عمر هريدى: عودة المجالس الشعبية المحلية ضرورة التطورات السياسة الجديدة

السادات:  الفصل بين السلطات.. تفعيل القوانين المكملة للدستور.. والتأكيد على حرية الرأى والتعبير 

 

 نجاح كبير حققته النسخة الأولى من الحوار الوطنى، وقرابة 133 بندًا جاءت فى توصياته، وتستعد الدولة الآن للنسخة الثانية تحت شعار «من أجل الوطن والمواطن».

. ملفات عديدة متبقية من النسخة الأولى من المقرر أن يناقشها الحوار الوطنى، وسط حضور جميع الأطراف والقوى السياسية والحزبية.

ويهدف الحوار الوطنى لأن يكون سندًا للدولة، حرصا على تفعيل دور الأحزاب السياسية، من خلال التواصل الجماهيرى مع المواطنين، ما يخلق حالة تشاور فكرى ومجتمعى. 

الدعوة للنسخة الثانية من الحوار الوطنى لها العديد من الدلالات السياسية، منها الاستقرار وصورة مصر أمام العالم، خاصة بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية بصورة مشرفة، كما تعد فرصة ذهبية لجميع الأحزاب للمشاركة والكشف عن أجندتهم تجاه الدولة وخططهم المنوط بها تحسين حياة المواطنين واستكمال بناء الجمهورية الجديدة. 

البرلمان الشعبى

فى البداية، قال عمر هريدى، مساعد رئيس حزب الوفد للشئون الدستورية والتشريعية، إنّ أول الملفات التى تحتاج للنظر فى النسخة الثانية من الحوار الوطنى، هو عودة المجالس المحلية، والتى تُعد بمثابة «البرلمان الشعبى للمواطنين» لقضاء مصالحهم، مشيرا إلى أنّ الوضع الحالى فى حاجة إلى خروج قانون المجالس المحلية للنور بعد استقرار الدولة وفى ظل بناء الجمهورية الجديدة. 

وأضاف «هريدى»، أنّ الحياة السياسية حاليًا وقانون انتخاب مجلسى النواب والشيوخ فى حاجة إلى رؤية مستقبلة بما يواكب التطورات السياسية الجديدة، وبما يتناسب مع تعليمات الرئيس عبدالفتاح السيسى فى بناء الجمهورية الجديدة، وحياة كريمة للمواطنين. 

وعن سبب عدم تطبيق التوصيات التى خرجت من النسخة الأولى من الحوار الوطنى، رد «هريدى» قائلًا إنّ الظروف السياسية الدولية كانت سببًا فى اهتمام القيادة السياسية بتحقيق الأمن القومى المصرى أولاً قبل كل شىء، وكان الاهتمام بالأولويات ضرورة فى ظل الحروب المحيطة بالمنطقة، وبعد نهاية النسخة الثانية من الحوار الوطنى سيتم تطبيق كافة التوصيات على أرض الواقع.

أهمية كبيرة

قال رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور عصمت السادات، إن للحوار الوطنى أهمية كبيرة فى بناء الوطن على أسس ثابتة، من منطلق رؤية كل أبنائه المخلصين وحرصهم على مستقبل وطنهم. 

وأضاف «السادات»، أنّه مع اقتراب انطلاق الجولة الثانية للحوار الوطنى، واستئناف الجلسات، من الضرورى تفعيل ما انتهت إليه توصيات المرحلة الأولى، وأن يتم ترجمتها من خلال مشروعات قوانين، أو قرارات تنفيذية من الحكومة، حتى تكون النتائج مشجعة ومطمئنة لقلوب بعض الرافضين للمشاركة أو المتحفظين على استمرارية الحوار وجدواه.

وتابع: لقد كان حزب الإصلاح والتنمية من أوائل الأحزاب التى نادت ولا تزال تنادى بضرورة أن يكون هناك حوار دورى مع مختلف القوى السياسية والوطنية وأبناء هذا الوطن دون إقصاء أو استبعاد لأحد، مشيرا إلى أن الحزب تلقى بترحاب شديد الدعوة للحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى ليكون خطوة على طريق تحديد أولويات العمل الوطنى وتدشن لجمهورية جديدة تقبل بالجميع، ولا يمكن فيها أن يفسد الخلاف فى الرأى للوطن قضية، وإن كنا نرى أهمية تفعيل المادة 248 من الدستور المتعلقة باختصاصات مجلس الشيوخ.

