جعة "الاتحاد السوفيتي" تفجر فضيحة في البرلمان السلوفاكي (صورة)
تاريخ النشر: 26th, January 2024 GMT
فجرت علبة من الجعة عليها علامة CCCP-USSR الاتحاد السوفيتي فضيحة في سلوفاكيا بالتزامن مع لقاء رئيس الوزراء روبرت فيتسو بنظيره الأوكراني دينيس شميغال، 24 يناير الجاري.
Telegram النائب لوبوس بلاخا وبجانبه علبة الجعةعلى وقع اتهامات "مروعة" لنائب رئيس المجلس الوطني السلوفاكي لوبوس بلاخا، لإجرائه اجتماعا برلمانيا وبجانبه علبة من الجعة عليها علامة تجارية باسم الاتحاد السوفيتي، صرح النائب بأنه "لن يخفي أبدا الهدايا التي ترمز إلى الانتصار على الفاشية".
وقد تفجرت الفضيحة يوم زيارة رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيتسو لأوكرانيا في أوجغورود، 24 يناير، حيث التقى نظيره الأوكراني دينيس شميغال.
وتابع بلاخا: "أهداني نائب علبة جعة تكريما للنصر في الحرب العالمية الثانية، وقال إنها من أحد المعجبين. وضعتها بجانبي وواصلت إجراء الاجتماع. وها هي فضيحة تتفجر حول ذلك. لتنتحب صحيفة Dennik N من الأحرف الأولى للاتحاد السوفيتي على العلبة، وكيف أنه من المروع ارتكاب مثل هذه (الجريمة) في يوم زيارة رئيس الوزراء روبرت فيكو إلى أوكرانيا".
وقال بلاخا: "يبدو الأمر وكأن الأوكرانيين لم يقاتلوا أيضا في الجيش السوفيتي. وكأن أكبر إهانة لأوكرانيا هي أن الاتحاد السوفيتي حررنا من الفاشية".
وطرح نائب رئيس المجلس الوطني السلوفاكي عددا من الأسئلة أبرزها "هل يعني هذا أن أوكرانيا التي يحكمها الآن أتباع ستيبان بانديرا يعتبرون الانتصار على الفاشية هزيمة لهم؟".
وتابع: "كيف يمكن أن ينزعج شخص من شريط القديس غيورغي الذي يرتديه بفخر قدامى المحاربين في الحرب العالمية الثانية؟ إنه أحد رموز الانتصار على ألمانيا النازية، هل لم يعد من الممكن الاحتفاء به؟" وأكد بلاخا أنه "لن يخفي أبدا الهدايا التي ترمز إلى الانتصار على الفاشية".
وقال: "إن هذا حتى لا يخطر ببالي. شكرا للجيش الأحمر، شكرا للشعب الروسي على تحريرنا من الفاشية، وشكرا لجميع شعوب الاتحاد السوفيتي على القتال من أجلنا".
من الجدير بالذكر أنه، وعلى الرغم من إدانة بارتيسلافا لروسيا ودعم كييف بالكامل بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، إلا أن وصول حكومة روبرت فيتسو إلى السلطة قلبت الوضع، بينما صرح رئيس الوزراء السلوفاكي بأنه سيمنع عضوية أوكرانيا في حلف "الناتو" بسبب التهديد باندلاع حرب عالمية ثالثة.
المصدر: EADaily
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: الأزمة الأوكرانية الاتحاد الأوروبي الجيش الروسي العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا حلف الناتو وزارة الدفاع الروسية الاتحاد السوفیتی رئیس الوزراء الانتصار على
إقرأ أيضاً:
كلمات روبرت فيسك الأخيرة
يعرف القراء العرب روبرت فيسك (1946-2020) مراسلا حربيا مخضرما، وكاتبا له عدد غير قليل من الكتب المترجمة إلى العربية. وقد أظهر الصحفي البريطاني (الذي أصبح مواطنا أيرلنديا بعد البريكست) تعاطفا مع قضايا العرب، ومعارضة للسياسات الغربية، طوال عقود من عمله الصحفي الذي ظل فيه صوتا نزيها وجهيرا، وإن تبين له في نهاية رحلته الطويلة أنه كان يؤذن في مالطة! وقد صدر له أخيرا كتاب (ليل القوة: خيانة الشرق الأوسط) في أكثر من ستمائة صفحة.
يقول ناشر الكتاب: إن هذا العمل الأخير يحكي قصة الشرق الأوسط من حيث انتهى كتاب فيسك السابق «الحرب الكبرى من أجل الحضارة»، مبتدئا القصة بعواقب غزو العراق، مرورا بانتفاضات الربيع العربي والحرب الأهلية السورية، وصراعات إسرائيل مع فلسطين ولبنان، مدينا في ثنايا ذلك نفاق الغرب المستمر دونما خوف من انتقاد سلطة أو جافلا أمام تعقيد الحقيقة.
ويمضي الناشر فيقول: إن الكتاب، الذي صدر بتمهيد للصحفي البريطاني باتريك كوكبيرن وتذييل لنيلوفر بازيرا فيسك، يسرد قصة السنوات العشرين الماضية، فاضحا العلاقة الحتمية بين القمع الاستعماري والعنف في الشرق الأوسط.
يكتب جاك باور (آيريش إكزامينر-23 أكتوبر 2024)، أن فيسك ملأ صفحات «ليل القوة» بإدانة صادمة «لإمبريالية الغرب ونفاقه وانعدام إنسانيته، بنبرة نبي من أنبياء العهد القديم غاضب للحق. فقد مضى إلى المذبحة تلو المذبحة، يقطِّرها ويصفيها، وكذا المشرحة تلو المشرحة...والخيانة المفضوحة تلو الخيانة المفضوحة، مما جمعه على مدى عقود من الرسائل الصحفية التي بعثها من تلك المنطقة المغدورة المستغلة أبشع الاستغلال».
لا يستهل فيسك كتابه من بعد غزو العراق بالضبط، وإنما من «أكاذيب بأعين مفتوحة، وفساد سافر، ومزاعم كاذبة من توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، والرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش ونائبه ديك تشيني، عن أسلحة دمار شامل غير موجودة».
وفي أولى فقرات «ليل القوة» يفرز فيسك الواقع من الوهم، والحقائق من الدعايات الصفيقة، «فيصف ما قوبل به الصقر الأمريكي المتعصب ديك تشيني قبل أكثر من عقدين من الزمن من رفض لمحاولته إقناع العالم العربي بدعم الخطط الأنجلوأمريكية بغزو العراق. فقد قوبلت السياسات الأمريكية ولا تزال تقابل خيبة هائلة في الشرق الأوسط» لأن العرب على حد تعبير فيسك «لا يعزلون أي قضية عن تحيز السياسة الأمريكية الملموس ضد الفلسطينيين. وهكذا في كل بلد عربي زاره تشيني، طولب بأن يوجه انتباهه إلى الحرب الفلسطينية الإسرائيلية الدامية وأن ينسى «محور الشر».
وبرغم هذا الرفض العلني، زعم المسؤولون الصحفيون في فريق تشيني -أو كذبوا إذا ما اتبعنا فيسك في أسلوبه الصحفي- قائلين إن العرب أسروا بدعمهم لضربة أمريكية للعراق. غير أن مسؤولين في دول الخليج العربي أصروا أن القادة العرب كانوا يقولون في العلن ما يقولونه في السر، وأنهم حذروا من أن غزو العراق سوف يكون وبالا، يتفاقم في حال الإطاحة بصدام إذ ينشق العراق في هذه الحالة وفقا لأسس طائفية بما لذلك من عواقب وخيمة على المنطقة.
يأسى جاك باور لعدم الأخذ بنصيحة القادة العرب الذين كانوا يفهمون «واقعهم تمام الفهم» ويستاؤون ويشعرون بالمرارة من «الإمبريالية الأمريكية المتغطرسة في ما قبل الكارثة» ويتصور أن الغرب لو أخذ بنصيحة العرب آنذاك وغلَّب الدبلوماسية على النزعة القتالية، لما وقعت كوارث العراق، ولنجا كثير ممن ماتوا من الإسرائيليين في السابع من أكتوبر ومن الفلسطينيين في الإبادة الجماعية بعد ذلك، ويضيف إنه «في الوقت الذي تتحول فيه أمريكا مرة أخرى إلى طاغية لا يؤمن جانبه، قد يكون الاتهام الشامل الذي يوجهه فيسك ترياقا للإفاقة قبل كوارث أخرى محتملة».
