سرايا - أمام محكمة العدل الدولية، وقفت المحامية الأيرلندية بلين ني غرالاي، في 11 يناير/كانون الثاني، تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة.

وقالت المحامية التي تقدم المشورة للفريق القانوني لجنوب أفريقيا في دعواه، إن المجتمع الدولي يخذل الفلسطينيين الذين يبثون مأساتهم على الهواء مباشرة على مرأى ومسمع العالم، مع شعور بأمل ضعيف يكاد يصل إلى حد اليأس بأن يتحرك العالم من أجل وقف العدوان عليهم، "لا يوجد أحد آمن في غزة".



بعد تنقلات ورحلات طويلة في أيرلندا استقرت عائلة غرالاي، في نهاية المطاف، بلندن. كانت غرالاي ما تزال طفلة صغيرة، نشأت على يد والدتها، مع أختها الكبرى التي وصفتها بأنها "صخرتها" في الحياة.

أحبت القراءة في عمر مبكر، وفي إحدى المرات عندما كانت في الـ12 من عمرها، سحبت كتابا من مكتبة والدتها على غلافه صورة لفتاة في نفس عمرها.

قرأت غرالاي الكتاب من الغلاف إلى الغلاف، وأجهشت بالبكاء. كان الكتاب يحكي قصة مقتل الطفلة الأيرلندية ماجيلا أوهير، على يد جندي بريطاني، أطلق النار عليها في ظهرها في أيرلندا الشمالية في عام 1976، بينما كانت تسير بالقرب من نقطة تفتيش تابعة للجيش. ماتت ماجيلا بين ذراعي والدها بعد أن سمع الرصاصة وركض نحوها.

لم تستوعب غرالاي الطفلة شناعة الحدث، ركضت إلى والدتها وهي تبكي، وسألتها "كيف يمكن أن يحدث مثل هذا الشيء الفظيع؟"، ردت والدتها؟ "افعلي شيئا حيال هذا".

"افعلي شيئا حيال هذا"، ربما كانت تلك هي الكلمات السحرية التي شكلت مستقبل وحياة غرالاي، بقيت الكلمات عالقة في ذهنها ومست وترا حساسا وعميقا في نفسها.

وخلال فترة مراهقتها في لندن، كانت تذهب في العطلات إلى قاعات المحاكم لمتابعة المحاكمات الجنائية، قالت غرالاي لـ"أيرش ليجيل نيوز": "عندما كان عمري 13 أو 14 عامًا تقريبًا، اعتدت أن آخذ نفسي إلى أولد بيلي -المحكمة الجنائية المركزية في إنجلترا وويلز- في العطلات المدرسية، لقد وجدت أنها رائعة".

ومع ذلك، لم تر غرالاي نفسها محامية، ولم تخطط لذلك أبدا، "لم أكن أرغب دائمًا في أن أصبح محامية، لم أتخيل نفسي أبدًا في هذا الدور إلا بعد وقت طويل".

لكن المحيطين بها كانوا يدركون أنها في يوم من الأيام ستكون محامية، "لا أستطيع أن أقول إنها كانت مفاجأة لأي شخص عندما أصبحت محامية، لم أتجنب أبدًا أي نقاش أو جدال. لكن هذا لم يكن ليخطر على بالي عندما كنت صغيرة، ربما لأنني لم أعرف أي محامين في حياتي. كان لدينا الكثير من المعلمين في الأسرة ولكن لم يكن هناك محامون".

لم تخطط غرالاي لدراسة الحقوق، وبدلا عن ذلك، قررت التخصص في دراسة اللغات في كلية كوينز، كامبردج، واختارت دراسة الفرنسية واللاتينية، لكن على ما يبدو أنه كان مقدرا لها أن تصبح تلك المحامية التي تقف أمام محكمة العدل الدولية في محاولة لتحقيق العدالة للفلسطينيين، إذ اتضح لها فيما بعد أن الفرنسية واللاتينية هما لغتا القانون الدولي، فقررت الاستسلام لدراسته.

عملت غرالاي لبضع سنوات في مركز أبحاث مقره الولايات المتحدة لتوفير المال اللازم لدراسة القانون. بعد ذلك، تطوعت في إحدى المنظمات غير الحكومية، ثم حصلت على وظيفة كمساعدة قانونية في إحدى شركات حقوق الإنسان في لندن، واستمرت في العمل هناك بدوام جزئي أثناء دراستها للقانون.

وفي مفاجأة غيرت كل مسارها المهني، عرض عليها منصب للعمل كمراقب قانوني في تحقيق أحداث "الأحد الدامي" 1972، في منطقة ديري أيرلندا الشمالية، والذي قتل فيه 14 في مظاهرة ضد قانون الاعتقال الاحترازي الذي قررت السلطات البريطانية تطبيقه على الناشطين الأيرلنديين، وافقت غرالاي على العرض وانتقلت من لندن إلى ديري، حيث أمضت عاما كمراقب قانوني وعاما آخر في العمل في مكتب محاماة يمثل العديد من عائلات القتلى والجرحى في يوم الأحد الدامي.

