الخليج الجديد:
2025-03-03@12:33:50 GMT

الداخل والخارج في مذبحة غزة

تاريخ النشر: 26th, January 2024 GMT

الداخل والخارج في مذبحة غزة

الداخل والخارج في مذبحة غزة

لم تنجح الجماهير المصرية في تكوين أية قدرة على الضغط أو التهديد لفتح معبر رفح مثلا وتخفيف معاناة الجرحى والمصابين.

المذبحة غير مسبوقة وفصولها وأطوارها تُبثّ على الهواء مباشرة. قتل وحرق وقصف وتجويع وحصار يشاهده العالم كله ولا يتحرّك أحد!

يظهر العجز جليا في المشهد الشعبي المصري خاصة حيث الكثافة السكانية والوعي الجمعي والجوار الجغرافي والتشابك المباشر مع ما يحدث في غزة.

دور الخارج من الجريمة أوضح الأدوار بل إن السرديات العربية التي تحاول التركيز على الفاعل الخارجي هي في الحقيقة سرديات مضللة لها أهدافها الدقيقة.

* * *

المذبحة غير مسبوقة والأخطر فيها أن فصولها وأطوارها تُبثّ على الهواء مباشرة. قتل وحرق وقصف وتجويع وحصار يشاهده العالم كله ولا يتحرّك أحد.. فماذا حدث؟ وماذا يحدث؟ وماذا سيحدث؟

سال حبر كثير منذ قرابة الأربعة أشهر هي زمن الجرائم التي ارتكبتها القوات الصهيونية ومرتزقتها في أرض فلسطين، لكن من الواجب بمكان محاولة فهم ما حدث من جهة سعي ضروري إلى معرفة الأسباب التي تفسر العجز العربي الشامل في مواجهة المذبحة الكبرى. معرفة أسباب العجز تختلف عن معرفة أسباب جريمة الاحتلال في القطاع وهي محاولة لرصد وتفكيك ردود الأفعال العربية على ثلاثة مستويات: الرسمية والشعبية والنخبوية.

دور الخارج من الجريمة هو أوضح الأدوار بل إن السرديات العربية التي تحاول التركيز على الفاعل الخارجي هي في الحقيقة سرديات مضللة لها أهدافها الدقيقة.

ففيما تتحدد مسؤولية الخارج من المذبحة؟ وما هي مسؤولية الفواعل الداخلية على المستوى السياسي والشعبي والنخبوي؟ ولماذا فشلت كل المستويات في منع الجريمة أولا وفي إيقاف النزيف ثانيا؟ وهل يعني ذلك أنها فشلت في منع تجدد الجريمة مرة أخرى؟

مسؤولية الخارج

الخارج في مذبحة غزة فاعل أساسي في التغطية على الجريمة وتبريرها وتمويلها ودعمها وهذا سلوك تاريخي منذ صناعة الكيان المحتل الذي هو في أصل نشأته صناعة خارجية أوروبية أمريكية مشتركة.

صنع الغرب قبل انسحابه العسكري من المشرق بعد نهاية الحرب الثانية ثكنة متقدمة في قلب المنطقة العربية تحقق له أهدافا كثيرة. من هذه الأهداف التخلص من المسألة اليهودية على أرضه وخلق كيان عسكري بديل قادر على تعويضه في المشرق لمنع نهضة المنطقة وضمان مواصلة هيمنته الاقتصادية والتجارية والثقافية عليها.

في هذا الإطار لا يمكن اعتبار الدعم الغربي المطلق للمشروع الصهيوني حدثا جديدا أو مستغربا بل هو سلوك منطقي ونهج طبيعي لمنظومة دولية قائمة على نهب الأوطان واحتلالها بالفوضى والحروب والنزاعات البينية. فالمشروع الصهيوني جزء لا ينفصل عن مشروع النظام الدولي تجاه المنطقة العربية.

لكنّ السؤال الأهم لماذا تركز كثير من السرديات العربية على دور الخارجي برمي كل مسؤولية الجرائم عليه؟ الجواب هو أن رمي المسؤولية على الخارج يُعفي الداخل منها أو هو في أضعف الحالات يخفف من مسؤولية الداخل العربي وخاصة السلطة السياسية الحاكمة عما يحدث من مجازر وحروب.

لقد دأب النظام الرسمي على شيطنة الخارج والغرب الاستعماري والقوى الصليبية والمؤامرة الدولية التي تستهدفه وتستهدف الأوطان ليظهر بمظهر الضحية أمام الشارع. وهو الأمر الذي سيسمح له فيما بعد بقمع كل نَفس معارض أو ناقد بتهمة التعامل مع الخارج والعداء للوطن. وهنا يتشكّل واحد من أهم أضلع مقولة الوطنية في النظام الاستبدادي بصناعة الأعداء في الداخل وربطهم بالخارج.

الداخل الرسمي

نقصد بالداخل الرسمي السلطةَ العربية ومؤسساتها من جيش وإعلام وحكومة ودبلوماسية وقوى صلبة وناعمة. لا يخفى دور هذه السلطة اليوم على أحد لا بشكل فردي بل حتى في شكلها المؤسساتي الجماعي مثل جامعة الدول العربية أو مجلس التعاون الخليجي أو غيرهما.

حصار غزة من جهة معبر رفح أي الجانب المصري أو من الحدود الأردنية أو حتى شمالا من جنوب لبنان هو الفاعل الأساسي الذي ضاعف من مأساة شعب فلسطين ومن عدد الضحايا. تلعب دول الطوق دورا مركزيا فعالا في المجزرة القائمة وتساهم بشكل كبير في إسناد جيش الاحتلال عبر خنق الفلسطينيين وقطع خطوط الإمداد عنهم.

عقدت جامعة الدول قمة لصالح غزة لكن كل قراراتها اصطدمت بمعارضة دول عربية معلومة لكل إجراء قادر على فك الحصار وإيقاف النزيف وهو ما يؤكد المشاركة الفعلية للداخل الرسمي في الجريمة.

هذا المسار هو كذلك مسار طبيعي وغير مفاجئ لأن الكيانات العربية الرسمية باستثناءات نادرة هي كيانات غير شرعية وقد صُنعت مثل الكيان المحتل لحراسته وضمان بقائه. النظام الاستبدادي العربي أقرب إلى الاحتلال منه إلى القاعدة الشعبية أو إلى المقاومة فالمقاومة تحرجه وتكشف تواطؤه لذا يكون من مصلحته القضاء عليها.

هذا القياس هو الذي يفسر تصريحات أكثر من مسؤول صهيوني كشف أنه عند زيارته العواصم العربية فإن المسؤولين هناك يطلبون منه القضاء على المقاومة وتأديب غزة ومنعها من النهوض. وهذا القياس هو الذي ينفي عن الداخل الرسمي العربي مجرد صمته عن المجازر ويؤكد مشاركته الفعلية في المذبحة خلافا لما يصرح به أمام وسائل الإعلام.

بناء عليه فإن التعويل على السلطة العربية ومؤسساتها بما فيها الجيوش والمنظمات لفك الحصار عن شعب فلسطين إنما هو ضرب من السذاجة الناتجة عن غياب فهم دقيق لنقاط الارتباط والارتهان بين المشروع الصهيوني والمشروع الاستبدادي العربي.

الداخل الشعبي والداخل النخبوي

كشفت حرب الإبادة الأخيرة عن شلل تام في الحراك العربي شعبيا ونخبويا، فرغم الاحساس بالألم عند كثير من المتعاطفين مع القضية الفلسطينية إلا أنهم أيقنوا أكثر من أي وقت مضى أن الشارع العربي ونخبه عاجزون عن فعل أي شيء قادر على التأثير في مجرى الأحداث.

العجز الشعبي نابع أساسا من مناخ الاستبداد والقمع الذي راكم منذ عقود تقاليد معينة في التعامل مع قضية فلسطين واستأثر بها النظام السياسي عبر تحريك أذرعه لتوجيه الجماهير ومنع انفلات الأوضاع.

من جهة ثانية عملت السلطة العربية على تكثيف مواد التضليل الإعلامي والرياضي والفني وحتى الديني من أجل تكوين أحزمة قادرة على امتصاص حالات الغضب والفوران الشعبي ومنع حدوثها.