ولكن مهما تغيرت الأمور، تظل ألاعيب تشيني في أول القرن أشبه بنموذج متبع في كثير من حلقات العلاقات غير المتوازنة بين القوى الغربية والعالم العربي. إذ يصف فيسك أن ملايين القوات الغربية والأمريكية التي اجتاحت العراق إنما جاءته بـ«طاعون» ونقلت إليه «عدوى» القاعدة». إذ يكتب فيسك أنهم «خنقوا العراق بالظلم، وغذّوا فيه عقيدة التفجيرات الانتحارية، وابتلوه بداء الحرب الأهلية، وبثوا فيه الفساد على نطاق يفوق كثيرا ما كان معهودا فيه على عهد صدام... طبعوا خاتم التعذيب على «أبو غريب» بعد أن صقلوه في أفغانستان. قسموا البلد إلى طوائف بعد أن كان برغم كل قسوة صدام يجمع سنته وشيعته في وحدة واحدة».
هذا الانتقاد اللاذع للغرب، يجاوره انتقاد لا يقل لذوعة للحكام العرب أيضا، ففيسك «لا يتردد في وصف الفظائع التي مورست على الشعب المصري من حسني مبارك. والليبي معمر القذافي...والأعمال التي ارتكبها بشار الأسد في سوريا، وعجز أوباما عن احتوائه. كما يسجل فيسك أيضا المجازر التي ارتكبتها داعش» لكنه يضيف إن «مما ينفطر له القلب أن نضطر إلى الاعتراف بأن كثيرا من هذه الكيانات، إن لم يكن معظمها، قد ولد على يد أمريكا -أو روسيا- لتخريب النظام الحاكم في هذا البلد أو ذاك باعتباره غير ودود تجاه الغرب».
برغم هذا التوازن، أو لنقل، برغم هذه التحري للنزاهة في انتقاد ما يجدر انتقاده أينما يكون. لا يغفر البعض لفيسك حدة نقده للغرب. فيكتب روبرت إف وورث (نيويورك تايمز-25 أكتوبر 2024) أن روبرت فيسك «قضى أكثر من أربعة عقود يجري من منطقة موت في الشرق الأوسط إلى أخرى، مستعرضا الأهوال التي رآها بالتفصيل المريع، ومدينا تواطؤ الغرب فيها. فكان أقرب إلى معبود في اليسار البريطاني الذي شاركه إيمانه بأفكار معاداة الإمبريالية والصهيونية».
ولا يباري فيسك إلا قليلون في سجل حضوره. فهو من القلة من الصحفيين الذين شهدوا تدمير الجيش السوري لمدينة حماة عام 1982، وهو الذي غطى الحرب العراقية الإيرانية من البلدين، وهو الذي شهد الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت خمسة عشر عاما في جميع أطوارها ثم أرَّخها في كتابه ذائع الصيت «ويلات وطن». وهو الذي تعرض للضرب حتى سال دمه على يد جمع من اللاجئين الأفغان في باكستان في أواخر سنة 2001 ثم قال بعد ذلك «لو كنت مكانهم، لانهلت بالضرب عليّ».
غير أن روبرت إف وورث ينتقل من هذه المقدمة التي يقر فيها لفيسك بمكانته، ليكتب ما يوشك أن يشبه محضرا يحرره للرجل بعد وفاته:
كان فيسك يكن احتراما لشجاعة أسامة بن لادن واندفاعه، وقد أجرى معه ثلاثة حوارات على الأقل خلال تسعينيات القرن الماضي... والغريب أن الشعور في ما يبدو كان متبادلا، إذ يتبين من رسائل أرشيف أبوتاباد التي تم الاستيلاء عليها بعد اغتيال أسامة بن لادن سنة 2011 أن زعيم القاعدة كان يتابع عمل فيسك بل وأراد أن يرسل إليه تسجيلات صوتية ومرئية من أجل فيلم وثائقي في الذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، وهذا بطريقة أو بأخرى تعاون. وإحساسي هو أن أسامة بن لادن كان يشعر بتقارب أيديولوجي مع فيسك الذي كان يعتقد أن «قهر الغرب للعالم الإسلامي» -على حد تعبيره في الكتاب- هو جذر اضطرابات المنطقة.
