بخطوط إمداد من ليبيا وتشاد وأوغندا.. هكذا أبقت الإمارات حرب السودان مشتعلة
تاريخ النشر: 26th, January 2024 GMT
سلط موقع "ميدل إيست آي" الضوء على تفاصيل دور الإمارات في الإبقاء على حالة الحرب الداخلية في السودان مشتعلة، مشيرا إلى حصول قوات الدعم السريع السودانية على عدد كبير من الأسلحة بدعم وتمويل من أبوظبي.
وذكر الموقع البريطاني، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن عديد الخبراء يرون أن الدعم الإماراتي هو الذي مكّن "الدعم السريع" من الاستمرار في الحرب، وساعد أبوظبي على "اللعب فوق مستواها" عبر شبكة معقدة من خطوط الإمداد والتحالفات التي لا تقتصر على السودان، بل تمتد كذلك لتشمل ليبيا وتشاد وأوغندا.
وأضاف أن مدرج "حمرة الشيخ"، وهو مهبط للطائرات في ولاية شمال كردفان بالسودان، استقبل في منتصف نهار 6 أغسطس/آب 2023، طائرة تحمل شحنةً أسلحة، واجتمع عدد من السكان المحليين حولها، والتقط أحدهم مقطع فيديو يوثق أن الطائرة البيضاء من طراز بيتشكرافت 1900، وذيل مطلي باللون الأزرق، ومملوكة لشركة Bar Aviation التي يقع مقرها في أوغندا.
ونقل الموقع البريطاني عن مصدر مطلع أن الطائرة المحملة بالأسلحة أقلعت من الإمارات وشملت حمولتها صواريخ كاتيوشا الروسية، وكانت في طريقها إلى قوات الدعم السريع.
اقرأ أيضاً
صراعات شرق أفريقيا.. نفوذ الإمارات يشعل الحرائق بالسودان والصومال
وفي السياق، قال محلل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق، كاميرون هادسون: "في البداية، كنت أقول أنا وغيري: سيكون من الصعب على قوات الدعم السريع مواصلة الصراع. لكنهم أثبتوا أننا جميعاً على خطأ، وأعتقد أن الدعم الخارجي هو الذي صنع الفارق".
وأضاف: "أعتقد أن حجم الدعم المقدم من الإمارات كبير جداً. لقد أبقاهم في المعركة، وسمح لهم بمواصلة هذا القتال دون نهايةٍ في الأفق".
وأشار الموقع البريطاني إلى تأكيد مسؤولين ودبلوماسيون ونشطاء محليين وحقوقيون من السودان والغرب لوجهة نظر هادسون، إذ سهّلت مجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة وصول الدعم الإماراتي إلى قوات الدعم السريع، خاصة صواريخ الأرض-جو، ما ساهم في إطالة أمد الصراع المسلح ولم يسفر إلا عن مزيدٍ من الفوضى في المنطقة.
مصالح استراتيجية
ونوه التقرير إلى أن قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ "حميدتي"، اختار دبي لتكون مركزاً رئيسياً لـ "إمبراطوريته التجارية"، وبات مقرباً من نائب رئيس الإمارات، منصور بن زايد، كما أن الذهب المستخرج من المناجم الخاضعة لسيطرته في دارفور يتم نقله إلى الإمارات، حيث يقيم شقيق حميدتي الأصغر، القوني دقلو.
ولدى الإمارات مصالح أخرى طويلة الأمد داخل السودان، تشمل شراء الأراضي الزراعية واستيراد الماشية، إضافة إلى سلسلة من مشروعات الموانئ بطول ساحل البحر الأحمر، بينها خطة بـ6 مليارات دولار لإنشاء ميناء في شمال بورتسودان.
ويلفت الموقع البريطاني، في هذا الصدد، إلى بعد سياسي لمصالح الإمارات في السودان، ما عبر عنه عبد الله حالقي، من منظمة Refugees International: "بقوله: "لقد عملت الإمارات على خنق ظهور الديمقراطية في المنطقة أكثر من أي دولة أخرى".
وخلال الأشهر التي سبقت الحرب في السودان، أفاد دبلوماسيون أوروبيون في شمال أفريقيا بأن المسؤولين الإماراتيين أخبروا الدول الأوروبية بأن عليها دعم قوات الدعم السريع، وذلك "إذا كانت ترغب في دعم الديمقراطية داخل السودان"، ثم بدأت تلك القوات، أواخر العام الماضي، في تبني حملة علاقات عامة تزعم تأييد الديمقراطية.
ومع بزوغ فجر العام الجديد، التقى حميدتي برئيس الوزراء السوداني السابق، عبد الله حمدوك، في أديس أبابا وتعانقا، ما قدم مؤشرا على تعاون بينهما، إذ يعيش حمدوك الآن في الإمارات، كما أن مركز أبحاثه المُسمى بـ"المركز الأفريقي للتنمية والاستثمار" مسجل هناك.
إدخال الأسلحة
ولأن الجيش يُهيمن على المجال الجوي السوداني، كان التحدي الذي يواجه قوات الدعم السريع، منذ اندلاع العرب، هو تأمين خطوط الإمداد، وهو ما عملت الإمارات على مواجهته، عبر توفير الإمدادات وتوصيلها عبر قوات الجنرال الليبي، خليفة حفتر، حسبما نقل الموقع البريطاني عن مسؤولين في جنوب ليبيا ومصادر مقربة من قائد قوات شرق ليبيا.
وحدّدت تلك المصادر سلسلةً من القواعد الجوية الليبية الرئيسية التي يجري نقل البضائع منها إلى جمهورية أفريقيا الوسطى جواً، ثم نقلها بالسيارات إلى دارفور براً.
اقرأ أيضاً
توتر متصاعد بين الإمارات والجيش السوداني.. ومصالح البحر الأحمر تمنع قطع العلاقات
وفي السياق، ذكر المحلل السياسي، جلال حرشاوي، أن عائلة حفتر كانت حريصةً على الحفاظ على "شبكات التجارة غير المشروعة القائمة بين السودان وشرق ليبيا"، مشيرا إلى أن تلك الشبكات شملت: الوقود، والكبتاجون، والحشيش، والذهب، والسيارات المسروقة، والاتجار في البشر.
وفي هذا الإطار، بدأت عائلة حفتر "في إرسال المساعدات" إلى قوات الدعم السريع، لكن مع اشتداد وطيس الحرب، تغيّرت طرق الإمداد التي كانت تنطلق من ليبيا بسبب المراقبة الدولية. حيث فرض مجلس الأمن حظر تسليح على غرب السودان، ثم جدّد قراره في مارس/آذار الماضي.
وأوضح الباحث في الشؤون الأفريقية، موسى تيهوساي، إن الدعم العسكري الذي ينطلق من شرق وجنوب ليبيا إلى السودان كان يمر في الأغلب عبر مجموعة فاجنر، حيث كانت المجموعة تنقل الأسلحة المتطورة والمعدات العسكرية، مثل صواريخ "سام-7" والأنظمة المضادة للصواريخ، عبر الشحن الجوي من مدينة الكفرة.
وأضاف: "كانت طريقة العمل تتغير باستمرار. وكانت أحجام الشحنات تختلف أيضاً. ولم تتوقف المساعدات فعلياً، فلطالما كانت نية الإمارات وروسيا هي ضمان انتصار حميدتي، وذلك منذ اليوم الأول".
جيران السودان
ولدى إقليم دارفور، غربي السودان، حدود مع تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى أيضاً، وفي الأخيرة تعتمد حكومة الرئيس، فوستان آرشانغ تواديرا، على قوات فاجنر من أجل الدعم العسكري في قتالها ضد المتمردين.
