بقلم: محمد عبد الرحمن الناير (بوتشر)
●إن ما يجري الآن من معارك طاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع في مدينة بابنوسة ومقتل العشرات وتشريد الآلاف من المواطنين، قد وقعت من قبل بمدن سودانية أخرى ، وبسط الطرف المنتصر فيها سيطرته وهيمنته، فهذه هي مآسي الحرب وآلامها من قتل وتشريد ونهب للمتلكات وتدمير للمرافق العامة.
●إن بنية الدولة السودانية مختلة تاريخياً وتحتاج إلى تغيير جذري شامل وبناء دولة مواطنة متساوية بين جميع السودانيين والإجابة على كافة الأسئلة التي قادت إلى الحروبات وعدم الإستقرار السياسي منذ أول تمرد إندلع في السودان بمدينة توريت في عام 1955م، ولكن الحرب ليست الوسيلة المثلي طالما توفرت وسائل سلمية وأقل كلفة مادية وبشرية، فإن حركات الكفاح الثوري المسلح قد أضطرت إضطراراً لحمل السلاح ضد الحكومات التي ظلت ترفض المساواة والعدالة بين أبناء وأقاليم السودان المختلفة، وفك سيطرة أقلية صفوية على مقاليد الأمور وفرض مشاريع سياسية أحادية في وطن متعدد ومتنوع ثقافياً وعرقياً ودينياً.
●إن هذه الحرب وسابقاتها قد خلقت تشوهات عميقة في جسد المجتمع السوداني، وضاعفت من حدة الأزمات والتباينات العرقية والمناطقية التى كانت موجودة أصلاً بفعل ممارسات وسلوك الحكومات المتعاقبة، وفرضت واقعاً جديداً ومتغيرات عسكرية وسياسية وأمنية وقانونية وأوضاعاً إنسانية وإجتماعية حرجة ومعقدة تحتاج لجهود وطنية مضنية وصادقة لتجاوزها.
●إن المؤسف حقاً وما يدعو للفزع من كل وطني غيور وصادق في إنتمائه لهذا التراب، إن كرة الصراع قد صارت تتحدرج بسرعة نحو خلق إصطفافات جديدة ذات طبيعة مناطقية وعرقية وتسميم المشهد بخطابات عنصرية متخلفة تعبر بجلاء عن أمراضنا الإجتماعية وضعف إنتماءنا الوطني ، ومثل هذه الأفعال قد تعصف بكيان الدولة المهتريء والمأزوم، ومكمن الخطورة في أن مسرح الحرب الأهلية الشاملة قد بات جاهزاً، فقط ينتظر عود ثقاب حتى يحترق السودان ومن فيه.
●إن الدول لا تُبني بالمرارات والغبائن والأحقاد والثأرات القديمة، ويتطلب من جميع فرقاء السودان تقديم كافة التنازلات مهما كانت مؤلمة من أجل سلامة بلادهم وشعبهم.
●هنالك دولاً وشعوباً من حولنا قد مروا بنفس تجربتنا بل أسوا منها، ولكن توفر لديهم قادة عظام، تناسوا كل المرارات والخلافات والدماء التي سالت، وقادوا بلدانهم نحو المصالحة الشاملة والسلام، ودفعوا كلفة الإنتقال من مربع الحرب والدمار إلى مربع الإستقرار والنماء والتداول السلمي للسلطة.
●دونما شك أن السودان لا يخلو من قادة عظام من عيار نيلسون مانديلا وبول كاغامي، ولكن لم تتاح لهم الفرصة أو يُسمع لما يقولونه من أفكار وآراء وإجتراح للحلول ، وقد تسيد المشهد عاطلو المواهب والرجرجة والدهماء، الذين ينظرون للوطن من خلال منظار مصالحهم الضيقة، وصدورهم المحشوة بالإنتقام والثأر، إرضاءًا لغرورهم المريض ولو على جثة وطن يتداعي للسقوط!.
●متى ينهض شعبنا من سباته العميق ويشكل وعي جمعي حقيقي وكيان وطني عريض على إمتداد السودان، رافض للحرب وخطابات الكراهية والعنصرية التي ما فتئت تفت من عضد الدولة والوجدان الوطني المشترك، عبر الأفعال وليس الأقوال وحدها، ويفرض شروط إيقاف وإنهاء الحرب والتحول المدني الديمقراطي عبر كافة الوسائل السلمية الممكنة، وبأعجل ما يكون حتى لا نبكي على وطن فرطنا فيه بتخاذلنا أو تواطوءنا؟!.
#قلبي_على_وطني
25 يناير 2024م
elnairson@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
من يدعم بقاء السودان موحدا هو من يدعم بقاء الدولة
بعض القوى السياسية من جماعة (تقدم) وتحديدا من عناصر فيهم أكثر تحالفا مع مليشيا الدعم السريع تسعى لتشكيل حكومة، هناك مقولة تهكمية في رواية (مزرعة الحيوان) ننسج على منوالها هذه العبارة: (كل جماعة تقدم حلفاء للدعم السريع إلا أن بعضهم أكثر تحالفا من الآخرين)، المقولة الأصلية هي (كل الحيوانات متساوية إلا أن بعض الحيوانات أكثر مساواة من الآخرين)، هي مقولة من القواعد التي وضعتها (الخنازير) بعد ثورتها التي صورها الأديب الإنجليزي الساخر جورج أورويل.
من المهم أن تبدأ هذه الجماعة مراجعات كبيرة وجذرية، فمن يرغب منهم في تشكيل حكومة موازية لحكومة السودان الواقعية والمعترف بها ليس بريئا من حالة عامة من غياب الرشد الوطني والتمادي بالصراع لأقصى مدى هذا نوع من إدمان حالة المعارضة والاحتجاج دون وعي وفكر. وهؤلاء لا يمكن لجماعة تقدم نكران أنهم جزء منها بأي حال.
الخطأ مركب يبدأ من مرحلة ما قبل الحرب، لأن السبب الرئيس للحرب هو تلك الممارسة السياسية السابقة للحرب. ممارسة دفعت التناقضات نحو مداها الأقصى، وهددت أمن البلاد وضربت مؤسساتها الأمنية، لقد كان مخططا كبيرا لم ينتبه له أولئك الناشطون الغارقون في حالة عصابية مرضية حول الكيزان والإسلاميين، حالة موروثة من زمن شارع المين بجامعة الخرطوم وقد ظنوا أن السودان هو شارع المين.
ثمة تحالف وتطابق في الخطاب وتفاهم عميق منذ بداية الحرب بين الدعم السريع وجماعة تقدم، واليوم ومع بروز تناقضات داخل هذا التحالف بين من يدعو لتشكيل حكومة وبين من يرفض ذلك، فإننا أمام حالة خطيرة ونتيجة منطقية للسردية الخاطئة منذ بداية الحرب.
الحرب اليوم بتعريفها الشامل هي حرب الدولة ضد اللادولة، آيدلوجيا الدولة دفاعية استيعابية للجميع وتري فيها تنوع السودان كله، ولم تنقطع فيها حتى سبل الوصل مع من يظن بهم أنهم من حواضن للمليشيا، هذه حقيقة ملموسة. أما آيدلوجيا المليشيا هجومية عنيفة عنصرية غارقة في خطاب الكراهية، وتجد تبريراتها في خطاب قديم مستهلك يسمى خطاب (المظلومية والهامش).
من يدعم بقاء السودان موحدا هو من يدعم بقاء الدولة، وكيفما كانت تسميته للأمور: وقف الحرب، بناء السلام، النصر…الخ، أو غير ذلك المهم أنه يتخذ موقفا يدعم مؤسسة الدولة القائمة منحازا لها، من يتباعد عن هذا الموقف ويردد دعاية الدعم السريع وأسياده في الإقليم فإنه يدعم تفكيك السودان وحصاره.
نفهم جيدا كيف يمكن أن يستخدم مشروع المليشيا غير الوطني تناقضات الواقع، والأبعاد الاجتماعية والعرقية والإثنية، لكنه يسيء فهمها ويضعها في سياق مضلل هادفا لتفكيك الدولة وهناك إرث وأدبيات كثيره تساعده في ذلك، لكننا أيضا نفهم أن التناقض الرئيس ليس تناقضا حول العرق والإثنية بل حول ماهو وطني وما ليس وطني، بكل المعاني التي تثيرها هذه العبارات.
عليه ومهما عقدوا الأمور بحكومة وهمية للمليشيا مدعومة من الخارج، ومهما فعلوا سيظل السودان يقاتل من أجل سيادته وحريته ووطنيته والواقع يقول أن دارفور نفسها ليست ملكا للمليشيا، وأن الضعين نفسها هي جزء من السودان الذي يجب أن يتحرر ويستقل ويمتلك سيادته عزيزا حرا بلا وصاية.
والله أكبر والعزة للسودان.
هشام عثمان الشواني
إنضم لقناة النيلين على واتساب