لجريدة عمان:
2025-04-01@22:51:55 GMT

«بأم أعيننا وأسماعنا»

تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT

«بأم أعيننا وأسماعنا»

كنت ابن عشر سنوات حين شاهدت بضع حلقات من هذا المسلسل الدرامي، كان ذلك آخر السبعينيات، وهو زمن هذا المسلسل المقتبس عن كتاب يحمل العنوان نفسه: «بأم عيني»، للمحامية اليسارية فليتسيا لانغر، التي ضمنته قصص المعتقلين الفلسطينيين في حقبة السبعينيات، أولئك الأسرى الذين واللواتي، دافعت عنهم لانجر أمام المحاكم العسكرية الإسرائيلية.

أما المكان، فهو معتقلات الاحتلال الإسرائيلي على امتداد الوطن، كذلك المحاكم العسكرية.

كنا إذن فتيانا في ذلك الزمن؛ فكان التمثيل مؤثرًا، كذلك الأغاني الملحنة من الشعر الذي وصف بالشعر المقاوم من أشعار محمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم وأحمد دحبور وأبو الصادق. وكانت المشاهد الحقيقية التي تضمنتها الحلقات ترينا ما نراه في المدن الفلسطينية التي تيسر لنا زيارتها مثل: القدس ورام الله ونابلس.

صدر كتاب المحامية فيلتسيا لانجر عن منشورات صلاح الدين عام 1975، بالإضافة لـ14 كتابا على مدار عقود، منها كتاب «الغضب والأمل: مسيرة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال»، كذلك كتابها «أولئك أخوتي».

كانت لانجر المحامية التقدمية ابنة 45 عاما حين أصدرت «بأم عيني»، والذي تم تحويله إلى مسلسل درامي، قام بعداد السناريو والحوار فيصل الياسري وممدوح عدوان، وكان من إخراج المخرج سليم موسى. وتم إنتاج المسلسل بالتعاون ما بين دائرة الإعلام والثقافة في منظمة التحرير، بالتعاون مع تلفزيون الإمارات العربية في أبو ظبي عام 1977.

عدت إلى المسلسل الذي صار عمره الآن 46، الذي أكبره بعشر سنوات، فشاهدت من خلال منصة اليوتيوب حلقاته، التي أعادتني لطفولتي، وإلى ما وعيته من تداول اسمها، الذي لم أكن قادرًا على نطقه جيدًا، حين ذكر أخي الكبير اسم المحامية الإسرائيلية التي تدافع عن أحد الفدائيين الفلسطينيين. ووقتها بالطبع فوجئت بأن محامية من دولة الاحتلال تدافع عن مناضلين فلسطينيين. وقد أدّت دورها باقتدار الفنانة الكبيرة منى واصف.

تصفحت الكتاب، والمسلسل معا، كعهدي عند كتابة نصي عن عمل درامي مقتبس عن كتاب، كروايات نجيب محفوظ بشكل خاص، فهمست لنفسي: كم مرت مياه خلال هذه الأعوام التي اقتربت من نصف قرن، هي تقريبا معظم عمري، متسائلًا عن مصير كل شخصيات الكتاب-المسلسل، من بقي حيا ومن رحل، بمن فيهم الكاتبة وطاقم مسلسل «بأم عيني»، والشعراء الخمسة.

سنتعرف على دكتور أسعد عبد الرحمن، حين يتدرج في مواقعه النضالية، ونتساءل عن بسام كوسا الفنان الذي مثل دوره. أما زيناتي قدسية المسرحي المعروف، فلنا أن نتذكر بداياته، كذلك عبد الرحمن أبو القاسم. وسنتعرف على المناضلة لطفية الحواري، بعد عودتها إلى الوطن في التسعينيات من القرن المنصرم.

ما يجمع الشخصيات داخل مسلسل «بأم عيني»، والطاقم الفني والأدبي هو النضال الوطني والقومي، حيث يقاوم الفدائي ومعه الكاتب والشاعر والفنان والرسام والمزارع والتاجر والصانع.

ما يهم هنا، هو القسوة التي تميزت بها جهاز الشاباك الذي كان يحقق مع المناضلين الأسرى، كذلك الأحكام القاسية التي كانت تطلقها المحاكم العسكرية الاحتلالية. وما زال الكثير من أبناء شعبنا يتذكرون المعتقلات-المسالخ الإسرائيلية في حقبتي السبعينيات والثمانينيات، حيث تحسنت ظروفها بعد نضالات الأسرى في أكثر من إضراب عن الطعام خاضوه وما زالوا يفعلون ذلك من فترة إلى أخرى.

الكتاب والمسلسل وثيقتان مهمتان خلدا تلك الحقبة، وبالطبع ظهرت أعمال روائية وقصصية، وسينمائية، ومسرحية، تلك التي اطلعنا عليها زمنا حتى صرنا، مع احتراف الكتابة، نواكبها من خلال المقالات النقدية.

في كل فترة من عمر الاحتلال، تزداد المقاومة بشتى أنواعها، ويزداد القمع، خاصة في ظل تطور تكنولوجيا الحرب؛ وهكذا، نكبر نحن أبناء جيل هزيمة عام 1967، فعندما نصل سن العشرين، تنطلق الانتفاضة الأولى، ثم الثانية، وصولا إلى عدة حروب مارس الاحتلال القصف فيها. ما ميّز الحرب الآن، أن الاحتلال يقصف المنازل بمن فيها، لتصير قبورا. أما لماذا استمر ذلك القمع وصولا لجرائم الإبادة، فهو أن دولة الاحتلال لم تجد من يحاسبها، فطغت.

ثمة تفسيرات في علم النفس فيما يخص تحول الأفراد الى وحوش، بعد مرورهم في سلسلة من التطورات التي جعلتهم يتقبلون أفعال الإجرام، ولعل ذلك ينطبق على الدول والحكومات.

والآن، يا فيليتسيا لانجر، وصلت جرائم الاحتلال إلى أن تكون بثًا مباشرًا أمام أعين العالم وأسماعه؛ فلم تعد دولة الاحتلال تجعل ذلك طيّ الكتمان، كما كانت تفعل من تعذيب في المعتقلات، حين كنت الراوية الأساسية لعذاباتهم في مقالاتك وكتبك.

كانت لانجر دوما في المعتقلات والمحاكم تتحدث بلغة القانون، والقانون الدولي الإنساني المتعلق بمعاملة الشعب الذي يعيش تحت الاحتلال، وقامت بدورها محامية وكاتبة، في الانتصار للإنسانية المعذبة.

كل ودوره في الأزمات والحروب، وللفن والأدب دوما دور حاضر بقوة، لتعميق نقل الرسالة، ولتكون أيضا الكلمة والصورة والأغنية وثائق يطول عمرها.

وهو دور إنساني وموقف سياسي وأخلاقي، وهكذا وجدت فيليتسيا لانجر نفسها تترك فلسطين عام 1990 التي هجّرت إليها عام 1950، لتعود إلى ألمانيا، وتتوفى هناك، وهي على مشارف التسعين من عمرها، قائلة: «لا نريد أن نكون ورقة التين لنغطي على الاحتلال».

أربعون عامًا وهي تناضل ضد الاحتلال، الذي يستغل وجود أصوات رافضة له، لادعاء الديمقراطية، حتى تجد لانجر نفسها وقد يئست من الاحتلال، واختارت برحيلها أن تعريه.

ما شجعني على كتابة المقال، زيارة طالبتين في قسم الصحافة جاءتا لعمل مقابلة معي عن الحرب والكتابة والسياسة، فقلت لهن أن الأدب من الحياة؛ فما يحياه الكاتب يعبر عنه، وما نعيشه جميعا ليس منقطعا عن أحوال السياسة في الحرب والسلام.

استعادة العمل الدرام «بأم عيني» بعد عقود من عرضه، يفسّر لنا تسارع غطرسة الاحتلال في تعذيب الشعب الفلسطيني، الذي أراد الوطن لنا قبورًا ومعتقلات.

ولعلنا بحاجة دومًا لوجود أعمال درامية تعبر عن مراحل عيشنا تحت الاحتلال، من خلال التناول الإنساني لا السياسي فقط، لما للدراما بشكل خاص من دور لهذا الجيل والأجيال اللاحقة؛ فالدراما تحفر في الشعور والوجدان، ويظل تأثيرها طويلًا.

إن تصفح أسماء الفنانين والفنانات في هذا العمل الفني، يرينا أنهم يتوزعون على عدة أقطار عربية؛ ما يعني أن المقاومة الفنية للاحتلال هي مقاومة عربية، تتجلى فيها أسمى معاني الوحدة.

غزة الآن ربما أهم مكان في العالم للكتابة عنها وفيها، وعلى أرضها وأرض العروبة، سينشأ الأدب الجديد والفن الجديد. إنها دعوة لتوثيق ما كان ويكون، وتلك رسالة الأحياء هناك وهنا، فما نراه بأعيننا وما نسمعه بأسماعنا مذهل يجب توثيقه على أمل ليس التحرر فقط، بل حتى لا يتألم أي شعب في قادم الأيام.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

عودة الإسم القديم الجديد فی خطاب العيد !!

