الإستراتيجية الأميركية إلى أين؟
تاريخ النشر: 26th, January 2024 GMT
ليس هناك شكّ في أن "طوفان الأقصى" قد أجبر الولايات المتحدة على التخلّي عن كثير من المسلّمات الإستراتيجية بشأن منطقتنا، ولعلّ أهمها ما يتعلّق بدور "الوسيط النزيه"، الذي وفّر لها مكانة متميزة على مدى عدة عقود، وكأنها كانت بالفعل تضبط ميزان العلاقة بين العرب وإسرائيل كلما مالت كِفته! وهو دور نموذجي مرّرت من خلاله الكثيرَ من أدوارها بالمنطقة، وحققت كثيرًا من أهدافها.
لكن الأمر لم يقفْ عند هذا الانغماس في الصراع إلى جانب إسرائيل ومؤازرتها والوقوف معها كتفًا بكتف، بل عملت الولايات المتحدة على تهديد كل الأطراف بكل أنواع التهديد؛ لمنعها من التدخّل في الصراع بأي شكل من الأشكال، ورفعت شعار: "عدم توسيع الحرب" كمظلة تنفرد من خلالها إسرائيل بغزّة، وتصبّ عليها كل أنواع القذائف الأميركية، وتفتح عليها أبواب الجحيم الذي قرنه الخبراء بالحروب العالميّة.
تغيرات مهمةحتى جاء انخراط الولايات المتحدة في الحرب مع الحوثي باليمن من خلال الضربات الجوية والصاروخية بالشراكة مع سلاح الجو البريطاني؛ ليكسر شعار: "عدم توسيع الحرب" ويفتح الباب أمام انخراطات جديدة وشيكة- صغرت أم كبرت- وليصبح من المؤكد أننا بصدد تغيرات مهمة في الإستراتيجية الأميركية بالمنطقة، ومن ثم تغيرات مهمة على مستوى إستراتيجيتها الكونية التي تضطرها للتخفّف من الانغماس في منطقتنا، إلّا لو قامت بتأجيل بعض خطوات الصراع مع الصين الأكثر إلحاحًا.
من المؤكد أن الضربات الموجهة للحوثي ستزيد الأمر تعقيدًا في البحر الأحمر، والأرجح أنها قد تؤدي إلى إغلاقه أو تعطيل الملاحة فيه بشكل كبير، وهو ما قد يكون أحد الأهداف اللازمة لعسكرته أميركيًا، وذلك في اتجاه تعطيل أو عرقلة المشروع الصيني "الحزام والطريق"، لكن هذا لن يغفر لها أنها في الحقيقة تصيب الملاحة العالمية بعطب مؤثر.
نتائج ذات دلالةولهذا فإن القليل من التأمل الإستراتيجي في هذا الانخراط، يعطي نتائج بالغة الدلالة على تردي العقل الإستراتيجي الأميركي أو غيابه بالكامل – ويبدو أن هذا يكون صحيحًا إذا تعلق الأمر بإسرائيل فلذة الكبد والطفل الوحيد المدلل! ـ فلا هذه الضربات الموجهة للحوثي ستقضي عليه، ولا يمكنها بحال أن تمنعه من استمرار العمل على استهداف السفن الإسرائيلية.
فضلًا عن أن ذلك يعطيه فرصة تاريخية لشرعية داخلية وإقليمية كان يبحث عنها، فالضربات – بالكاد – أعلنت أن البحر الأحمر أصبح ساحة حرب مفتوحة، وهي أسوأ رسالة للملاحة البحرية يمكن أن تصلها.
صراع جوهريوعلى هذا يبدو أنَّ الولايات المتحدة – المحمومة بالصراع على سقف العالم والعمل على تقويض نفوذ كل من يطمح لهذه المنافسة – تعمل في الوقت ذاته على توظيف الصراع المفتوح في منطقتنا لذات الغرض، حتى لا يضيع الوقت سدى، فلا يعني حضورها بقوة للوقوف إلى جوار إسرائيل- التي تقوم بحملة خارجة عن كل قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني- أنها على استعداد للتخلي عن الصراع على سقف العالم، وإن أسمته مؤخرًا إدارة التنافس مع الصين، فهو صراع جوهري وضروري في سبيل التربع على قيادة العالم لقرن آخر.
وهو سلوك اعتمدته الولايات المتحدة في طريقها للانفراد بهذه القيادة منذ العدوان على العراق رغمًا عن مجلس الأمن والقانون الدولي والغضب العارم من كل دول العالم بمن فيهم الأوروبيون، فالسلعة غالية ويجب التضحية بكل شيء في سبيل الوصول إليها!
فراغ إستراتيجيلكن بعد كل ذلك هل يغيب عن النظر تحكم طهران إلى حد كبير في مجريات هذا الصراع فضلًا عن قدرتها المعهودة على الاستفادة من الأخطاء الإستراتيجية الأميركية التي أصبحت واردة بقوّة، بل أصبح من السهولة بمكان استدراجها في معارك تشتيت إستراتيجي؟
كما أن الملاحظة المهمة التي يجب ألا تغيب عن النظر هي أن العرب تائهون بين طرفي الصراع: الأميركي الذي ينجرف في مسار وجودي لإعادة بناء الردع الإسرائيليّ ولو أدّى الأمر لاستباحة العالم العربي بكامله والذي يعد بدوره مركز الإستراتيجية الأميركيّة بالمنطقة، وبين الإيراني الذي ينجح دائمًا في توظيف أخطاء أميركا، ولا سيما في الإقليم، حيث الفراغ الإستراتيجي الهائل وفقدان التوازن في ضوء عدم وجود أي رؤية عربية، بما في ذلك عدم القدرة على تعريف الذات، وهو ما يجعل المشرق العربي بكامله تحت تأثير المظلة الإيرانية الآخذة في التمدد.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
الإمارات تدعو إلى خريطة طريق لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
نيويورك (الاتحاد)
دعت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ووضع خريطة طريق ثابتة لا تراجع عنها على أساس حل الدولتين، لإنهاء الحرب على غزة وحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مشددةً على أنه لا يمكن القبول بالعودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل السابع من أكتوبر، والبقاء محاصرين في دوامة الدمار والإعمار.
