الكتاب: الفكر العربي بعد العصر الليبرالي نحو تاريخ فكري للنهضة
الكاتب: دجنس هانس ـ ماكسوايس ـ ترجمة فؤاد عبد المطلب
الناشر: مؤمنون بلا حدود للنشر و التوزيع ، المغرب ولبنان، الطبعة الأولى 2019.
عدد الصفحات 726 من القطع الكبير

يقول الباحثان دجنس هانسن وماكس وايس: "في عام (1924)، أجرت الجامعة الأمريكية في بيروت  مسابقة في مجال كتابة مقالة طلابية حول (أسباب النهضة العربية في القرن التاسع عشر)، وكان على الفائز بجائزة (هاوارد بليس) الطالب البالغ من العمر (22) سنة، أنيس نصولي، أن ينشر مقالته الرمزية على نحو متسلسلٍ في مجلات الجامعة الأمريكية في بيروت وجامعة القاهرة المحلية قبل نشرها بصفة كتاب دراسيّ واسع الانتشار عام (1926)، وكان وصف نصولي للنهضة أكثر تطوراً بكثير من قصص زيدان المتعلقة بالسيرة، وتوقِّعَ، على نحوٍ ما، مفهوم حوراني، ومهّدت أوصاف السفر لمستشرقي التنوير الكونت دي فولتي وجان لويس بوركهاردت الطريق لكتابه، وجرى سردُ احتلال نابليون لمصر من عام (1798) إلى (1801)، والصعود اللاحق لمحمد علي باشا وفق رواية المؤرّخ المصري عبد الرحمن الجبرتي، واندمج دور المبشرين الأجانب في تأسيس المدارس وآلات الطباعة في تحليلٍ كان مميزاً، لتقسيمِهِ ذلك  إلى فصولٍ تدورُ حول مؤسسات ثقافية جديدة: (الصحافة والمنشورات)، (الجمعيات الأدبية والعلمية)، (المكتبات العامة)، (المستشرقون والنهضة)، (المسرح) و(الهجرة).



وخلال السنة نفسها، التي نُشر فيها كتاب نصولي الدراسي حول النهضة، نشرَ طه حسين (1889 ـ 1973) كتابَه المؤثر (في الشعر الجاهلي)، الذي تحدّث عن موضوع يتعلق بكون العديد من القصائد العربية الكلاسيكية المنسوبة إلى (عصر الجاهلية) كتبت في الحقيقة بعد ظهور الإسلام، وسبَّبَ هذا الكتابُ ضجّة هائلة، واتُّهِم حسين بالكفر بسبب الشكوك العلمية التي صبَّها على الطبيعة القدسية للقرآن، وأنذرت بإمكانية تحريض عصيان شعبي، وكان طعنُ حسين ودفاعه اللاحق سيمزق (جدلياً وبشكل كلي) الانسجام والتوفيقية اللذين ميّزا النهضة بعد التصدعات المتقطعة التي ظهرت علناً، وكذا عند نشر كتابٍ فرح أنطون (فلسفةُ ابن رشد) عام (1903)، وكتاب علي عبد الرازق (الإسلامُ وأصولُ الحكم) عام (1924)."(ص 51)

في سياق هذا الجدل حول تاريخية النهضة العربية، جاهد المؤرخ المغربي عبد الله العروي (ولد عام 1933) من أجل استعادة  التقليد الليبرالي العربي للنهضة في عمله المؤثر (أزمة المثقفين العرب: تقليدية أم تاريخانية؟)، ونشر لأول مرَّة باللغة الفرنسية عام 1974، ودمج مفهومُهُ التاريخاني الماركسية بالليبرالية، وبتحديد أصول وعي النهضة في منتصف القرن التاسع عشر، رسّخ ترابطًا بين الإنتاج الثقافي العربي وتوسع الرأسمال المنظم عبر البحر المتوسط.

وناقش العروي موضوع كون النظرية النقدية يمكنها مواجهة الاستعمار بحقائق سجلَّها التاريخيّ القاسية، والتي لها علاقة بالشراسة الاقتصادية واللغوية على نحو أفضل من أي بدائل انهزامية في عصره، وقد قام بذلك بشكل خاص حين ردَّتْ النخب  القومية، في المغرب على سبيل المثال، على العنف الاستعماري عن طريق محاولة (استرجاع الحالة التقليدية) للمجتمع (أي محاولة تقليد السلف).

وتغلّب على تدخل العروي تأثير مواطنه، الفيلسوف المتأثر بابن رشد، محمد عابد الجابري (1935 ـ 2010)، واختزل عمل الجابري المؤلف من أربعة مجلدات (نقد العقل العربي)، المنشور بين (1980 ـ 2000)، القرن التاسع عشر في حادثةٍ مستمدةٍ من التاريخ الإسلامي، واستنتج أنَّ (النهضة الحديثة) مجرد محاولة إحياء، وأنَّها تفتقر إلى الأصالة اللازمة لفضح (الاستعمار الأوربي) والمنطق الاستشراقيّ للتقهقر العربي، ولذلك لم تحقِّق النهضة تغييراً معرفياً شبيهاً بالقفزات الثقافية السابقة للعهدين العباسيّ والأندلسي.

وبتحديد الموقع (الحقيقي) للنهضاتِ قبل عصر النهضة الأوروبي، لكن بعد النبي محمد (ﷺ) بكثير، أطلق الجابري نقداً متعدد السمات للقراءات الليبرالية، والماركسية، والأصولية الإسلامية للتاريخ الإسلامي، وعالج في بديله ما يدعوه بالمعيار العربي ـ الإسلامي، لكونه (تراثاً) فعالاً استدعى ارتباطاً عقلانياً ونقدياً من دون الخضوع إلى الأطر الأوربية للتحليل، وجعل نقد الجابري المبكِّر لتواطؤ النخب العربية في الليبرالية الجديدة عملَهُ شعبياً في المحافل اليسارية العربية، لكنّ تحيزُه ضد ما عدَّهُ النقائصَ الفلسفية التاريخية للشرق العربي، وقبولَه الهبة السعودية في أواخر حياته، ألقى الشك على نزاهته العلمية، وفي الحقيقة، تراجع تأثير الجابري بدوره مقابل الإنتاج الثقافي القادم من دون الخليج، والذي دعم المبادئ الأخلاقية السلفية في منافذ وسائل الإعلام الممولة جيداً، وسَوَّغ انجراف المنطقة نحو التحرر الاقتصادي.

