بوتزباخ (ألمانيا) "د.ب.أ": ثمة أشياء كثيرة على درجة كبيرة من الصعوبة، في الحياة داخل السجون، ربما أكثرها شدة الحفاظ على علاقات السجناء، مع أهاليهم ومعارفهم. ويواجه الآباء نزلاء السجون صعوبات خاصة، حيث يفتقدون معايشة سنوات مهمة للغاية في حياة أطفالهم، ولمساعدة السجناء وأقاربهم على استمرارية العلاقات، أو إعادة بنائها عند الحاجة، أدخلت منشأة عقابية كائنة بشمالي، مدينة فرانكفورت التي تعد العاصمة المالية لألمانيا، نظاما يسمح بتخصيص أيام في الشهر للتواصل العائلي.

ويقول أحد المسجونين، إن هذا المشروع الذي يسمح له برؤية طفليه، وهما في مرحلة المدرسة الابتدائية، على أسس منتظمة ساعده على تذوق، بعض ملامح الحياة الأسرية اليومية. ويضيف إن الزيارات التي تدعمها أم الصغيرين، مزعجة من الناحية العاطفية، ولكنها في نفس الوقت رائعة، وإنه يرى أن اللقاءات مع ابنه وابنته، تسودها المشاعر الطبيعية تماما رغم الظروف والمكان، وعادة ما يحتل اللعب مركز الصدارة أثنائها.

وتنظم الأيام العائلية قسيسة السجن باربارا زوللر، ومعها اثنان من الإخصائيين الاجتماعيين، في إطار مشروع لدعم العلاقة بين الأب والأبناء، في يوم كل شهر بمنشأة بوتزباخ العقابية، كما يشارك سجنان آخران بالمنطقة في المشروع.

ويمكن للمسجونين وأطفالهم اللعب معا، والمشاركة في الأنشطة الفنية والحرفية معا، أو مجرد الدخول في حوار وثرثرة وسط جو ودود، مما يتيح الاستمتاع بقدر من الحياة الأسرية الطبيعية أثناء الزيارات، التي تتاح أيضا للمحكوم عليهم لارتكابهم جرائم خطيرة للغاية. كما تتيح الزيارات للأطفال مجالا لطرح الأسئلة، والسماح لهم بتفهم الظروف التي أدت إلى سجن آبائهم، واستيعابها كجزء من الواقع المعاش الخاص بهم. وغالبا ما تواجه أطفال وأقارب السجناء بشكل عام مشاعر العار والوصمة، وفقا لما تقوله زوللر، ومن هنا فإنه من المهم أن يكون اللقاء منفتحا، ومكرسا لرعاية الأطفل على قدر الإمكان. وتشير زوللر إلى أن الكتب تعد إحدى الوسائل، المستخدمة لمساعدة الأطفال على تفهم الوضع، وأيضا تخفيف الضغوط ومشاعر القلق. وتتذكر زوللر وهي قسيسة حصلت على تدريب إضافي، في علاج الأسرة المنتظم، حالة طفل يبلغ الخامسة من عمره، أخذ بيدها أثناء زيارة. وأشار الصبي إلى قضبان السجن بالنافذة، وقال "إنني أعلم أين أنا الآن، ولكن أمي لا تعلم". ولم تكن أم الطفل قد أخبرته حتى الآن، شيئا عن سجن أبيه، خوفا من أن يخبر الآخرين بهذه الحقيقة، أثناء تواجده في مركز للرعاية اليومية (الحضانة). وتوضح زوللر أنه برغم أنه يمكن تفهم هذا التصرف، فإنها لا تنصح بإخفاء الحقيقة، أو حتى الكذب على الأطفال على المدى الطويل. كما توضح أن الأطفال يفهمون عادة بدرجة أكبر مما يعتقده الآباء عنهم، وبعد وقوع حدث شديد التأثير مثل السجن، "فمن المهم أن يشعر الأطفال، أن بإمكانهم الاستمرار في الثقة بكل من الأبوين". ولمواجهة الأسئلة المزعجة والشائعات والإقصاء، في مركز الرعاية اليومية أو في المدرسة، توصي زوللر بالتحدث مع المدرسين أو المعلمين، وبأن يطلب منهم دعم الأطفال، والتدخل عند الضرورة. تعلم زوللر من تجاربها أنه حتى العاملين بمراكز رعاية الأطفال، توجد لديهم تحفظات أحيانا، عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع أسر السجناء. ولكسر الحواجز وزيادة الوعي باحتياجات الأبناء، دعت مؤخرا العاملين بمكتب رعاية الشباب المحلي، للقيام بجولة داخل السجن، لإلقاء الضوء على فوائد مشروع زيارة أسر المسجونين. ويتمتع الأطفال بشكل عام في ألمانيا، بالحق في التواصل مع كل من الأبوين. وعمل زوللر مع عائلات المسجونين، يتجاوز تنظيم زيارات أفراد الأسرة، فهي تقدم أيضا استشارات اجتماعية ونفسية عن طريق الهاتف، وتشرف على أطفال السجناء وتقدم لهم الدعم، عندما تكون في اتصال هاتفي مع أحد أبويهم، كما تتيح فرصا للآباء لزيارة أسرهم، وتساعد على تهيئة السجناء وذويهم للحظة انتهاء مدة العقوبة والخروج من السجن. كما أنها متاحة دوما للتحدث بعد عودة السجين من الإفراج المؤقت، وتتذكر بشكل خاص القصة التي حكاها لها أحد السجناء المفرج عنهم بشكل وقتي. ففي حالة هذا السجين، كانت أسرته تضع هدية له، في كل عام يقضيه داخل الزنزانة، تحت شجرة الكريسماس، برغم أنه لم يكن متواجدا للاحتفال مع أسرته بأعياد الميلاد، وتم الاحتفاظ بالهدايا داخل خزانة، إلى أن يأتي اليوم ويسمح للأب، بالعودة إلى منزله لأول مرة بمقتضى برنامج الإفراج المؤقت. وتكمل زوللر الحكاية قائلة، إنه عندما طلب ابن السجين منه أن يفرغ كل الهدايا دفعة واحدة في الحال، لم يعلم الأب كيف يتصرف. وتسرد زوللر قصة سجين آخر، شكا من أن أول زيارة له لمنزله كانت "مروعة" بالنسبة له، لأنه عندما وصل إلى الشقة وجد أن زوجته وأطفاله الثلاثة، كانوا يجلسون على الأريكة، دون أن يتركوا له مكانا ليجلس فيه.

وتوضح زوللر أن ما يبدو وكأنه شكوى بسيطة للغاية، بعد سنوات أمضاها في السجن، يمثل صورة على درجة كبيرة من الأهمية، تعبر عما يعانيه كثير من السجناء عاطفيا، عندما يعودون إلى أسرهم بعد الإفراج عنهم.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

سحر السنباطي: مستمرون في تنفيذ الأنشطة والمبادرات لتحسين جودة الخدمات المقدمة للأطفال

شاركت الدكتورة سحر السنباطي رئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة ، باجتماع لجنة "التضامن الاجتماعي والأسرة والأشخاص ذوي الإعاقة" بمجلس النواب برئاسة الدكتور "عبد الهادي القصبي"، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن ورئيس لجنة التضامن الاجتماعي، لمناقشة رؤية المجلس القومي للطفولة والأمومة المستقبلية على المستويين المحلي والدولي وذلك بعد صدور قانون إعادة تنظيم المجلس رقم (182) لسنة 2023. 

واستهلت الدكتورة سحر السنباطي كلمتها بتوجيه الشكر والتقدير إلى أعضاء مجلس النواب لدورهم الهام وجهودهم في إصدار قانون إعادة تنظيم المجلس والذي كان له عظيم الآثر في قيام المجلس بدوره المنوط به على الوجه الأمثل. 

وأكدت "السنباطي"  أن المجلس قد اتخذ خطوات هامة وعاجلة منذ صدور القانون تنفيذا لما جاء به، وكان على رأس هذه الأولويات البدء فى إنشاء الفروع للمجلس بالمحافظات تعزيزا لمبدأ اللامركزية وتنفيذا لمهام المجلس وفقا لاختصاصاته ولتحسين جودة الخدمات المقدمة للأطفال، بالاضافة انه جار إعادة هيكلة المجلس واستحداث بعض الإدارات التي تمكن المجلس من القيام بدوره المنوط به، كالعمل على استكمال إنشاء وتفعيل المرصد القومي لحقوق الطفل كآلية وطنية لتبادل المعلومات الخاصة بالطفولة بين الجهات المعنية ومتخذي القرار.

وقالت "السنباطي" إنه المجلس اطلق عدة مبادرات هامة خلال الفترة الماضية لزيادة الوعي المجتمعي بعدد من القضايا الخاصة بحقوق الطفل، كمبادرة #بأمان والتى تم اطلاقها في ماراثون شارك فيه أكثر من 100 طفل تحت شعار "ماراثونت"، وتأتي هذه الحملة في إطار اهتمام المجلس بتوفير بيئة رقمية آمنة للأطفال ولرفع الوعي بمخاطر سوء استخدام الإنترنت وذلك في ظل ارتفاع أعداد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي من الأطفال والمخاطر التي يتعرضون لها حال استخدامهم للإنترنت، فضلا عن الإعداد لمبادرة "غزل بنات" لمناهضة زواج الأطفال والتي ستقوم على تعليم الفتيات بالمدارس المجتمعية بعض الحرف التراثية لإحيائها.

وأكدت رئيسة المجلس، على أهمية دعم الشراكات مع الجهات المعنية لتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة والتشبيك والتنسيق مع الجهات المعنية في عدد من الملفات الخاصة بالطفل، لافتة إلى أن المجلس على علاقة وطيدة وقوية مع المجالس القومية المتخصصة لتنفيذ عدد من الأنشطة التي تدعم الأسرة والطفل وعلى رأسها المجلس القومي للمرأة والذي يجمعنا له الشراكة في رئاسة اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث.

كما تم توقيع بروتوكول تعاون مع المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة الشهر الماضي لتمكين الأمهات والأطفال ذوي الإعاقة وأسرهم، والتعاون والتنسيق مع عدد من الوزارات المعنية بقضايا الطفل كالتعليم والصحة والتضامن وغيرها، لافتة إلى التعاون الوثيق والمثمر بين المجلس القومي للطفولة والأمومة ومكتب النائب العام متمثلا في مكتب حماية الطفل والذي لا يدخر جهدا في تقديم يد العون إلى كل طفل وجهوده الحثيثة في كافة البلاغات والشكاوى الواردة له من خط نجدة الطفل 16000 التابع للمجلس. 

خط نجدة الطفل

وأضافت "السنباطي" أن المجلس القومي للطفولة والأمومة من خلال الإدارة العامة لنجدة الطفل يقوم بالتدخل العاجل لحماية الأطفال المعرضين للخطر بالتنسيق مع وحدات حماية الطفل بالمحافظات والجمعيات الأهلية الشريكة، مشيرة إلى أنه يتم تحليل دقيق للبيانات الواردة من خط نجدة الطفل للوصول إلى بعض المؤشرات الخاصة بنسب العنف الموجه ضد الأطفال، مؤكدة على الاهتمام البالغ بقياس الآثر من كافة البرامج التي يتم تنفيذها على المدى القريب والبعيد فضلا عن التقييم المرحلي أثناء التنفيذ لتحسين الأداء وقياس الجودة. 

وأوضحت "السنباطي" أنه سيتم تنفيذ برنامج تحت شعار "اعرف بلدك" وسيتم من خلاله تنظيم بعض الرحلات الترفيهية  للأطفال  لمعرفة تاريخ بلدهم، وسيتم البدء مع الأطفال داخل دور الرعاية، فضلا عن مشاركة المجلس في معرض القاهرة الدولي للكتاب بعقد عدة ندوات وأنشطة تفاعلية مع الأطفال، وإطلاق منتدى وبرلمان الطفل المصري في 4 محافظات وذلك في إطار الاهتمام بدعم حق الأطفال في المشاركة.

مقالات مشابهة

  • عالم نفس: إعطاء المسؤولية للأطفال يظهر الثقة ويبني الشخصية
  • تنصت على حكايات الجدران.. ثورة السجون في ممرات تونس
  • غزة.. عندما يصرخ الأطفال ألما
  • سماح أبو بكر عزت تكشف عن تفاصيل مبادرة “قرية كريمة للطفل"
  • لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان تطالب بدعم تشريعات حماية الأطفال
  • النواب يؤكد دعم التشريعات المتعلقة بحقوق المجلس القومي للطفولة والأمومة
  • بعد 4 سنوات من السجن.. طهران تطلق سراح ناشطة ألمانية
  • القومي للأمومة: مستمرون في تنفيذ أنشطة ومبادرات لتحسين جودة الخدمات للأطفال
  • سحر السنباطي: مستمرون في تنفيذ الأنشطة والمبادرات لتحسين جودة الخدمات المقدمة للأطفال
  • صندوق التنمية ينظم ورش ثقافية للأطفال في قرية حسن فتحي بالأقصر