يلومني البعض في كل مرّة أبدأ مقالاتي بتساؤل أو بسؤال. وعلى رغم هذا اللوم، وأنا أعرف أن مقصد بعض الذين يلومون بريء، فيما لا تخلو غاية البعض الآخر من الخبث المبطّن، سأبدأ مقالتي اليوم بتوجيه سؤال محدّد إلى رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، الذي هدّد في كلمته بمقاطعة جلسات مناقشة موازنة العام 2024 مع أعضاء تكتل "لبنان القوي"، باستثناء رئيس لجنة المال والموازنة وعضوين آخرين من اللجنة، إذا لم يأخذ رئيس مجلس النواب نبيه بري بما اقترحه عليه بشأن اقتراح القانون الذي تقدّمت به كتلته النيابية بالنسبة إلى الموازنة العامة.
السؤال محدّد وواضح: كم أستلزم النائب باسيل من وقت حتى يخلص إلى نتيجة كان من المفترض أن تسبق الفراغ الرئاسي، وقبل شهرين من انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، وهي، أي النتيجة، أنه بـ "الحوار الثنائي والثلاثي وبعدة اشكال يمكن التوصل إلى تفاهم على اسم (مرشح رئاسي) اصلاحي وجامع وملتزم ّ بالدفاع عن لبنان في وجه اسرائيل، وبعدم ضرب عناصر قوته من داخله لصالح الخارج. ويجب أن يطمئن الذين يريدون لبنان دولة حق ّ قويّة، وكذلك الذين يريدون لبنان مقاومًا وقويًا. وليس صعبًا أن نتفق على اسم ملتزم يلتزم بهذين الأمرين. وما عدا ذلك ففوضى وخراب وانهيار على الجميع".
ردّ الرئيس بري "الحاضر ناضر" جاء كالعادة فوريًا، وقاطع كلمة باسيل عندما قال له"هيدي أول شغلة إيجابية بتقولها منذ أن بدأت كلمتك".
وقد قصد الرئيس بري بكلامه هذا أنه لو أخذ باسيل بما سبق لرئيس المجلس أن اقترحه يوم دعا إلى حوار السبعة أيام والمحصور تحديدًا بالأزمة الرئاسية لما كانت البلاد تعيش اليوم في فراغ رئاسي، خصوصًا أنه ضمّن دعوته هذه الذهاب فورًا إلى دورات متتالية لمجلس النواب تفضي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية. أمّا أن يقول باسيل إنه ليس "صعبًا علينا أن نتفق على اسم يلتزم بما يريده قسم من اللبنانيين من أن يكون لبنان دولة حق قوية، أو أولئك الذين يريدونه مقاومًا وقويًا" ففيه اعتراف صريح بأنه هو وفريقه السياسي من عطّل هذا الاستحقاق خمسة عشر شهرًا حتى الآن، وذلك برفضه مبدأ الحوار على الأسس الأولية، التي تسبق مرحلة إسقاط ما تتفق عليه جميع المكونات السياسية على الأسماء، التي يمكن أن تصلح لهكذا مشروع "يجمع ولا يفرّق"، كما قال.
وقد توقفّت أوساط نيابية عند الموقف الذي خلص إليه باسيل في كلمته، التي حاول فيها أن "يلعب على أكثر من حبل"، وبالأخصّ على "حبل الناقض والمنقوض" عندما غمز من قناة "حزب الله"، واعتبرت أن تمرير الرسائل المشّفرة، التي هي حمّالة أوجه، من شأنها أن تزيد الشرخ شرخًا، خصوصًا عندما توجّه في نهاية كلامه إلى الرئيس بري بالقول: "القرار عندك إذا بتكون هالجلسة مناسبة جمع او انقسام، وهيدا طبعا مؤشر للمرحلة المقبلة. نحنا، من جهتنا، ندعو بكل الاحوال، الى الالتزام بميثاق شرف ان نحل قضايانا بالحوار والتفاهم ّواولها على رئيس الجمهورية. نحنا ضحينا وتنازلنا من اول يوم لنسهل، وقلنا لكم تعالوا نتفاهم سوا. واختم واقول المناكفات والاقصاء والتذاكي خلال 30 سنة خَّربوا وما عملوا دولة، بالعكس هدموها. حّلنا نعرف نعيش سوا باحترام متبادل، ونبني حتى نخلص لبنان سوا". وهذا ما رأت فيه الأوساط النيابية ذاتها محاولة جديدة من قِبل باسيل لإلقاء مسؤولية التعطيل على غيره، وهي مردودة في الشكل والأساس، باعتبار أن الشمس شارقة والناس "قاشعة"، حتى أن ابن خمس سنوات يعرف من يعطّل انتخاب رئيس الجمهورية، ومن يعرقل تنفيذ مشروع استعادة الدولة لمؤسساتها الدستورية.
ومن قال يومًا "اسمع تفرح جرّب تحزن" كان يعرف أن ثمة أشخاصًا سيتولون في غفلة من الزمن بعضًا من مسؤولية، ويعتقدون أن أحجامهم السياسية هي عكس ما تعكسه وجهة الشمس، صباحًا أو ظهرًا أو مساء، فيكتشفون أن أحجامهم السياسية في نهاية النهار لا تسمح لهم بأكل بقرة كما يتوهمّون عندما يكون ظلّهم عند الصباح بحجم مارد (جان دو لا فونتين).
رحم الله امرَأً عرف حدّه فوقف عنده.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
وزير الثقافة: ليس دفاعاً عن وليد جنبلاط بقدر ما هو دفاعٌ عن لبنان من الفتن التي تحاك
شدد وزير الثقافة محمد وسام المرتضى على أنه "في الزمن الذي ارتفع فيه لدى اللبنانيين منسوبُ التضامن والتكاتف في مواجهة العدوان الإسرائيلي يُصرّ بعضهم على استيراد الفتن واستجلابها، على متن منصّات إعلامية صنيعة الموساد، أو على هامش أصداءٍ لها".
وقال في حديثٍ مع جريدة "الأنباء" حول "الحملة الشعواء التي يتعرّض لها الزعيم الوطني وليد بك جنبلاط: "الدور الوطني الذي يُمثّله الزعيم وليد جنبلاط، كان وما زال يقضُّ مضاجع الصهاينة وعملائهم: لأنّه دورُ من يؤمن باستقلال لبنان وسيادته ووحدة شعبه وأرضه. دورُ من يستشرف العاصفة ويعمل على صدّها، ومنعها من أن تلامس تخوم السلم الأهلي. دورُ من يخشى أن تستيقظ الفتنة فلا تُبقي ولا تذر. دورُ من يختزن في شخصه وخطابه حكمة العقّال وإرث المعلم كمال جنبلاط ووطنيته، وشهامة سلطان باشا الأطرش وعروبته، وكلّ ما ينبض في عروق الموحدين الدروز من عنفوانٍ وكرامة. دورُ من يجاهر بأنّ فلسطين جرحٌ نازفٌ ينبغي له أن يبرأ ليستريح العالم، وأنّ إسرائيل عدوٌّ وجودي، وأنّ الكفاح المسلّح لإجهاض مشاريعها واجبٌ وحق، ولهذا بات عرضةً للإساءات والتهديدات المعروفة المصادر والمشغّلين".
وتابع: "لكنّ الزعيم وليد جنبلاط سيبقى دائمًا يُردّد، ومعه كلّ شريفٍ في لبنان:إنّي اخترتك يا وطني ولو تنكّر لي العملاءُ في هذا الزمن الأغبر والرويبضات".
وختم: "ما تقدّم ليس دفاعاً عن وليد جنبلاط بقدر ما هو دفاعٌ عن لبنان من الفتن التي تُحاك...الفتنة نائمة لعن الله من يحاول ان يوقظها".