وصرحت مصادر معارضة في أفريقيا الوسطى بأن مرتزقة فاجنر تورطوا في نقل الأسلحة عبر الحدود إلى قوات الدعم السريع في دارفور، وكانت تلك الإمدادات تأتي من ليبيا جواً في بض الأحيان، وليس دائماً.
ولفت هادسون إلى أن الإماراتيين سعوا إلى تغيير موقف حكومة تشاد التي كانت تخشى زعزعة الاستقرار نتيجةً الحرب على حدودها، وترى في قوات الدعم السريع جماعةً قد تساعد على تغيير النظام الحاكم لديها، ورتبوا لقاء بين القائد العسكري والرئيس الانتقالي لتشاد، محمد إدريس ديبي، مع أحد مستشاري الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، وشقيق حميدتي وذراعه اليمنى، عبد الرحيم دقلو، وذلك في العاصمة أنجمينا، مطلع شهر يوليو/تموز.
وعرضت الإمارات على ديبي "أكثر من مليار دولار" مقابل "تبديل موقف تشاد نحو دعم قوات الدعم السريع" بحسب هادسون، مشيرا إلى أن هذا المبلغ كان سببا في تحول مدينة أم جرس التشادية النائية، التي تنحدر منها عائلة ديبي، إلى "منطقة مزدهرة"، خلال صيف 2023.
اقرأ أيضاً
في مواجهة دعم الإمارات لحميدتي.. مصر تسلم الجيش السوداني طائرات بدون طيار
وحتى الـ30 من سبتمبر/أيلول، سجلت منصة Gerjon لتتبع الرحلات الجوية 109 رحلات شحن انطلقت من الإمارات وتوقفت لفترة وجيزة في عنتيبي بأوغندا، قبل أن تحلّق مرةً أخرى متجهةً إلى أم جرس.
وتحوّلت أم جرس إلى قلبٍ نابض "لعملية سرية متقنة" تديرها الإمارات لدعم قوات الدعم السريع "عبر توريد الأسلحة والمسيَّرات القوية، وعلاج المقاتلين الجرحى، ونقل الحالات الأكثر خطورة إلى واحدةٍ من مستشفياتها العسكرية"، حسبما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
لكن الرحلات الجوية من أوغندا إلى تشاد كانت قابلةً للتتبع، ولهذا تحاول قوات الدعم السريع وداعميها نقل الشحنات إلى المجال الجوي السوداني حتى يستعصي تعقبها، بحسب "ميدل إيست آي".
رحلات أوغندا
وهنا يلفت الموقع البريطاني إلى أن رحلة بتاريخ 6 أغسطس/آب الماضي إلى شمال كردفان كانت جزءاً من الجهود المبذولة لإرسال الإمدادات جواً إلى داخل السودان مباشرةً، وحطّت تلك الطائرة بنجاح، لكن الضربات الجوية من الجيش السوداني بعدها بأيام أنهت العمل على هذا الخط حتى نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما عاود الجيش قصف "حمرة الشيخ" مجدداً لقناعته بأن قوات الدعم السريع عادت لإرسال طائرات الإمداد من جديد.
وكانت الطائرة الظاهرة، في الفيديو الذي وثقه أحد سكان شمال كردفان، مملوكةً لشركة Bar Aviation التي يرأسها باراك أورلاند، وهو رجل أعمال إسرائيلي يعيش في أوغندا منذ نحو عقدين، ومقرب من عائلة الرئيس الأوغندي، يويري موسيفيني.
لكن محامي حقوق الإنسان الأوغندي، نيكولاس أوبيو، قال للموقع البريطاني: "لقد تحدثت إلى العديد من الأشخاص الذين يُعرِّفون أورلاند على أنه تاجر أسلحة".
وقال إيهود يعاري، المحلل الإسرائيلي الذي شغل منصب مستشار شؤون السودان سابقاً، إن شركة Bar Aviation سيّرت رحلات جوية من أوغندا إلى شرق تشاد أيضاً، مضيفا: "هناك شك في أن تلك الرحلات كانت تحمل إمدادات من الإمارات".
وأردف يعاري أن "التعاملات التجارية بين حميدتي والأوغنديين تتماشى مع حجم المساعدة المالية التي تقدمها الإمارات لتشاد".
فيما أكد أوبيو أنه في حال استخدام الإمارات طائرات Bar Aviation لإرسال الأسلحة إلى السودان، فمن المستحيل أن يحدث ذلك دون علم الرئيس موسيفيني.
اقرأ أيضاً
نيويورك تايمز: الإمارات تغذي الحرب في السودان سرا وتدعو علنا لتسوية سلمية
المصدر | ميدل إيست آي/ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الإمارات السودان حميدتي أوغندا خليفة حفتر ليبيا إلى قوات الدعم السریع من الإمارات فی السودان اقرأ أیضا إلى أن
إقرأ أيضاً:
فك الخلاف ما بين تحالف السودان التأسيسي و”الديمقراطيين السودانيين” والدعم السريع
بقلم: على كمنجة
تواصل معنا العديد من الأصدقاء بشأن الخطوة التي أقبلت عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ، بتوقيها على ميثاق السودان الجديد التأسيسي ، مع عدد من الأحزاب السياسية، والدعم السريع .
وأغلب المتواصلين كانو من المؤيدين للخطوة بقوة. بينما البعض ، وهم موضوع هذا المقال ، انتقدوا موقف الحركة الشعبية ، مقدمين بعض الحُجج ، أهمها حُجتين :
الحُجة الأولى : يقولون فيما معناه " أن الحركة الشعبية كان الأصح أن تحتفظ بتحالفاتها مع القوى الديمقراطية ، بدلا من تأسيها لتحالف جديد يتكون من عناصر مشكوك في ديمقراطيتها - حسب قولهم " .
اما الحجة الثانية : " لماذا تتحالف الحركة الشعبية مع الدعم السريع الذي يعتبر " حسب قولهم ايضا " مسؤولا عن الانتهاكات التي ارتكبت ضد المواطنين خلال حرب ١٥ ابريل الجارية.
وفي هذا المقال نريد ان نناقش هاتين الحُجتين بشئ من الحكمة ، وبعقل مفتوح ، عسى ولعل أن نضفي نوع من " الموضوعية " على النقاشات التي دارت حول هذا الأمر خلال الفترة السابقة
اولا : حسب ما درج في السودان ، فأن وصف " الديمقراطيين " يطلق على القوى التي قاومت شمولية الإنقاذ طوال فترة حكمها ، ابتداءا بالتجمع الوطني الديمقراطي ، الذي أُسس في تسعينيات القرن الماضي ، ومرورا بتحالفات الإجماع الوطني ، والفجر الجديد ، والجبهة الثورية ، ونداء السودان ، حتى تحالف الحرية والتغير .
وبالرغم من ان مصطلح " الديمقراطيين " يستخدم للاشارة الى القوى السياسية والمجتمعة التي تعمل من أجل تعزيز الديمقراطية في السودان ، لكن في حقيقة الامر هذه القوى يوجد بداخلها تباينات حول " تصور الديمقراطية " الذي يختلف من حزب لأخر .
الحركة الشعبية شمال مثلا ، تعتبر أنه لا وجود للديمقراطية بدون فصل الدين عن الدولة ( العلمانية ) ، بينما هناك قوى اخرى لم تحسم أمرها بعد بشأن هذه القضية .
وهناك العديد من القضايا الأخرى لا تزال غير متفق حولها ،كقضية العدالة الانتقالية / والعدالة التاريخية ، واسباب المظالم التاريخية التي وقعت ضد شعوب معينة في السودان ، وتماهي الدولة القديمة مع علاقات القرابة ، بدلا من علاقات المواطنة ، والكثير من التفاصيل الأخرى، التي ظلت محل خلاف بين " الديمقراطيين " طوال الثلاثين عاما الماضية .