واستكمل: منذ إعلان الرئيس إطلاق الحوار الوطنى عكفت اللجان النوعية للحزب بالعمل على محاور عديدة فى شتى المجالات، وتم تشكيل لجنة لتلقى جميع الرؤى والمقترحات حتى يتسنى لكل أعضاء الحزب المشاركة بآرائهم ومقترحاتهم، وتم وضع رؤية تخص بعض الملفات التى يراها الحزب أولوية قصوى فى الفترة الحالية، بما يتماشى مع خطة الدولة للتنمية المستدامة وتطلعاتنا لبناء الجمهورية الجديدة.

وأكد رئيس حزب الإصلاح والتنمية، تيقنه من أن مصر تواجه تحديات كثيرة، تحتم علينا أن نعمل معا بروح الفريق وليس الفرقاء لنبادر سريعا ويستدعى كل منا طاقاته لمواجهة تلك المخاطر والتحديات بلا أفكار جامدة لا ترتقى للتطبيق، كما يؤمن بأهمية توسيع أطر الحوار والخروج به من حيز اللقاءات الفكرية التى تضم مجموعة ضيقة من المفكرين والمثقفين والمهمومين بالشأن العام إلى فضاء ثقافى ووطنى واسع يستوعب نخبا جديدة برؤى متنوعة ومتعددة ترتقى بالحوار، كمفهوم وقيمة وأهمية، ويخرج الحوار تباعا من الأجندة الضيقة للقوى الثقافية بتوجهاتها وأفكارها إلى حيز فسيح يعترف بالآخر ويستوعب أفكاره وأطروحاته ويتقبل اختلافاته دون إقصاء أو تهميش أو مصادرة. 

أجندة الحوار

وأضاف السادات أن هناك ملفات يوليها الحزب أهمية قصوى ويراها من أولويات المرحلة الراهنة، ونظرا لتفهمنا لأهمية إفساح المجال لمشاركة الجميع وأخذ الفرصة، فإننا سوف نتطرق إلى بعض وليس كل الملفات، أولها الإصلاح السياسى، من خلال تنشيط الحياة الحزبية الراكدة منذ سنوات، ومنح الأحزاب الحرية المسئولة فى الرأى والتعبير، وتمكينهم من المشاركة والمساهمة فى صناعة معارضة وطنية، تشعر بأنها جزء من النظام.

ثانى الملفات الواجب مناقشتها حسب حديث السادات، الفصل بين السلطات، وتفعيل القوانين المكملة للدستور، وتوفير مستويات معينة لحرية الرأى والتعبير وحرية تنظيم النقابات والجمعيات والأحزاب وحق الاحتجاج السلمى.

وطالب «السادات»، بإطلاق سراح المحبوسين احتياطيًا من غير الذين تورطوا فى عنف أو حرضوا عليه، وتعديل قانون الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بالحبس الاحتياطى، حيث تحول إلى عقوبة فضفاضة غير محددة الإطار.

كما طالب السادات بتفعيل دور الاتحادات الطلابية، وتفعيل دور النقابات والاتحادات العمالية (الحريات النقابية)، وضرورة إلغاء مبدأ الحبس أو الاعتقال بسبب الرأى وإطلاق سراح سجناء الرأى الذين لم يقدموا إلى المحاكمة أو تصدر ضدهم أحكام قضائية، والعمل على تأسيس الهيئات والمراكز البحثية لاستطلاع الرأى العام بصورة دورية، فى كافة القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

كما طالب رئيس حزب الإصلاح والتنمية، بأن يناقش الحوار الوطنى فى نسخته الثانية تحرير الصحافة ووسائل الإعلام من التأثيرات والهيمنة الحكومية، وتفعيل دور المجتمع المدنى للمشاركة فى التنمية.

وتطرق رئيس حزب الإصلاح والتنمية، إلى المحور المحور الاقتصادى، وقال لابد من دراسة البدائل التنموية لتحقيق نقلة تنموية سريعة، ودراسة التداعيات الاقتصادية للأزمة «الروسية - الأوكرانية» على مصر، وانعكاساتها على زيادة الأسعار، وسبل مواجهة التضخم وأزمة الديون المتفاقمة، وإعادة النظر فى قوانين الاستثمار وتهيئة المناخ للمستثمرين، وإعادة النظر فى قوانين الجمارك والتعريفة الجمركية، وتفعيل الاتفاقيات الدولية الموقع عليها من قبل الحكومة المصرية مع الشركاء الدوليين فى هذا الصدد.

وآخر المحاور التى تحدث عنها «السادات» والواجب مناقشتها فى النسخة الثانية من الحوار الوطنى هى المحور المجتمعى، وضرورة تعديل قانون الأحوال الشخصية، وإقامة مفوضية عدم التمييز، وسبل تجديد الخطاب الدينى، وقانون العدالة الانتقالية، ومواجهة ظاهر العنف الاجتماعى، من خلال برامج تنويرية وثقافية وقوانين تحد من هذه الظاهرة، ومناقشة القوانين الاجتماعية الشائكة كالإيجار القديم، وزواج القاصرات، وعمالة الأطفال، ومشكلة البطالة، والزيادة السكانية وآثارها على التنمية ومستقبل الأجيال القادمة، وزيادة نسب الطلاق، ومشكلة العنف ضد المرأة، والزواج المبكر.

خارطة طريق

وأشار الكاتب الصحفى أسامة الدليل، رئيس قسم الشئون الدولية بالأهرام العربى، إلى أن الحوار الوطنى ليس بستانًا يرجى منه قطف الفواكه، أو استثمارا تجاريا يرجى جنى الأرباح من ورائه، وإنما عمل يستهدف رسم خارطة طريق للمجتمع المصرى سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا لمواجهة المستقبل.

وأضاف الدليل، أن الحوار الوطنى قد أنجز أمرًا كبيرًا بمجرد انعقاده وقبول كافة الأطياف حضور أعماله، وهذا الإنجاز هو إقرار عام من كل أطراف المجتمع المصرى بأنه لا وجود للإخوان المسلمين فى مستقبل مصر، لا هم ولا من يكفر بالدولة الوطنية ذات السيادة، أو من يعادى النظام الجمهورى فى مصر، مشيرا إلى أن الحوار الوطنى بمثابة انجاز سياسى تم من اليوم الأول لكن لم يجد من يفهمه وأن يوصله لأكثر من 100 مليون مصرى حتى اليوم.

وتابع: لا توجد دولة فى العالم تقيم حوارًا وطنيًا إلا إذا كان الوطنيون على خلاف أو اختلاف، هنا يصبح الحوار مفيدا للوصول إلى صيغة للتفاهم يقدم فيها كل طرف تنازلا ما للوصول إلى (التعايش)، ولكن الأمر فى مصر مختلف تمامًا، فالحوار الوطنى تم بدعوة من رئيس الجمهورية لكل الأطياف الوطنية، وهى أطراف تجد فيها كل الأطياف السياسية والمجتمعية والثقافية على أساس إقصاء الاخوان المسلمين، والهدف الذى لم يفهمه الإعلام فى مصر هو إنشاء بنية تحتية للديمقراطية فى مصر، تماما مثل البنية التحتية للتنمية والبنية التحتية للأمن الاستراتيجى للدفاع عن الدولة. 

واستكمل: مع كل ما قامت به الدولة من أعمال فى بنية التنمية، تجد من يسأل ما الذى دخل جيبى؟ لانه لم يفهم من الإعلام أن البنية التحتية هى للإنتاج والعمل، لا لتحقيق الثراء، وكذا الأمر فى بنية الأمن، لدرجة أن كثيرين كانوا فى دهشة من الإنفاق على التسليح، وهو أمر بدأ المواطنون فى تفهمه مؤخرًا.

وأشار «الدليل» إلى أنّ الحوار الوطنى يشبه إلى حد كبير أعمال بنية التنمية والدفاع، وهنا نؤكد أنّ المجتمع المصرى بأطيافه الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية لا يعيش حالة استقطاب، ولكن هناك قضايا متعددة تحتاج إلى حلول وإلا تحولت إلى شروخ، وقد تتسع هذه الشروخ إلى إيجاد فروق تسمح بالصراع الاجتماعى والثقافى والسياسى على المدى البعيد، ولهذا الحوار الوطنى هو عمل تأسيسى لبناء مجتمع يتسم بالحد الأدنى من الإجماع الوطنى حول تحديات المستقبل.

وانتقد «الدليل» ممارسة الإعلام بشأن الحوار الوطنى قائلاً، إنّ الإعلام تعامل مع الحوار الوطنى وكأنه برلمان موازٍ، أو أنه تجمع لترشيد النظام السياسى واعطاء حلول لمشكلات اقتصادية واجتماعية قائمة، وهذا فهم خاطئ تماما، فمجال عمل أى حوار وطنى فى العالم هو بناء المستقبل، لا حل مشكلات الواقع ولا تصفية الحسابات مع ما جرى بالأمس.

واستكمل: لا يزال من ضمن أولويات الحوار السياسى البحث عن مخرج للقضاء على سيطرة المال السياسى على الديمقراطية فى مصر، مثلا القضاء على أى جذور دينية للتمييز بين المواطنين فى مجتمع يعتز بشدة بتدينه والتزامه الدينى، أو القضاء على أشكال من الاقتصاد الريعى الذى سمح بتكوين طبقات من الأثرياء بلا التزام ضريبى، فى مقابل طبقات مطحونة ترزح تحت وطأة التضخم وتشكل وسائل دعمها عبئا كبيرا على الموازنة العامة للدولة. 

إعادة الحياة للأحزاب السياسية

كما قالت الكاتبة الصحفية، وعضو مجلس النواب، فريدة الشوباشى، إنّ تفعيل دور الأحزاب على أرض الواقع أول الملفات الواجب مناقشتها فى النسخة الثانية من الحوار الوطنى. 

«لما تسأل الشارع عن الأحزاب متلاقيش حد عارف حاجة».. تستكمل «الشوباشى» حديثها عن ضرورة عودة الأحزاب للشارع المصرى، وأن يلمس المواطن ذلك عن قرب، كما من الضرورى أن يقدم كل حزب أجندته تجاه خارطة بناء الجمهورية الجديدة. 

وأشارت عضو مجلس النواب إلى أنّ ضمن الملفات الواجب مناقشتها أيضا: الزيادة السكانية التى تلتهم الجهد الاقتصادى للدولة، متساءلة أين دور الإعلام ورجال الدين من توعية المواطنين بمخاطر الإنجاب بكثرة؟، وتابعت:«الواحد من دول يخلف 10 وعايز الحكومة تأكله». 

وهاجمت «الشوباشى»، بعضا من رجال الدين الذين يهدمون مساعى الدولة فى تحديد النسل، وقالت: «الدولة تمشى يمين.. ودول يقولوا العيل بيجى برزقه والناس تمشى وراهم». 

وأكدت عضو مجلس النواب، أنّ ثقافة المواطنين وجهل الكثير منهم السبب وراء عدم تنفيذ توصيات النسخة الأولى من الحوار الوطنى.

ملف المحليات

والتقط أطراف الحديث أستاذ العلوم السياسية لواء دكتور رضا فرحات، موضحا أنّ الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، كثيرًا ما يؤكد ضرورة متابعة الخطة التنفيذية لتوصيات المرحلة الأولى من الحوار الوطنى، وذلك لاستكمال بناء الجمهورية الجديدة، عن طريق التنسيق مع مختلف الوزارات الحكومية لتحقيق اهتمامات وتطلعات المواطنين بشكل فعال، وتعزيز التماسك الاجتماعى والتنمية المستدامة وتنفيذ السياسات والإصلاحات التى تمس حياة الموطن المصرى.

وأشار أستاذ العلوم السياسية، إلى أنّ النسخة الأولى من الحوار الوطنى شملت 44 جلسة، و133 إجراء موزعا على ثلاثة محاور، أولها الاجتماعى بإجمالى 61 إجراء، والمحور السياسى بواقع 37 إجراء، وأخيرا 35 إجراء خاصا بالمحور الاقتصادى.

وأشار أستاذ العلوم السياسة إلى أن أهم الملفات الواجب مناقشتها فى النسخة الثانية من الحوار الوطنى هى ملف المحليات، مؤكدًا أنه من أهم الملفات التى تؤثر مباشرة على حياة المواطنين فى المجتمع، كما طالب بضرورة مناقشة قضية الحوكمة المحلية، وتعزيز دور المجالس المحلية فى صنع القرار، وتنفيذه على المستوى المحلى وتعزيز المشاركة المدنية، وتمكين المواطنين من المشاركة فى عملية صنع القرارات على المستوى المحلى، من خلال تعزيز الشفافية والمساءلة وتطوير آليات الحوكمة المحلية.

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: ل دور الأحزاب والنقابات الإصلاح السياسى مصر الحوار الوطني تستعد الدولة الدوله الأحزاب السياسية رئیس حزب الإصلاح والتنمیة بناء الجمهوریة الجدیدة تفعیل دور من خلال فى مصر إلى أن

إقرأ أيضاً:

فتح الحوار حول كيفية إعادة بناء الدولة السودانية

الدكتور الخضر هارون

إن أهم ما ينبغي أن يفكر فيه السودانيون، كل السودانيين، هو تصور صعوبة الحفاظ علي الدولة السودانية بعد الانتصار علي هذا العدوان الغاشم بذات التصورات التي سبقت العدوان وبذات الهياكل التي قامت عليها الدولة منذ الاستقلال وأن النظر في ذلك يلح علي دراسة الأسباب التي أدت لقيام هذه الحرب منذ أبريل ٢٠٢٣ وإلي الهشاشة التي وجدت عليها الدولة واستسهال زوالها بالكلية.
والنظر الفاحص لذلك يستدعي الوقوف عند محطة انفصال الجنوب في ٢٠١١ والذي كان نذيرا يستوجب تدابير ووسائل للحفاظ علي ما تبقي من البلد وأن مجرد وقوع ذلك الحدث الذي أودي بقاعدة صلبة وركناً ركينا قامت عليه منظمة الوحدة الإفريقية ثم الإتحاد الإفريقي وهو الحفاظ علي الحدود الموروثة عن الاستعمار وهو ركن كان بالإمكان التشبث به والخلوص إلي خيارات أخري تقيم العلاقات بين جزئي السودان علي تدابير مقبولة للطرفين دون الانفصال . وقوع الحدث ربما أغري بتكراره والسعي للقضاء علي الدولة بكاملها. والعبرة هنا أن الدولة التي حصلنا عليها ب الاستقلال غدت الآن ممزقة وأضعف وربما علي نحو ما آيلة للسقوط وذلك يستدعي وبإلحاح النظر في استعادتها علي أسس جديدة. ذلك لا يعني صحة مقولة أن السبب الذي يردده البعض بالهجوم علي دولة ١٩٥٦ وأن علتها كانت سيطرة عرق بعينه أو موقع جغرافي معين كما تدعي أبواق تحركها ضغائن عنصرية وجهوية لا غير ، لأن الجميع أسهموا في الكفاح ضد المستعمر منذ علي عبداللطيف المنحدر من قبيلة الدينكا في الجنوب وعبد الفضيل الماظ القادم من جبال النوبة في عشرينيات القرن العشرين حتي تحقق بالتراكم الاستقلال واتبع جيل الاستقلال مشكورا ومأجوراً ما كان معروفا في ذلك الوقت : معايير السودنة استنادا علي مستويات التعليم، وإقامة نظام مدني ديمقراطي بالانتخابات المباشرة محاكاة لنظام المستعمر في بلده وذلك قصاري ما كان ممكناً وحتي رفض الفيدرالية الذي كان نقضا للعهد مع الجنوب كان عذره عدم معرفة ما هي الفيدرالية ولم تكن القارة بأسرها تعرف نظاما فيدرالياً يمكن محاكاته فنيجيريا الاتحادية استقلت بعد السودان بأربعة أعوام ومع ذلك انفصلت بيافرا. فجمهورية السودان قامت كما قامت كل الدول التي كانت مستعمرة ، دولة مدنية ديمقراطية مركزية قابضة مركبة من حيث العرقيات والإثنيات المتعددة أغفلت لقلة خبرة إدارة التنوع كالمرتجى وقامت أحزابها علي استقطاب طائفي حاد فلم تعمر النظم المدنية فيها طويلا كما أنها لم تصادف نجاحاً في انطلاق التنمية أو تحقيق الأمن بل استعانت أحزابها جميعا بالجيش علي بعضها البعض.
ذلك التدبير وتلك الدولة القائمة منذ الاستقلال وضعتها حرب مليشيا الدعم السريع الآن علي المحك وثبت أن دولة صغيرة لا يبلغ عدد سكانها المليون الواحد هي إمارة أبو ظبي تحديدا إن تحرينا الدقة ،ونزعنا الاسم الأكبر الإمارات العربية المتحدة تستطيع بضخامة ما تملك من ( كاش) تقويض دولة عريقة ذات تاريخ تليد هي السودان.

لذا ينبغي التفكير في طريقة بديلة بالكامل لتأسيس السودان والذي أشك في أن يعود كما كان كما هي أمنياتنا جميعاً، لذلك اقترح أن تتولي حكومة الأمر الواقع في بورتسودان الدعوة لكل السودانيين للانخراط في حوار علني عن النظام الأمثل الذي يعالج الاختلالات التي مرت بها الدولة السودانية المستقلة منذ 1956.عبر دراسات علمية في المجالات كافة وعبر حوارات شفافة تنقلها الوسائط الإعلامية .
نتحاور جميعا بكل شفافيةً للإجابة علي أسئلة جوهرية مثل هل تقسم البلاد مثلا لست أقاليم تتمتع بحكم اتحادي حقيقي تكون فيه لكل إقليم حكومة منتخبة ومجلس تشريعي منتخب . وتكون في عاصمة البلاد حكومة اتحادية تتولي قيادة الجيش القومي والشرطة الاتحادية والاستخبارات والأشراف علي التعليم العالي. يمكن أن تكون الدولة برلمانية كالهند يتولى الرئاسة المراسمية والرمزية للدولة المسؤول الأول في كل إقليم لمدة عام وذلك يعني أن تكون دورة الحاكم ست سنوات في الإقليم كسلطة تنفيذية. وتنتدب مجالس الولايات بالتساوي عددا لبرلمان قومي في العاصمة يكون هو البرلمان الاتحادي يختار رئيسا للوزراء للدولة الاتحادية . أو تكون الدولة رئاسية كالولايات المتحدة الأمريكية.
مثل هذا الحوار يحتاج للجنة رسمية تشكل لتقسيم محاور الحوار القانونية والإدارية والاجتماعية والعلاقات الخارجية متدرجة من الجوار للأخذ في الاعتبار التداخل الإثني ثم الإقليمي فالدولي وهذه اللجنة تقترح مختصين في الجوانب المذكورة لوضع محاور كل جانب: قانوني، تقسيم إداري، مكونات قبلية ، وضع القوات المسلحة وضرورة تقوية الجيش ليتمكن من أداء دوره في الحفاظ علي وجود الدولة وأمنها وهل تشترط التقسيمات الإدارية أن يكون كل أقاليم قادر علي الاعتماد علي موارده مثلا وكيف تسهم الإدارة الفيدرالية في سد النقص إن كانت الإجابة بالنفي.
والعمل علي إعداد تعداد سكاني بكشوفات ضبط كل إقليم إن اجتمع الرأي علي التقسيم الإداري إلي أقاليم . لضبط عمليات التصويت خاصة وأن أعدادا كبيرة استوطنت خارج أماكنها الأصلية ويستهدي في ذلك بتجارب الدول الأخرى كالهند مثلا والولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا.
يبتدر المختصون الحوار فيما بينهم في البداية ثم يخرجوا به إلي العلن ليشارك فيه الجميع.
وهذا العمل ليس سهلاً كما يبدو ولكنه ضروري لإنجاز المهمة ومشاركة الجميع فيه ربما قطعت دابر الحروب لأن الغاية أن تقوم الدولة المرغوبة بتراضي الجميع وتنتفي نغمة سيطرة عرق أو جهة علي الدولة ولو لا الجوار المتداخل قبليا لاقترحنا إلغاء أي إشارة للقبائل في التعريف الشخصي للأفراد.
القيام بهذا العمل ربما تنزاح به آفاق أخري أرحب فعندما عندما اضطر نظام الفريق عبود العسكري بعد فشل سياسة القبضة الحديدية علي الجنوب لفتح الباب للقوي السياسية لمناقشة السياسة المرجوة هناك وسع المتحاورون المجال لمناقشة أزمة الحكم في كل البلاد لا السياسات تجاه الجنوب وحده وانطلقت صيحة حل مشكلة الجنوب في حل مشكلة الشمال وهي زوال الحكم العسكري وقد زال بالفعل لكن قبل أن يتطور الحوار للخلوص إلي رؤية تحظي برضا الجميع فيجئ المولود ناضجاً قابلا للحياة فجاءت الديمقراطية عرجاء لم تسلم من الصراعات بين القوي الحديثة والقوي التقليدية فانفتحت البلاد علي نظم شمولية ينحصر إنجازها أكثر الأحيان في كيفية البقاء علي سدة السلطة .
مؤتمر المائدة المستديرة في الستينيات كان تجربة فريدة لدولة استقلت قبل سنوات قلائل. قال أبل ألير لو طبقت قرارته في الحكم الإقليمي كانت حازت علي رضانا رغم أنها كانت دون مطلبنا في الحكم الفيدرالي طبقها نميري في اتفاقية أديس أبابا وحققت السلام لعشر سنوات إلي أن بدلها فقامت الحقبة الأخطر في حرب الجنوب عام ١٩٨٣.
يمكن ان تنهي الحوار بمؤتمر جامع مثله يخطط لوضع جديد لحكم السودان.
هذه خطوط عريضة قابلة للاستدراك بالإضافة والحذف رأيت أن أعرضها للتداول قبل نشرها.
أتمني بعد مرئياتكم أن تنتهي للسيد وزير الإعلام الجديد خالد عويس ليبتدر بها عهده لعلها تفضي إلي عمل يقود خطي السودان للاستقرار والنماء.
ويلزم عندما تتبرؤون الرؤى أن يتم تناول هذا الحوار الجاد بين الجميع في قنوات التلفزة والإذاعات ولتعقد له الندوات والمحاضرات في الجامعات وغير الجامعات لإنقاذ البلاد وحماية وحدتها واستقلالها.

abuasim.khidir@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • الحوار الوطنى يثمن قرار محكمة الجنايات برفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرهاب
  • الحوار الوطني: رفع أسماء من قوائم الإرهاب يعكس التزام القيادة السياسية بتحقيق العدالة
  • برلماني: توجيهات القيادة السياسية بتحسين مناخ الاستثمار تُبلور خارطة مصر الاقتصادية للمستقبل
  • الحوار الوطنى.. غياب الإعلام والثقة عن المرحلة الثانية
  • "الحج والعمرة" تطلق النسخة الثانية من تحدي الحلول المستدامة لضيوف الرحمن
  • نائب رئيس حزب المؤتمر: برنامج الإصلاح الاقتصادي خطوة جريئة وضعت مصر على طريق الاستقرار
  • فتح الحوار حول كيفية إعادة بناء الدولة السودانية
  • أوبو تكشف عن خارطة طريق تحديث ColorOS 15 عالميا
  • إما ازدواج طريق «المطرية- بورسعيد».. أو إغلاقه!
  • نميرة نجم تبدأ مشروع خارطة طريق للهجرة بأفريقيا مع منظمة الهجرة الدولية