الشرق الأوسط الجديد
إسرائيل ضرورية لواشنطن بصفتها القلعة المتقدمة لحماية المصالح الأميركية.
نتنياهو لا يريد دولة فلسطينية، بل يريد تعديلات جغرافية في الإقليم تسمح لإسرائيل بمزيد من التغلغل الاقتصادي في الوطن العربي.
مع أن أميركا ما تزال القوة الأكثر تأثيراً بالمنطقة لكن اهتمامها بات محصوراً في مسألتين: إسرائيل؛ وما تبقى من سنوات استمرار الطلب على الوقود الأحفوري.
إسرائيل تنسق مع أميركا، والرأسمال اليهودي في العالم يخطط لتعزيز العلاقات خارج الغرب متجهاً نحو الشرق لذا ستكثر الضغوط على الدولار كما قالت وزيرة المالية الأميركية.
نرى عدداً كبيراً من الهنود قد تغلغلوا بالمراكز المتقدمة في أميركا وبريطانيا مثل كاميلا هاريس ونيكي هيلي ورامس وامي وريشي سوناك وبسبب هذا التحالف نسمع أصواتاً من متطرفين هندوس ضد عرب الخليج.
* * *
وسط الأخبار المزعجة عن قيام "موديز" بتخفيض درجة قابلية مصر للدَّيْن من موجب إلى سالب، وزيادة التوتر في منطقة البحر الأحمر، وتبادل إطلاق النار على الحدود السورية الأردنية بفعل تهريب السلاح والمخدرات، وعدم وجود أفق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ولأن الضربات المتبادلة بين إسرائيل والمقاومة غير الحكومية ما تزال موجودة في جنوب لبنان وشمال إسرائيل، وزيادة ضراوة الحملات الإسرائيلية على مدن الضفة الغربية ومخيماتها، واشتراك أميركا في ضرب الحوثيين، وقتل قادة المنظمات الشعبية الإيرانية، وضرب إيران للأكراد داخل العراق، واستمرار السودان في حربها الأهلية، وضرب إسرائيل للمقاومة في سورية والعراق، وقيام تركيا بين الحين والآخر بضرب تجمعات حزب العمال الكردستاني في سورية والعراق، وعودة الوجود الروسي في الساحل السوري، والخلافات المسكوت عنها بين دولة الإمارات وبعض جيرانها في الخليج والمشرق العربي.... يثور السؤال الكبير: وماذا بعد؟
في عام 2013 حضرت ندوة في إحدى جامعات مدينة كراكوف البولندية، تحدث فيها المؤتمرون عن أن معاهدة سايكس- بيكو قد انتهت، وانتهت معها الجغرافيا التي تشكلت لتخدم مصالح الدولتين المستعمرتين وهما المملكة المتحدة وفرنسا، والتي أهملت حقوق الإثنيات في المشرق العربي.
ولذلك آن الأوان لتفادي كل تلك الأخطاء من أجل خلق شرق أوسط جديد يراعي الإثنيات والأعراق والقوميات المختلفة التي يعج بها الوطن العربي من أجل تحقيق السلام الدائم في هذه المنطقة المهمة في العالم.
ويتحدث كثيرون عن دراسات وضعت لرسم مستقبل جديد للشرق الأوسط، ومنها القديم الذي سبق أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وهناك دراسات جاءت بعدها. وكلها تخطط للمنطقة بموجب تعريفات مختلفة.
فالشرق الأوسط حسب بعض المصادر يمتد من بنغلادش إلى لبنان شمالاً، ومن موريتانيا غرباً حتى الصومال على بحر العرب شاملة كل الوطن العربي وإسرائيل وإيران، وتركيا، وباكستان، وبنغلادش. ومنهم من يتبنى تعريفاً يبقي تركيا وإيران وإسرائيل ويلغي الدول في جنوب آسيا. ومنهم من يتكلم عن المشرق العربي بما في ذلك بلاد الشام والعراق ومصر ودول الخليج العربية.
وبغض النظر، فإن المنطقة المقصودة تحديداً هي الداخلة في التعريف الأخير بما فيها بلاد الشام (فلسطين)، والعراق، ومصر واليمن ودول الخليج الست.
وقد لفت نظري بوجه خاص ليس كتاب رئيس الوزراء ورئيس الدولة الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز في كتابه الموسوم "الشرق الأوسط الجديد" أو The New Middle East الصادر عام 1993، ولاحقاً كتاب ريتشارد هاس (R.N.Hass) رئيس مجلس الشؤون الدولية (Council on Foreign Relations) الأميركي بعنوان "إعادة التوازن: استراتيجية للشرق الأوسط للرئيس الجديد" ولكن الدراسة التي سرقت اهتمامي هي دراسة صادرة عن "معهد كارنيغي" "Carnegie Endowment" بعنوان الشرق الأوسط الجديد، والتي وضعها خمسة باحثين هم مارين عطاوي، نيثان براون، عمرو حمزاوي، كريم سجاد بور وأخيراً بول سالم والتي تتكون من (48) صفحة فقط، ونشرت عام 2008.
ويتحدث الباحثون فيها عن الحقائق الجديدة في الشرق الأوسط والأسلوب الذي يجب أن يتعامل العالم مع هذا الواقع الجديد.
وقد ركز المؤلفون في الفصل الأول عن أهم التغيرات في المنطقة ومن أهمها "كتلة العراق وإيران، وكتلة سورية ولبنان، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومشكلة الانتشار النووي، وفشل أجندة الحريات، والنزاعات الإثنية".
وقد خلصوا إلى تقديم مقترحات للتعامل مع الشرق الأوسط الجديد وقضاياه الأساسية، والتي تتحدد في التعامل مع إيران والأزمة النووية، ورسم منهج للعراق من أجل خروج القوات الأميركية من هناك. والسعي لحل مشكلة إسرائيل وفلسطين. وميزان القوى في المنطقة، وقضية الديمقراطية.
ومع أن الدراسة ليست عميقة بقدر ما هي أجندة، لكهنا كانت تركز على التطورات في المنطقة وتأثير ذلك على المصالح الاستراتيجية الأميركية. ويلاحظ أن معظم الكتاب الخمسة المشاركين في صنع البحث هم من أصول شرق أوسطية، ولكنهم يركزون على خلق سلم أولويات للمصالح الأميركية.
وقد بُنيت كل هذه الهندسة السياسية على فرضية أن أميركا ما تزال "شرطي العالم" بصفتها القطب الوحيد في العالم آنذاك، وأنها قادرة على إعادة تنظيم المنطقة.
ومع الاعتراف بأن أميركا ما تزال القوة الأكثر تأثيراً في المنطقة، إلا أن اهتمامها بات محصوراً في نقطتين أساسيتين فقط. الأولى هي إسرائيل، والثانية هي ما تبقى من سنوات على استمرار الطلب على الوقود الأحفوري (النفط السائل والغاز، وكميات محدودة من الفحم الحجري غير الموجود في الشرق الأوسط).
وبحسب الدراسات، فإن الطلب على الوقود الأحفوري سيبقى حتى عام 2050. ولكن الطلب الكلي الثابت لا يعني أن الطلب المشتق على المنتجات المختلفة سيبقى ثابتاً. فسيكون هناك تحول من النفط السائل نحو الغاز خاصة في مجالي التقل (السيارات والناقلات)، وفي مجال توليد الكهرباء (تحول نحو الغاز).
وإسرائيل ضرورية للولايات المتحدة بصفتها القلعة المتقدمة لحماية المصالح الأميركية، ولأن إسرائيل يقف خلفها اللوبي الصهيوني الذي يموّل جزءاً مهماً من الحملات الانتخابية لأعضاء الكونغرس الأميركي. وبحسب مصادر "الأيباك"، فإن ثلاثة وثلاثين نائباً أميركياً فقط من أصل 435 لم يتلقوا دعماً انتخابياً منها.
ولهذا، ووفق المخطط الأميركي، فإن النتيجة التي يمكن استخدامها هي أنها لا تمانع في تجزئة أقطار الشرق الأوسط المهددة للنفط أو لإسرائيل. وهكذا يستثنى من هذا المخطط كل من الدول التي وقعت معاهدات مع إسرائيل أو الدول النفطية.
ووفقاً لهذه الرؤية، فإن ما نشهده الآن من صراعات وفتن يمكن رَصُّه كله في إطار حماية إسرائيل والمصالح النفطية للولايات المتحدة.
أما بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، فله ولجماعته مخططهم، والذي لا يختلف كثيراً في الأصل عن المخطط الأميركي الذي يتبناه الرئيس الحالي جو بايدن، أو مخطط الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يحرص على إظهار أنه أكثر تأييداً لإسرائيل وأكثر صلابة في التعامل مع ما يجري في غزة أو مع الحدود اللبنانية أو في البحر الأحمر كمهددات للأمن الإسرائيلي وحرية مرور النفط والبضائع الأخرى عبر الممرات الضيقة في باب المندب، ومضيق هرمز وقناة السويس ومضيق جبل طارق، إنها كما يقولون الدول العميقة التي لها أجندة عابرة للرؤساء هناك وإن اختلفت لغة التعبير عنها.
فماذا يريد بنيامين نتنياهو إذن؟ إنه لا يريد دولة فلسطينية، ولكنه منفتح على تعديلات جغرافية في الإقليم تسمح لإسرائيل بمزيد من التغلغل الاقتصادي في الوطن العربي.
ولذلك، فإن فكرة الدولتين التي يقبل بها أحياناً تعني كيانين فقط ليس أحدهما فلسطين مستقلة، ويريد كذلك أن تصبح إسرائيل عراب المنطقة الاقتصادية والأمنية ليس بالاعتماد على الأمم المتحدة، بل عن طريق التفاهم مع الهند داخل الهند وفي أماكن أخرى.
ولذلك أيضاً نرى عدداً كبيراً من الهنود قد تغلغلوا في المراكز المتقدمة في الولايات المتحدة مثل كاميلا هاريس نائبة الرئيس الأميركي الحالية، ونيكي هيلي المرشحة للرئاسة القادمة، وتسعى لأن تكون نائبة للرئيس على الأقل، ورامس وامي الذي انسحب من الترشح للرئاسة وبات يطمع في منصب وزاري هام.
وهناك بالطبع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ذو الأصول الهندية. وبسبب هذا التحالف صرنا نسمع أصواتاً نشازاً من قبل المتطرفين الهندوس موجهة ضد عرب الخليج بالذات.
وسعى نتنياهو سابقاً لتأجير ميناء حيفا لشركة صينية، ولكن الأميركيين أجبروه على التخلي عن ذلك حتى لا تعطى الصين ورقة تفاوض مهمة تنفع إسرائيل بقيادة نتنياهو وتضر بالمصلحة الأميركية.
إسرائيل تنسق مع أميركا والرأسمال اليهودي في العالم يخطط لتعزيز العلاقات خارج الغرب، متجهاً نحو الشرق. ولذلك، ستكثر الضغوط على الدولار. وهذا ما قالته الأسبوع الماضي وزيرة المالية الأميركية جانيت يلين في دافوس.
*د. جواد العناني سياسي وخبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء رئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق.
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أميركا الدولار الهندوس إسرائيل نتنياهو الشرق الأوسط شرطي العالم العدوان على غزة طوفان الأقصى الشرق الأوسط الجدید رئیس الوزراء الوطن العربی فی المنطقة فی العالم ما تزال
إقرأ أيضاً:
ترامب يتعهد بمنح الأولوية للوضع في الشرق الأوسط وأوكرانيا
شعبان بلال (واشنطن، القاهرة)
أخبار ذات صلة إسرائيل تنتظر رداً لبنانياً على مقترح وقف إطلاق النار المجر تدعو إلى إعادة النظر بالعقوبات الأوروبية على روسيا الأزمة الأوكرانية تابع التغطية كاملةقال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إن إدارته ستعطي الأولوية للوضع في الشرق الأوسط والصراع الروسي الأوكراني، فيما يواصل اختيار أعضاء إدارته، التي من المقرر أن تتولى السلطة رسمياً في 20 يناير، بينما التقى رئيس الأرجنتين خافيير ميلي ليكون أول زعيم أجنبي يلتقي به منذ فوزه بانتخابات الرئاسة الأميركية.
