كفلسطيني بريطاني أشاهد طوال حياتي الفظائع التي ترتكب ضد شعبي، ينتابني شعور بأن العدوان الحالي أسوأ من كل شيء سبقه.

وكعامل إغاثة بخبرة عقود من التعامل مع الأزمات الإنسانية، يبدو لي أن المعاناة المتنامية في غزة أكثر حدة من أي شيء رأيته حتى الآن. للأسف، لا ينطلق هذا الشعور من تحيز للماضي القريب، بل هو واقع يقوم على الحقائق.



تؤكد وكالة التصنيف المرحلي للأمن الغذائي المتكامل، التابعة للأمم المتحدة، أن "هذه أكبر شريحة من الناس تواجه أعلى مستوى من الانعدام الحاد في الأمن الغذائي مقارنة بكل ما صنفته الوكالة حتى الآن في أي بلد من البلدان."

في عالم يندر أن تجد فيه من يقف بالمرصاد للانحراف في السلوك الإنساني، يعاني أهل قطاع غزة حالياً من أفعال غير مسبوقة في قدرة جنسنا البشري على الإفساد وسفك الدماء وتدمير حياة الآخرين.

والآن تتربص المجاعة الكارثية بقطاع غزة لأن الناس يخضعون لتجويع متعمد وحرمان من الأساسيات التي يحتاجها البشر كي يبقوا على قيد الحياة – الغذاء والماء.

إن حرمان الناس من الأشياء التي يعتبرها الناس في بقية العالم من البديهيات، مثل أن تكون البيوت مزودة بالكهرباء، وألا تكون المستشفيات ممتلئة بالمرضى لدرجة أن يتم إجراء العمليات الجراحية لهم بدون مخدر، أو أن يأوي الأطفال إلى النوم دون أن يخشوا تساقط القنابل على رؤوسهم – كل تلك أدوات تستخدم لتسعير الجحيم الذي يعيش فيه الفلسطينيون في قطاع غزة.

علينا أن نواجه هذه الأفعال غير الإنسانية بأفعال إنسانية. إذا كانت لدى إسرائيل وسائلها الخلاقة التي تستخدمها لإزهاق أرواح الآلاف المؤلفة من الناس في غزة، فإنه يجب علينا أن نطور أساليب خلاقة لدعم الفلسطينيين الذين يتعرضون لمستويات غير مسبوقة من المشقة.

لقد رأينا فرنسا والأردن ينزلون آلاف الأطنان من المساعدات الطبية جواً لإغاثة المستشفيات التي لم تعد قادرة على تحمل الأعداد المتزايدة من المدنيين الجرحى والقتلى.

إذا استمر تجاهل النداءات العالمية للسماح بتوصيل مستوى من المساعدات إلى الناس براً، فإن العالم يتحمل مسؤولية توصيل المزيد من الدعم إلى الناس عبر أي وسائل ممكنة. إذا لم يسمحوا لنا بالمساعدة براً أو بحراً، فإن علينا أن نحاول جواً.

عواصف الشتاء

قبل تشرين الأول/ أكتوبر  2023، كان ما يقرب من 500 شاحنة مساعدات تعبر إلى داخل غزة يومياً. تقلص هذا العدد الآن إلى ما يقرب من مائة.

وأولئك الذين يتمكنون من العبور يعيق عملهم تعطل شبكات الهاتف بشكل تعسفي، والأضرار التي لحقت بالطرق، والقنابل التي يتم إسقاطها دون أن تبذل جهود تذكر لحماية المدنيين وعمال الإغاثة.

والمساعدات التي يسمح بدخولها تتجه بشكل أساسي نحو جنوب القطاع من خلال معبر رفح الحدودي، مع أن الحاجة في شمال القطاع لا تقل عن حاجة جنوبه، إن لم تكن تفوقها بمراحل.

كما أننا ندخل إلى أعماق الشتاء الآن، وتهب العواصف على المنطقة. في هذه الأثناء يعاني ما يقرب من 1.7 مليون إنسان من التشرد، وقد نزحوا عن بيوتهم، علماً بأن العيش في ملاذات متضررة ومهدمة، في ظروف شديدة البرودة، يمكن أن يكون فتاكاً.

تم من قبل إنزال المساعدات الإنسانية جواً، كما حدث مؤخراً بهدف إنقاذ حياة الناس في أماكن محاصرة داخل سوريا، وقبل ذلك في حالة اليزيديين المحشورين على جبل سنجار، والبوسنويين المحاصرين في موستار، والتجمعات السكانية في جنوب السودان بعد أن تقطعت بهم السبل بسبب الصراع.

