الركود مستمر في سوق العقارات والمطلوب حلول طويلة الأمد
تاريخ النشر: 26th, January 2024 GMT
قد يكون سوق العقارات في لبنان هو الوحيد الذي لم ينجح حتى الآن في استعادة بعض عافيته، نتيجة الأزمة الإقتصادية التي ضربت لبنان منذ حوالى اربع سنوات.
فبعدما تحرّك السوق في عزّ الأزمة المالية، وبات الملاذ الآمن الوحيد للمستثمرين لإخراج أموالهم من المصارف بأي طريقة، عاد الى حالة الركود الكبيرة في العام 2022 مع الانخفاض المتزايد بالقدرة الشرائية والانهيار الإضافي بسعر الليرة، ما انعكس انخفاضاً في الطلب على شراء العقارات.
فكيف كان الوضع في العام 2023؟ وهل من مؤشرات توحي باعادة تفعيله في العام الحالي؟
سؤال حملناه الى رئيس نقابة الوسطاء والإستشاريين العقاريين وليد موسى، الذي لفت الى ان "الركود في السوق العقاري استمر في العام 2023 وبطريقة دراماتيكية اكبر من الاعوام السابقة، حيث أشار التقرير الصادر عن الدوائر العقارية الى تراجع في نسب الشراء بحدود الـ84% مقارنة مع الأشهر نفسها من الاعوام السابقة" .
واذ شكك موسى بهذه الأرقام، اعتبر ان "النسبة قد تكون وصلت الى حدود الـ50% خصوصاً وان العديد من المعاملات قد انجز من دون تسجيلها في الدوائر العقارية نظراً للاقفال المستمر، لا سيما في محافظة جبل لبنان، والاكتفاء بعقد يوقع بين البائع والشاري لدى كاتب العدل"، لافتاً إلى أن الأمر لا يقتصر فقط على تراجع القدرة الشرائية للمواطنين بل أيضاً الى الى اقفال الدوائر العقارية الذي يعتبر أحد ابرز الاسباب التي أدت الى تراجع عمليات البيع والشراء في السوق العقارية، هذا فضلاً عن انها تعمل بشكل بطيء جداً في المحافظات الأخرى، ما أخّر أيضاً معاملات المواطنين".
ولفت موسى في حديث عبر "لبنان 24" الى ان "هذا الأمر قد تراحع أيضاً نظراً لانعدام القروض السكنية، والقروض المصرفية التي تساعد المطورين على تحسين وتطوير مشاريعهم، هذا فضلاً عن عدم الاستقرار الأمني والسياسي الذي تعيشه البلاد، ما يؤدي الى تراجع الشراء عند المسثمرين، وغياب الخطة الحكومية الواضحة للنهوض بهذا القطاع."
وأوضح أن "أسعار الوحدات العقارية تتفاوت بحسب قربها من العاصمة والقوة الشرائية للمواطنين في كل منطقة، ووحدها الشقق السكنية المصنفة Prime Location استطاعت أن تحافظ على سعرها إلى حد ما، لتمتعها بمواصفات مطلوبة تتيح المطالبة بأسعار أعلى مثل الرملة البيضاء، الأشرفية ورأس بيروت، حيث بدأت أسعار الشقق السكنية تشهد تحسناً خجولاً نسبته 25% في العام 2023 مما كانت عليه قبل الأزمة، لأن المالكين العقاريين وجدوا أنفسهم في موضع تفاوضي أفضل ولم يعودوا مضطرين لبيع شققهم السكنية بأسعار أقل، في حين أن الوحدات السكنية في المناطق البعيدة لم تشهد هذا التحسن، وبقيت الأسعار متراجعة فيها بحدود الـ40 الى الـ50%".
وعن العوامل التي أدت إلى توقف سوق العقارات في لبنان يشير موسى إلى "أسباب عدة ، منها، تسعير الوحدات السكينة بشكل كامل بالدولار" الفريش" وتوقف البائعين عن قبول الشيكات المصرفية كوسيلة للدفع، وغياب القروض السكنية".
وأضاف " إن هذه الاسباب هي التي ادت الى هذا التدهور، فضلاً عن غياب المستثمرين الأجانب، واقتصار بعض المعاملات على اللبنانيين الموجودين خارج البلاد والذي يسعون الى استملاك شقق لهم فيه."
ورداً على سؤال عن المطلوب اليوم لتحريك هذا القطاع الحيوي، شدد موسى على ان "المطلوب اولاً هو عودة القروض المصرفية وهذا لا يتم الا وفق تشريعات ضرورية تحتم انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة كاملة المواصفات، ما سيؤدي حتماً الى اعادة تحريك السوق".
إذاً، المطلوب اليوم اعادة احياء هذا القطاع الحيوي في لبنان، الذي سيكون قادراً حتماً على تحريك اكثر من 70 مهنة مرتبطة به ارتباطاً مباشراً، ويكون قادراً أيضاً على ادخال الكثير من المداخيل الى خزينة الدولة، وبالتالي ينعكس ايجاباً على النمو الاقتصادي في البلاد، فهل من سيتحرك قبل فوات الأوان؟ المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی العام
إقرأ أيضاً:
ليست 54 سنة.. إنها قرون طويلة جدا
أعادتني رسائل تهنئة بعث بها أصدقاء من دول عربية يهنئون عُمان بمناسبة عيدها الوطني جاء في بعضها أن منجزات سلطنة عمان كبيرة جدا مقارنة بتاريخ تأسيسها قبل «54» سنة فقط!.. أقول أعادتني تلك الرسائل ـ وأنا أصحح للأصدقاء أن هذا الرقم يحتاج إلى إضافة عدة أصفار على يمينه حتى يستطيع أن يحيط بعمر عُمان الضارب في أعماق التاريخ ـ إلى ما كتبته مغردة عمانية معروفة قبل حوالي ثماني سنوات وهي تصحح لقناة تلفزيونية «خليجية» كتبتْ في سياق بث مباشر كان يغطي قمة مجلس التعاون في تلك السنة أن سلطنة عُمان تأسست سنة 1971، وسارعت المغردة بالرد على تلك القناة على موقع تويتر مطالبة منها الاعتذار فورا وتصحيح الخطأ؛ فسلطنة عمان، كما كتبت، لم تتأسس سنة 1971 بل سنة 1970!
أفهم جيدا الدلالة الوجدانية التي تعنيها سنة 1970 عند العمانيين، واللبس الحاصل بين عمر «النهضة» التي قادها السلطان الراحل قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، وبين العمر الحضاري لعُمان الذي يمتد لآلاف السنين من الحضور الإنساني الفاعل في سياق الحضارات الإنسانية، وعمر النظام السياسي الذي ما زال قائما إلى اليوم؛ وربما كان سبب اللبس هو وجود رقم «54» إلى جوار العيد الوطني ما يجعل البعض يعتقد أن هذا الرقم يمثل عمر الدولة كما هو الحال عند بعض الدول التي تأسست حديثا بالفعل.. لكن تلك الدلالات الوجدانية وذلك اللبس لا يُعفينا من العمل جميعا على فهم وتكريس الصورة الحقيقية لبلادنا في الداخل وفي الخارج، فعُمان لم تتأسس قطعا في عام 1970 ولا في عام 1744 عندما تأسست الدولة البوسعيدية التي تكمل بعد يومين 280 سنة على تأسيسها ما يجعلها من بين أعرق الأسر الحاكمة في العالم، ولا في اللحظة التاريخية التي انتصر فيها العمانيون على الاستعمار البرتغالي ودحروه ليس من الخليج العربي ولكن من المحيط الهندي وبذلك انتهت تماما وإلى الأبد الحقبة التاريخية التي عرفت باسم «حقبة الكشوفات الجغرافية»، ولم تتأسس سنة 132هـ/749م عند مبايعة الإمام الجلندى بن مسعود إماما على عُمان رغم أن هذا التاريخ هو بداية للنظام السياسي في عُمان والذي ما زال قائما إلى اليوم بعد أن شهد تطورات كبيرة هي في الحقيقة عمر التطور الإنساني وانتقاله من طور معرفي إلى آخر. وهذا النظام السياسي هو الأقدم في العالم ولم ينقطع، تقريبا، منذ 1275 سنة وأصبح له تقاليد عريقة راسخة ونظريات في الحكم وفي انتقاله، وفي العدالة الاجتماعية، وفي الحقوق والواجبات، ويمكن الحديث عن عقد اجتماعي واضح وإن لم يكن مكتوبا، ولكنّ المنظرين الذين درسوا النظام السياسي في عُمان عبر التاريخ استخلصوا الكثير من ركائز هذا العقد الاجتماعي والفلسفة التي يقوم عليها.
عُمان التي تحتفل بعد غدا بعيدها الوطني ليست وليدة التحولات السياسية التي حدثت في المنطقة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أو حتى في القرن العشرين الذي شهد تغيرات جذرية في حدود المنطقة، وليست وليدة جريان النفط، إنها كيان حضاري قديم ضارب في أعماق التاريخ يقدره بعض دارسي التاريخ بحوالي عشرة آلاف سنة، كانت عُمان فيه حاضرة بفاعلية، ومساهمة في الحراك الإنساني الذي صنع اللحظة التي تعيشها البشرية اليوم. وهذا ليس كلاما من أجل بناء الروح المعنوية عشية العيد الوطني إنه حقيقة تاريخية لها أسسها ولها جذورها ولها حقائقها المكتوبة في المدونات ومنقوشة على الصخور الصلدة ولها، أيضا، مرجعياتها الآثارية التي يعرفها أهل الآثار والتاريخ.. ومن يعد إلى المدونات القديمة السومرية والأكادية والأغريقية والفرعونية وكل الحضارات الإنسانية القديمة يستطيع أن يفهم التواصل الذي كان بين عُمان وبين تلك الحضارات، والتفاعل الإيجابي الذي كان بينها.. وعندما جاء الإسلام وبعث الرسول الكريم برسالة إلى أهل عُمان بعثها إلى ملكيها عبد وجيفر ابني الجلندى يقول في تلك الرسالة: «إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما إن تقرا بالإسلام، فإن ملككما زائل عنكما». كانت عُمان في تلك الفترة البعيدة قد أصبحت كيانا سياسيا له حدوده وتقاليده، وخاطبه الرسوم الكريم على هذا الاعتبار فلم تكن الرسالة إلى قبيلة من قبائل العرب أو حي من أحيائه بل إلى «مملكة» قائمة تحولت من القبيلة إلى «الدولة» وهذا التحول يأخذ فترة زمنية طويلة نسبيا ما يعني أن الكيان الحضاري العماني كان في ذلك الوقت قد أكمل مسيرة طويلة جدا.
نحتاج اليوم إلى تكريس هذا الفهم ليس للأجيال العمانية الشابة فقط ولكن للعالم أجمع فهذا السياق بكل معطياته هو مفردة من مفردات القوة الناعمة التي تمتلكها عُمان، وتاريخها الذي تشابك مع الكثير من التحولات التي جرت عبر التاريخ الإنساني مصدر إلهام للجميع إذا ما استطعنا أن نوصله للعالم الذي يعتقد الكثيرون فيه أن منطقة الخليج هي وليدة طفرة النفط! حتى أن الدلالة التي تعنيها «دول الخليج» بالنسبة للغرب هي الدول التي تأسست نتيجة ظهور النفط، وهذا فهم خاطئ للتاريخ، ورؤية عامة جدا له ولا بد أن تتغير وهذا التغير يبدأ من الداخل، من قناعاتنا وخطاباتنا.
ويجدر بنا أن نقرأ ونفهم جيدا ما قاله حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم في خطابه في شهر فبراير من عام 2020 حيث قال «لقد عرف العالم عُمان عبر تاريخها العريق والمشرّف، كيانا حضاريا فاعلا، ومؤثرا في نماء المنطقة وازدهارها، واستتباب الأمن والسلام فيها، تتناوب الأجيال على إعلاء رايتها وتحرص على أن تظل رسالة عُمان للسلام تجوب العالم، حاملة إرثا عظيما، وغاياتٍ سامية، تبني ولا تهدم، وتقرب ولا تباعد، وهذا ما سنحرص على استمراره، معكم وبكم، لنؤدي جميعا بكل عزم وإصرار دورنا الحضاري وأمانتنا التاريخية». هذا النطق السامي ينصف عُمان ويضعها في السياق التاريخي الذي تستحقه.. وعلينا أن ننطلق جميعا منه لتكريس عراقة عُمان التاريخية وبناء الصورة التي نريد للعالم أن يعرفها عن عُمان.