من أقوى ما في الكتاب ذلك السرد لأحد لقاءات فيسك مع نجل أسامة بن لادن، إذ سأل فيسك عمر بن أسامة -وكان آنذاك في الخامسة عشرة- إن كان سعيدا، فقال الصبي، الذي يبدو واضحا أنه لم يكن مستعدا للسؤال، نعم. لكن عمر بعد سنين أصدر كتابا كتبه بنفسه ووصف فيه لقاءه بفيسك الذي ظل يتذكره بوضوح: «ودَّ لساني لو يسترد تلك الكلمات، لو يفضي بالحقيقة، وهي أنني كنت أتعس صبي في الدنيا، وأنني أكره الكراهية والعنف اللذين كان أبي ينشرهما.
وبرغم الساعات التي قضاها فيسك مع أسامة بن لادن، تحتوي تقاريره عنه بعض اللحظات الوهمية الغريبة. إذ يكتب فيسك أنه تلقى في عام 2002 رسالة تقول إن أسامة بن لادن -المختبئ آنذاك بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر- يريد أن يقرأ كتاب فيسك «الحرب الكبرى من أجل الحضارة». فسافر فيسك إلى إسلام أباد حيث جاءه رسول إلى فندقه الصغير وأخذ ترجمة الكتاب العربية. وبعث فيسك مع الرسول اثني عشر سؤالا كتبها لأسامة بن لادن وأجابها الأخير بعد ذلك بترتيبها في أحد التسجيلات التي دأب على توجيهها إلى المنابر الإعلامية العربية وإن لم يشر إلى اسم فيسك.
يكتب روبرت إف وورث أن هذه «ليست قصة كاذبة وحسب، لكنها سخيفة، فربما يكون فيسك قد التقى بشخص زعم أنه رسول للقاعدة سنة 2002، لكن لو كان الأمر كذلك كان ينبغي أن يعلم في الوقت الذي كتب فيه الأسئلة أن الرجل كاذب. فقد قطع أسامة بن لادن كل اتصالاته مع زملائه لقرابة ثلاث سنين بعد هربه من أفغانستان، بحسب ما تروي نيلي لحود في دراستها الأساسية «أوراق ابن لادن». وحتى في السنوات التالية كان من المستحيلات مقابلة رسل القاعدة الذين كانت تتعقبهم المخابرات المركزية الأمريكية. وفضلا عن ذلك كله، لم يصدر كتاب «الحرب الكبرى من أجل الحضارات» قبل 2005 أي بعد ثلاث سنوات من اللقاء الذي يصفه».
ويتساءل روبرت إف وورث «كيف لمراسل مخضرم أن ينتج هذه الخرافة لتمجيد نفسه؟ قد ترى النظرة الخيرة أن هذه الفقرة نتاج سهو من المحررين الراغبين في صنع كتاب من مخطوطة الكاتب الراحل، لكن كتب فيسك السابقة أيضا تتناثر فيها هذه الأخطاء المعلوماتية والتاريخية بما يشي بإهمال صاعق. فضلا عن أنه متهم منذ عقود بأنه يضيف إلى تقاريره تفاصيل مبالغا فيها أو مختلقة. فلعله وقع فريسة للغوايات المعهودة في مناطق الحروب، حيث يندر أن يوجد من يحاسب أحدا».
