يعد التجويع المتعمد للمدنيين في الحروب، أحد الجرام والانتهاكات للأعراف الحربية الدولية، وبندا للملاحقة الجزائية في حال ارتكابه من قبل أحد الأطراف.

ومنذ 111 يوما، تقوم قوات الاحتلال، بعملية تجويع ممنهجة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، خاصة في المناطق الشمالية من القطاع، عبر منع إدخال كافة أنواع المساعدات الغذائية والمياه الصالحة للشرب.



وتدهورت الحالة الإنسانية شمال القطاع، إلى درجة لجوء الفلسطينيين، إلى طحن الأعلاف المخصصة للحيوانات، من أجل صناعة الخبز لسد جوعهم، وسط تعنت الاحتلال في إدخال المواد الغذائية الأساسية للقطاع.



ووفقا لتقرير لجنة المسؤوليات التي أنشئت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، فقد نص على أن "تعمد تجويع المدنيين" يشكل انتهاكا لقوانين وأعراف الحرب.

وبحسب نشرات الصليب الأحمر لجرائم الحروب، فإن مهاجمة الأعيان التي لا غنى عنها، لبقاء السكان المدنيين وعدم تسهيل مرور الإغاثة الإنسانية وتعمد عرقلتها، أو تقييد حرية الحركة للأفراد العاملين فيها، يعد انتهاكا لقواعد القانون الدولي، وجميع تلك الأفعال ارتكبها الاحتلال في غزة.

لكن على مدار التاريخ، استخدم الجوع في العديد من الحروب، سلاحا لإخضاع الخصوم وتدميرهم، وأودى بحياة الملايين في عدد من الحروب، كان أغلبهم من المدنيين في شكل من أشكال العقاب الجماعي، والإبادة.

ونستعرض في التقرير التالي، عددا من الحروب التي استخدم فيها التجويع سلاحا، للفتك بالخصوم:

حرب الثلاثين عاما

تفجر صراع مدمر في أوروبا، بين الامبراطورية الرومانية، والبوهيميين البروتستانت، عام 1618، وانتشر القتال على امتداد الولايات الألمانية والدنمارك والسود وفرنسا، و

ورغم أن الصراع كان يأخذ شكلا دينيا، إلا أن طول فترة الصراع، تسبب في تمزيق النسيج الاجتماعي بأوروبا، ومن أجل تمويل الحملات العسكرية فرضت الضرائب وأجبر الفلاحون على توفير الأغذية للجيوش المقاتلة، وفي حال عجزهم عن تقديم المطلوب منهم، كان الجنود يعمدون إلى تدمير محاصيلهم، وسرقة مواشيهم، إتلاف الطعام المتوفر لديهم لتجويعهم عقابا لهم.

وتسبب الصراع الذي امتد إلى 30 عاما، في مقتل 8 ملايين شخص، والذين شكلوا 8 بالمئة من سكان أوروبا في ذلك الوقت، بعد أن عمت المجاعة نتيجة عقوبات الجيوش للمدنيين، وحرمانهم من زراعة أراضيهم واتلاف محاصيلهم.

تجويع هولودومور

تعد المجاعة الأوكرانية، واحدة من فظائع التجويع العالمية، والتي وقعت على يد الاتحاد السوفيتي، حين عوقب الأوكرانيون، في الفترة ما بين 1932-1933.

وكان الرئيس السوفيتي جوزيف ستالين، أصدر قرارا بتحويل الزراعة لعمل جماعي، وهو ما يعني تخلي الفلاحين عن مزارعهم، والانضمام للمزارع الجماعية الكبيرة التي أطلق عليها "كولخوزي" آنذاك.

وكانت الأراضي الأوكرانية، تعد الأكبر ضمن الاتحاد السوفيتي، في إنتاج الحبوب، وأدت قرارات ستالين، إلى ثورة مسلحة من قبل المزارعين، الأمر الذي دفع الرئيس السوفيتي، إلى الانتقام منهم بإجراءات صارمة للغاية.

ومن بين القرارات التي اتخذت خلال المجاعة الكبرى "هولودومور"، إدراج القرى الأوكرانية والمزارعين على القائمة السوداء، لحظر الحصول على الغذاء، ومنع الفلاحون من مغادرة مناطقهم للبحث عن طعام.

كما صدرت أوامر بمنع تقديم كميات كافية من الطعام للمناطق المحاصرة، ما أدى إلى عقاب تجويع هائل للمدنيين، أفضى إلى موت ما بين 7-10 ملايين جوعا بين الأوكرانيين.

حصار لينينغراد

يعد حصار لينينغراد "سانت بطرسبرغ" حاليا، من أطول الحصارات التي جرت تاريخيا، حيث فرضت القوات الألمانية، حصارا على المدنية في الحرب العالمية الثانية، بحق إبادة السكان، والسيطرة على المدنية بالكامل.