وأوضح ترامب، في أول خطاب علني له منذ فوزه بانتخابات عام 2024، أن إدارته ستتعامل مع الوضع في أوكرانيا بشكل أفضل، ونعمل على الوصول إلى حل للأزمة، فيما أشار إلى أن فوزه بالانتخابات انعكس بشكل إيجابي على حركة الأسواق والمؤشرات الاقتصادية وهذا أمر في غاية الأهمية.
ووصف ترامب، خلال كلمة في «مارالاجو ببالم بيتش» في ولاية فلوريدا، الانتخابات الرئاسية الأخيرة أنها «الانتخابات الأكثر أهمية منذ أكثر من 129 عاماً»، وقال: «لم يكن أحد يعلم أننا سنفوز بها بالطريقة المذهلة التي فزنا بها»، متذكراً كيف خسر التصويت الشعبي في عام 2016، لكنه فاز حينها أيضاً.
ومازح الرئيس المنتخب الحضور قائلاً: «كان يجب أن أتولى مهامي في 5 نوفمبر لأنّ الأسواق منذ ذلك الحين ارتفعت إلى أعلى مستوياتها».
وكشفت وكالة «أسوشيتد برس» عن لقاء جمع بين ترامب ورئيس الأرجنتين خافيير ميلي، ونقلت عن مصدر، رفض الكشف عن هويته، بسبب عدم الإعلان عن اللقاء بشكل رسمي، قوله إن الاجتماع جرى «على نحو جيد»، مشيراً إلى أن الرئيس الأرجنتيني التقى أيضاً العديد من المستثمرين.
وهنَّأ رئيس الأرجنتين ترامب على «انتصاره الكبير» في الانتخابات.
وأوضح ترامب أن لجنة الكفاءة الحكومية، التي سيرأسها الملياردير إيلون ماسك، ستصدر تقارير ضمن مهمتها الهادفة إلى ترشيد عمل الحكومة الأميركية.
في غضون ذلك، وصف مؤسس ورئيس لجنة «العرب الأميركيين لمساندة ترامب 2024»، الدكتور بشارة بحبح، فوز دونالد ترامب بـ«الساحق»، مشدداً على أن هناك العديد من الأسباب التي ساعدت على تحقيق الفوز الكاسح على منافسته كامالا هاريس، وقد وعد أكثر من مرة بنيته وقف الحرب في منطقة الشرق الأوسط على أساس حلول ترضي جميع الأطراف.
وأوضح بحبح في تصريح لـ«الاتحاد» أن «عدم سماع الإدارة الأميركية الحالية لمناشدات إنهاء الحرب في غزة أدى لحالة من الغضب بين الأميركيين العرب، وفي المقابل وعد ترامب بأنه سيوقف الحروب في الشرق الأوسط وبدء عملية سلام دائمة على أساس حل الدولتين».
وأضاف أن «ترامب اجتمع مراراً مع مجتمع العرب والمسلمين في أميركا خاصة في ولايتي ميشيجان وإريزونا اللتين يتمركز فيهما العرب والمسلمون الأميركيون، وتم عقد 15 اجتماعاً أدت لتقبل الناخبين الأميركيين العرب لترامب، الذي يعد أول مرشح رئاسي يدخل مدينة ديربورن في ميشيجان».
وقال بحبح إنه اجتمع مرتين مع الرئيس ترامب، الأولى قبل 3 أشهر والثانية قبل أسبوعين من الانتخابات، ووعد بإنهاء الحروب في منطقة الشرق الأوسط، وأكد على أنه يجب إيقافها وأن يتم بناء مسار لإقامة حل وسلام دائم بالمنطقة مبني على أسس مقبولة لجميع الأطراف.
ولفت إلى أن هناك تحديات عدة تواجه الرئيس المنتخب، خاصة فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا.