خطيب المسجد الحرام: العقل نعمة من الله لمن أراد تكريمه
تاريخ النشر: 26th, January 2024 GMT
قال الشيخ الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن العقلُ أصلُ المعرفة، ومادةُ الفهم، وينبوعُ العِلم، ومَرقاةُ الأدب، به تَظهرُ الحقائق، وتَلُوحُ الخَفِيات، وتُوزَنُ الأمور، وتُكتسبُ الفضائل.
العقل نعمةوأوضح " بليلة" خلال خطبة الجمعة الثانية في رجب اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أن العقل هو نعمةٌ يُنعِمُ اللهُ بها على مَن أراد كرامتَه مِن عباده، وقَضى له بحُسن العاقبة في مَعاده، قال تعالى: (لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) الآية 164 من سورة البقرة ، وقال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى) الآية 54 من سورة طه .
واستشهد بما قال تعالى: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) الآية 5 من سورة الفجر ، أي: لذي العقل والنُّهى، كما أن العقلُ نورٌ في القلب كنور البصرِ في العين، يَنقُصُ ويزيد، ويذهبُ ويعود، يُدرِكُ به المرءُ الأشياءَ على ما هي عليه مِن ماهية مَبانيها، وصحةِ مَعانيها، ويُصيبُ الرأيَ الصواب، ويُدركُ البيان، ويمتنعُ عما لا يَجْمُل، فهو في سَداد ورَشاد وإمداد.
وتابع: حيث قال عمرُ رضي اللهُ عنه: (أصلُ الرجلِ عقلُه) وقيل لعبدِالله بنِ المباركِ رحمه الله: (ما خيرُ ما أُعطيَ الرجل؟ قال: غريزةُ عقل) وقال الحسنُ البصريُّ رحمه الله: (ما تمَّ دينُ عبدٍ قطُّ حتى يَتِمَّ عقلُه)، منوهًا بأن للعقل أماراتٌ على صاحبه، وصفاتٌ تدُل عليه، فأولُ صفاتِ العاقلِ العقلُ عن الله تعالى في أمره ونهيه، والإيمانُ به، والاتباعُ لرُسُله.
ودلل بما قال تعالى: (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ) الآية 19 من سورة الرعد ، وقال تعالى عن أصحاب النار عِياذًا به منها: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) الآية 10 من سورة الملك ، مشيرًا إلى أن العاقلُ لا يُقدِّمُ عقلَه على النقل.
وأضاف : ولا يُخضِعُ الشرعَ تبعًا لرأيه، فلا يَسلَمُ إسلامُ العبدِ إلا بالتسليمِ التامِّ لنصوص الوحيين الشريفين، والإذعانِ لهما، والعملِ بهما، حيث قال الزُّهريُّ رحمه الله: (مِن الله الرسالة، وعلى رسول الله ﷺ البلاغ، وعلينا التسليم) وقال ابنُ القيم رحمه الله: (كلُّ مَن له مِسْكةٌ من عقل يعلمُ أن فسادَ العالمِ وخرابَه إنما نشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل).
العاقل يتأمل ملك اللهونبه إلى أن العاقلُ يتأمُّلُ في مُلك الله وملكوته، ويتدبرُ آياتِه ودلائلَ قُدرته، فقال تعالى: (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)) من سورة الجاثية.
وأفاد بأن العاقلُ لا يُؤثِرُ اللذةَ العاجلة، ولا يُقدِّمُ المتعةَ الزائلة؛ لأنه يعلمُ أن الدنيا ظِلُّ غَمام، وحُلُمُ مَنام، لا تُبقي على حالة، ولا تخلُو من استحالة، السكونُ فيها خَطَر، والثقةُ بها غَرَر، والإخلادُ إليها مُحال، والاعتمادُ عليها ضلال”، حيث قال تعالى: (وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) الآية 60 من سورة القصص.
واستند لما قال تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) الآية 32 من سورة الأنعام، كما من صفات العاقل حُسْنُ السمت، وطولُ الصمت، وعدمُ الابتداءِ بالكلام إلا حينَ السؤال، وعدمُ الجوابِ إلا عند التثبُّت. والعاقلُ لا يَستحقرُ أحداً، ولا يَخفى عليه عيبُ نفسِه؛ لأن مَن خَفِي عليه عيبُه خَفِيت عليه محاسنُ غيره.
وأشار إلى أن العاقلُ إذا عَلِم عَمِل، وإذا عَمِل تواضع، وإذا نظرَ اعتبر، وإذا صَمَت تفكر، وإذا تكلم ذَكر، وإذا أُعطيَ شكر، وإذا ابتُليَ صبر، وإذا جُهِل عليه حَلُم، وإذا سُئل بَذل، وإذا نطق صدق ، لافتًا إلى أن العقلُ نعمةٌ من الله كُبرى، ومِنحة عُظمى، حقيقةٌ بشُكرِ الله وحَمْده، ومِن شُكره سبحانه حفظُه مما يُكدِّرُ صَفوَه وصَفاءَه، ويُعكِّرُ نورَه ونقاءَه، ومِن ذلك الهوى، فهو للعقل مُضاد، وللخير صاد، وهو مَركبٌ ذميمٌ يسيرُ بالإنسان إلى ظُلُمات الفتن، ومَرْتَعٌ وخيمٌ يُقعِدُه في مواطن المحن، حيث قال تعالى: (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين).
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: إمام و خطيب المسجد الحرام خطيب المسجد الحرام بليلة خطبة الجمعة من الحرم المكي العقل نعمة قال تعالى رحمه الله حیث قال من سورة ع ق ل ون ن الله إلى أن
إقرأ أيضاً:
يضمن لها عزها.. خطيب المسجد النبوي: خضوع الأمة للتوجيهات الإلهية والعمل بسنة النبي
قال الشيخ حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ، إمام وخطيب المسجد النبوي، إن خضوع الأمة الإسلامية للتوجيهات الإلهية وطاعتها لربها والعمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وتزكية النفوس وتنقيح الأفكار والأخلاق بما حمله الإسلام هو ما يضمن لها عزها وصلاحها.
يضمن لها عزهاوأوضح “ آل الشيخ” خلال خطبة الجمعة الثانية في جمادي الأول اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة، أن الإسلام في مصادره وأهدافه حدد الهدف الأسمى للإنسان ليحقق العبادة الشاملة لله، وسنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم.
واستشهد بما قال الله سبحانه وتعالى : «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ » أي أن الله لا يغير ما بقوم من عافية ونعمة فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم حتى يغيروا ما بأنفسهم، منوهًا بأن الواجب على المسلمين القيام وفق الإمكانيات لحفظ الأمن وسلامة المجتمع.
العودة إلى وحدة الصفونبه إلى أن الجميع مسؤول أمام الله عز وجل ، كما أن الإدراك التام علاج لمشاكل الحياة والتغيير الهادف لسنن الحياة، والتوكل على الله والاعتصام بالله، مشيرًا إلى أن أعظم ما يجب على المسلمين أن يعيدوا النظر في أحوالهم ويراقبوا الله في جميع الأمور وأحوالهم والعودة إلى وحدة الصف واجتماع الكلمة والحرص على أخوة الدين والتعاون على حفظ الأوطان وسلامة المجتمع.
وأفاد بأن استبصار أسباب الهدى والفلاح يؤدي إلى العزة والسعادة والصلاح، مشيرًا إلى أن آيتين من كتاب الله متى أدرك مفهومهما بوعي وإدراك، تدلان على سبل الهداية تنير للأمة مواطن السلامة ومقومات الأمن وعناصر النجاة.
وأضاف : ورسمت طريق الخلاص من أسباب الهلاك والشقاء قال تعالى «ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ».