في خطوة يتوقع أن تصب الزيت على نار الاضطرابات التي تشهدها البلاد، أنهى المجلس العسكري في مالي، الخميس، اتفاق السلام مع المتمردين الطوارق، بعد أن تجددت التوترات بين السلطة الحاكمة في باماكو وتنسيقية حركات "أزواد" في الشمال.

وأعلن المجلس العسكري الحاكم في بيان، أنه لم يعد من الممكن الاستمرار في الاتفاق، بسبب ما اعتبره "عدم التزام الموقعين الآخرين بتعهداتهم"، موجها اتهامات للجزائر الوسيط الرئيسي الذي رعا الاتفاق بارتكاب "أعمال عدائية".

وجاء إعلان قادة الجيش، إثر تجدد الأعمال العدائية بينهم وبين تنسيقية حركات أزواد، وهي تحالف جماعات مسلحة يهيمن عليها الطوارق، في أغسطس الماضي، بعد ثماني سنوات من الهدنة الهشة.

"سيناريوهات دموية"

واعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة باماكو، محمد أغ إسماعيل، أن العمل بالاتفاق "انتهى فعليا" مع استئناف المواجهات، في أعقاب صراع الطرفين للسيطرة على الأراضي والمعسكرات التي تركتها القوات التابعة الأممية التي انسحب من البلاد، مشيرا إلى أن البيان الأخير يأتي لـ"إضفاء الصبغة الرسمية على القرار".

ويضيف إسماعيل في تصريح لموقع الحرة، أن "كل المعطيات توحي بأن الاقتتال سيتصاعد عقب الخطوة الأخيرة، معتبرا أن "سكان الشمال سيكونون مجددا الضحية الأولى لهذه الأزمة التي ستتسبب أيضا في توتر العلاقات مع الجزائر".

وشهدت مالي، الواقعة على الطرف الجنوبي للصحراء الكبرى، أعمال عنف منذ عام 2012، في أعقاب انتفاضة لجماعات الطوارق التي كانت تشكو من إهمال الحكومة، وسعت إلى حكم ذاتي للمنطقة الصحراوية الشاسعة التي يطلقون عليها اسم "أزواد".

وفي عام 2015، وقعت الحكومة المركزية بمالي "اتفاق السلم والمصالحة" مع الطوارق، تضمن  68 بندا، أهمها اعتراف باماكو بخصوصية الإقليم الشمالي في إطار الدولة الموحدة، وقبولها بالتوسع في تطبيق اللامركزية، لتتيح تمثيلا أكبر لأبناء الشمال بالجمعية الوطنية، ورفع مستوى التنمية بالشمال، ليعادل نظيره بالإقليم الجنوبي.

غير أنه مع وصول العسكريين إلى السلطة بعد انقلابين في عامي 2020 و2021، ودفعهم، في يونيو الفائت، "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار " (مينوسما) للانسحاب من البلاد، بعد اتهام قواتها بـ "تأجيج التوترات المجتمعية"، عادت التوترات مع سعي الطرفين للسيطرة على القواعد التي أخلتها البعثة في الشمال، حسبما يوضح الباحث في الشؤون الأفريقية، محمد توشرين.

واتهمت تنسيقية حركات أزواد قوات المجلس العسكري باستهداف مواقعها، فيما تتهم باماكو "الرجال الزرق" (الطوارق) بالتواطؤ مع ما تسميها جماعات إرهابية، مؤكدة رغبتها في بسط سيطرتها على جميع أنحاء البلاد.

خريطة مالي

وقبل التطورات الأخيرة، قطع المجلس العسكري الحاكم علاقاته مع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة التي نشرت قواتها في البلاد لمحاربة الجماعات الإرهابية بالمنطقة، ووثقوا في المقابل صلاتهم مع روسيا، عن طريق مجموعتها المسلحة "فاغنر".

في هذا الجانب، يعتبر إسماعيل، أن قناعةً تشكلت لدى باماكو، بـ"قدرتها على حسم صراعها ضد الأزواد بفضل الدعم الروسي والتعاون العسكري مع أطراف دولية أخرى"، لافتا في الجهة المقابلة، "لم يعد للطوارق ما يخسرونه خاصة بعد إلغاء الاتفاق"، مما يفتح الباب لـ"سيناريوهات دموية".