بأمر الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن البرهان حامل كل الأوسمة والأنواط، القاٸد العام لقوات الشعب المسلحة، بتاريخ 29 مارس 2025م الموافق 29 رمضان عام 1447 هجرية. يعود إسم قوات الشعب المسلحة، ق. ش. م. المسمی الذی أطلقه الرعيل الأول علی اسم الجيش السودانی، الذي تلیٰ مسمیٰ قوة دفاع السودان،ثم جاء إسم القوات المسلحة، الذی أعقبه مسمیٰ قوات الشعب المسلحة،ثمَّ أُعيد إسم القوات المسلحة، حتی أصدر القاٸد العام الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إسم قوات الشعب المسلحة إلی الجيش في خطاب النصر والعيد السالف ذِكره. فماذا يعنی ذلك؟

في إختصار غير مخلٍ ذكر القاٸد العام الإسم الرسمي للجيش وزاد علی ذلك ذكره لإختصاره التلغرافی ق. ش. م. فی تأكيد علی الإسم الجديد، الذی يجب علی الجميع التعامل به فی كل المكاتبات والمخاطبات الرسمية وعلی لوحات المركبات والآليات واللافتات والعلامات والإشارات، وهذا ليس مجرد تغيير لإسم من الأسماء بل هو إشارة قوية للإعتراف بالدور الشعبي في حرب الكرامة، مساندةً لجيشه الذی قال عنه القاٸد العام هذا تجسيد لشعار (شعبٌ واحد، جيش واحدٌ) الذي تنزَّل من فضاء الشعارات إلیٰ أرض الواقع فی ساحات معارك حرب الكرامة التی ميَّزت الخبيث من الطيب، والوطني من العميل، كما جاء فی خطاب القاٸد العام بمناسبة عيد الفطر المبارك والذی جاء فی روحه خطاباً للنصر، الذی لن يكتمل إلَّا باجتثاث آخر فرد من مليشيا آل دقلو الإرهابية المجرمة، في أي بقعة من أرض بلادنا، مع ترك الباب موارباً لكل من يثوب إلیٰ رُشده ليستفيد من العفو العام؛ وقد أوضح القاٸد العام بأن الترتيبات العسكرية مقدور عليها. وكيفية التعامل المكفولة بالقانون متاحة، وسكت سعادته عن الحق الخاص لأنه بيد أصحابه.

وأكَّد علی إن قوات الشعب المسلحة تقف علی مسافةٍ واحدة من كل مكونات الشعب السودانی، ولا تنحاز لأی جهة دون أخریٰ، ووضع بهذا رسالة في بريد كل من روَّج لمقولة إن الجيش جيش الkeyزان والفيلول، وأضاف القاٸد العام رساٸل أخریٰ، أهمها كانت إلیٰ مواطني شمال كردفان ودارفور وقال لهم (نحن قادمون) بعدما أشاد ببطولاتهم وصبرهم علی الحصار الذی فرضته عليهم مليشيا آل دقلو الإرهابية، والفظاٸع التی إرتكبتها فی حق السودانيين مما جعلهم أمام (خيارات صفرية) فلا تفاوض ولا إتفاق إلا بالتسليم التام ووضع السلاح. ثم تجری العدالةُ مجراها حَتَّیٰ لا يُفلت أی مجرم من العقاب.

التحية لقوات الشعب المسلحة وما بذلته من مجاهدات دفعت فيها من دماء أبناٸها أثماناً باهظةً، والتحية لكل فرد من أبناء الشعب السوداني الذين وقفوا مع قواتهم المسلحة التي هی منهم وإليهم تأتمر بأمرهم وتحقق تطلعاتهم فی العيش الكريم في وطن يسع الجميع إلَّا من باع ضميره بثمن بخس دراهم معدودة.

ومبروك الإسم القديم الجديد وعيد سعيد بلا جنجويد وكل عام والسودان بخير والشعب السودانی بخير وقوات الشعب المسلحة ق. ش. م. بخير.

-النصر لجيشنا ق .ش. م. الباسل.
-العزة والمنعة لشعبنا المقاتل.
-الخزی والعار لأعداٸنا وللعملاء

محجوب فضل بدري

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • حصيلة طائرات MQ9 الأمريكية التي تمكنت الدفاعات الجوية اليمنية من اسقاطها
  • من هو حسن علي بدير الذي استهدفه الاحتلال الإسرائيلي في غارة على الضاحية الجنوبية في بيروت؟
  • عودة الإسم القديم الجديد فی خطاب العيد !!
  • دار الأوبرا.. مسارح القاهرة التي لا تنام
  • (مناوي) الذي لا يتعلم الدرس
  • من أوكرانيا إلى فلسطين.. العدالة التي تغيب تحت عباءة السياسة العربية
  • بالفيديو .. من هو الشيخ الذي عاتب الشرع بسبب التهميش؟ مؤيد لنظام الأسد
  • العيد في العراق بين الماضي والحاضر: ما الذي طرأ على المجتمع
  • بعض الأسئلة التي تخص قادة الجيش
  • ماذا يتضمّن "المقترح البديل" الذي أرسلته إسرائيل للوسطاء؟