يظهر هذا العجز جليا في المشهد الشعبي المصري خاصة حيث الكثافة السكانية والوعي الجمعي والجوار الجغرافي والتشابك المباشر مع ما يحدث في غزة. لم تنجح الجماهير المصرية في تكوين أية قدرة على الضغط أو التهديد لفتح معبر رفح مثلا وتخفيف معاناة الجرحى والمصابين.

أما النخب المصرية بكل أطيافها سواء منها المرتبطة عضويا بالنظام أو تلك المنفصلة نسبيا عنه، فقد عجزت هي الأخرى عن تقديم أي شكل من أشكال الإسناد الحقيقي للمحاصرين عبر خلق أدوات دفع جماعية من خلال النقابات أو الهيئات أو الأحزاب أو الجمعيات.

هذا الوضع هو الآخر وضع طبيعي في حالة الهيمنة السياسية والعسكرية والأمنية للنظام الحاكم بعد الانقلاب على السلطة الشرعية ووضع اليد على المجتمع ونخبه. لكن ارتهان النخب العربية للنظام السياسي لا يفسر فقط بالقبضة الأمنية للنظام بل يفسر أيضا بتشتت هذه النخب وغياب مشاريعها ومبادراتها وسقوطها في فخ الزعامات والقيادات الفاشلة والمصالح الشخصية الضيقة وهو ما عزّز من قابليتها للارتهان والفشل.

ليس سبب مأساة غزة إلا صدى لسبب مأساة سوريا وليبيا والسودان واليمن والعراق وغيرهما من الحواضر المشتعلة، حيث يعود أكبر قسم من أسباب اشتعالها إلى تفكك الداخل وانهيار كل قدراته على الصمود ومنع الانزلاق نحو الموت وأسبابه. صحيح أن غزة حالة استثنائية لكنها لا تنفصل عن السياق العربي في أنها تحمل أسباب مأساتها في داخلها سواء الداخل العربي أو الداخل الفلسطيني.

يظهر اليوم وأكثر من أي وقت مضى أننا بعيدون عن القدرة على منع تجدد ما يحدث في غزة غدا، لكن ما حدث فيها أكّد أنه لا سبيل إلى التعافي من هذه القابلية للإبادة دون تحرير الداخل العربي من سلطته ونخبه ووعي شعوبه. دون تحقيق شروط التعافي الداخلي لبنية الفعل العربي وتحرير الإنسان فيه من قمع السلطة وتضليل النخب، فإنه سيبقى مفتوحا على كل احتمالات الفوضى والمجازر والعنف.

*د. محمد هنيد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة السوربون، باريس.

المصدر | عربي21

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: العرب مصر مذبحة احتلال فلسطين غزة قمع السلطة ما یحدث

إقرأ أيضاً:

لغز بلا أدلة.. سرقة لوحة زهرة الخشخاش الجريمة المثالية

بعض الجرائم تُكشف خيوطها سريعًا، وبعضها يظل معلقًا لسنوات، لكن الأخطر هو تلك الجرائم التي وقعت أمام الجميع، ولم تترك وراءها أي دليل يقود إلى الجاني.

سرقات جريئة، اغتيالات غامضة، جرائم نفذت بإحكام، ومع ذلك، بقيت بلا حل رغم التحقيقات والاتهامات.

كيف تختفي لوحة فنية لا تُقدر بثمن دون أن يراها أحد؟ كيف يُقتل عالم بارز وسط إجراءات أمنية مشددة دون أن يُعرف الفاعل؟ ولماذا تظل بعض القضايا غارقة في الغموض رغم مرور العقود؟

في هذه السلسلة، نعيد فتح الملفات الأكثر إثارة للجدل، ونسلط الضوء على القضايا التي هزت العالم لكنها بقيت بلا أدلة.. وبلا إجابات!

الحلقة الأولى –أغسطس 2010 – وسط العاصمة القاهرة

في صبيحة يوم هادئ بمتحف محمد محمود خليل، لم يكن أحد يتخيل أن الساعات القادمة ستشهد واحدة من أغرب وأجرأ سرقات الفن في التاريخ. لوحة “زهرة الخشخاش”، أحد أبرز أعمال الفنان العالمي فان جوخ، والتي تقدر قيمتها بـ 55 مليون دولار، اختفت فجأة من جدران المتحف، وكأنها تبخرت في الهواء.
صُدمت الأوساط الفنية والعالمية بهذا الاختفاء الغامض، فاللوحة التي رسمها فان جوخ عام 1887، قبل وفاته بثلاثة أعوام فقط، لم تكن مجرد قطعة فنية نادرة، بل كانت شاهدًا على عبقرية فنان عانى من الاضطراب النفسي وانتهت حياته بشكل مأساوي عام 1890.

عملية سرقة وسط الفوضى – كيف اختفت اللوحة؟

بمجرد الإعلان عن السرقة، استنفرت السلطات المصرية جميع منافذ البلاد، من المطارات إلى الموانئ، بحثًا عن أي أثر للوحة المختفية. خضع السياح القادمون والمغادرون لفحص دقيق، وتم تفتيش أي شخص يحمل أعمالًا فنية، ولكن دون جدوى.

كانت هناك علامات استفهام كثيرة تحيط بالجريمة، فاللص أو اللصوص لم يقتحموا المتحف ليلاً، بل نفذوا العملية في وضح النهار، خلال ذروة العمل اليومي. الأغرب أن السرقة تمت بأبسط الأدوات: “موس صغير” استخدمه الجاني لقطع اللوحة من إطارها، دون أن ترصد الكاميرات أي شيء، إذ تبين لاحقًا أن كاميرات المراقبة كانت معطلة، وأجهزة الإنذار لم تعمل، وكأن كل شيء كان مهيئًا لتنفيذ السرقة بسهولة تامة.

لغز بلا حل – من الجاني؟ وأين اختفت اللوحة؟

مرت الأيام والأسابيع، ثم الشهور والسنوات، ولكن اللوحة لم تظهر أبدًا. لم يتقدم أحد بطلب فدية، ولم تُعرض اللوحة للبيع في السوق السوداء، فكيف يمكن لمجرم أن يسرق لوحة لا يمكن بيعها؟

مع تصاعد الغضب، وُجهت في يناير 2011 عشرات الاتهامات لمسؤولين في المتحف ووزارة الثقافة وقطاع الفنون التشكيلية، لكن رغم التحقيقات والاتهامات، بقيت الحقيقة غائبة.

اليوم، وبعد أكثر من 15 عاما، لا يزال لغز سرقة “زهرة الخشخاش” من أغرب وأعقد الجرائم في تاريخ الفن. هل كانت السرقة مدبرة من الداخل؟ هل تم تهريب اللوحة خارج البلاد بطريقة ما؟ أم أنها لا تزال مخبأة في مكان ما داخل مصر، تنتظر اللحظة المناسبة لتظهر من جديد؟

 







مشاركة

مقالات مشابهة

  • ناشطة إيرانية حاصلة على نوبل: نظام الملالي ينهار من الداخل
  • إعانة طوارئ ودعم مالي.. مزايا وتسهيلات قانون العمل لـ العمالة غير المنتظمة
  • خيط الجريمة.. جحود ربة منزل غرقت ابنها فى البانيو بعد رفض زوجها إسقاطه
  • أحمد داود يتورط في عالم الجريمة.. ملخص الحلقة الثالثة من مسلسل الشرنقة
  • خيط الجريمة.. عاطل يقتل زوجته لرفضها العودة إليه
  • أستاذ علاقات دولية: مصر تسعى لإنهاء الجمود السياسي في الداخل الليبي
  • لغز بلا أدلة.. سرقة لوحة زهرة الخشخاش الجريمة المثالية
  • مصر تستضيف القمة العربية الطارئة 4 مارس.. نواب: نأمل توحيد الموقف العربي ضد التهجير
  • تفاصيل الخطة العربية لإدارة غزة.. السلطة ستحكم القطاع (شاهد)
  • «الغرف العربية»: شراكة استراتيجية بين الصين والعالم العربي لتعزيز سلاسل التوريد