وتعقيبا على خطوة المجلس العسكري، قال المتحدث باسم تنسيقية حركات "أزواد"، المولود رمضان: "كنا نتوقع ذلك منذ أن أحضروا فاغنر وطردوا بعثة الأمم المتحدة وبدأوا أعمالا عدائية بمهاجمة مواقعنا على الأرض"، حسبما نقلته رويترز.

في هذا الجانب يرى توشرين، أن خطوة الانسحاب من اتفاق السلام كانت منتظرة، بعد أن ساءت العلاقات بين الطرفين المتصارعين في أعقاب تجدد أعمال العنف للسيطرة على قواعد في مناطق كيدال وتومبوكتو شمالا.

ويضيف توشرين في تصريح لموقع "الحرة"، أن تداعيات القرار الأخير "ستكون خطيرة على البلد الأفريقي، مشيرا إلى أن لـ"مجموعات الطوارق نفوذ وامتداد بدول الساحل الأفريقي وأيضا مشروعا سياسيا يحظى بدعم عدة أطراف إقليمية".

ويشير الباحث السوداني إلى أن الوضع الجديد، قد يدفع جماعات انفصالية أخرى مثل الفولان التي تنتشر بوسط مالي وتتدهور علاقتها بالسلطة المركزية، للتحالف مع الطوارق.

تصاعد التهديد الإرهابي

واستغلت الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيمي "القاعدة" و"داعش" الأوضاع الأمنية المتدهورة في مالي منذ سنوات، من أجل الانتشار وتوسيع هجماتها ومناطق نفوذها في دول غرب أفريقيا المجاورة.

وتوصف المنطقة الحدودية بين دول النيجر وبوركينا فاسو ومالي بأنها "المثلث الأخطر"، حيث تنشط تنظيمات إرهابية عدة، قوّت حضورها خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد عدوى الانقلابات العسكرية التي تشهدها المنطقة منذ عام 2020.

ويثير انهيار اتفاق السلام الذي يأتي بعد انسحاب القوات الفرنسية ثم البعثة الأممية "مينوسما"، مخاوف من تدهور الأوضاع الأمنية بالمنطقة، حيث تتربص المنظمات الإرهابية، لاستغلال النزاعات والأوضاع الإنسانية الصعبة للسيطرة على مناطق نفوذ وتأمين مجندين جدد.

في هذا الجانب، يرى الخبير بالشؤون الأفريقية، محمد تورشين، أن تجدد الصراع في مالي قد يهدد بـ"تفاقم للعنف، ستكون له تداعيات قاسية"، لا سيما وأن المنطقة تعرف نشاطا مكثفا للتنظيمات الإرهابية، مما يهدد الوضع الأمني الداخلي والإقليمي عامة".

ومن أبرز الجماعات التي تنشط بالمنطقة، "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية في ولاية الساحل – المعروف سابقا باسم داعش في الصحراء الكبرى، بحسب تقرير حديث أصدرته الخارجية الأميركية عن الإرهاب في العالم.

ويعتبر تورشين أن توظيف الجيش المالي لإمكانياته وقدراته المحدودة في صراعه ضد الطوارق، من شأنه أن يحد من قدرته على مواجهة هذه الجماعات المتطرفة.

مناطق انتشار الجماعات المسلحة في مالي ودول منطقة الساحل ـ

وقبل أشهر، حذر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في مالي، القاسم واين، بأن البيئة الأمنية في البلاد اتسمت بالتعقيد في الأشهر الأخيرة، لا سيما في وسط البلاد ومنطقة الحدود الثلاثية بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

وكشف واين، أن عدد النازحين داخليا في مالي مرتفع بسبب استمرار التحديات الأمنية في البلاد، مشيرا إلى أن عددهم وصل إلى أكثر من 410 ألف شخص، إلى حدود شهر  ديسمبر 2022.

وبحسب المسؤول الأممي الذي أفاد باستمرار أنشطة العناصر المتطرفة في زعزعة الأمن في مناطق البلاد،  يحتاج 8.8 مليون مالي إلى مساعدات إنسانية، مشيرا أيضا إلى نحو مليوني طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد.

اتهامات للجزائر 

واعتبر المجلس العسكري الحاكم في بيانه الأخير، أن مسؤولية إنهاء الاتفاق الذي يعد ضروريا لحفظ استقرار البلاد إلى "التغير في مواقف بعض الجماعات الموقعة" مشيرا إلى ما اعتبرها "الأعمال العدائية" من جانب الوسيط الرئيسي الجزائر. 

ولم تعلق الجزائر إلى حدود نشر التقرير على البيان الأخير الذي يأتي في أعقاب توترات في العلاقات بين البلدين.

واستدعت الخارجية المالية، في ديسمبر الماضي، سفير الجزائر لدى باماكو لإبلاغه احتجاجا على "أفعال غير ودية" من جانب بلاده و"تدخلها في الشؤون الداخلية" لمالي. 

وقالت وزارة الخارجية المالية، في بيان حينه، إن باماكو أخذت على الجزائر خصوصا "الاجتماعات المتكررة التي تعقد في الجزائر على أعلى المستويات دون أدنى علم أو تدخل من السلطات المالية، من جهة مع أشخاص معروفين بعدائهم للحكومة المالية.

ومن جهة أخرى مع بعض الحركات الموقعة" على اتفاق 2015 والتي "اختارت المعسكر الإرهابي".

وجاء استدعاء السفير الجزائري أيضا، بعد أن استقبل الرئيس عبد المجيد تبون في الجزائر العاصمة، الإمام محمود ديكو وهو شخصية دينية وسياسية مالية بارزة ومن القلائل الذين عبروا علنا عن اختلافه مع المجلس العسكري الحاكم .

وردا على ذلك، استدعت الخارجية الجزائرية سفير مالي لدى الجزائر.

وذكّر وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، السفير الماليّ، حينها بأن كل "المساهمات التاريخية للجزائر في تعزيز السلم والأمن والاستقرار في جمهورية مالي كانت مبنية بصفة دائمة على ثلاثة مبادئ أساسية لم تَحِدْ ولن تحيد عنها بلادنا"، حسب بيان للخارجية الجزائرية.

أستاذ العلاقات الدولية الجزائري، رشيد علوش، يرى أن التوتر في العلاقات بين البلدين، نتيجة لـ"سوء تقدير للموقف من السلطات المالية تجاه الجزائر"، التي تبقى تحركاتها الأخيرة في المنطقة من منطلق دورها كـ"راعية لاتفاق السلم والمصالحة مالي".

ويوضح علوش في تصريح لموقع "الحرة"، أن التصور الجزائري للحل في مالي يقوم على ضرورة التوصل لتوافق وتسوية من خلال مصالحة وطنية وليس عبر الحل العسكري الذي جُرب في السابق ولم يحقق نتيجة مرضية للحكومة المركزية أو للحركات الطوارقية.

وشدد البيان الجزائري السابق، على "تمسك الجزائر الراسخ بسيادة جمهورية مالي، وبوحدتها الوطنية وسلامة أراضيها". كذلك، أكد "القناعة العميقة بأن السبل السلمية، دون سواها، هي وحدها الكفيلة بضمان السلم والأمن والاستقرار في جمهورية مالي بشكل ثابت ودائم ومستدام".

وجاء في البيان أيضا، أن "المصالحة الوطنية، وليس الانقسامات والشقاقات المتكررة بين الإخوة والأشقاء، تظل الوسيلة المثلى التي من شأنها تمكين دولة مالي من الانخراط في مسار شامل وجامع لجميع أبنائها دون أي تمييز أو تفضيل أو إقصاء".

في هذا الجانب، يقول علوش، إن الجزائر ستواصل التمسك والدفع بضرورة التوصل لمصالحة وطنية، من خلال إعادة العمل لجمع مختلف الأطراف الموقعة على اتفاق السلم دون أي إقصاء، أو استعمال لمنطق القوة أو السلاح.

ويضيف الجامعي الجزائري، أن بلاده لن ترفع يديها عن الملف بعد انهيار الاتفاق، مشيرا إلى أن الملف المالي يرتبط ارتباطا مباشرا بالأمن القومي للجزائر.

وردا على إمكانية تدخّل أطراف أخرى غير الجزائر للعب دور الوساطة بين الطرفين المتصارعين، يقول المحلل المالي، محمد آغ إسماعيل، إلى أن "الدولة الوحيدة التي تقبل باماكو الاستماع لنصائحها هي روسيا"، غير أنه أشار إلى أنه لا يعتقد أن الكرملين يرغب في التسوية الآن"، متأسفا  لتحول الساحل إلى "منطقة المواجهة بين روسيا والغرب وسوقا للأسلحة الروسية ولمرتزقة فاغنر".

ويؤكد على أن "الصراع في مالي تستغله أطراف إقليمية ودولية خدمة لمصالحها في الوقت الذي يعجز الماليون في الاتفاق على التفاهمات خدمة للمواطنين وللوطن".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: المجلس العسکری الحاکم فی هذا الجانب مشیرا إلى أن للسیطرة على فی أعقاب فی مالی

إقرأ أيضاً:

الاجتياح البري لجنوب لبنان.. سيناريوهات الماضي تؤرق قادة إسرائيل

مع أول بيانات حزب الله بشأن تصديه لقوات إسرائيلية خاصة حاولت التسلل إلى قرى الجنوب اللبناني واعتراف الجيش الإسرائيلي بمقتل عدد من جنوده في أول اشتباكات مباشرة مع مقاتلي الحزب، تتضح معالم الاتجاه الأولي "للعملية البرية المحددة" التي أعلنت عنها تل أبيب يوم الاثنين الماضي.

وقال جيش الاحتلال إن القوات البرية ستعمل على استهداف مقاتلي حزب الله والبنية التحتية في القرى الواقعة على طول الحدود، وفي حين أعلنت هيئة البث الإسرائيلية أن المسؤولين العسكريين والسياسيين وافقوا رسميا على "الخطوات التالية" للعملية، تبرز تساؤلات عن السيناريوهات المتوقعة لمسار العمليات البرية للقوات الإسرائيلية في جنوب لبنان.

استطلاع بالنيران

وافق القادة الإسرائيليون في وقت متأخر من مساء الاثنين على الخطط لإرسال قوات برية إلى لبنان، وقال الجيش الإسرائيلي إن قواته بدأت في عبور الحدود من أجل استهداف المواقع التي "تشكل تهديدا مباشرا للمجتمعات الإسرائيلية في شمال إسرائيل".

وجاءت التحركات الإسرائيلية البرية في أعقاب غارات مكثفة على لبنان على مدى الأسبوعين الماضيين، وأسفرت عن سقوط مئات الضحايا المدنيين، في محاولة للقوات الإسرائيلية فرض واقع جديد مع حزب الله من أجل تأمين عودة مستوطني الشمال إلى مستوطناتهم.

ورغم أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أعلن أن قواته "بدأت غارات محدودة ومحددة وموجهة ضد أهداف لحزب الله"، فإن الخطة قد تتطور إلى عملية أوسع وأطول أمدا، خصوصا مع نشر آلاف من القوات الإضافية في الشمال في الأيام الأخيرة.

وتشير طبيعة القوات والمهام الموكلة إليها ومحاولات التسلل إلى بلدات مارون الراس وكفر كلا إلى أن قوات الاحتلال تسعى لعمليات استطلاع بالنيران الحية لفحص قدرات حزب الله القتالية وإمكانية توسيع العملية البرية أو الاقتصار على عمليات خاصة ومحدودة.

وقد شكل الاشتباك الأول بين مقاتلي حزب الله والقوات الخاصة الإسرائيلية درسا قاسيا للأخيرة التي تكبدت خسائر فادحة في الساعات الأولى لعملياتها البرية داخل الأراضي اللبنانية، وأقر الجيش الإسرائيلي بمقتل 8 من العسكريين من بينهم 3 ضباط جراء تعرضهم لكمين.

من جهته، قال مركز "زيف" الطبي الإسرائيلي إنه استقبل 39 جنديا مصابا، وصلوا بواسطة المروحيات ومركبات الإسعاف العسكرية.

الجيش الإسرائيلي أقر بمقتل 8 من العسكريين بينهم 3 ضباط جراء تعرضهم لكمين (رويترز) اجتياح متدرج

وعلى الرغم من النتائج الصعبة التي سجلتها المرحلة الأولى من العمليات البرية، فمن المتوقع أن يعمد الجيش الإسرائيلي إلى تنفيذ إستراتيجية توسيع متدرج لعملياته في جنوب لبنان، فقد سبق له أن أعلن أن الفرقة 98 في الجيش بما في ذلك لواء غولاني وقوات خاصة من مختلف القطاعات قد انضمت للقوات المحتشدة في الجبهة الشمالية للمشاركة في العمليات البرية جنوب لبنان.

واستبق جيش الاحتلال الإسرائيلي إعلانه عن نيته تنفيذ عملية برية، بحملة قصف واسع لقرى جنوب لبنان، وتعرضت بلدات مارون الراس وكفر كلا وعيتا الشعب لمئات الغارات الجوية استهدفت منازل المواطنين اللبنانيين والبنى التحتية من طرق وجسور ومرافق مدنية.

وبناء على نتائج هذه المرحلة، من المرجح أن ينتقل جيش الاحتلال إلى اجتياح محدود بعمق أقل من 10 كيلومترات على طول الحدود الجنوبية للبنان، وتهدف هذه العملية إلى التأثير على قدرات حزب الله في استخدام الصواريخ قصيرة المدى ومضادات الدروع التي تستهدف القوات المحتشدة على طول الحدود الشمالية، مما يتيح لقوات الاحتلال حرية أوسع في تنظيم عمليات التموضع والحركة لتعزيز حملة الاجتياح في مرحلتها الثانية.

وفي مرحلتها الثالثة، تهدف قوات الاحتلال الإسرائيلي للوصول لنهر الليطاني الذي بات يشكل حدا فاصلا فيما تعتقد إسرائيل أنه ضروري لتفكيك بينة حزب الله القتالية خاصة الصواريخ متوسطة المدى التي يمكن لها أن تستهدف العمق "الإسرائيلي".

ويرى الاحتلال أن المنطقة الواقعة جنوب الليطاني تشكل مسرح العمليات الرئيسي لقوات الرضوان التابعة لحزب الله، والتي تعتبرها إسرائيل تهديدا استثنائيا يحي في الوعي الإسرائيلي الهزيمة والفشل الذي مني به جيش الاحتلال صبيحة السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي في غلاف غزة.

وتعد هذه المرحلة في المنظور الإسرائيلي، مساحة الحرب الرئيسية والفاصلة في تحديد اتجاه الحملة البرية ضد لبنان، ومن المتوقع أن يحشد جيش الاحتلال فرقتين إضافيتين لهذه المرحلة.

وزير الدفاع غالانت يتفقد قوات الاحتياط التي استقدمت للحدود الشمالية مع لبنان (الصحافة الإسرائيلية) سيناريوهات مفتوحة

في تجاربه السابقة، أطلق الاحتلال الإسرائيلي عمليته البرية عام 1982 في جنوب لبنان بهدف التخلص من المقاومة الفلسطينية وتفكيك بنيتها التحتية، لكن تلك العملية تحولت مع الوقت إلى عملية احتلال للجنوب اللبناني، ووصلت للعاصمة بيروت، واستمر 18 عاما.

وكانت أهم نتائج هذه العملية نشأة حزب الله بوصفه حركة مقاومة استطاعت بعد سلسلة من عمليات الاستنزاف إخراج جيش الاحتلال من جنوب لبنان عام 2000 وتعزيز وجوده في الجنوب ليشكل بعد ذلك واحدا من أهم التحديات الإستراتيجية للاحتلال الإسرائيلي.

ووجدت إسرائيل نفسها تنتقل بحكم تعقيد الواقع الميداني إلى تحول حتمي في عملياتها البرية إلى عملية برية بلا سقف وبلا نهاية وبلا إجابات نهائية عن الواقع الذي سعت لفرضه في جنوب لبنان وباء بالفشل في نهاية المطاف.

وفي عام 2006، عبرت الدبابات والمدرعات الإسرائيلية لعدة كيلومترات داخل جنوب لبنان، وفي مشهد خالد في الذاكرة العسكرية بين حزب الله وجيش الاحتلال، تصدت مجموعات الحزب المتمركزة في قرى الجنوب اللبناني لدبابات الميركافا، ودمرت عددا منها، مما شكل صدمة لجيش الاحتلال الذي أوقف عملياته البرية وانسحب بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي استند للقرار 1701.

وقد شكلت تلك التجربة أحد أهم المحددات التي يحاول جيش الاحتلال عبر الأشهر الماضية لتفاديها عبر عمليات القصف الجوي المركز.

جنود إسرائيليون يقفون خلف سلك شائك في مزارع شبعا المحتلة في جنوب لبنان (الفرنسية)

وفي السياق الحالي، فإن الأهداف التي يكررها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وغيره من القادة السياسيين والعسكريين، والتي تشمل تفكيك بنية حزب الله العسكرية وخاصة الصاروخية منها أو ما يسميه نتنياهو "منع تكرار هجوم السابع من أكتوبر"، يعني بالضرورة أن العمليات المحدودة المعلن عنها لا تفي بالغرض.

فتحقيق هذه الأهداف يتطلب سيطرة دائمة أو طويلة الأمد لمنطقة واسعة تصل إلى العمق اللبناني وقد يشمل العاصمة بيروت، وهو الأمر الذي يشكك الكثير من المراقبين بقدرة جيش الاحتلال على تنفيذه في ظل مقاومة حزب الله الذي أثبت في الساعات الأخيرة أن ما يدعيه الاحتلال الإسرائيلي أن أضعف قدراته القتالية بعد حملات القصف الجوي المكثفة محل شك كبير.

ويشير رئيس شعبة المعلومات السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، تامير هايمن، إلى ضرورة "بحث الوضع النهائي المرغوب فيه من طرف إسرائيل، وشروط الانسحاب من الميدان". ويعلل هايمن ذلك "بالأثمان الكبيرة التي يمكن أن تدفع"، وهذه إشارة مباشرة من أحد أبرز المحللين العسكريين الإسرائيليين، لعدم التناسب بين الأهداف المعلنة وطبيعة العمليات الجارية حاليا.

ورغم تقديم هايمن لما سماه "بالنجاحات الكبيرة" التي حققها جيش الاحتلال في الأيام الماضية باغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وعدد من قيادات الحزب العسكرية، فإن مسار التشكيك في القدرة على صوغ عملية محدودة وناجحة يفرض نفسه على تقييمه، حيث دعا للتصرف "بتواضع" أمام جملة التحديات التي تجلبها عملية من هذا النوع.

مصير الاجتياح في الميدان

يتضح من تصريحات المسؤولين في إسرائيل أن خيار العملية البرية بات محسوما، وتثبت محاولات التسلل خلال الساعات الماضية أن خطط التوغل بدأت بالفعل، إلا أن تحديد مصير هذه العمليات سيحدده قدرة حزب الله على التصدي للعمليات في مراحلها المتصاعدة.

وكان الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله قد أكد أن "الخيارات مفتوحة، وسنواجه أي احتمال في حال دخل الإسرائيلي بريا"، مشددا على أن قوات المقاومة جاهزة للالتحام البري.

كما أن التصعيد الناشئ بعد تنفيذ إيران لردها بتوجيه ضربة صاروخية وصفتها بالناجحة استهدف العمق الإسرائيلي وما سينتج عن ذلك من خيارات لدى الاحتلال الإسرائيلي للرد، سيشكل محددا أساسيا لطبيعة وحدود العملية البرية التي انطلقت وفقا لمعطيات لم تشمل الرد الإيراني الأخير.

كما تبقى الحرب المستمرة في قطاع غزة وما تفرضه طبيعة العمليات -التي تنفذها المقاومة الفلسطينية ضد القوات المتمركز في محوري صلاح الدين (فيلادلفيا) ونتساريم- عاملا يفرض واقعا ميدانيا على قدرة جيش الاحتلال بخوض عمليات تتطلب قوات خاصة على أكثر من جبهة وما يبنى على ذلك بنقل للقوات بين الجبهات.

فالحرب التي تقترب من إكمال عامها الأول ما زلت تفرض تحديات ميدانية وسياسية واقتصادية من المتوقع أن تتعمق في حال تورطت دولة الاحتلال في حرب استنزاف برية في جنوب لبنان وأخرى مفتوحة مع إيران.

مقالات مشابهة

  • فاغنر تؤكد لأهالي أسراها بمالي مقتلهم والطوارق ينفون
  • انهيار مدخل قرة تبة حديث الإنشاء يفضح فساد المشاريع في ديالى (صور)
  • مجموعة فاغنر تعلن وفاة أسير روسي في مالي ومتمردو الطوارق ينفون ذلك
  • أعنف من غارة نصرالله.. لحظات قاسية من ضاحية بيروت!
  • الأولمبية الجزائرية: الشائعات التي تطارد إيمان خليف لا أساس لها من الصحة
  • الداخلية: المواطنة التي أشار إليها تصريح الوزير أنهت إجراءات البصمة البيومترية في مطار الكويت ودخلت البلاد
  • جالانت: حزب الله يتلقى ضربات قاسية جدا.. ولدينا مزيد من المفاجآت
  • أربعة سيناريوهات محتملة للحرب الاسرائيلية البرية على لبنان
  • الاجتياح البري لجنوب لبنان.. سيناريوهات الماضي تؤرق قادة إسرائيل
  • السفير حسام زكي: سيناريوهات الاحتلال الإسرائيلي مكشوفة وأغراضه معروفة