خلال مرحلة الانتخابات التونسية عام (1989)، ظهر شكل مختلف للنهضة، اندرج ثانيةً ضمن السياسة الرسمية العربية، إذ غَيَّرَ زعيمُ التيار الإسلامي راشد الغنوشي (ولد عام 1941) اسمَ حركته إلى: حزب النهضة، وذلك لكي يشير إلى إنكاره أصولها الأكثر تطرّقاً وقبوله الديمقراطية الليبرالية.

وبعد الحرب الباردة، ونهاية الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، ظهرتِ النهضةُ ثانيةً بكونِها موضوعاً من الأهمية بمكان في الخطاب العربي بشكل عام، وقد كانت مدفوعة مباشرةً من طرف أنظمة دولة كان هدفها محاولة تفسير القمع المعادي للإسلام، وقد تبنّاها مجموعة من المفكرينَ الذين يعارضون العنف الممارس من طرف الدولة، وفي عام (1992)، اجتمع مفكرونَ مصريونَ ليبراليونَ حول جابر عصفور (ولد عام 1944) لتأسيس (جمعيةِ التنوير) التي أعادت إصدارَ العديد من كلاسيكيات (العصر الليبرالي)، بما فيها كتاب فرح أنطون، (فلسفةُ ابن رشد)، وعلي عبد الرازق (الإسلامُ وأصولُ الحكم)، ومُؤَلَّفُ طه حسين (مستقبلُ الثقافةِ في مصر)، وكتابُ سلامة موسى الأوّلُ حول عصرِ النهضة الأوربيّ (ما النهضةُ؟) وبين عامي (1900 و1993)، سعتِ المجلةُ الدمشقيةُ المحفزة (قضايا وشهاداتٌ) فوراً إلى حماية ذاكرة النهضة وإعادة تشكيلها عموماً إلى جانب تراث طه حسين خصوصاً.

وحدثتْ إعادةُ اكتشافِ هذه النهضةِ في سياق ثلاثةِ أخطارٍ متطابقةٍ: سياساتُ التقشّفِ المتطرّفةُ التي فرضتْها المؤسساتُ الماليةُ الدوليةُ؛ وظهورُ الجماعاتِ الإسلاميةِ المقاتلة؛ وقمعُ أجهزةِ أمنِ الدولة، في مصر والجزائر خصوصاً، واغتيال الإسلاميون المتشددون  آنذاك عشراتِ المفكّرينَ الليبراليينَ، كالبروفسور المصري والمعلّقِ الصحفي فرج مودة (1946 ـ 1992)، كما قامت الدولةُ بنفي العديدِ من الآخرينَ ومنعتْ أعمالَهُم. والمثال الأكثرُ شهرةً في هذا الباب هو إدانة محكمةِ النقضِ المصريةِ العالمِ الديني نصر حامد أبو زيد (1943 ـ 2010) بتهمة الردّةِ بسبب مفهومه التاريخيّ والتفسيري لشرح القرآن،قبل أن تدفعه تهديدات  الإسلاميين بالقتل إلى الهروب نحو المنفى.

الحرِّيةُ مقابلَ الليبرالية

يظهر اليوم إشكالٌ كبيرٌ حول مفهوم الليبرالية في الوطن العربي، لا سيما منذ انطلاقة الانتفاضات العربية في عام 2011، لأنه ارتبط سياسيًا بالليبرالية الأمريكية المتوحشة ، حيث كان احتلال العراق سنة 2003، ونشر الفوضى الهدامة للدولة الوطنية العربية في أكثر من بلد، خير برهان ٍ على ذلك .واحتوى كتابُ (الفكر العربي) مسحةً مأساويةً خفيفةً، لا لمجردِ أن حوراني اكتشفَ ضعف الاستعداد العربي زمن الاستقلال، ولا بسبب بقاء القواعد العسكرية الغربية في الدول الحديثة الاستقلال؛ ولم يحصرْ ألمَهُ بحقيقةِ أن القوى المتطرفةَ والمحافظةَ سلبتِ المفكرينَ الليبراليينَ ثمارَ عملِهم المناهض للاستعمار، وتشكلت المأساة بالطريقة التي أعاد فيها حوراني صياغة توقّع أنطونيوس القوميّ قبل الحرب العالمية الثانية على أنه قصةُ وعيٍ ليبراليٍّ غير تام، ولما تتوّجَ السعيُ الملحميُّ لأرضيةٍ مشتركةٍ متنورةٍ بين المصلحينَ المسلمينَ والمسيحيينَ العلمانيينَ بالإبداعِ الكبيرِ للرمزِ الفكريّ الشامخ طه حسين، كانت الحربُ العالمية الثانية قد دمرت تراث التنوير في أوربا نفسه، وبإنهاءِ كتابه رسمياً عام (1939) يتركُ حوراني السؤال عن قدرة الفكر الليبرالي الأوربي فعلاً على أن يصبحَ ثانيةً نموذجاً يحتذى به للحياة السياسية والفكرية بعد الأعمال الوحشية التي حدثت خلال الثلاثينيات والأربعينيات مفتوحاً، وكما عبّر لاحقاً الناقدُ الماركسيُّ المغربيُّ للقومية العربية عبد الله العروي (مأساةُ المفكِّر [العربيِّ] الليبرالي) أنَّ (إغراءَ الغرب) جاءَ حين تعرضت الليبرالية الأوروبية (للهجوم من كل جانب)، وفي الحقيقة، بدا ذلك للفلاسفة الأوروبيين، من مثلِ أدورنو وهوركهايمر، أن القيم التأسيسية للتنوير (التقدم والحرية والمساواة) قد انكفأت على نفسها.

تلقّى كتابُ (الفكرُ العربيُّ في العصر الليبرالي) بعضَ النقدِ الظالم، وأشار عبد اللطيف طيباوي إلى أن حوراني، على غرار أنطونيوس: كان مع ذلك (لبنانياً آخرَ تفُوقُ وطنيتُهُ دقّتَهُ التاريخيةَ)؛ وكلاهما (كانا يقللانِ من قيمة دورِ إخوتهم المسلمين في ذلك)، وبالمقابل، اتُّهِمَ إيلي قدوري حوراني بتبرئة المصلحين الإسلاميين، محوّلاً العالم الديني والمصلح السلفي محمد عبده (1849 - 1905) إلى قديس، وكان لكتاب الفكري العربي حدودُهُ، كما سنرى، لكن حوراني مال نحو الإذعان أكثر مما ينبغي تجاه نقاده الأوائل، ويشير العديد من المساهمين في هذا الكتاب، إلى أن حوراني عبَّر عن شكوكه حول اختيار بعض الكلمات في عنوان الكتاب، وأسفَ، بشكل خاص، لأن العنوانَ أعطى انطباعاً على أن الكتاب موضوعه الليبرالية العربية، وفي مقدمته المقتبسة كثيراً، ولغاية إصدار عام (1983) أعاد النظرّ على نحوٍ ناقدٍ للذاتِ.

لمّا كان أغلبُ الفلسطينيين مصدومين أكثر من تفكيرهم في الهرب للبقاء على قيد الحياة، توصّل طلابُ زريق في الجامعة الأمريكية في بيروت إلى استنتاجٍ بأنهم بحاجةٍ إلى تشكيل خلايا سرية لحثّ تعبئة شعبية للوحدة العربية بخلاف الحكومات العربية، فالعصر الراديكالي وُلِد من رماد النكبةويتفقُ أكثرُ المعلّقين مع هذه التبرئةِ، ويشعر بعضهم بالارتياح تقريباً لها؛ اعترف حوراني بخطته المفهوم في الحكم؛ لذلك يمكن أن يُغفر له، إن الإجماع الضمنيِّ بين المؤرّخينَ القوميينَ والمحافظينَ والمتطرّفينَ ضد إمكانيةِ؛ بل رغبةِ، الفكرِ الليبراليّ العربي في القرن التاسع عشر، ليشير إلى أن نوعاً أكثر صفاءً من الليبرالية كان يوجد في مكانٍ آخر، ولكن، كما يذكرنا جيف إيلي (إذا اخترنا تعريفاً رسمياً للأوضاع القانونية الدستورية للديمقراطية، من مثل التمثيل الشعبي على أساس تصويت حر وشامل وسري ومتساوٍ، ومدعوم بالحريات القانونية للتعبير والصحافة، والتألف، والتجمع، فمن الصعب فهم كيفية تحقيق أي من ليبراليي القرن التاسع عشر المعيار المطلوب.

يقول الباحثان دجنس هانسن وماكس وايس :"ولما كتب ألبرت حوراني وداعهُ (العصر الليبرالي) ثانيةً، في إعادة إصدار عام (1983)، كان المزاج الفكريُّ في المنطقة كئيباً، ليس في فلسطين ولبنان اللتان ترزحان تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي فحسب؛ بل في العراق وإيران اللتين مزقتُهُما الحرب كذلك؛ فالشعارات الملهمة للحرية والثورة أصبحت معيبة، وفي عام (1963)، تألمتْ حنة آرنت لأن الحرية أصبحت خدعة للإمبريالية والسيطرة الرأسمالية، واستعمل المتآمرون العسكريون والمتطرفون المستهترون الثورة بشكل متهور، وفي الثمانينيات، فوجئ المفكرون والنقاد في الغرب بالاعتداءات العالمية العسكرية والاقتصادية، التي شتّها النزعتان الريغانية والتاتشرية، في الداخل والخارج معاً، ومع نهاية الحرب الباردة، أعيدت صياغة الليبرالية والاشتراكية على أساس أنهما إيديولوجيتين شائنتين دخيلتين غير صالحتين للتحرر السياسي والفكر النقدي في العالم العربي، وبدا أن الحركتين القومية والإسلامية فحسب تجاوزنا ما سُمّي (نهاية الإيديولوجيا) جزئياً، لأن كلتيهما اجتذبتا قطاعات واسعة من المجتمع نظراً لكونهما مفهومين أصيلين، وحان الوقت لاستكشاف المفاهيم الرئيسة الأربعة التي حركت تاريخ حوراني للنهضة: اللغة، والعقل، والحرية، والزمن"(ص65).

يظهرُ اليومَ إشكالٌ كبيرٌ حول ماهيةِ الليبرالية العربية، وما تعنيه كلمة ليبراليّ عربي، فبقراءة مقالات جوزيف مسعد، منذ الانتفاضات العربية، يمكن مسامحة المرء لاعتقاده بأن الليبرالية تسيطر على العالم العربي، وبأن الليبراليين العرب مسؤولون عن الفوضى التي تجد المنطقة نفسها فيها اليوم، ويتحقق الاستعمال الفضفاض لتعبير ليبرالي، من طرف الرافضين والمؤيدين على حدّ سواء، كثيراً بشبح الغرب، وبالقضاء النقدي المتضائل في الشرق الأوسط، فهو يساوي مشاريع الإصلاح الإسلامية مع مؤسسة رائد، ويعامل المفكرين العرب الذين يتحدثون عن الحرية وكأنهم محافظون جدد، أو ليبراليون جدد، وفي لحظات المبالغة، من الأفضل العودة إلى لهجة حوراني الوقورة.

ويظهر تعبير (حرية) في بضع مناسبات فحسب في كتاب (الفكر العربي)، ولم تأت المرة الأولى والوحيدة التي يحددها حوراني بأنها دعوة إلى الاستقلال السياسي ضد الأوروبيين، أو الحكم العثماني، ولم يعبّر عنه المفكرون الحضريون، وفي الواقع، استدعى قادة المجتمع المرؤوس الحرية حين اجتمعوا خارج بيروت عام (1840) لتحدي الحكم المصري، الذي استمر عقداً من الزمن في بلاد الشام، وحدّه إعلانُهم الوطنيّ (اتفاق أنطلياس)، الذي كان للمارقين الأوربيين، كما يعترف حوراني، يد فيه، (قفزة المنطقة نحو عالم حركات الجماهير الحديث والروح الوطنية)، وكانت المرة الثانية التي سجّل فيها حوراني التعبير الواضح عن الحرية لما امتدح خير الدين التونسي (قوة أوروبا وازدهارها [مع] نظم سياسية مستندة إلى العدالة والحرية)، وبعد فترة قصيرة، أشادت سلسلة كتيبات بطرس البستاني (نفير سورية)، بفصائل الحرية والمساواة الدينية مقابل تجربة الحرب الأهلية المؤلمة في جبل لبنان ودمشق عام (1860)، وبعد بضع عشرات من الصفحات، اكتسب الدستوري المصري أحمد لطفي السيد من (أساتذته الغربيين) فكرة التحرر من (سيطرة الدولة غير الضرورية) وحرية (الكتابة والتعبير والنشر والمشاركة)؛ لأنها (الغذاء الضروري لحياتنا)، وأخيراً، في مقطع أعدنا إنتاجه في بداية هذه المقدمة، ينشر حوراني التعبير ليحدد كيفية فهمه هو معنى الليبرالية، مشيراً بشكل خاص إلى (واجب الحكومة بأن تكون هي الضامن للحرية).

وكان تحرر النساء أساسياً للنهضة، وأبعد بكثير من شخصية قاسم أمين الفذّة (1863 ـ 1908)، كما رسمها حوراني ومسعد، وعرض ستيفن شيهي، الذي ربما نال كتابه مديحاً، وعنوانه (أسس الهوية العربية) (2004) مع افتتاح مجال (دراسات النهضة) الثانوي في أمريكا الشمالية، أن جيلاً قبِل أن ينشر هذا المحامي المصري ـ الفرنسي التدريب ترنيماته الراعية تلقيم العائلة الحديثة، من الكتّـاب الذكور كأحمد بن بوالضيف (1804 ـ 1874)، وبطرس البستاني، وفرنسيس مراش، وآخرون رأوا أن تعليم النساء وتحريرَهنَّ طليعة الحداثة العربية، ومع انتشار الصحف العربية في سبعينيات القرن التاسع عشر دافعت روايات رومانسية مسلسلة عن شخصيات من الذكور والإناث الذين أمكن النظر إليها آنذاك بأنهم (كنوز) وطنية للطريقة التي تغلبوا فيها على إغراءات تبنّي النهج الغربي والمعاناة الأبوية للزواج من أجل (حب حقيقي).

وفي كتاب (أزمة المثقفين العرب) لاجظ عبد العروي التناقض الظاهرفي أنَّ مقاومة الاستعمار تمردٌ أيضًا ضد الليبرالية، فحرضت الحالة الاستعمارية ببساطة تانة الخرية ضد الليبرالية. ومثلُ الحوراني يستفيد العروي من قسطنطين زريق (1909 ـ 2000)، وهو أحد مؤرخي مفكري النهضة، وأوَّل من اختلف مع العصر الليبرالي (1848)، وهو مسيحي أرثوذكسيمن دمشق، درس التاريخ الإسلامي للعصور الوسطى في (الجامعة الأمريكية في بيروت) وشيكاغو قبل نيله الدكتوراه في اللغات والآداب الشرقية في جامعة برينستن عام (1930)، وهو مترجمُ كتابٍ مسْكَويه (الأخلاقُ) وتاريخ نولديك عن الغسانيين، وأمضى أغلبَ حياته أستاذاً للتاريخ العربي في حرم الـجامعة الأمريكية ببيروت الجامعي؛ وكان له تأثيرٌ تشكيليٌّ على زميله الأصغر سناً ألبيرت حوراني، وقبل عام (1948)، تولى لفترة قصيرة عملاً دبلوماسياً سورياً في الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وعُيّنَ بعد النكبة رئيساً لجامعة دمشق.

يقول الباحثان دجنس هانسن وماكس وايس :"اختتمَ حوراني كتابَ (الفكر العربي) بمناقشةِ مقالاتِ زريق، (الوعيُ القومي) (1939)، التي توصّلت إلى تغييرٍ أساسي لدى جيلٍ من الطلاب العرب الشباب، ألهمتهم فكرة أن القومية العربية مصدر اقتناع شخصي ومسؤولية تاريخية في آنٍ واحد، وأطلق العروي أيضاً وصفَهُ للمفكرين العرب بالإشارة إلى كتاب زريق (نحن والتاريخ) (1959)، وشجع قرّاء زريق على النظر إلى التاريخ العربي لا بكونه عبأً يجب تحمّلُهُ حتماً؛ بل بوصفه حافزاً للعمل في الحاضر من أجل بناء المستقبل، وهنا دعوةٌ للجيل الجديد كي يتشجع، ويساهم في العملية التاريخية، وناقش زريق أنه إن لم يستطع العرب الهرب من التاريخ، فإن الماضي لم يقرر مستقبلهم، كما لم يبرّئ المسؤولين من وضع الأمور الحالي، وكانت الكوارث أساسية في ظهور الوعي التاريخي، والإخفاقُ في مواجهتها (أفتكُ بالناس من الكوارث نفسها).

وكانت خسارةُ فلسطين في مقدّمة ذهن زريق بعد عام (1948)، وكتابُه (معنى النكبة) (1948)، على نحوٍ متطابق، نوعٌ  من الاتهام، وما الذي يجب عملُه عربياً فيما يتعلقُ بالأسباب الحقيقيةِ والنتائجِ الرهيبةِ للهزيمة العسكرية، وإنشاء دولة إسرائيل على الأراضي العربية، وندّد زريق بالرضا العربي، موضّحاً أنه لا يمكن لقدر من خطابات الزعماء العرب المنمّقةِ إخفاء حقيقةِ أن الحركة الصهيونية تجهّزت على نحوٍ أفضل بكثيرٍ، وقاتلتْ بثقةٍ أكبر من الجيوش العربية... ولمّا كان أغلبُ الفلسطينيين مصدومين أكثر من تفكيرهم في الهرب للبقاء على قيد الحياة، توصّل طلابُ زريق في الجامعة الأمريكية في بيروت إلى استنتاجٍ بأنهم بحاجةٍ إلى تشكيل خلايا سرية لحثّ تعبئة شعبية للوحدة العربية بخلاف الحكومات العربية، فالعصر الراديكالي وُلِد من رماد النكبة، وقدّم المؤلف الليبرالي لكتاب (معنى النكبة) طريقاً واحداً للتحرير كي يتبعه الجيل التالي (ص83).

إقرأ أيضا: الليبرالية شكلت كتابة التاريخ العربي في عصر النهضة.. قراءة في كتاب

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب العربي تاريخ النهضة كتاب تاريخ عرب نهضة عرض كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القرن التاسع عشر الفکر العربی العربیة فی ر العربی فی کتاب طه حسین على نحو فی عام

إقرأ أيضاً:

قراءة في مخاطبات ترمب تجاه الشرق الأوسط والسودان

في نحو 30 دقيقة أنهى الرئيس الامريكي خطابه الذي أقام الدنيا ولم يقعدها في 2025 وترك الناس حيارى، لا لكونه يتمثل بقول أبي الطيب المتنبئ الذي قال لشانئيه – حسبما يروي الرواة – من الذين عابوا عليه صعوبة ما يقول لغةً: “علينا ان نقول وعليكم أن تتأولوا” ثم في مرة قال له آخر: ” لماذا لا تقول ما يفهم؟” فكان رد أبي الطيب عليه: “ولماذا لا تفهم ما يقال؟” فقد كان خطاب ترامب في يناير عاماً في تناوله للقضايا الخارجية و لكنه قاسياً على سابقه في الرئاسة بايدن، فقد سلقه سلقاً حامض الطعم و لا ريب، لم يُعمل فيه غربالاً ولا نقداً ولا تمحيصاً لذلك كان صادماً مثلما توقعت الصحافة الأمريكية قبل إلقائه بأيام
وكان مفاجئاً حقاً أنه تحدث عن الشرق الأوسط عكس ما حدث في خطاب رئاسته الأولى 2017 إذ لم يذكر الشرق الأوسط وهذا يتسق مع طبيعة الخطاب الذي يوجه لهواجس الأمة الأمريكية الداخلية في الغالب إلا أنه لم يقل ما يفهم حتى ظن الناس – وإن بعض الظن إثم – أنه انكفأ على الداخل و نسى “ربعه” في الخارج مطلقاً.

صحيح أن خطاب تتويجه في فترته الرئاسية الأولى كان “دُرابا” كمانقول في الدارجة و أتى خطابه الذي بين أيدينا أكثر غلظة يرمي بتهديدات على قومه بالداخل ولكنه لكل من استمع متأملا كأنه يقول للخارج “إياك أعني فاسمعي ياجارة”.

أمر ثانٍ في خطاب ترمب الذي يضع الاستراتيجيات العامة ويترك للتنفيذيين وضعها موضع التطبيق، هو أن ترامب في خطابه هذا بدا حانقاً جد الحنق على غير مناصريه، إذ أنه تحدث عن “أنا” أكثر من خمس مرات بصورة مباشرة وجاءت قمة “الأنا” حين قال إن محاولة اغتياله وإصابته في أذنه فقط ومن ثم نجاته، كانت رسالة سماوية لهدف إلهي طبعاً وهو إنقاذ أمريكا والامريكيين:
“لقد حاول أولئك الذين يرغبون في إيقاف قضيتنا سلب حريتي بل وحتى سلب حياتي قبل بضعة أشهر فقط. في حقل جميل في بنسلفانيا، اخترقت رصاصة قاتل أذني، لكنني شعرت حينها وأعتقد، بل وأكثر من ذلك الآن، أن حياتي أنقذت لسبب ما. لقد أنقذني الله لجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى.”

أما في خطابه الأول ذلك فكان حديثه دوما عن “نحن” وهو في هذا ليس بدعا إذ أن كثيراً من القيادات المتشددة في التاريخ الحديث والقديم تبدأ مراحلها الأولى بخطاب يتحدث عن “نحن” و ” الأمة” في مقابل “هم” و “الأغراب” وتنتهي بدكتاتورية غليظة قد يسميها أهل السياسة الأوليغاركية أو الأوليغارشية Oligarchy تتحدث عن “أنا” ضد “هم والأغراب” أو بنظام أشد بطشاً و أكثر تضييقا، غير أن النظام الذي تقوم عليه الحكومة والارث الراسخ في مقاومة التجبر والحكومة – النظام في أمريكا، لا يسمحان بذلك على المدى الطويل.

لكن الأمر البين أن فوز ترامب كان معركة شخصية فاز فيها على خصوم حقيقيين – أم متخيلين – لكنه فاز ، وبعد أن تأكد أنه صاحب تفويض كامل قال للأمريكيين إن كل قصور و تلكوء الحكومات السابقة لإدارته سيتبدل الآن . قال في خطابه هذا :
“كل هذا سوف يتغير بدءًا من اليوم، وسوف يتغير بسرعة كبيرة”.
وهي رسالة قوية للداخل ولكنها دونما شك رسالة تجعل فرائص الخارج تنتفض و ترتجف، ذلك أنه ترك الباب موارباً وعمل عكس المثل السائر عندنا “كتلوك ولا جوك جوك”. فقد جعل “جوك جوك” هي العصاة الغالبة والمهماز الذي سيحرك به الخارج عامة لايستثني من ذلك جاراً ولا بعيداً ولا صديقاً ولا عدواً ولا قريبا ولابعيدا ولا حليفا ولا خصيماً.

وجعل المخاطب الأول لكل حديث هو الداخل الأمريكي وان السبيل الاقوي والمعني لتحقيق هذه الأهداف من صحة وأمن وطمأنينة ونمو اقتصادي وعظمة قومية لأمريكا، هو الخارج، هو أوروبا “وتقاعسها عن المساهمة الفاعلة في الدفاع عن نفسها خلال ممارستها الإمساك والتقتير في الصرف على الناتو، هو الصين لتغولها على الاقتصاد “حيث تنتج رخصاً في العمالة وتبيع غلاءا في أمريكا دون ضرائب مستحقة، وهي كذلك دول الجوار التي ترمي بلاده كما قال “بالمجرمين والإرهابيين ورعاع الناس” وتنعم هي بالراحة وأمريكا تتأذى بالرزايا.

ترامب والجيش الامريكي والقوة الغليظة
لكن ترمب كان واضحا وضوحاً عجيباً حين تحدث عن القوات المسلحة الأمريكية إذ قال في ذلك “ستكون قواتنا المسلحة حرة في التركيز على مهمتها الوحيدة، وهي هزيمة أعداء أميركا. وكما حدث في عام 2017، سوف نبني مرة أخرى أقوى جيش شهده العالم على الإطلاق. وسوف نقيس نجاحنا ليس فقط بالمعارك التي نفوز بها، بل وأيضاً بالحروب التي ننهيها، وربما الأهم من ذلك، الحروب التي لا نخوضها أبداً ثم قال إن “أهم إرث يريد أن يتذكره التاريخ عنه أنه رجل سلام”.

ترامب الذي يقوم كل إرثه و فعله السياسي – الظاهر على الاقل- على نظرة رجل الأعمال الذي يريد “عقد صفقات”- قسم سياسته، فعلا لا قولا ، نحو الشرق الاوسط بصورة واضحة الي ميدانين: أولاً:
إيقاف الحروب الدائرة وتحقيق أمن حلفائه المقربين وتقويتهم شريطة أن لا يكون ذلك بتدخل عسكري من جند بلاده وقد ذكر أنه يسعى لايقاف الحروب قبل حدوثها وفي هذا فهو لن يسمح حتى للأمم المتحدة والمنظمات الدولية أن تعارض ما يريد ناهيك عن الصين و روسيا والغرب عموما – ذلك يستقى من تركيزه في خطاباته بأن أمريكا قبل الناس طراً. وقد ينظر المرء لقراراته الساعية لإعادة قرار الانسحاب من منظومات الأمم المتحدة اليونسكو والصحة العالمية والبيئة وتشديد الخناق على الجنائية الدولية حين مست قيادات إسرائيل في هذا الإطار، و حتى مجلس الامن ما فتئ يقرع له العصى.

الشرق الاوسط
ويذكر الناس كم تطاولت الحرب على غزة و كم تكاثرت المفاوضات والجولات المكوكية لاكثر من عام ما ترك فيها الرئيس بايدن و رأس دبلوماسيته بلنكين بابا إلا وطرقاه دونما مردود إلا مواعيد عرقوب . ولكن حالما تأكد فوز دونالد ترمب وقبيل تنصيبه بأيام قليلة اتصل برئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو، فاذا الصفقة تسير الهوينا نحو التوقيع. لذلك ومع تركيز خطابه التنصيبي على الأمور الداخلية فقط ، إلا أن الحدث العالمي الوحيد الذي ذكره ترمب ونسب الفضل في تحقيقه لنفسه كان هو الاختراق الذي حدث في الشرق الاوسط حيث قال:
“قبل أن أتولى الرئاسة رسميا، تفاوض فريقي على اتفاق لوقف إطلاق النار في الشرق الأوسط، وهو ما لم يكن ليحدث لولا جهودنا. وأعتقد أن معظم الحاضرين هنا يدركون ذلك. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، بدأ الرهائن في العودة إلى أسرهم. إنهم يعودون، والمشهد جميل. وسيعودون أكثر فأكثر. لقد بدأوا في العودة يوم الأحد.”

وتأتي فاعلية الرجل من أنه اعتمد علي الفعل بعد القول مباشرة والتطبيق وأمثلة ذلك مبذولة متاحة في الشرق الأوسط وفي أوروبا و في آسيا وفي أمريكا اللاتينية ولا ينسى الناس قوله إنه سيجعل بعض الدول تدفع أموالا مهولة لقاء حماية بلاده لها وقد دفعوا دفعاُ كُبارا، وقال إنه سيحول عاصمة إسرائيل لمكان آخر غير تل أبيب وقد فعل، وقال إنه سيجعل الاتفاق مع إيران ممكنا وقد فعل، وقال إن الصين ستنتبه لما يقول وقد فعلت بالفعل لا بالقول وقال إنه سيرفع إسم السودان من قائمة الإرهاب وقد فعل، مهما اختلف الناس مع كيف فعل وكيف مارس ضغوطا رهيبة على من كان يتولى الأمر في السودان حينها، حين اشترت الدولارات ال 335 مليون من السوق الموازي ونحن على ذلك من الشاهدين على بعض خفاياها!!!

ترمب وعقد الصفقات
ثانياً: المكسب المادي والصفقات التجارية التي تعود على الأمريكيين عموما وعلي صحبه من رجال الأعمال خصوصا بالفائدة وفي ذلك هو لا يخفي شيئاً بل و يفاخر به و يكفي أن نستشهد بخطابه الأول خارج البيت الأبيض منذ تنصيبه حيث قال في مؤتمر دافوس الاقتصادي في يناير هذا وفيه بدأت نفس معالم الخطاب الأول وروح سياسته الخارجية سواء في أوكرانيا أو سوريا أو الشرق الأوسط تتبدى بصورة جلية لا لبس فيها ولا مواربة فاسمع إليه و هو يخاطب أكبر تجمع إقتصادي فكري لرسم ملامح سياسات المستقبل الاقتصادي وهو يقول:
“كما ورد في الصحف اليوم أن المملكة العربية السعودية ستستثمر ما لا يقل عن 600 مليار دولار في أمريكا. لكنني سأطلب من ولي العهد، وهو رجل رائع، أن يكمل المبلغ إلى حوالي تريليون دولار. أعتقد أنهم سيفعلون ذلك لأننا كنا جيدين جدًا معهم.”

ثم مضي ليوسع الدائرة ليتناول أخطر كتلة اقتصادية تتحكم بصورة غير مباشرة في الحراك الاقتصادي العالمي وهي منظمة الدول العربية المصدرة للنفط في الشرق الاوسط (أوابك) ومن ورائها كل المنتجين حين قال:
“وسأطلب أيضًا من المملكة العربية السعودية وأوبك خفض تكلفة النفط. عليك أن تخفضها، وهو ما أدهشني بصراحة أنهم لم يفعلوا ذلك قبل الانتخابات. لم يُظهروا لنا الكثير من الحب من خلال عدم قيامهم بذلك. لقد فوجئت قليلاً بذلك.”

ويدخل في هذه المنظمة (الأوابك OAPEC) كل من المملكة العربية السعودية، ودولة الكويت، وليبيا، الجزائر، وقطر، والإمارات والبحرين وسوريا والعراق ومصر ودول الأوبك (OPEC) وهي الأوسع إذ فيها كثير من دول الشرق الأوسط ودول من امريكا اللاتينية وبعض من اكبر الدول الأفريقية وهي : الجزائر، وأنغولا، وغينيا الاستوائية، والجابون، وإيران، والعراق، والكويت، وليبيا، ونيجيريا، وجمهورية الكونغو، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وفنزويلا والإكوادور وإندونيسيا وقطر،
فإن كان لدي ترمب ما يسميه أهل الإعلام و السياسة الغربيون leverage أي تاثير رافع إن صحت الترجمة – على هؤلاء، فقد حيزت له مفاتح تحقيق ما يريد من سياساته التي بدأت معالمها تظهر على نحو جلي في خطاباته اللاحقة وفي خطابات واتصالات وزير خارجيته روبيو والذي بدأ مهاتفات مكثفة في أول أسبوع له، ما ترك وزير خارجية من المذكورين آنفا عدا الأفارقة منهم إلا اتصل به.

السودان في ادارة ترمب
وعطفاً علي سياسات ترمب في الشرق الأوسط ونحن فيه جيران، فقد كفى الناس مؤونة التفكير كيف تكون سياسات ترمب تجاه السودان، باحث أمريكي ملم بشؤون السودان إلماماً يحسده عليه كثير من الأكاديميين في السودان، وهو كاميرون هدسون – أي كانت نواياه وأهدافه من هذا الإلمام.

كتب هدسون الأسبوع الماضي في مجلة بوليتك مقالا نلخصه في نقاط ونختم به هذا الموضوع:

حاجج هدسون بأن لا أحد يستطيع أن يصنع السلام في السودان إلا ترامب وذلك أنه – أي ترمب – ضم الخرطوم إلى الاتفاقيات الإبراهيمية وأزال إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وأن ترمب – بفضل نفوذه على القوى الإقليمية – يمكنه إنهاء الحرب في السودان.

كاميرون هدسون الذي يعرف نفسه بأنه زميل في برنامج أفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية قال إن أفريقيا لا تحتل مكاناً عاليا في سلم خطابات السياسات الخارجية للرؤساء الأمريكيين وخاصة ترمب ولكن في تحول نادر من القدر، يبرز السودان الآن كدولة حيث الحاجة إلى مشاركة الولايات المتحدة عالية وحيث يمكن أن يكون نفوذ واشنطن في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب العنصر المفقود الحاسم لإنهاء الحرب الأهلية الحالية في السودان.

على عكس معظم البلدان في أفريقيا، فإن لترامب علاقة وتاريخ مع السودان. في عام 2019، اندلعت الثورة الشعبية التي أدت إلى الإطاحة بعمر البشير وأسفرت عن فترة حكم مدنية واعدة، وإن كانت قصيرة. في ذلك الوقت، كان الدعم الأميركي للقوى المؤيدة للديمقراطية متواضعا، وذلك بسبب شبكة معقدة من العقوبات والقيود القديمة التي قيدت الدعم الأميركي. وكان من بين هذه العقبات استمرار تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب ــ وهو التمييز السيئ السمعة الذي رزأت به البلاد منذ الأيام التي استضافت فيها أسامة بن لادن في منتصف التسعينيات.

بدأت إدارة ترامب العملية المعقدة والمستهلكة للوقت لإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في محاولة لوضع البلاد على مسار نحو تخفيف الديون والتعافي الاقتصادي؛ وأصبحت إزالتها رسمية في ديسمبر 2020. وشمل الجهد الحصول على ضوء أخضر من مجتمع الاستخبارات، والتفاوض على اتفاقية تعويض بقيمة 335 مليون دولار لضحايا الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة، والحصول على دعم الكونجرس. كما وعدت بتطبيع العلاقات بين واشنطن والخرطوم بأول تبادل للسفراء منذ 25 عاما.

ثم، في خطوة لم تكن مفاجئة في الماضي، قام وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو بزيارة إلى الخرطوم في اللحظة الأخيرة ليقترح أن صنع السلام مع إسرائيل، من خلال التوقيع على الاتفاقيات الإبراهيمة التي أُعلن عنها مؤخرًا، سيكون ضروريًا أيضًا للمساعدة في تأمين إزالة السودان من قائمة الإرهاب. في تلك اللحظة، رفض القادة العسكريون والمدنيون في السودان، حيث جادل الجانبان بأن الطبيعة الانتقالية لحكومتهما وعدم وجود برلمان قائم لا يمنح أيًا من الجانبين التفويض بالانخراط في التزامات معاهدة جديدة.

في النهاية، لم يكن لدى السودان أي نفوذ للمقاومة واضطر إلى الرضوخ إذا كان لديه أي أمل في التخلص من العقوبات الأمريكية المتبقية.

بعد موافقة السودان على شروط وزارة العدل الأمريكية لإزالتها من قائمة الإرهاب، أعلن ترامب منتصرا، في أكتوبر 2020، تطبيع السودان للعلاقات مع إسرائيل كواحدة من ثلاث دول عربية فقط وافقت على اتفاقيات إبراهيم.
والآن مع عودة ترامب إلى منصبه، فإنه يرث ملف السودان مختلفًا بشكل كبير عن الملف الذي سلمه إلى بايدن قبل أربع سنوات. من ذلك انه ومع بداية عام 2025، يحتاج أكثر من 30 مليون شخص في السودان إلى مساعدات إنسانية، بينما نزح أكثر من 12 مليون شخص من ديارهم منذ بدء الحرب الحالية في أبريل 2023.

قد لا تلقى الحجة الأخلاقية للاستجابة للمعاناة الجماعية في السودان أذناً صاغية لدى إدارة تكرس كل جهدها لتعزيز سياسة خارجية “أمريكية أولاً”، لكن واشنطن لديها مصالح استراتيجية ونفوذ غير مستغل في السودان يتجاوز بكثير الخسائر البشرية للصراع والتي تجعل ترامب في وضع فريد من نوعه للتقدم بحلول لإنهاء الحرب.

لقد ربطت إدارة ترامب نفسها عن غير قصد بمصير السودان عندما أعلن بومبيو عن رحلته التاريخية الأولى من تل أبيب إلى الخرطوم في عام 2020، بهدف وحيد هو تعزيز السلام مع إسرائيل. واليوم، يبدو أن فريق ترامب يستأنف من حيث توقف، ويوضح خططه لإحياء وتوسيع اتفاق التطبيع التاريخي؛ على سبيل المثال، أعلن مستشار الأمن القومي مايك والتز الشهر الماضي، “إن مصالحنا الأساسية هي داعش وإسرائيل وحلفاء الخليج العربي”.

ولكن ما هو واضح تمامًا هو أن الإدارة لا تستطيع إحياء اتفاقيات إبراهيم في الوقت نفسه مع ملاحظة انهيار وتفكك أحد المعنيين الخمسة بها وهو السودان.

ويقول هدسون إن الصراع في السودان أكثر من مجرد “حرب بين جنرالين متنافسين يتقاتلان على البلاد” كما يقول الغربيون ممن اشعلوا النار و تواروا بعيدا – هذه من عندي –
يؤكد هدسون و هو ضابط سابق في المخابرات الأمريكية إن الصراع في السودان تحركه معركة أعمق بين حلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي الساعين إلى تعزيز السلطة والهيبة والثروة والنفوذ عبر البحر الأحمر والقرن الأفريقي. “إن تكلفة هذه المنافسة يتحملها شعب السودان”.

ولأجل حلفائه القريبين من السودان من المشاطئين له والمجاورين والأبعدين جغرافيا من السودان ولكنهم الأقرب لأمريكا عاطفيا ودينيا واستراتيجيا وعقديا، فقد يسعي ترمب حثيثا لحلحلة الأزمة الدائرة الآن في السودان وسيظهر ذلك حين يسمي مبعوثه الخاص الي السودان فإن كان هذا المبعوث نصيحا قويا ولم يكن “فافنوس وما هو الغليظ البوص” ميالا لحليف أمريكا الأعظم في المنطقة، كان ذلك علامة فارقة لقرب كف أيدي الداعمين للتمرد وإنهاء التمرد تماما و تحقيق السلام الذي يرجى أن يكون مستداماً.
و إن غداً لناظره قريب

المحقق – محمد عثمان آدم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • توجه العراق نحو الليبرالية الجديدة
  • توجه العراق نحو الليبرالية الجديدة 2
  • هبة محمد علي: كتاب «محمد جلال عبد القوي أديب الدراما العربية» سيرة فنية لأحد أهم كتاب الدراما
  • اتفاقية تعاون بين «دارة الشعر العربي» بالفجيرة و«كلية اللغة العربية» بجامعة الأزهر
  • أمين عام البرلمان العربي يشارك في الاجتماع الـ 45 لجمعية الأمناء العامين للبرلمانات العربية
  • صدور الطبعة الأولى من كتاب الطريق إلى عقل ديني مستنير - قراءة في مشروع الخشت لتجديد الخطاب الديني
  • رئيس البرلمان العربي بثمن دور ليبيا في دعم القضايا العربية
  • قراءة في مخاطبات ترمب تجاه الشرق الأوسط والسودان
  • هل يُفقد سد النهضة مصر ثلث مساحتها الزراعية سنويا؟
  • صحم يقصي النهضة ويعبر لنصف نهائي أغلى الكؤوس