الجزيرة:
2024-09-14@21:42:17 GMT

واقعية تركية أم تحوّل جيوسياسي؟

تاريخ النشر: 18th, July 2023 GMT

واقعية تركية أم تحوّل جيوسياسي؟

عكس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشكل مفاجئ التوقّعات بخصوص مسار أزمة عضوية السويد في حلف الناتو عندما أبرم صفقة مع ستوكهولم قبيل ساعات من قمة الناتو في فيلنيوس. وتعهّد أردوغان بموجب الصفقة بعرض بروتوكول ضم السويد للناتو على البرلمان التركي من أجل المصادقة عليه مقابل تعهد السويد والحلف بالعمل الوثيق مع أنقرة لمعالجة مخاوفها الأمنية المشروعة إزاء الإرهاب، وإزالة القيود التي تفرضها دول في الحلف على مبيعات الأسلحة لتركيا، فضلا عن تعهد ستوكهولم بدعم الجهود المبذولة لتنشيط عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك تحديث الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا وتحرير التأشيرة للأتراك.

إلى جانب ما ورد في الصفقة، تعهدت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالعمل على إتمام صفقة بيع تركيا مقاتلات "إف-16" F-16 وتحديث أسطولها الجوي. تُعطي هذه التعهدات انطباعا بأن أردوغان نجح في قضية توسيع الناتو بانتزاع مكاسب من الغرب أكثر مما كان يُتوقع.

رغم أن التعهدات الأميركية الجديدة لتركيا بإتمام هذه الصفقة، لعبت دورا تحفيزيا رئيسيا لأنقرة لإبرام الصفقة الأخيرة مع السويد، فإن إتمام الصفقة غير مؤكد تماما

مع استثناء البند المتعلق بالعلاقات التركية الأوروبية، الذي لا يزال من غير الواضح كيف سيتم التعامل معه، لأن الاتحاد الأوروبي لم يكن أصلا طرفا في هذه الصفقة، فإن البنود الأخرى أكثر وضوحا من حيث أطرافها وسبل تنفيذها.

في ملف مكافحة الإرهاب على سبيل المثال، اتفقت تركيا والسويد على تشكيل آلية أمنية ثنائية على أن تُقدم الأخيرة في أول اجتماع للآلية خارطة طريق لتشديد مكافحتها للإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره بما في ذلك الامتناع عن تقديم أي دعم لوحدات حماية الشعب الكردية الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني المحظور، ومنظمة غولن التي تُصنّفها تركيا إرهابية. يُشير هذا البند إلى أن أنقرة ستنتظر خطوات سويدية ملموسة في مكافحة الإرهاب قبل المضي قدما في عملية التصديق على العضوية.

فيما يتعلق بالبند الخاص بإزالة القيود على تجارة الأسلحة بين الحلفاء، فإن كون هذا التعهد صدر من حلف الناتو، فإنه ملزم لجميع دول الحلف خصوصا تلك التي تفرض عقوبات وقيودا على مبيعات الأسلحة لتركيا مثل الولايات المتحدة وكندا. رفعت كل من السويد وفنلندا بالفعل الحظر الذي كان مفروضا على بعض مبيعات الأسلحة لتركيا، في حين أن كندا لا تزال تفرض حظرا مشابها، لكنها وعدت باستئناف المحادثات مع أنقرة بشأن إزالة القيود.

القيود والعقوبات الأميركية على تركيا في مجالات الدفاع تبدو أكثر تعقيدا من حيث طبيعتها وظروفها السياسية، ومن غير المرجح أن يحدث تحول كبير عليها بموجب الصفقة. لا تزال واشنطن تفرض عقوبات على مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية بعد أن اشترت تركيا منظومة "إس-400" S-400 من روسيا في عام 2019 وأخرجت أنقرة من مشروع التصنيع المشترك لمقاتلات "إف-35" F-35.

لكن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن سعت منذ فترة إلى إيجاد مخرج للأزمة مع تركيا في هذه القضية من خلال إبداء استعدادها لبيع تركيا دفعة من مقاتلات "إف-16" ومعدات غيار لتحديث أسطولها الجوي. بالنظر إلى أن واشنطن لا تزال تُرهن إنهاء العقوبات بتخلي تركيا عن منظومة "إس-400″، وبالنظر إلى أن الأخيرة ترفض هذا الشرط، فإن صفقة "إف-16" بدت كحل وسط ومؤقت بين أنقرة وواشنطن.

رغم أن التعهدات الأميركية الجديدة لتركيا بإتمام هذه الصفقة، لعبت دورا تحفيزيا رئيسيا لأنقرة لإبرام الصفقة الأخيرة مع السويد، فإن إتمام الصفقة غير مؤكد تماما. سيتعين على إدارة بايدن إقناع المشرعين في الكونغرس بتمرير الصفقة، لكنه بالنظر إلى أن المشرعين المعارضين لها يُرهنون الموافقة عليها بمصادقة البرلمان التركي على عضوية السويد في الناتو، فإنه من غير المرجح أن تقوم تركيا بالمصادقة قبل الحصول على ضمانات واضحة من واشنطن بإتمام صفقة المقاتلات الجوية.

حقيقة أن أردوغان تجنب تقديم جدول زمني مُحدد للمصادقة على عضوية السويد في الصفقة، تخلق هامشا جديدا له للمناورة والتراجع في حال لم تف الأطراف المعنية في هذه الصفقة بالتزاماتها. إذا كانت الصفقة قد حددت مسارا واضحا لمعظم الالتزامات الأخرى مثل تشديد السويد في مكافحة الإرهاب ورفع القيود عن تجارة الأسلحة بين الحلفاء، فإن البند المتعلق بالعلاقات التركية الأوروبية يفتقر إلى آليات واضحة لكيفية تنفيذه.

نظريا، لم تتضمن الصفقة التزاما من الاتحاد الأوروبي بإعادة تحريك عملية ضم تركيا له وتحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي معها ورفع التأشيرة عن دخول الأتراك إلى دوله، لكنّ تمسك أردوغان بتحقيق هذه المطالب مقابل إتمام المصادقة على عضوية السويد يجعل من الصعب على الاتحاد الأوروبي تجاهل فعل شيء، لأن اتخاذ مثل هذه القرارات يتطلب موافقة جميع دول الاتحاد، فإن مشاكل تركيا مع اليونان وقبرص الجنوبية قد تؤدي إلى خلق إشكاليات جديدة، وتُراهن أنقرة هذه المرة على الولايات المتحدة لممارسة ضغوط على الاتحاد الأوروبي لإعادة تنشيط العلاقات التركية الأوروبية.

بينما أثارت الصفقة الكثير من التساؤلات عما إذا كانت تركيا قد شرعت في تموضع جيوسياسي جديد من خلال التقرب مع الغرب والابتعاد عن روسيا، وهو أمر لا يُمكن الجزم به، ليس فقط لأن نجاح الصفقة غير مؤكد، بل لأن أنقرة لا تزال حريصة على الحفاظ على شراكتها الحيوية مع موسكو، فإن الصفقة تكشف عن رغبة أردوغان في تحقيق 3 أهداف رئيسية.

أولا، إجبار الغرب على تبني مقاربة منسجمة معها في مكافحة الإرهاب. وثانيا، إزالة القيود على صادرات الأسلحة الغربية إلى تركيا. وثالثا الحصول على مكاسب اقتصادية من وراء تنشيط العلاقات التجارية بين تركيا والدول الغربية وتحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي وتحرير التأشيرة.

إذا ما أخذنا بعين الاعتبار هذه الأهداف الثلاثة الواضحة، فإنها ستعود بالمنفعة المشتركة على أنقرة والغرب، لكنها لن تؤدي بالضرورة إلى إحداث تحول عميق في مسار العلاقات التركية الغربية. ستبقى بعض الخلافات الرئيسية قائمة بين الطرفين، مثل الدعم الأميركي للوحدات الكردية والقضية القبرصية والخلافات التركية اليونانية المزمنة.