وعمدت القوات الألمانية، عام 1941، إلى قصف جوي، لمستودعات إمدادات الغذاء للمدينة، وقطع كافة خطوط المواصلات مع المدينة، لمنع وصول أي إمدادات حياتية.

وفي أواخر أيلول/سبتمبر، أصدر هتلر مذكرة يأمر فيها، بتسوية لينينغراد بالأرض، عبر القصف المدفعي، من أجل دفع السكان للتضور جوعا، والاستيلاء على ما تبقى من أغذية وتحويلها للقوات المحاصرة للمدينة.

ورغم إجلاء 650 ألف مدني من المدينة، قبل اشتداد الحصار عليها، إلا أن 2 مليون من سكانها، علقوا تحت حصار قاس، وكان يجري إلقاء رزم من الإمدادات في بحرية لاغودا، ليصل إلى الحد الأدنى من الطعام.



وبحلول كانون ثاني/ديسمبر 1941، ضربت المجاعة سكان لينينغراد وتحول السكان إلى هياكل عظيمة بسبب شدة الجوع، وسجلت السلطات السوفيتية، ظهور ما بين ألف إلى ألفين، من أكلة لحوم البشر، نتيجة الجوع الشديد.

وقضى الحصار الشديد على لينيغراد، على أكثر من 1 مليون شخص، والذين قدروا حينها بنحو 40 من سكان المدينة بسبب الجوع.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية التجويع الاحتلال غزة ستالين موت غزة الاحتلال موت تجويع ستالين المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

السكان الأصليون والتعاطف مع القضية الفلسطينية.. ما القاسم المشترك؟

أظهر مقطع فيديو متداول مجموعة من السكان الأصليين في الولايات المتحدة الأمريكية من أبناء السكان الأصليين٬ وهم يعبّرون عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، من خلال مشاركتهم في مسيرة احتجاجية تندد بالعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، وترفض سياسات الإبادة الجماعية التي تمارسها قوات الاحتلال.

وقدّم المشاركون في المسيرة رقصات تراثية تنتمي إلى ثقافتهم الأصلية، كجزء من رسالة دعم رمزية تعكس التقاء تجارب الشعوب الأصلية التي عانت من الاستعمار والاضطهاد عبر التاريخ. 

السكان الأصليون لأمريكا الهنود الحمر يخرجون في وقفة تضامنية معبرة ويساندون السكان الأصليين لأرض فلسطين pic.twitter.com/ZV4ywKggsM — خبرني - khaberni (@khaberni) April 17, 2025
????The wave solidarity with the Palestinian people and Gaza exhibited by aboriginal and indigenous peoples in North America is truly remarkable.

????️At the rally for ceasefire and solidarity with Palestine in Toronto earlier today ⤵️pic.twitter.com/7aZ1k4DIe9 — Ramy Yaacoub (@RamyYaacoub) November 12, 2023
وتزايدت في الآونة الأخيرة مشاركة السكان الأصليين في الولايات المتحدة ودول أخرى، في الفعاليات والمظاهرات المؤيدة للقضية الفلسطينية، في ظل تشابه تجاربهم التاريخية مع ما يتعرض له الفلسطينيون اليوم من قتل وتهجير وإبادة جماعية.

ويرى مراقبون أن هذا التضامن ينبع من إدراك عميق للتاريخ الاستعماري الذي تعرّض له السكان الأصليون، سواء في أمريكا الشمالية أو أستراليا أو غيرها من المناطق التي شهدت عمليات إبادة جماعية وتهجير قسري بهدف الاستيطان والسيطرة. 

???????? Indigenous Americans stand with Palestine: pic.twitter.com/VEaVpKslnW — Khalissee (@Kahlissee) April 6, 2025
ففي الولايات المتحدة، بدأت الهجرات الأوروبية في القرن السابع عشر، مترافقة مع استيلاء واسع النطاق على أراضي السكان الأصليين، تحت ذريعة "الأرض الخالية"، بالرغم من وجود مجتمعات متجذرة وحضارات قائمة في تلك المناطق.


وتشير التقديرات التي رصدها الكاتب منير العكش٬ في كتابه "أمريكا والإبادات الجماعية" إلى أن عدد السكان الأصليين قبل تلك الهجرات كان يتراوح بين 50 إلى 100 مليون نسمة، امتدت حضاراتهم من شمال أمريكا إلى جنوبها. إلا أن الغزو الأوروبي، باستخدام القوة العسكرية والأسلحة البيولوجية، ومنها الأمراض المعدية كالجدري والحصبة، أدى إلى انخفاض عددهم بشكل كارثي إلى نحو 5 – 10 ملايين فقط. 