وقالت الإمارات، في بيان ألقاه السفير محمد أبو شهاب، المندوب الدائم للدولة لدى الأمم المتحدة، خلال إحاطة مجلس الأمن بشأن الحالة في الشرق الأوسط، إن الأولوية الآن تكمن في التوصل لوقف إطلاق نار فوري وعاجل في غزة ولبنان، ورفع العراقيل أمام الجهود الإنسانية للسماح بإدخال المساعدات على نطاق واسع، إلى جانب حماية المدنيين، والعاملين في المجال الإنساني، والإفراج عن الرهائن والمحتجزين، فضلاً عن ضرورة احترام جميع الأطراف لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، والقرارات ذات الصلة، بما فيها القرار 1701.
وأكد البيان الحاجة الماسة لبلورة رؤية واضحة، وحلول مستدامة، ليس لوضع حدٍ للحرب في غزة فحسب، بل لإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي ككل، مشيرةً إلى أنه لا يمكن البقاء في دوامة الإعمار والدمار، أو القبول بالعودة للوضع الذي كان قائماً قبل السابع من أكتوبر من العام الماضي، وبالأخص بعد الخسائر الهائلة في الأرواح جرّاء الحرب، مشيراً إلى أن التوقعات بأن يستغرق التعافي منها عقوداً طويلة، بما في ذلك التعافي من الآثار النفسية على الذين عاشوا ويلات هذه الحرب وفقدوا أحباءهم وكل ما يملكون.
وقال البيان: «تضعنا هذه التطورات الخطيرة أمام مسؤولية تاريخية، فإما أن نحول هذه المأساة إلى نقطة انتقال للمنطقة من الصراعات والحروب إلى السلام والازدهار، أو نسمح لها بأن تعمق دوامة العنف وعدم الاستقرار».
وأضاف: «يتطلب إنهاء هذا النزاع رؤية شاملة تتجاوز الخطوات العاجلة، وسبق أن طرحت الإمارات رؤيَتَها في هذه المسألة، والتي تقوم على إنشاء بعثة دولية مؤقتة، بدعوة رسمية من السلطة الفلسطينية، لتعمل هذه البعثة على الاستجابة الفعالة للأزمة الإنسانية في غزة، وإرساء دعائم القانون والنظام، مع ضرورة حدوث إصلاح حقيقي للسلطة الفلسطينية، وتوحيد الضفة الغربية وقطاع غزة تحت تلك السلطة الفلسطينية، وسيتطلب كل ذلك انخراطاً بنّاءً وفعالاً من إسرائيل، وأهم الشركاء الإقليميين والدوليين، وفي طليعتهم الولايات المتحدة».
وأشار البيان إلى أنه لتحقيق هذه الرؤية، يجب إنهاء الاحتلال، ووضع مسار سياسي واضح وخارطة طريق شفافة وملزمة لا يمكن التراجع عنها، على أساس حل الدولتين، بما يقود إلى تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل.
ورحب البيان في هذا الإطار بإنشاء تحالف حل الدولتين، وانعقاد اجتماعه الأول في الرياض، مؤكداً أهمية منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة كخطوة أساسية نحو تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية.
وقال: «لن يأتي الحل فقط من الخارج، فالسلام يحتاج أيضاً لمن يناصرهُ في الداخل ويعمل جاهداً من أجله، ويتجاوب مع المبادرات المطروحة من المجتمع الدولي، كما يتطلب ذلك نبذ خطاب الكراهية».
وحول دور وكالة «الأونروا»، قال البيان، إن دور الوكالة محوري ولا غنى عنه طالما استمرت محنة اللاجئين الفلسطينيين، مشيراً إلى أن التشريعات الإسرائيلية الأخيرة التي تستهدف عمل الوكالة لا تهدد الاستجابة الإنسانية العاجلة فحسب، بل أيضاً الاستقرار في المنطقة.
وفي ختام البيان، أكدت الإمارات مواصلة جهودها الدبلوماسية والإنسانية لدعم الشعب الفلسطيني الشقيق وحقِّه في تقرير مصيره، والدفع قدماً بجهود تحقيق السلام والأمن لشعوب المنطقة كافة.
وفي سياق متصل، أعربت دولة الإمارات عن عميق أسفها لعدم تمكن مجلس الأمن مرة أخرى، من اعتماد قرار يطالب بوقف إطلاق النار في غزة، مشيرةً إلى أنه بعد مرور أكثر من 400 يوم من الوضع الكارثي في غزة، وتوسع رقعة النزاع ليطال جميع أنحاء المنطقة، فإن وقف إطلاق النار الفوري وغير المشروط والدائم، قد طال انتظاره، مؤكدةً أنه لا يمكن لمن يعاني على الأرض أن يحتمل أكثر.
وكانت الولايات المتحدة قد استخدمت أمس، حق النقض «الفيتو» لمنع صدور قرار بمجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة.