اليوم الأول في رمضان بالجامع الأزهر ويتم ختمه في العشر الأواخر من الشهر الكريم أو في ليلة العيد يحضره السلطان والقضاة الأربعة ويتم توزيع الخلع والهبات على العلماء والفقهاء وطلبة الأزهر والأيتام والأرامل والمرضى والمهاجرين.
ويقال أيضًا إنهم أول من رصدوا في حجج أوقافهم العقارات والأطيان الزراعية وخصصوا من ريعها جزءًا للصرف منه في شهر رمضان على وجوه البر والإحسان وتعمير المساجد ولإقامة الشعائر الدينية ومساعدة الفقراء والأرامل والأيتام، ثم جزءًا آخر للأئمة وخطباء المساجد وطلبة العلم ومشايخ التصوف. كما اعتاد سلاطين المماليك إعتاق ثلاثين عبدًا في رمضان، وكانوا أول مَنِ استخدم المشكاوات التي تميزت بالفن والثراء الزخرفي الذي لا يضاهيه فن في الإضاءة ليلاً وبخاصة إضاءة المساجد طوال ليالي شهر رمضان، وقد اشتُق اسم مشكاة من القرآن الكريم. وخلال الشهر الكريم عبر عهود المماليك كانت تُقدَّم كميات كبيرة من الأطعمة والمأكولات المختلفة وتقدم إلى الشعب كالدقيق والسكر والياميش والذبائح التي كان يتم توزيع معظمها على الفقراء والمساكين، وكانت تنتشر خلال الشهر الكريم أيضًا الأسمطة وموائد الرحمن أمام المساجد وفي بيوت الأمراء من أجل الفقراء. ومن أشهر السلاطين الذين ضربوا مثالاً في الخير وحب الإنفاق السلطان بيبرس والسلطان برقوق الذي كان ميَّالاً للبر والإنفاق ويوزع الذبائح على الفقراء والمحتاجين، وقد بلغت كمية السكر التي قُدمت من جانب السلطان محمد ابن قلاوون سنة 775 هجرية 3000 قنطارًا تم توزيعها على الفقراء والمحتاجين ليصبح المماليك (ورثة الدولة الأيوبية ومن قبلها الفاطمية) أشهر مَن أدخل الكثير من المظاهر الاحتفالية للمناسبات الدينية في مصر وبخاصة في شهر رمضان، ظل الكثير منها باقيًّا في مصر وبخاصة في القاهرة وأحيائها التراثية والشعبية إلى يومنا هذا.