لا يمكن المجادلة بأن الطحين وعبوات مياه الشرب والأطعمة المتخصصة المصممة للناس الذين يعانون من سوء التغذية، مثل بلامبي نات، أو الخيام، يمكن أن تتحول إلى أسلحة تستخدمها التشكيلات العسكرية.

تحديات لوجستية

يمكن لإنزال المساعدات جواً على السكان المدنيين أن يساعد في التغلب على التحديات اللوجستية ويذلل مصاعب التوزيع التي تواجهها منظمات الإغاثة حالياً. وإذا ما تم فعل ذلك بالتنسيق مع التشكيلات العسكرية، فسوف تتقلص الأخطار المحدقة بالقائمين على توزيع المساعدات.

تشكل عمليات الإنزال الجوي تحديات لوجستية. إذ لابد من إنزال المواد بالتنسيق مع الفرق المتواجدة على الأرض، والتي يمكن أن تقوم بتوزيعها حسب حاجة الناس إليها. يمكن للدقة أن تشكل تحدياً، إذ قد تتعرض الطرود للكسر أثناء الإنزال.

بالإضافة إلى ذلك، من الواضح أن تزويد الطائرة بالوقود أعلى كلفة بكثير من تزويد الشاحنة بالوقود. ولذلك، من المؤكد أن هذا ليس حلاً أفضل من حيث التكلفة، ولا ريب إذ ذاك أنه سيكون بمثابة الملاذ الأخير.

ولكن بالنظر إلى الوضع الحالي، من المؤكد أننا وصلنا إلى النقطة التي بات الخيار الوحيد المتاح هو خيار الملاذ الأخير.

لا يوجد سبب مقبول إنسانياً للتقاعس عن البدء بمحاولة إنزال الأطعمة ومياه الشرب جواً على غزة.

لدينا في قطاع العمل الإغاثي ما لا يحصى عدده من الشاحنات المحملة بالمساعدات والتي هي على أهبة الاستعداد للتوزيع على الناس في غزة، ومانحونا، الذين تنفطر قلوبهم لما يرونه من مشاهد على شاشاتهم، على استعداد للتمويل أكثر وأكثر.

إن كارثة انعدام الأمن الغذائي عرض من أعراض مرض سياسي. بإمكان العاملين في القطاع الإغاثي، إذ يبحثون عن سبل جديدة لتوصيل المساعدات، فقط إبطاء معدل الوفيات بين الناس – ولكن لا يمكنهم في نهاية المطاف الحيلولة دون تعرضهم للموت.

والحقيقة المحزنة هي أنه بدون وقف فوري لإطلاق النار، لن تجدي عمليات الإنزال الجوي نفعاً كثيراً.

ميدل إيست آي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة احتلال غزة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الناس فی

إقرأ أيضاً:

"نستيقظ في الصباح متجمدين من البرد".. معاناة بلا حدود للفلسطينيين في غزة في شتاء قارس ونقص المساعدات

مع بداية فصل الشتاء في قطاع غزة، يواجه الفلسطينيون النازحون من جراء الحرب التي استمرت 14 شهراً، صعوبات بالغة في التكيف مع البرد القارس والمطر. العديد من هؤلاء النازحين يعيشون في خيام متهالكة أو تحت مشمعات مؤقتة لا توفر لهم الحماية الكافية من الطقس القاسي، في ظل نقص شديد في البطانيات والملابس الدافئة

اعلان

وقال عمر شبات، أحد النازحين من مدينة غزة: "نلجأ إلى داخل خيامنا بعد غروب الشمس ولا نخرج لأن البرد شديد، ويزداد قسوة في منتصف الليل." وأضافت شابت أن ابنته البالغة من العمر 7 سنوات تبكي من شدة البرودة في الليل.

أما رضا أبو زرادة، النازحة من جباليا، فذكرت: "بطانياتنا رقيقة جدًا، فهي لا تدفئنا أبدًا. نشعر برطوبة الأرض، والبرد يقتلنا. نستيقظ في الصباح متجمدين من البرد. هل تعرفون ماذا يعني التجمد؟ نحن نرتجف من شدة البرد."

أحفاد رضا أبو زرادة يجلسون بجوار النار في مخيم على البحر في خان يونس، قطاع غزة، الخميس، 19 ديسمبر 2024APRelated"جثث تُترك للكلاب ونتسابق على القتل".. شهادات جنود إسرائيليين تكشف عن ممارسات مروعة في غزةغارة جوية إسرائيلية على وسط غزة تُسفر عن مقتل خمسة وإصابة سبعة آخرينحصيلة القتلى تتصاعد في غزة.. وحماس تتحدث عن "تطهير عرقي" وإسرائيل تعلن قصف أهداف للحوثيين بـ60 قنبلةقصف إسرائيلي غير مسبوق يستهدف مستشفى كمال عدوان في غزة.. وحماس تؤكد أن الاتفاق بات أقرب من ذي قبل

من جانبها، حذرت الأمم المتحدة من أن العديد من الفلسطينيين يعيشون في ملاجئ مؤقتة قد لا تتحمل ظروف الشتاء القاسية. وأشارت أن نحو 1.9 مليون فلسطيني في غزة دون مأوى مناسب، في ظل الدمار الذي طال 69٪ من مساحة القطاع جراء القصف الإسرائيلي.

أماني أبو زرادة، الرابعة من اليسار، تطعم أحد أطفالها خارج خيمتهم في مخيم في خان يونس، قطاع غزة، الخميس 19 ديسمبر 2024AP

وبينما تسعى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إلى توفير المساعدات، إلا أن ما تم إدخاله إلى القطاع غير كافٍ لتلبية احتياجات السكان. وذكرت الوكالة أنها كانت تعمل طوال العام على التحضير للشتاء، لكنها لم تتمكن من إدخال سوى جزء صغير من المساعدات، بما في ذلك 6,000 خيمة تم توزيعها في شمال غزة.

المصادر الإضافية • أب

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية "جثث تُترك للكلاب ونتسابق على القتل".. شهادات جنود إسرائيليين تكشف عن ممارسات مروعة في غزة الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي في عملية إطلاق نار عند قبر يوسف في نابلس هل آن أوان "إسرائيل الكبرى"؟ حافظ الأسد أراد السباحة يوما في طبريا فاحتل نتنياهو أعلى قمم جبل الشيخ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين - أونرواالشتاءإسرائيلالصراع الإسرائيلي الفلسطيني مخيمات اللاجئينلاجئوناعلاناخترنا لك يعرض الآن Next الجيش الإسرائيلي يعرض أمام نتنياهو أسلحة استولى عليها من حزب الله وتأكيد على مواصلة ضرب الحوثيين يعرض الآن Next كيف اختزلت حادثة ماغديبورغ مدى الاحتقان الطائفي والعرقي والسياسي الذي ينخر في جسد الوطن العربي؟ يعرض الآن Next آلة القتل الإسرائيلية تفتك بالنازحين في غزة.. رئيس الموساد يوصي بضرب إيران ونتنياهو يتوعد الحوثيين يعرض الآن Next جنوب السودان: الفيضانات السنوية تفاقم الأزمة الإنسانية وتدفع المجتمعات إلى العيش على حافة المياه يعرض الآن Next إسبانيا: فرحة الميلاد في يانصيب "أل غوردو" الأكبر.. فمن صاحب الجائزة الكبرى؟ اعلانالاكثر قراءة بحضور الوزير فيدان.. الشرع يعد بنزع سلاح كل الفصائل بما فيها قسد وإسرائيل قلقة من تحرك عسكري تركي الشرطة النيجيرية: ارتفاع عدد قتلى حادثي تدافع بمناسبتين خيريتين لعيد الميلاد إلى 32 شخصا آيتان على سقف قصر السيسي ومُلْك فرعون الذي لا يفنى.. صورة الرئيس المصري تشعل مواقع التواصل مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز حادثة بـ"نيران صديقة" تسقط طائرتين أمريكيتين فوق البحر الأحمر اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومبشار الأسدإسرائيلعيد الميلادأبو محمد الجولاني حزب اللهبنيامين نتنياهوسورياإيرانأعياد مسيحيةالحرب في سورياوقف إطلاق النارهيئة تحرير الشام الموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • أوكسفام تكشف عدد شاحنات المساعدات التي دخلت لشمال غزة
  • الآلاف بشمال القطاع يتضورون جوعا.. وإسرائيل تواصل منع دخول المساعدات
  • ما الذي يمكن خسارته من تشكيل حكومة مدنية موازية لحكومة بورتسودان؟
  • الصحة العالمية: معظم الخدمات الصحية في غزة تعرضت للتدمير
  • "نستيقظ في الصباح متجمدين من البرد".. معاناة بلا حدود للفلسطينيين في غزة في شتاء قارس ونقص المساعدات
  • العد التنازلي يبدأ.. مسبار باركر يستعد لتحقيق أقرب رحلة إلى الشمس في إنجاز فضائي غير مسبوق
  • سفارة روسيا في لشبونة: الأضرار التي لحقت بالسفارة البرتغالية في كييف كانت بسبب قوات الدفاع الجوي الأوكرانية
  • مؤسسة  “آكشن إيد”: الفلسطينيون في غزة يواجهون صعوبة في البقاء على قيد الحياة
  • الفلسطينيون في خان يونس ينتظرون ساعات للحصول على وجبة يومية وسط القيود الإسرائيلية
  • “آكشن إيد”: الفلسطينيون في غزة يواجهون صعوبة في البقاء على قيد الحياة