مع ذلك، فإن إعادة تصويب مسار العلاقات مع أردوغان تُساعد أردوغان في توفير الظروف المناسبة لإنجاح سياسته الاقتصادية الجديدة وإحداث موازنة حقيقية في العلاقات مع الغرب وروسيا. بهذا المعنى، فإن مساعي التقارب مع الغرب تُجسد واقعية أردوغان في السياسة الخارجية ولا تعكس تحولا جيوسياسيا نحو الغرب.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی العلاقات الترکیة مکافحة الإرهاب عضویة السوید السوید فی لا تزال إلى أن

إقرأ أيضاً:

خوفاً من تصادم جيوسياسي.. نظام عالمي لتتبع المعادن الحيوية

طه حسيب (أبوظبي)

أخبار ذات صلة أسواق الأسهم «تعزف» على أوتار السياسة الأمين العام للأمم المتحدة يعين مبعوثة خاصة للمياه

وسط مخاوف من تصادم جيوسياسي في ضوء ما يتعرض له العالم من أزمة مناخ والثورة الصناعية، بتقيناتها المتقدمة، لاسيما الذكاء الاصطناعي، تسعى الأمم المتحدة لوضع معايير تضمن عدم حدوث انتهاكات أو تجاوزات بيئية واجتماعية في خضم الطلب العالمي المتزايد على المعادن الحيوية بعدما باتت ضرورية لتحقيق التحول في قطاع الطاقة ومواكبة الطفرة التقنية السريعة.
أهمية كبرى تشكلها المعادن التي توصف بالحيوية وأحياناً بـ«الحرجة»، كالنحاس والكوبالت والنيكل والأتربة النادرة والسيلينيوم والكادميوم؛ لكونها تستخدم في إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية والألواح الشمسية وتوروبينات الرياح وأجهزة الحاسوب والهواتف الذكية، وتزداد الأهمية الاستراتيجية لهذه المعادن لدورها الرئيس في إنتاج الطاقة المتجددة وأنظمة الذكاء الاصطناعي الضرورية لمكافحة التغير المناخي. 
ويوم 12 سبتمبر الجاري، أوصى خبراء من الأمم المتحدة في نيويورك - يعملون ضمن «لجنة الأمم المتحدة المعني بالمعادن الحرجة» كانت قد تشكلت في أبريل الماضي - بإنشاء نظام عالمي لتتبع المعادن الحيوية اللازمة للتحوّل إلى الطاقة النظيفة، بهدف منع الارتفاع الكبير المتوقع في الطلب من زيادة الدمار البيئي، من خلال تطوير مبادئ عالمية مشتركة وطوعية لحماية المعايير البيئية والاجتماعية، وتحقيق العدالة في تحول الطاقة.
ولدى أمين عام الأمم المتحدة قناعة بأن المعادن الحيوية فرصة حاسمة للدول النامية لخلق فرص العمل، وتنويع الاقتصادات، ولكن فقط إذا تمت إدارتها بشكل صحيح. ويحدوه الأمل بأن يراعي السباق نحو تصفير الانبعاثات مصالح الفقراء، وأن ثورة مصادر الطاقة المتجددة ينبغي توجيهها نحو العدالة. 
 تشترك في رئاسة اللجنة السفيرة نوزيفو جويس مكساكاتو-ديسيكو من جنوب أفريقيا، وديتي يول يورجنسن، المدير العام للطاقة في المفوضية الأوروبية، وتركز اللجنة على القضايا المتعلقة بالإنصاف والشفافية والاستثمار والاستدامة.
اللجنة وضعت مبادئ توجيهية، أهمها: دعم التعاون متعدد الأطراف لتعزيز السلم والأمن، وضمان سلامة البيئة والتنوع البيولوجي، وتعزيز التنمية، وأن تكون الاستثمارات عادلة ومسؤولة،  وضمان الشفافية والمساءلة.

مقالات مشابهة

  • خوفاً من تصادم جيوسياسي.. نظام عالمي لتتبع المعادن الحيوية
  • أردوغان يحذر من كراهية الأجانب في تركيا ويهاجم المعارضة بشدة.. يضرون بقوتنا الناعمة
  • السويد تمنح المهاجرين 34 ألف دولار في حال العودة الى بلدانهم
  • تركيا تعلن عن فتح تحقيق بمقتل الناشطة عائشة نور برصاص إسرائيلي
  • تركيا تعلن فتح تحقيق بمقتل عائشة نور برصاص إسرائيلي
  • ملكة جمال تركيا 2024 ابنة سفير أنقرة في أوكرانيا
  • تركيا تفتح تحقيقا في اغتيال الناشطة عائشة نور بالضفة الغربية
  • بعد مقتل عائشة بالضفة.. تركيا تعتزم طلب مذكرات اعتقال دولية
  • تركيا تطالب بمذكرات اعتقال دولية بعد مقتل عائشة نور
  • خريف تركيا.. بين جدل الانقلابات ومطالبات الانتخابات المبكرة