كان لتحقيق "الأحد الدامي" تأثير كبير على حياة غرالاي، عادت بعده إلى لندن واستأنفت دراستها في المحاماة، وقررت تلك المرة التخصص في قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي.

تنقلت غرالاي من قضية إلى أخرى، يمس معظمها حقوق الإنسان وحرية التعبير والاحتجاج السلمي. ومنذ عامين، حصلت، مع محامين آخرين، على البراءة لـ4 متهمين بتخريب تمثال تاجر الرقيق البريطاني إدوارد كولستون وإلقائه في نهر أفون في إنجلترا خلال مسيرة لحركة "حياة السود مهمة" عام 2020.

ودفعت غرالاي وفريقها القانوني في القضية التي عرفت باسم "بريستول 4″، بأن عرض تمثال النخاس البرونزي والاحتفاء به، وهو المسؤول عن استعباد نحو 84 ألف شخص أسود ومقتل 20 ألف شخص، هو الهجوم الإجرامي في حد ذاته وأن مواطني بريستول يوافقون على إزالة التمثال، وفي كلماتها الختامية في تلك القضية حثت هيئة المحلفين أن يكونوا "على الجانب الصحيح من التاريخ".

لسنوات احتفظت غرالاي بكتاب ماجيلا أوهير في إطار ووضعته على مكتبها، وفي لحظات التأمل أدركت أن معاناة الفلسطينيين مألوفة للأيرلنديين وأن نضالهم واحد، وأن البريطانيين قتلوا أطفالا وإسرائيل تفعل أيضا.

وفي 29 ديسمبر/كانون الأول 2023 تقدمت جنوب أفريقيا بدعوى من 84 صفحة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي تتهم إسرائيل بارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وكوّنت فريقا من أساتذة القانون وأعضاء في منظمات حقوقية ومحامين متخصصين في القانون الدولي وحقوق الإنسان، انضمت لهم المحامية الأيرلندية بلين ني غرالاي، التي وقفت من قبل أمام محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة الجماعية بين كرواتيا وصربيا، بحسب "أيرش إكسامينير".

وعلى الرغم من دفاعها عن الحق والنضال في مختلف البلدان، كان لفلسطين وقع آخر.

في عام 2009، شاركت غرالاي في بعثة مراقبة قانونية مفوضة من الأمم المتحدة بغزة في أعقاب الغزو العسكري الإسرائيلي عام 2008، والمعروفة باسم عملية "الرصاص المصبوب" وخلفت نحو 1500 شهيد، وقالت: "لقد كانت إحدى تجارب حياتي المهنية هي التي أثرت فيّ أكثر من غيرها".

وعندما توفيت والدتها عام 2011، طلبت الأسرة التبرعات لحملة التضامن مع فلسطين بدلا من وضع الزهور على قبرها.

وقفت غرالاي، في 11 يناير/كانون الثاني أمام محكمة العدل الدولية، وألقت بيانها الختامي، قالت "على أساس الأرقام الحالية، يقتل في المتوسط ​​247 فلسطينيا ويتعرضون لخطر القتل كل يوم، والعديد منهم يتمزقون حرفيا إلى أشلاء، من بينهم 48 أُمَّا كل يوم، واثنتان كل ساعة وأكثر من 117 طفلا كل يوم".

وتابعت "كل يوم، سيتم بتر ساق أكثر من 10 أطفال فلسطينيين أو كلتيهما، والعديد منهم دون تخدير. سيتم حفر المزيد من المقابر الجماعية، وسيتم تجريف المزيد من المقابر وقصفها، مما يحرم حتى الموتى من أي كرامة أو سلام".

وأضافت غرالاي، أن ما يحدث في غزة على أيدي الإسرائيليين "أول إبادة جماعية في التاريخ الحديث"، وأن تلك الإبادة أفرزت اختصارا جديدا ورهيبا وهو (WCNSF)، أي "طفل جريح، ولا عائلة على قيد الحياة لرعايته".

وقالت غرالاي "يستمر المجتمع الدولي في خذلان الشعب الفلسطيني ويجردهم من إنسانيتهم على الرغم من تعرضهم للإبادة الجماعية. ورغم هول الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني يبث ضحاياها قتلهم وتدميرهم (بثا) مباشرا مع شعورهم بأمل ضئيل ويائس أن العالم قد يفعل شيئا ما".