وبالتالي فأن ادعاء أي طرف بأنه صاحب " الجلد والرأس " الوحيد للقوى الديمقراطية ، يعتبر ادعاء باطل ، وهذه ليست المرة الأولى التي تتباين فيها مواقف القوى الديمقراطية ، على سبيل المثال ، عقب اندلاع الثورة الشعبية الظافرة في ديسمبر ٢٠١٨ ، واطاحتها بنظام البشير ، اعتبرت الحركة الشعبية شمال أن سقوط نظام الأسلاميين في السودان يمثل لحظة تاريخية وفرصة لمعالجة أزمات الدولة ، التي تتجلى في العلاقة الملتبسة بين " الدولة والمجتمع " ، وعندما نقول المجتمع نعني بذلك الشعوب السودانية المتنوعة التي تقطن في داخل الحدود الجغرافية للسودان الحالي ، وايضا العلاقة الملتبسة بين الدين والدولة ، وبين القبيلة والدولة ، وبين الثقافة والدولة ، بين الحكومة والدولة ، وما تسببت فيه هذه الألتباسات من كوارث ، أدت إلى تعثر الديمقراطية في السودان ، واشعال الحروب الأهلية ، وتصدع لُحمة النسيج الوطني الذي يجمع بين السودانيين على أسس العدالة والمساواة .
لكن القوى المحسوبة على " الديمقراطيين السودانيين " والتي تشكلت في تحالف " الحرية والتغير " ذهبت في اتجاه مختلف تماما ، بقبولها للشروط التي وضعها المجلس العسكري حينها ، والتي اشترطت عدم المساس بطبيعة الدولة القائمة ، بالرغم من الاختلالات الفاضحة التي تقوم عليها هذه الدولة كما اسلفنا .
وقد رأئينا كيف سكتت اعداد كبيرة من " الديمقراطيين " عن الإجراءات الأنتقالية المهمة التي من شأنها أن تضع حدا " للدولة القديمة " القائمة على " اخضاع " الشعوب السودانية عبر العنف المفرط .
بالرغم من كل ذلك ، لم يحدث أن وصفت الحركة الشعبية شمال هذه القوى بأنها فارقت طريق الديمقراطية ، كما يصف الان البعض الحركة الشعبية بعد مشاركتها في تحالف السودان التأسيسي .
اضافة الى ذلك ، لا اعتقد اننا مضطرين بأن نُذًكر البعض " ان الشعب السوداني لم يعد في ذاك العصر الذي يمتلك فيه شخص واحد " مفاتيح التحالف الديمقراطي " في جيبه ... هذا زمانا ولى ولن يعود ".
أن تحالف قوى السودان التأسيسي يجمع في طياته قوى وطنية وديمقراطية وثورية لا تقل شأنا عن الديمقراطيين السودانيين الآخرين ، ولذلك فأن المزايدات والاتهامات العبثية ، والتشكيك في مواقف وتقديرات الأخرين ، لن تفيد بشئ ، وانما ما يفيد هو توجيه جهودنا نحو هدفنا المشترك كقوى تؤمن بضرورة تعزيز الديمقراطية في السودان ، بالرقم من التباين في المواقف ، التي يمكن ان نقلصها عبر معالجة قصورنا الذاتي ، و الاستمرار في الحوار فيما بيننا .
اما ما يتعلق بمشاركة الدعم السريع ، كعضو مؤسس في تحالف قوى السودان التأسيسي " تأسيس ) ، والحديث الكثيف الذي صاحب ذلك ، يجب أن نتفق اولا أن الدعم السريع حتى صبيحة ١٥ ابريل ٢٠٢٥ كان طرفا في حكومة السودان الانتقالية ، وقبل ذلك كان طرفا في الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس ٢٠١٩ ، وقبلها كان طرفا في تطورات الأحداث بعد إسقاط نظام البشير ، التناقض الوحيد الذي أثير وقتها ، هو وجود الدعم السريع كقوى منفصلة عن الجيش ، وهو ما تشكل على اثره توافق سياسي بضرورة مشاركة الدعم السريع في العملية السياسية المفضية إلى ادماجه في القوات المسلحة السودانية ، بالتالي فأن مسألة عزل الدعم السريع من العملية السياسية الانتقالية تعتبر قضية غير مطروحة من ضمن الاجندة ، على الاقل في حقل القوى الديمقراطية ، وهذا ما يهمنا .
ثانيا : الدعم السريع ليس حزب سياسي ، وهو بنفسه، لم يقول انه حزب سياسي ، وبالتالي فأن التسأولات التي يطرحها البعض حول ، كيف الحركة الشعبية شمال تعقد تفاهمات مع تنظيم ليس لديه رؤية سياسية معروفة ولا منفستو ولا هياكل تنظيمية ، تصبح تساؤلات لا مكان لها من الأعراب .
حقيقة الأمر هي أن الدعم السريع كان طرفا في حكومة الأمر الواقع في السودان ، التي تفاوضت معها الحركة الشعبية شمال حول السلام ، في عدد من الجولات منذ العام ٢٠١٩ ، والحرب التي اندلعت في ١٥ ابريل هي حرب بين طرفي المكون العسكري لحكومة الأمر الواقع ، وفي هذا السياق فأن الدعم السريع لا شك انه يلعب دور رئيسي في إيقاف الحرب وتحقيق السلام على مستويين ، المستوى الأول إيقاف حرب ١٥ ابريل المستمرة بينه وبين الجيش ، والمستوى الثاني إيقاف الحروب المستمرة في السودان منذ سنوات سبقت حرب ١٥ ابريل ، في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ، وكل هذه العمليات تتحرك ضمن اطار أوسع يعمل من أجل وقف الحروب وتحقيق السلام في السودان ، تشارك فيه بأشكال مختلفة قوى داخلية ، وقوى اقليمية ودولية .
في هذا السياق تتحاور الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ، مع الدعم السريع ، ومع جميع المكونات السياسية والمجتمعية الأخرى ، لأحلال السلام في السودان ، وللمعلومية أن الحركة الشعبية شمال ظلت منفتحة منذ العام ٢٠١٩ ، على الحوار مع المكونات التي ساهمت في ثورة ديسمبر المجيدة ، سوى كانت القوى السياسية الديمقراطية ، او المكون العسكرى ، او مجموعات المقاومة النقابية و الشعبية المستقلة ، إلى أن تتوج ذلك بميثاق قوى السودان التأسيسي " تأسيس " ، الذي خاطب القضايا الجذرية للأزمة في السودان .
هذا ما يتعلق بدور الدعم السريع ، وموقعه في العملية السياسية الانتقالية المقبلة في السودان ، والذي ذكرنا انه ليست محل اختلاف ، إلا لمن أراد ان " يختلق " اختلافا من العدم ، وبالتالي لا أحد يمكن ان يزايد على الحركة الشعبية شمال في هذا الأمر ، اما اؤلئك الذين يحاولون شن سهامهم تجاه تحالف قوى السودان التأسيسي عبر بوابة انتهاكات حرب ١٥ ابريل ، التي يحملون مسؤوليتها ( بضربة واحدة ) للدعم السريع ، فهؤلا إما خصوم ، ممن يهدد الميثاق التأسيسي امتيازاتهم غير المشروعة ، وهؤلا في الغالب هم كيزان او متملقين / انتهازيين مستفيدين من الحرب .
او إما ضحايا للخطاب السائد الذي تبثه الأجهزة الدعائية لجيش البرهان ، وهو خطاب مسموم ، مقصود به دق طبول الحرب تحت رايات العنصرية والكراهية التي ستحرق " البيت " على رؤوس الجميع .
