جديد معرض الكتاب: "الدين والتراث والهوية".. توثيق مائة عام من المعارك الفكرية في مصر
تاريخ النشر: 26th, January 2024 GMT
على هامش فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب المقام حاليًا، يشارك الكاتب الصحفي محمود سلطان بكتابه «الدين والتراث والهوية » توثيق مائة عام من المعارك الفكرية في مصر.
الكتاب يقع في 500 صفحة من القطع الكبير، ويتضمن سبعة فصول رئيسة بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة والوثائق. وهو جهد أربع سنوات من البحث الدؤوب والتجول في أمهات الكتب والوثائق النادرة فيما حاول المؤلف أن يدعم ما استخلصه فيه من نتائج بما يشبه التحقيقات الميدانية من مصادرها التي عايشها.
يعتبر الكتاب رصدًا تحليليًا للمعارك التي خاضها المثقفون المصريون حول "هوية مصر" على مدى مائة عام مضت. لم يغفل الكتاب استعراض بعض المعارك "العارضة" و"الخفية" والتي لم يلتفت إليها أحد لدلالتها السياسية المهمة والماسَّة بصلب قوام الهوية المصرية الأساسي، إذ تعتبر تراثًا من الخبرة يتيح للباحث المدقق استخلاص آليات المثقفين المصريين في توريث قضاياهم للأجيال اللاحقة منهم من جهة، واستشراف أدواتهم في الدفاع والدعاية لتلك القضايا من جهة أخرى، فضلًا عن عقد مقارنة بين طرق الجماعات الثقافية المتباينة والمتناقضة، في كيفية التعاطي مع الملفات العالقة فيما بينهم، وأيهم كان أكثر التزامًا بمعايير الموضوعية والعقلانية، وتتبع الأهداف السياسية التي جاءت هذه المعارك الثقافية للتخديم عليها، بالإضافة إلى حصر عمليات التزوير في النصوص التي استقطعها مثقفون كبار من أمهات كتب التراث، ثم الإحالة إليها مفترضين أنه من الصعوبة ـ مهما بلغت حدة المعارضة لهم ـ أن يتكبد معارض مشقة النبش خلفهم بحثًا عن حقيقة ما يدعون.
كذلك توثيق عدد من الحقائق التي عمدت تيارات ثقافية مصرية إلى جمعها وإخفائها أو إتلافها، أملًا في اصطياد الأجيال الجديدة والتدليس عليها، وهو ما حمل المؤلف على جمع الوثائق التي أرَّخت للمعارك الثقافية الكبرى مثل: الإسلام وأصول الحكم للشيخ على عبد الرازق عام 1925، وفي الشعر الجاهلي للدكتور طه حسين عام 1926، والفن القصصي في القرآن الكريم للدكتور محمد أحمد خلف الله عام 1964، وأصوات المد في التجويد القرآني لتغريد عنبر عام 1965، والإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجيا الوسطية ( ومجموعة أخرى من الأبحاث) للدكتور نصر حامد أبو زيد عام (1992 ـ 1995)، ووليمة لإعشاب البحر للروائي السوري حيدر حيدر عام 2000م. بالإضافة إلى تحليل مضمون هذه الوثائق، من خلال استعراض السياق العام لتلك المعارك، التي كانت تعتمد على "أنساق سلوكية" تكاد تكون متشابهة، وهي نتيجة من شأن تأملها والتدقيق فيها أن تكسبنا خبرة أو حساسية خاصة، تثري القدرة على استشراف السيناريوهات المتوقعة حال وقوع معارك مشابهة في المستقبل. حيث شهدت مصر العديد من المعارك الفكرية الكُبرى، اتشحت بوشاح ثقافي حينًا، وبمظاهر أكاديمية حينًا آخر، اشتبك فيها الطرفان: قُوى تشعر بالتهديد في هويتها العربية/ الإسلامية وتتشكك في الجهود الماسَّة بأصولها، وأخرى ترى ضرورة إخضاع التراث الذي تستقي منه الهوية الوطنية مشروعيتها لمناهج النقد الغربية.
ما يريد المؤلف قوله في هذا الكتاب؛ أن ما يُثار من قضايا فكرية أو ثقافية من حينٍ إلى آخر؛ هي في واقع الحال سليلة أهداف وغايات سياسية، ومن ثم فإن التعاطي مع تلك القضايا، يقتضي استحضار المشهد السياسي من جهة، واللحظة التاريخية الحاضنة له من جهة أخرى. إذ سيكتشف القارئ أن الأمر كله في الأصل هو معركة سياسية، بين أطراف لها أحلام ومشاريع، قد يكون بعضها حسن النية، بيد أن أكثرها يضمر في نفسه نيات غير حسنة، تجاه الأطراف الأخرى التي تخالفه الرأي أو العقيدة. وأن التعاطي مع بعض المفاهيم، مثل: الحضارة والنهضة والتنوير وحقوق الإنسان حقوق المرأة أو حريتها، قد تبدو للبعض محض اشتباك فكري بريء من أية غايات سياسية، وقد يراها البعض الآخر ترفًا لا طائل من ورائه، وأن المثقفين ينبغي لهم أن ينشغلوا بالبحث عن أزمات المجتمع الحقيقية، مثل الإدمان والبطالة والعنف وأزمة الإسكان والأُمية وما شابه... وواقع الحال أن الأزمات الأخيرة وغيرها من أزمات هي نتاج مشروع سياسي قائم، يستند إلى فلسفة فكرية وثقافية، تستقي قوامها من المنظور الغربي لعدد من المفاهيم، ومن ثم فإن مناقشة هذه المفاهيم، هي في واقع الحال قراءة لصلب العقيدة السياسية التي تتبنى هذه المفاهيم، والتي أفرزت في النهاية الأزمات التي تواجهها الأُمة حاليًا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: من جهة
إقرأ أيضاً:
«ابن الكيزاني.. يا من يتيه على الزمان بحسنه».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أصدرت وزارة الثقافة، متمثلة في الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، ضمن إصدارات سلسلة ديوان الشعر المصري، كتاب «ابن الكيزاني.. يا من يتيه على الزمان بحسنه»، من تقديم الشاعر أحمد الشهاوي.
ويقول الشهاوي في تقديمه: «"ابن الكيزاني" هو ابن القلب لا الجوارح، جاهد وكابد، ونحا نحوا مختلفا كعادة أهل التصوف في زمانه أو الأزمنة السابقة عليه، حتى وصل إلى مقام القرب من الله، وحل مشكلته الروحية شعرا ونثرا الذي ضاع أغلبه وفقد، وأقام من الدين أساسا للتصوف، جمع بين الحقيقة أي المعنى الباطن المستتر وراء الشريعة، والشريعة أي الرسوم والأوضاع التي تعبر عن ظاهر الأحكام وتجري على الجوارح، أو بين علم الظاهر والباطن.
كان شيخا للمصريين في زمانه في الميدانين الشرعي والصوفي، انشغل بشعر الحب والغزل الإلهي، نشر التعاليم الصوفية في مصر في تحد كبير لسلطان الفاطميين وقتذاك حيث كانت مصر فاطمية، كأنه كان يمهد لعودة دولة بني العباس إلى مصر من خلال صلاح الدين الأيوبي الذي تواطأ مع الكيزاني للقضاء على الدولة الفاطمية عبر السلطان نور الدين زنكي (511 - 569 هجرية 1118 - 1174 ميلادية).
وقد ضايقه كثيرا بعض معاصريه من الفقهاء والأئمة وحسدوه على مكانته، إذ كان شاعرا شهيرا في زمانه؛ فآثر الانعزال، ولم يجد سوى الجبل مأوى له، فأكثر من خلواته، ولما جاءه الموت ودفن، نبش قبره، وأخرجت جثته؛ لتدفن في قبر آخر؛ لأنه لا يجوز من وجهة نظر نابش القبر دفن الصديق إلى جوار الزنديق، لقد كان خلافا أيديولوجيا، حيث اعتبره النباش من الكفار والمشركين، مع أن الحرية مكفولة للجميع في ذلك الزمان وفي كل زمان».
لقب «بالكيزاني» نسبة إلى صناعة الكوز، والكيزان الأكواب التي تصنع للشرب، وسمي بالمصري تارة وبالكيساني تارة أخرى، كان مفرطا في زهده وتقشفه وورعه، لا يعرف أحد مكانًا ولا زمانًا لولادته، ومن يتأمل نصوصه الشعرية سيلحظ كثرة ورود مفردة «الحبيب»، مما يشير إلى تجاربه الكثيرة في العشق.