ومن أبرز الممارسات التي وثقها التاريخ، توزيع بطانيات ملوثة بفيروس الجدري على السكان الأصليين عام 1763، في محاولة ممنهجة للقضاء عليهم.

وفي فلسطين، اتبعت الحركة الصهيونية نمطاً استيطانياً مشابهاً بعد وعد بلفور عام 1917، عبر تبني مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، متجاهلة الوجود التاريخي والسكاني العريق للفلسطينيين. 

Indigenous Peoples Around the World Rise Up Against Israel’s Erasure of Palestinians. @ZarefahBaroud pic.twitter.com/7oiPdUdzdx — Palestine Deep Dive (@PDeepdive) December 11, 2024
وسعى الاحتلال الإسرائيلي، من خلال سياسات التهجير، والشراء القسري للأراضي، وارتكاب المجازر، إلى تفريغ فلسطين من سكانها الأصليين، مستخدماً خطابات تبريرية تصف الفلسطينيين بمجتمعات "غير متحضرة"، تحتاج إلى "رعاية وتطوير" على غرار ما ادعاه المستعمرون الأوروبيون بحق السكان الأصليين في أمريكا.

وقد تمكّن الاحتلال الإسرائيلي إلى حد بعيد من التعتيم على الهوية الوطنية والسياسية للشعب الفلسطيني، عبر اختزالها في بعدٍ عربي عام، في محاولة لطمس خصوصيتها وشرعنة مشروعها الاستيطاني في الأرض الفلسطينية المحتلة.

ولم يكن تعاطف السكان الأصليين مع فلسطين وليد اللحظة، بل هو ثمرة تراكم سنوات من الوعي التاريخي والسياسي المتقاطع، عبّر عنه العديد من الأكاديميين والنشطاء، ومنهم أستاذة علم الاجتماع في جامعة نيومكسيكو، ميلاني يازي٬ المنحدرة من السكان الأصليين، في دراستها المعنونة "التضامن مع فلسطين من أرض ديناي بيكييه" في إشارة إلى أراضي شعب النافاهو من السكان الأصليين بأمريكا الشمالية.


وتستعرض الدراسة، التي أصبحت مرجعاً في هذا السياق، حراكاً اجتماعياً بين السكان الأصليين يسعى إلى نشر الوعي حول أوجه الشبه بين أدوات القمع الاستعماري التي مورست ضدهم وتلك التي تُمارس ضد الفلسطينيين اليوم. 

وقد تجاوز هذا الحراك حدود التعاطف، ليصبح التزاماً نضالياً، إذ رفض العديد من النشطاء الأصليين إدانة الهجوم الذي نفذته المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، واعتبروه شكلاً من أشكال المقاومة المشروعة، شبيهًا بما قامت به حركات تحرر أخرى حول العالم، صنّفت سابقًا كـ"إرهابية" قبل أن يُعاد الاعتراف بها كحركات كفاح من أجل الحرية.

وتحت شعار: "كما أن المستعمرين متحدون في دعم إسرائيل، فإن الشعوب المستعمَرة موحدة في دعم فلسطين"، دعت حركات السكان الأصليين إلى تضامن عالمي مع الشعب الفلسطيني، بما في ذلك دعم حملات المقاطعة التي تقودها حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الاحتلال الإسرائيلي. 

كما شارك العديد من العمال والطلاب والفنانين والأكاديميين والساسة من أصول السكان الأصليين في التوقيع على عرائض تطالب بوقف عمليات التطهير العرقي، ورفع الحصار المفروض على غزة، وإنهاء الاحتلال، وتفكيك نظام الفصل العنصري، والعمل من أجل تحرير فلسطين من الاستعمار الاستيطاني.

مقالات مشابهة

  • النمر يحذر من تحدي الجوع: نوع من الانتحار
  • السكان الأصليون والتعاطف مع القضية الفلسطينية.. ما القاسم المشترك؟
  • مكافحة المخدرات تُنظم المؤتمر التاسع لمكافحة جرائم غسل الأموال
  • عراقجي: طرد السكان من غزة غير مقبول
  • المتحدث باسم منسقية النازحين بدارفور: النازحون من الفاشر إلى مدينة طويلة يموتون من الجوع والمرض
  • الشرع يستقبل الصفدي في دمشق.. وهذه أبرز الملفات التي ناقشها
  • تهريب النمل.. أغرب وأحدث الجرائم التي تستدعي المحاكمة في كينيا
  • ‏حماس: إسرائيل تستخدم التجويع كسلاح من خلال منعها دخول المساعدات إلى غزة
  • الأونكتاد: توقعات بتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي خلال 2025
  • خبير موارد بشرية: السوشيال ميديا جمعت الملايين على صفحة واحدة |فيديو