إحساسي هو أن فيسك وقع في غرام أسطورته الشخصية. شعر أن لديه مهمة أسمى من نقل الحقائق، وأنه يخوض حربه ضد غطرسة الغرب الكولونيالة، ففيه شيء من الشبه بأسامة بن لادن، ويستشعر القارئ في نبرته السردية زئير الغضب للحق، ففي بعض الأحيان تبدو هذه النبرة في مكانها تماما، مثلما في غضبه من غزو الولايات المتحدة للعراق سنة 2003، ولكن غضبه لا يكاد يهدأ، وذلك ما يجعل قراءته أشبه بالاستماع إلى عظة من شيخ دائم الغضب.
ولعل غضب فيسك التعليمي هذا هو سر بقائه، لكنه نال من نزاهة شهادته ومن اتساع رؤيته. فنادرا ما تكشف كتاباته ثراء الأفق في الشرق الأوسط ولونه برغم أنه قضى فيه أربعة وأربعين عاما. ليس لديه ما يقوله تقريبا عن موسيقى المنطقة وفنونها وأجواء أسواقها وميادينها. ونادرا ما يظهر أبناؤها إلا جناة أو هم في أغلب الأحيان ضحايا، إما للبنادق أو القنابل أو مخططات الاستعماريين الأوروبيين. وفيسك، بمعنى ما، ضحية هو الآخر، ملأته الحروب المستمرة التي كان يندد بها بالندوب، وعاش منذورا بالرجوع مرة تلو المرة إلى مسرح أوجاعه.
غير أن استعراض كيركوس رفيو الوجيز للكتاب قد يوازن استعراض روبرت وورث، إذ تختتم المجلة عرضها بقولها إن «الكتاب نظرة ثاقبة إلى الشرق الأوسط، لكنها نظرة لن تروق للبنتاجون أو لقدامى المحاربين في إدارتي بوش وبلير».
وتضرب المجلة مثالا قويا لما قد يصير غضب رافضي الكتاب فتقول إن الأثر الكلي لكتابة فيسك التاريخية -وهو حاصل على الدكتوراه في التاريخ وقادر على الربط العميق بين الماضي والحاضر- هو إبراز أخطار الاستسلام للفرضيات في ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط المغمورة بالفرضيات، «فالتفجيريون الانتحاريون على سبيل المثال لا يفجرون طلبا لمتعة التفجير، ولا هم يفعلون ذلك وهم تحت تأثير المخدرات أو وهم مغسولو الأدمغة أو مصابون بالجنون، ولكن لأن لديهم من الالتزام بقضيتهم ما يجعلهم يموتون من أجلها».
يأخذ جاك باور على الكتاب أنه يخلط أحيانا بين التقرير الصحفي والرأي، لكنه يسارع فيقول إن الأمر «ما كان له أن يكون غير ذلك وقد كان فيسك شاهدا ثابتا على عالمنا... ثم إنه في المراحل الأخيرة من حياته، وشأن كثير من الصحفيين ذوي الضمائر الحية في عصر ما بعد الحقيقة الذي نعيشه، نظر وراءه في خيبة وندم، فكتب: «لقد شهدت من حمامات الدم والمجازر الكثير، ورأيت من المقابر الجماعية الكثير، ووصفت من حالات التعذيب والإعدام الكثير، وكتبت عن قهر الغرب للعالم الإسلامي الكثير، ولم يبد أن شيئا مما كتبته كان له أي تأثير».
فيا له من موجز مؤسف لحياة إنسان، ويا له أيضا من اتهام شنيع لعالمنا الذي كانت قوته العظمى الآفلة موضع احتفاء في يوم من الأيام بوصفها المدينة المضيئة في أعلى التل، وهي الآن متواطئة في إبادة جماعية ترتكب في حق عرب مشردين لا حول لهم ولا قوة.
لقد صمت فيسك أخيرا، لكن المشكلة الجذرية لغضبه العارم لا تزال قائمة ومستمرة. وليس لنا إلا الرجاء بأن يظهر روبرت فيسك آخر، أو يظهر منه كثيرون يضيئون الزوايا المعتمة في أخطائنا البشرية» بكتب من قبيل ليل القوة الذي «قد يبعث الأسى ويزعزع طمأنينة النفس، لكنه في الوقت نفسه كتاب لا يمكن لأحد أن يجحده».
أحمد شافعي شاعر ومترجم مصري