هناك الكثير من " المسكوت عنه " .بشأن انتهاكات حرب ١٥ ابريل ، ومن مصلحة وطننا أن لا نغمض أعيننا عن ذلك . كما يعلم الجميع ، ان اغلب هذه الانتهاكات حدثت في ولايتي الخرطوم والجزيرة ، وهي من أكثر الولايات في السودان التي تظهر فيها تقسيمات المجتمع الطبقية متماهية مع التقسيمات الاثنية والقبلية في السودان بشكل صارخ ، وتظهر الفوارق في نوعية العيش بين الاحياء الفارهة التي تقطنها مكونات اجتماعية بعينها ظلت تتمتع بميزات اقتصادية وسياسية أفضل ، والحواري والكنابي التي تقطنها مجموعات مهمشة ظلت لسنوات طويلة يمارس ضدها ظلم شنيع تحت سمع ونظر الدولة ، فماذا يمكن ان نتوقع بأن يحدث بعد ان انهار الجيش والشرطة والأمن من أول طلقة .
الدعم السريع نفسه كان جزءا من مؤسسات حفظ الأمن وحماية ممتلكات المواطنين ، ولكن هذه المؤسسات بما فيها الدعم السريع والجيش وغيرها ، تشظت ودخلت في حرب فيما بينها .ولذلك من منظورنا أن مسألة الأنتهاكات التي تعرض لها المواطنين خلال حرب ١٥ اكتوبر كانت نتيجة لأزمة الدولة نفسها ، التي انهارت أجهزتها في غمضة عين ، في ظل وضع اجتماعي ملئ بالمظالم ، وقابل للانفجار في اي لحظة ، وليس كل من سرق ونهب هو من الدعم السريع ، هذه حقيقة بائنة للعيان ، الا من كان في عينه رمد .
شئ آخر ايضا ، ما يتعلق بالانتهاكات ونهب ممتلكات المواطنين التي حدثت في ولاية الجزيرة ، وسنار وسنجة هل المسؤول عنها قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو " حميدتي " ، ام ابوعاقلة كيكل قائد قوات " درع السودان" التي كانت موالية للجيش عند اعلانها ، ثم اصبحت فيما بعد مع الدعم السريع ، و هزمت الجيش في هذه المناطق ؟؟ .
واين يصطف " كيكل " الآن؟؟ .
لذلك ، فأن المشلكة لم تبدأ مع الدعم السريع ، بل هي مشكلة قائمة في عضم الدولة القديمة منذ سنين خلت ، وعلينا ان نتذكر أن ممارسات النهب والانتهاكات ضد المدنيين ظلت ترتكب ضد السودانيين في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ، وقبلها جنوب السودان طوال السبعين عاما الماضية ، وحينها لم يكن الدعم السريع موجودا .
اغلب سكان هذه المناطق أخذتهم دوامة النزوح واللجوء اللعينة ، لا يتحدثون عن " منزل او مكان أقامة " من اساسه ، فذلك عندهم نوع من الترف .
هاولاء ايضا هم اُسر واطفال وأباء وامهات ، فقدوا كل شئ قبل اربعين وثلاثين عاما ، مثلما فقدت اُسر ومجتمعات وسط السودان " الخرطوم والجزيرة ، ممتلكاتهم ومنازلهم خلال حرب ابريل الجارية حاليا ، فكل هذه المآسي هي نتائج للحرب ، واذا اردنا معالجة ذلك يجب مخاطبة أسباب الحرب ، بدلا من البكاء على النتائج .
اخيراً وليس اخراً ، ان مشروع السودان الجديد التأسيسي " تأسيس " كما اسلفنا ، هو مشروع يستهدف " قلب قواعد اللعبة " chang the game ، وبالتالي فهو لا يتماشى مع اهواء عقلية " تكرار التجارب الفاشلة " the train track " ، لذلك فأن هذا المشروع ربما يأخذ وقتاً ، لكنه على أي حال لن يسرق سبعين عام أخرى من عمرنا .
ولنا عودة
aosman@alhagigasouthsudan.com