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: أمام محکمة العدل الدولیة کل یوم

إقرأ أيضاً:

اعتزال ووعكة صحية.. هل كانت حالة محمد رحيم النفسية سر رحيله المفاجئ؟

أحدثت وفاة الفنان والملحن محمد رحيم المفاجئة موجة من الحزن والصدمة في الوسط الفني، حيث كان يتمتع بشعبية كبيرة ومكانة مرموقة بين زملائه وجمهوره.

ورغم إنجازاته الموسيقية التي أثرت الساحة الفنية، إلا أن معاناته النفسية وظروفه الصعبة في السنوات الأخيرة ألقت بظلالها على حياته، لتنتهي مسيرته بطريقة مؤلمة وصادمة.

وفاة محمد رحيموفاة محمد رحيم

قبل أشهر من وفاته، أعلن محمد رحيم اعتزاله العمل الفني عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، قائلًا: "تعليق كل أنشطتي الفنية لأجل غير مسمى حتى إشعار آخر مع احتمالية اعتزالي المهنة والسفر خارج البلاد".  

إلا أن محبيه وجمهوره تفاعلوا مع الخبر بشكل كبير، مطالبين إياه بالعودة عن قراره، وبالفعل، استجاب رحيم لهذه المطالب وكتب عبر حساباته: "بكيت بالدموع من كتر الإحساس اللي في الرسائل اللي بعتوهالي... خلاص يا جماعة أنا هارجع تاني علشان خاطركم".

وفي شهر يوليو الماضي، تعرض محمد رحيم لذبحة صدرية نُقل على إثرها إلى المستشفى، حيث أجرى عملية قسطرة ناجحة، وطمأن جمهوره لاحقًا من خلال فيديو نشره على "فيسبوك": "أجريت عملية بسيطة وبقيت زي الفل، ربنا شفاني وعدت على خير".

ورغم تعافيه جسديًا، إلا أن الضغوط النفسية والتجاهل الذي واجهه من الوسط الفني أثرا بعمق على حالته النفسية، وشعر رحيم بالمرارة بسبب تهميشه وعدم تقدير مساهماته، وهو ما انعكس على نفسيته الرقيقة، ليختار العزلة بدلًا من محاولة فرض وجوده.

وفاته المفاجئة أثارت صدمة في الوسط الفني، حيث عبر عدد كبير من الفنانين عن حزنهم البالغ لما مر به من ضغوط.  

وكتب الشاعر بهاء الدين محمد كتب على "فيسبوك": "محمد رحيم ارتاح خلاص... تمن الضغط على الإحساس الموت". 

للمرة الثانية.. زوجة محمد رحيم تعلن موعد جنازته أسرة الملحن محمد رحيم تتسلم جثمانه من مشرحة زينهم (صور)

وأما المخرج محمد العدل فقد عبر عن حزنه الشديد، كاتبًا: "محمد مات من عدم التقدير... رغم أنه من أهم ملحنين العالم بجوائز عالمية، إلا أن الإعلام تجاهل إنجازاته، محمد مات من المحسوبية والمجاملات".

ورغم الظروف الصعبة التي عاشها في سنواته الأخيرة، إلا أن محمد رحيم ترك إرثًا فنيًا غنيًا سيظل محفورًا في ذاكرة الفن العربي، فقد أثرى الساحة الموسيقية بأعمال مميزة، وسيبقى اسمه حاضرًا رغم رحيله المبكر.

برحيل محمد رحيم، فقد الوسط الفني واحدًا من أكثر المبدعين حساسية وإبداعًا، وبينما تتوالى ردود الأفعال الحزينة، يبقى إرثه الموسيقي شاهدًا على موهبة فذة وإنسانية عميقة لم تُقدر كما تستحق.

مقالات مشابهة

  • تعرف على القوانين التي أقرها الكنيست الإسرائيلي.. عنصرية وتعزز الاحتلال
  • عبدالرقيب عبدالوهاب.. لماذا اغتيل بطل السبعين؟!(10)
  • اعتزال ووعكة صحية.. هل كانت حالة محمد رحيم النفسية سر رحيله المفاجئ؟
  • تركيا تدين استهداف اليمن سفينة شحن تركية كانت في طريقها للكيان الصهوني .. كاريكاتير
  • كانت مسيحية وعلمت ابنتها الإسلام.. من هي والدة مي عز الدين؟
  • لماذا تمثل صواريخ حزب الله قصيرة المدى هاجسا لجيش الاحتلال؟
  • ما هي منظمة حاباد اليهودية التي اختفى أحد حاخاماتها في الإمارات؟
  • زيباري: تهديدات إسرائيل للعراق كانت متوقعة
  • لغز النزال الكبير.. هل كانت مواجهة مايك تايسون وجاك بول تمثيلية؟ (فيديو)
  • عبدالرقيب عبدالوهاب.. لماذا اغتيل بطل السبعين؟! (9)