نص كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول آخر التطورات والمستجدات 14 رجب 1445هـ
تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT
يمانيون/ صنعاء
نص كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حول آخر التطورات والمستجدات 14 رجب 1445هـ 24-01-2024م:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
على مدى مائة وعشرة أيام والعدوان الإسرائيلي الهمجي الإجرامي مستمرٌ على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مرتكباً جرائم الإبادة الجماعية، مع التجويع، والتهجير، والتجريف في كل يوم، ومتفنناً في الممارسات الإجرامية الفظيعة، بدعمٍ ومشاركةٍ أمريكية في ذلك كله.
لم يسبق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، منذ بداية الغزو اليهودي لفلسطين في ظل الاحتلال البريطاني والرعاية البريطانية وإلى اليوم، لم يسبق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي عدوانٌ يستمر مثل هذه المدة الزمنية، بنفس المستوى من الزخم، والإجرام، والقصف، والتدمير، والعمليات العسكرية الإجرامية الهمجية، وعلى نطاقٍ محدود مثل قطاع غزة، وقد بلغ عدد الشهداء إلى اليوم، وبحسب الإحصاءات المعلنة بلغ عدد الشهداء والمفقودين أكثر من اثنين وثلاثين ألفاً، معظمهم من الأطفال والنساء؛ أمَّا الجرحى فعشرات الآلاف، كثيرٌ منهم من الأطفال والنساء، وأصبح عدد الجرحى يُحسب بنسبة مئوية من سكان غزة، وهذا ما ليس له مثيل في الأحداث في مختلف بلدان العالم.
يقابل هذا العدوان الهمجي من جهة العدو الصهيوني على شعبنا الفلسطيني في غزة، يقابله صمودٌ واستبسالٌ منقطع النظير من قبل المجاهدين في غزة، ومن الأهالي معهم، بالرغم من حجم العدوان في القصف الهمجي، والتدمير الشامل، والإبادة الجماعية، وبالرغم من الحصار، والتجويع، وانعدم الدواء، وبالرغم من محدودية الإمكانات، وبالرغم من الخذلان العربي، في مقابل الدعم الأمريكي والغربي المفتوح للعدو الإسرائيلي، لم يسبق أيضاً في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي أن يستمر جيش عربي، ولا حتى جيوش عربية متعددة ومتعاونة، وفي ظروف لا حصار فيها، وبإمكانات ضخمة، إمكانات دول وجيوش منظمة، لم يسبق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي أن يستمر جيش، ولا جيوش عربية متعاونة، بمثل هذا الصمود للمجاهدين في غزة، وقد بلغت خسائر العدو الإسرائيلي بالآلاف من جنوده، آلاف القتلى والجرحى من جنوده، وكذلك اهتزاز غير مسبوق في كيانه، وفشل تام لما كان يأمل أنه على وشك تحقيقه من تصفيةٍ للقضية الفلسطينية، إضافةً إلى خسائره الاقتصادية الكبيرة، على الرغم من الدعم المالي والعسكري الأمريكي والغربي، وتبرعات الصهاينة التي يجمعونها من دول كثيرة، وأصبحت المعادلة بفضل هذا الصمود للإخوة المجاهدين في غزة، ولأهالي غزة، معادلة: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ}[النساء: من الآية104].
وبالرغم من حجم العدوان الصهيوني، والإجرام، والطغيان، والتوغل، فقد فشل العدو من تحقيق أهدافه المعلنة لعدوانه، وفشل أيضاً في كسر الإرادة والعزم للمجاهدين، ولأهالي غزة من حولهم، وفشل في تحطيم الروح المعنوية للإخوة المجاهدين وللأهالي، وأصبح واقع الحال بالنسبة للإخوة المجاهدين في غزة، وللأهالي هناك، يترجم قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في ثنائه على المجاهدين مع الأنبياء: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: من الآية146].
هذا الصمود العظيم للشعب الفلسطيني ومجاهديه في غزة، في ظل ظروفٍ صعبةٍ جداً، ومعاناةٍ شديدة، مع حجم المظلومية الكبيرة جداً، يتحمل المسلمون تجاهه مسؤوليةً كبيرة بينهم وبين الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أولاً، ومن جانبٍ إنسانيٍ وأخلاقيٍ ثانياً، فمن الواضح أنهم لو وفروا الدعم المادي اللازم على المستوى العسكري، وعلى المستوى الإنساني للشعب الفلسطيني ومجاهديه، لتغيرت المعادلة تماماً، ولكان ذلك أسرع في تحقيق نصرٍ حاسم للشعب الفلسطيني، ولإنقاذه من مظلوميته الكبيرة.
جوع الشعب الفلسطيني في غزة، وانعدام الدواء والاحتياجات الإنسانية الضرورية، هو: ناتجٌ عن العدوان الإسرائيلي لا شك في ذلك، ولكن هناك إسهامٌ أيضاً من خلال الحصار العربي مع الحصار الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، ومن خلال الخذلان العربي؛ أمَّا المسلك الإجرامي للعدو الإسرائيلي فهو مستمرٌ كل يوم على مدى هذه الأيام بكلها مائة وعشرة أيام، في كل يوم وهو يمارس كل تلك الجرائم المتنوعة التي يتفنن فيها، إلى درجة أن يدهس الأهالي في غزة بجنازير الدبابات، أن يرسل عليهم الكلاب البوليسية لنهش الجرحى، أن يجوعهم وهم في مجاعة حقيقية، وبالدرجة الأولى في شمال قطاع غزة، مع أن المعاناة كذلك والجوع كذلك في كل أنحاء قطاع غزة، ولكن هو في الشمال أشد، التجويع إلى درجة الوفيات جوعاً، إلى درجة أن يرى الآباء والأمهات أنفسهم في موقفٍ محزنٍ جداً، عندما يطلب منهم أبناؤهم الخبز فلا يجدون شيئاً ليقدموه لهم، ولا كسرة خبز، مأساة حقيقية.
المسلك الإجرامي للعدو الإسرائيلي مستمر كل يوم، وهو يعبِّر عن عدوانيةٍ، وحقدٍ، وتوحشٍ، وإفلاسٍ من الأخلاق، ونزعةٍ إجرامية، وهذا ليس غريباً بالنسبة لليهود الصهاينة، وهم أحفاد قتلة أنبياء الله، وهم يرثون منهم هذه النزعة الإجرامية، وهذا التوحش، وهذا الإجرام، وهذا الطغيان، وهو أيضاً يعبِّر عن عجز، وعن فشل، كلما فشلوا في تحقيق أهدافهم، في كسر الإرادة والروح المعنوية للمجاهدين وللأهالي في غزة، وكلما فشلوا عن تحقيق أهدافهم المعلنة، التي أعلنوها لعدوانهم؛ كلما عمدوا إلى ممارسة الجرائم الرهيبة جداً، جرائم الإبادة الجماعية بكل ما تعنيه الكلمة، وحوَّلوا ذلك إلى تكتيك لهم، بهدف تحقيق أهدافهم.
والعالم بكله، والمؤسسات الدولية بكلها تشاهد ما يجري على أرض فلسطين في غزة، وتعرف بما يرتكبه العدو الإسرائيلي الصهيوني من جرائم بكل أنواعها، وتوثق عدسات التصوير، وتنقل القنوات الفضائية، وتنتشر المشاهد في مواقع التواصل الاجتماعي، بأنواع الجرائم، وبأنواع المآسي التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، الكل يشهد على ذلك الإجرام، والكل يعترف به، وأنها جرائم رهيبة جداً، ولكن أين هو الموقف العملي؟ لماذا هنا وهناك في بلدان كثيرة، وأحداث كثيرة، وبالذات إذا كان للأمريكي أو لدول الغرب مصلحة في ذلك، تأتي التصنيفات، وتأتي الإجراءات والمواقف العملية، تأتي القرارات الكثيرة تباعاً، والقرارات التي تُنفذ، تدخل في حيز التنفيذ على الفور، ولكن تجاه ما يعمله العدو الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني في غزة، ما يرتكبه من جرائم إبادة جماعية، من تجويع وحصار ومنع للغذاء والدواء، لا إجراءات عملية، لا قرارات تُنَفَّذ، لا تصنيفات، وحتى العبارات التي تصدر في تصريحات المؤسسات الدولية، كما هو الحال في الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وبعض المنظمات، عبارات لا ترقى أبداً إلى التوصيف الحقيقي لما يحدث، عبارات متواضعة، وعبارات مترددة، وعبارات خجولة، لماذا؟
الكل أيضاً يعرف أن السبب الأساسي والرئيسي في استمرار الإجرام الصهيوني من جهة، بكل هذه الوحشية، بكل هذه الجرأة، بكل هذه الوقاحة، بكل هذا الوضوح والمجاهرة، والسبب في هذا الخذلان الدولي، وحتى في الخذلان العربي، والخذلان من كثيرٍ من الدول الإسلامية، وراءه الموقف الأمريكي، الكل يعرف هذه الحقيقة.
الأمريكي هو مُصِرٌّ على استمرار الإجرام الصهيوني في غزة، مُصِرٌّ على أن يواصل العدو الإسرائيلي قتل الأطفال والنساء في غزة ويُقَدِّم له القنابل والصواريخ لفعل ذلك، ويقدم له القذائف لقتل أطفال ونساء غزة، ويطلب من الدول الغربية الأخرى كألمانيا وبريطانيا وغيرها أن تقدم القنابل والقذائف، من أجل قتل أطفال ونساء غزة، ويُصر الأمريكي على منع وصول الغذاء والدواء إلى سكان غزة، في شمال غزة وفي جنوب غزة، وفي كل أنحاء قطاع غزة، يصرّ على منع ذلك، يصر على أن تبقى غزة في حالة حصار تام، وأن يبقى معبر رفح مغلقاً معظم الوقت، ولا يدخل إلا الشيء القليل جداً والنادر، الذي لا يلبي شيئاً من الاحتياج الحقيقي لسكان غزة، ويصر على أن لا يكون هناك تدفق للمساعدات الإنسانية، والاحتياجات الإنسانية والضرورية للشعب الفلسطيني في غزة، لا من البر، ولا من البحر، ولا من الجو، هناك حالات مثلاً ما حصل في بلدان أخرى، عندما تريد أمريكا أن تجعل لها غطاءً للتدخل، تفرض أن يكون هناك تحرك عبر الجو، وعبر البر، وعبر البحر، وإدخال للمواد، وغير ذلك، هي تُصرّ على أن تصل السفن المحملة بالمؤن والمواد إلى الإسرائيليين من كل البحار، وتقاتل من أجل ذلك، ولكن تمنع وصول الغذاء والدواء إلى الشعب الفلسطيني في غزة.
الأمريكي هو الذي يقف وراء استمرار الإجرام الصهيوني، ووراء التخاذل الدولي، والموقف الضعيف على المستوى الدولي، وعلى مستوى المؤسسات الدولية، وعلى مستوى الدول العربية، هو يشارك بكل ما تعنيه الكلمة في الإجرام الصهيوني، بقذائفه، بصواريخه، بقنابله التي تدمر مساكن الفلسطينيين، وتقتل الشعب الفلسطيني في غزة، وهو أيضاً يرسل من ضباطه من يشاركون في إدارة الإجرام الصهيوني بحق أهل غزة، وهو أيضاً يهدد ويتوعّد من يساند الشعب الفلسطيني، ومن يتعاطف مع الشعب الفلسطيني، وهو أيضاً يجمّد من يطيعه من الدول والأنظمة والحكومات، يجمّدهم حتى عن تقديم العون على المستوى الإنساني، ويمنع وصول الغذاء والدواء إلى أهالي غزة، ويساهم بشكلٍ مباشر في تجويعهم، هو يسعى لأن يموتوا جوعاً، وليس فقط بالقنابل التي يقدِّمها لقتلهم، وبالصواريخ التي يقدّمها لتمزيقهم إلى أشلاء.
حتى تجاه موقف بلدنا في الاستهداف للسفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي؛ بهدف الضغط عليه، لفتح المجال لإيصال الدواء والغذاء لسكان غزة، من بداية العمليات في البحر الأحمر وباب المندب رفض الأمريكي ذلك، رفض وصول الدواء والغذاء لأهالي غزة، واتجه إلى التصعيد ضد بلدنا، بالرغم من كلفة التصعيد عليه، التصعيد والعدوان على بلدنا يكلّفه الكثير على المستوى الاقتصادي، ومن أموال الأمريكيين، وعلى الرغم أيضاً من النتائج السلبية للتصعيد في توسيع الصراع، وهو كان يقول من بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، كان يقول الأمريكي أنه لا يريد توسيع الصراع في المنطقة، ثم وسّع الصراع في المنطقة هو، وكذلك على مستوى التهديد الأمريكي للملاحة الدولية، بتحويل البحر الأحمر إلى ساحة معركة، وميدان حرب، بالرغم من كل ذلك لم يبالي.
كل ذلك بالنسبة للأمريكي يهون ولا أن يصل الغذاء والدواء إلى أهالي غزة، ليس عند الأمريكي مشكلة في أن يتوسع الصراع، وفي أن يتكلّف هو في هذا الصراع كلفة اقتصادية تؤثر على الشعب الأمريكي، وفي أن يوتّر الوضع على المستوى الإقليمي، وفي أن يستهدف هو الملاحة الدولية ويؤثر عليها في البحر الأحمر وباب المندب، كل ذلك ليس عنده فيه مشكلة، ولا أن يدخل الدواء والغذاء إلى أهالي غزة، ولا أن تتوقّف جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم قتل النساء والأطفال في غزة. وحشية عجيبة، وإجرام، وطغيان، وحقد أعمى! لم يقبل بمعادلة منصفة من بداية أحداث البحر، في أن يصل الغذاء والدواء إلى الشعب الفلسطيني في غزة، ومن حقه ذلك وفقاً للأعراف الإنسانية، والقوانين الدولية، والشريعة السماوية، وكل الاعتبارات، من حقه ذلك، ولكن الأمريكي رفض ذلك بشكلٍ تام، إفراط رهيب في العدوانية، والإجرام والطغيان والهمجية، وهو يسعى لمنع ذلك.
في المقابل، في مقابل هذا الطغيان، هذا التوحش، هذه العدوانية، هناك مسؤولية كبيرة على أمتنا الإسلامية في المقدمة، وعلى العالم، فأيهما أولى بالمساندة: الشعب الفلسطيني المظلوم، المعتدى عليه، المحاصر إلى درجة التجويع، الأعزل من السلاح، صاحب الحق؛ أو العدو الإسرائيلي بترسانته الحربية الهائلة، وهو في موقف العدوان والطغيان والاحتلال، ويمارس الإجرام، من الأولى بالمساندة؟ الشعب الفلسطيني الجائع، المحاصر، بكل الاعتبارات، الاعتبارات الإنسانية، القانونية، الدينية، الأخلاقية، بكل الاعتبارات. الإسرائيلي هو مجرم وظالم، وهو يحظى بالدعم الغربي الهائل جداً، الشعب الفلسطيني المظلوم الذي يقابل بالخذلان، هذا أمرٌ مؤسفٌ جداً!
إن موقف شعبنا اليمني المسلم العزيز هو نابعٌ من الشعور بالمسؤولية الإنسانية، والأخلاقية، والدينية، وانطلاقاً من هويته الإيمانية، ومعركته اليوم لإسناد الشعب الفلسطيني، وليست معركةً منفصلة ولا جانبية، الأمريكي يحاول أن يصور أن هناك معركة أخرى في البحر الأحمر من أجل الملاحة الدولية، ليس هناك معركة تحت هذا العنوان، هناك معركة لإسناد الشعب الفلسطيني، في مقابل العدوان الأمريكي لحماية الإجرام الصهيوني، هذا هو التوصيف الصحيح والدقيق لما يحدث، ومعركتنا لإسناد الشعب الفلسطيني منذ بداية العدوان على غزة مستمرة، ولها ارتباط تام بما يجري في غزة، سواءً ما يتم إطلاقه إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة من الصواريخ أو المسيَّرات، أو العمليات في البحر، ومحصلة هذه العمليات قد بلغت لحد الآن: القصف بأكثر من مائتي طائرة مسيَّرة، وأكثر من خمسين صاروخاً باليستياً ومجنحاً، وبلدنا سيواصل عملياته حتى يصل الغذاء والدواء إلى كل سكان غزةـ في شمال قطاع غزة، وفي جنوبها، وفي كل أنحاء قطاع غزة، ويدخل إلى غزة احتياجها الكامل من الغذاء، والدواء، والاحتياجات الإنسانية، وحتى يتوقف الإجرام الصهيوني، ومن حق غزة أن تتدفق إليها المساعدات براً وبحراً وجواً، هذا حق إنساني، وبما يفي باحتياجها.
يأبى لنا ضميرنا الإنساني، وانتماؤنا الديني، وروابطنا الأخوية مع الشعب الفلسطيني، أن نسكت، أو أن نتفرج على تلك المشاهد المأساوية من جوع أهالي غزة، أو الجرائم الرهيبة التي تمارس بحقهم، دون أن يكون لنا موقف، أو أن نتجاهل نداءات أخواتنا وأمهاتنا في غزة، أو أن نتفرج على دموع الأطفال اليتامى، ونتجاهل صرخات الثكالى.
أمَّا إصرار الأمريكي على حماية الإجرام الصهيوني، ورفضه للمعادلة الإنسانية المنصفة والعادلة، في أن يصل الغذاء والدواء إلى أهالي غزة، ويتوقف الإجرام الصهيوني؛ حتى تتوقف عملياتنا المعلنة في البحر، إصراره على حماية الإجرام الصهيوني، بالرغم من كلفته، وتوتيره للوضع، واتجاهه لخيارات عدوانية توسع الصراع، وتهديده للملاحة الدولية بسبب ذلك؛ فلن يؤثر على موقفنا، ولن يجعلنا نتراجع أبداً، ومعركتنا مستمرة ومرتبطة تماماً بمعركة غزة.
الأمريكي يسعى للخداع المكشوف، والمسألة واضحة في كل العالم، وهو يحاول أن يعنون عدوانه على بلدنا، وحمايته للإجرام الصهيوني، على أنه حماية للملاحة الدولية؛ بينما هو حماية للإجرام الصهيوني لا أكثر من ذلك، وهو يهدف من خلال خداعه هذا، الخداع المكشوف، يهدف إلى توريط الآخرين للاشتراك معه في حماية الإجرام الصهيوني، ليستمر على سكان غزة.
أمَّا عمليات بلدنا فهي لا تهدد الملاحة الدولية، وقد عبرت منذ بداية عملياتنا في البحر الأحمر، وبتنسيق، وبمساعدة على حماية الملاحة الدولية من بلدنا، عبرت (أربعة آلاف وثمانمائة وأربعة وسبعون سفينةً تجارية)، عدد كبير جداً خلال هذه الفترة، منذ إعلان عملياتنا في البحر الأحمر، والكل يعرف أنهم ليسوا بمستهدفين، موقفنا واضح، ومن هو المستهدف واضح، وما هو الهدف واضح، لكن الأمريكي يسعى للخداع، والعدوان الأمريكي على بلادنا لا مستند له، لا يستند إلى أمم متحدة، ولا إلى مجلس أمن… ولا إلى أي شيء، وما يقوم به هو والبريطاني هو الذي يمثل تهديداً للملاحة الدولية، وهو أيضاً انتهاك لسيادة الدول المطلة على البحر الأحمر، والتي لها مياه إقليمية، والتي هي معنية بأمن البحر؛ باعتبارها الدول المطلة، ولكن هناك صحوة عالمية بالرغم من حجم التضليل الأمريكي والخداع والدعاية الأمريكية الإعلامية، هناك صحوة عالمية تجاه الخداع الأمريكي.
ونحن نوجِّه النصح للشعوب الأوروبية، التي تميل بعض أنظمتها إلى الدخول مع الأمريكي في موقفه لحماية الإجرام الصهيوني، نوجِّه لها النصح بالحذر من توريط حكوماتها في ذلك، ومن استغلال أموالها؛ لأن كل ذلك لن يكون له إلَّا تأثير عليها، فيما تخسره على المستوى الاقتصادي، وفي- أيضاً- ما يمثل تهديداً لأمن الملاحة في البحر الأحمر، كلما كان هناك تصعيد أكبر، وتوتير للوضع أكثر.
نحن نستهدف بكل وضوح السفن المرتبطة بإسرائيل، وبهدف إيصال المواد الغذائية إلى الشعب الفلسطيني، هدفنا هو الضغط من أجل ذلك: إيصال الدواء والغذاء والاحتياجات الإنسانية للشعب الفلسطيني في غزة، ومنع الإجرام الصهيوني، جرائم الإبادة الجماعية، والإجرام الصهيوني بحق سكان غزة، وهذا هدف واضح، ومقدَّس، وهو في نفس الوقت مطلبٌ إنسانيٌ، ومن المفترض أن يكون التجاوب معه.
مهما كان التصعيد الأمريكي والبريطاني، ستكون نتائجه عكسية، لن يؤثر على قرارنا، نحن مصممون على هذا القرار وهذا الموقف، ولن يؤثِّر على إرادتنا وعزمنا، نحن في عمل مقدَّس نعتبره جزءاً من جهادنا في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولن يؤثر على قدراتنا العسكرية، بل نحن نطوِّرها باستمرار، ونحن نأخذ احتياطنا، ولسنا جديدين على مواجهة التحديات الحربية والقتالية، نحن متمرِّسون على ذلك، نتائجه ستكون عكسية على الأعداء في الكلفة، في توتير الوضع، في توسيع الصراع، في تهديد الملاحة البحرية، وقد شهد الواقع على ذلك، منذ بداية الاعتداءات بالغارات الجوية على بلدنا، وبالقصف الصاروخي من البحر، لم يتمكن الأمريكي من إيقاف الضربات إلى البحر، ومن استهداف السفن، بل أدخل نفسه هو والبريطاني في المشكلة.
الحل الوحيد هو إدخال الغذاء والدواء إلى أهالي غزة، إيصال الدواء والغذاء والمساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني في غزة، وإيقاف جرائم الإبادة الجماعية، ووقف قتل الأطفال والنساء، هذا هو الحل الذي يمكن من خلاله أن نقف في موقفنا، وأن يكون قد تحقق الهدف لموقفنا.
في ظل إصرار الأمريكي على استمرار الإجرام الصهيوني، كلما طال أمد العدوان على قطاع غزة، فهو يضاعف المأساة، تزداد مأساة أهالي غزة في جوعهم، في تشريدهم، في نزوحهم، في معاناتهم، في كل يوم وليلة هناك محصلة بالمئات من الشهداء والجرحى، المعاناة تتفاقم أكثر فأكثر، أرقام الشهداء والجرحى العدد يتزايد يوماً بعد يوم، المعاناة تكبر، المزيد من البيوت والمساكن تدمَّر، مآسٍ ومخاطر صحية كبيرة لانعدام الأدوية، ولما ينتج عن العدوان الإسرائيلي من مآسٍ كثيرة في قطاع غزة، تتضاعف المخاطر على المستوى الصحي، وتهدد حياة أهالي غزة.
في مقابل كل ذلك تتضاعف المسؤولية في التحرك بشكل أكبر وأكثر وأقوى على أمتنا الإسلامية بشكلٍ عام، ليس المجال يسمح بأن يكون هناك تراجع في المواقف، أو ضعف في التحرك، أو فتور في التحرك، بل كلما أصرَّ الإسرائيلي والأمريكي على الاستمرار في الإجرام، وكلما كبرت المأساة وكثرت المعاناة، كلما قتل الإسرائيلي المزيد والمزيد من الأطفال والنساء، ومارس المزيد والمزيد من الجرائم الفظيعة، وبات البعض من الأهالي في غزة يموتون من الجوع، كلما دمِّرت مساكن الفلسطينيين في غزة، كلما عانوا من كل تلك الجرائم التي يمارسها الإسرائيلي، وأصرَّ على المواصلة لذلك، وأصرَّ الأمريكي على الاستمرار ذلك؛ كلما كان علينا أن نكون أكثر إصراراً وتصميماً وعزماً، وأقوى إرادةً في تحركنا لمنع ذلك الإجرام، للسعي لإيقاف ذلك الإجرام، هذه مسؤولية مهمة جداً علينا في أمتنا الإسلامية بشكل عام، وعلى دول العالم أجمع، مسؤولية إنسانية وأخلاقية.
ولذلك يفترض أن تستمر المظاهرات حتى في الدول الغربية، في أوروبا، وفي أمريكا… وفي غيرها، وأن يستمر نشاط الجاليات العربية والإسلامية، وكما في الكلمة في الأسبوع الماضي، طلبت من الجالية اليمنية أن يكون لها تحرك نشط، كما لشعبنا تحرك مميز على مستوى الشعوب، يجب أن يكون هناك تحرك واسع، وتحرك يتصاعد أكثر فأكثر في الضغط لوقف ذلك الإجرام الفظيع والشنيع ضد الشعب الفلسطيني، على مستوى المظاهرات، وكذلك في بلدنا، في البلدان التي تخرج فيها مظاهرات، يجب أن يكون هناك نشاط مكثَّف، وكذلك على مستوى النشاط الإعلامي، لا ينبغي أن يكون هناك فتور، ينبغي أن يستمر العمل في نصرة الشعب الفلسطيني، في إظهار مظلوميته، في نشر الشواهد التي تشهد لهذه المظلومية، وتعبِّر عن هذه المأساة، وتقدِّم هذه المأساة إلى كل الشعوب في العالم، هذه مسألة مهمة جداً، على مستوى النشاط في مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، والحث على ذلك، والشرح لأهمية ذلك، وما يترتب عليه، على مستوى الموقف العسكري في كل الجبهات التي تتحرك عسكرياً، مثل ما هو الحال في بلدنا، مثل ما هو الحال في لبنان، مثل ما هو الحال بالنسبة لأحرار العراق، على مستوى التحرك الجماهيري.
التحرك الجماهيري له أهميته الكبيرة جداً، أن يكون هناك خروج، حركة، مظاهرات، صوت عالٍ للشعوب، للمطالبة بوقف العدوان على غزة، وإنهاء الإجرام بحق الشعب الفلسطيني، هذا شيءٌ مهم، هي مسؤولية مقدَّسة، والتحرك فيها بنيةٍ صادقة، يعتبر جهاداً في سبيل الله سبحانه وتعالى، والتحرك في مثل هذه الظروف، في مثل هذا الموقف، تجاه هذه المظلومية الكبيرة جداً، هو تحرُّك يعبِّر عن القيم الإنسانية والأخلاقية، يجلِّي الضمير الحي للإنسان، ويشهد على ضميرك الحي، على إنسانيتك، أنَّك لا زلت إنساناً، تحمل المشاعر الإنسانية، وعندما يكون منطلقك في ذلك- أيضاً- منطلقاً إيمانياً من أجل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، واستشعاراً للمسؤولية بينك وبين الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ففي ذلك أجر عظيم، وهذا هو فضل كبير جداً، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}[المائدة: من الآية54]، وهذا هو ما يعبِّر عن القيم، عن الأخلاق لدى الإنسان، لدى من يتحرك. وفي المقابل يعتبر التخاذل وزراً كبيراً، وأمراً خطيراً جداً.
كلما زاد الإجرام، وكلما زاد التجويع؛ ينبغي التحرك أكثر لمنعه، ولا ينبغي أن يقابل ذلك بالفتور، بالسكوت، بالملل، بالتجاهل لما يحدث، بالملل حتى من متابعة الأحداث هناك، هذه مسألة مهمة.
في ظل الأحداث الراهنة، من المهم أيضاً امتلاك خلفية ثقافية وتاريخية عن الصراع مع العدو الصهيوني، وعن الدور الخطير للوبي اليهودي الصهيوني، وللحركة الصهيونية في العالم، وما تشكِّله من خطورة على المجتمع البشري عموماً، وعلى المسلمين بالذات، كما أنَّه من المهم أيضاً في ظل الأحداث الراهنة، التوعية بخطورة التقصير، والتفريط، والعواقب الوخيمة لذلك في الدنيا والآخرة، والتبعات المترتبة على ذلك.
سكوت الشعوب وتخاذلها، وبالذات في العالم الإسلامي؛ يطمع أعداءها فيها، إذا لم تتحرك أمام مثل هذه المأساة، أمام هذه الجرائم الرهيبة، التي ترتكب ضد شعبٍ هو جزءٌ من هذه الأمة، تربطه كل الروابط بهذه الأمة، ولمصلحة الأمة أن تواجه العدو الذي يستهدفه؛ لأنه عدو للأمة بكلها، والرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” الذي قال: ((المُؤْمِن لِلْمُؤْمِن كَالبَنَان (أو كَالبُنْيَان) يَشُدُ بَعْضُهُ بَعْضاً))، ويقول أيضاً: ((مَنْ أَصْبَحَ لاَ يَهْتَمُّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ سَمِعَ مُسْلِماً يُنَادِي: يَا لَلْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَيْسَ مِنَ الْمُسْلِمِين))، القرآن الكريم الذي فيه أكثر من خمسمائة آية تتحدث عن الجهاد في سبيل الله، لمواجهة الشر، والظلم، والطغيان، والإجرام، والعدوان، إذا لم تتحرك شعوبنا أمام كل ذلك، فهذا يطمع أعداءها فيها، وما يحصل على الشعب الفلسطيني اليوم، يحصل مثله وأسوأ منه على هذا الشعب أو ذاك فيما بعد، فالمسألة خطيرة جداً.
أيضاً في الآخرة؛ لأن جزءاً أساسياً من التزاماتنا الإيمانية والدينية هو بشكل موقف، موقف ضد الظلم، والطغيان، والإجرام، ضد أعداء الله وأعداء الإنسانية، فإذا لم نفِ بهذا الالتزام الإيماني والأخلاقي والديني، وأخللنا به، فهذا تفريطٌ في إيماننا، في ديننا، في تقوانا لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أوليس الله يحذِّرنا في القرآن الكريم ويقول: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[التوبة: الآية39]، التخاذل خطيرٌ جداً، التخاذل يرسِّخ في نفوس الشعوب، في نفوس الأمة، الهزيمة النفسية، الدناءة، والانحطاط، والذلة، والخنوع، والخوف، والاستسلام، ويكبِّل الأمة بقيود المذلة، لابدَّ من التحرك، هناك مجالات واسعة، نحن قلنا: في بعضٍ من الشعوب التي تعاني من الكبت الشديد من أنظمتها، يمكنها أن تنشط في المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، وهذا سلاح مؤثر، يمكنها أن تنشط إعلامياً في مواقع التواصل الاجتماعي، يمكنها أن تقدِّم التبرعات للشعب الفلسطيني، في كثيرٍ من البلدان أيضاً يمكن أن يكون هناك أنشطة أكثر وأكثر، يجب التحرك الجاد، هذا جزءٌ من المسؤولية الدينية والأخلاقية والإنسانية، التي لا ينبغي التفريط بها.
شعبنا اليمني المسلم العزيز قدَّم نموذجاً بتحركه الشامل على كل المستويات، وبالخروج الجماهيري الأسبوعي، حتى في الأسبوع الماضي بين المطر في ميدان السبعين، بالرغم من هطول الأمطار، والناس يستمرون في المسيرات والمظاهرات، وعنوان شعبنا الذي رفعه يهتف للشعب الفلسطيني في غزة: (لستم وحدكم، ومعكم حتى النصر)، ليس مجرد هتاف يصرخ به في الهواء، ولكنه عنوان يعبِّر عن التزام سيفي به، سيفي به.
شعبنا اليمني لن يترك غزة لوحدها، لن يبقى الناس في البيوت يتجاهلون ما يجري هناك، سيستمر هذا الخروج على المستوى الجماهيري الواسع جداً، المعبِّر عن موقف هذا الشعب، وعن إصراره على مواصلة هذا الموقف مع الشعب الفلسطيني، سيواصل تحركه الشامل أيضاً على كل المستويات، بوعيٍ، وبزخمٍ كبير، ولن يترك غزة لوحدها.
في آخر هذه الكلمة، أتوجه إلى شعبنا اليمني المسلم العزيز، وأدعوه إلى مواصلة الخروج الأسبوعي الحاشد الجماهيري الواسع جداً، هذا شيءٌ مهم، في هذه المرحلة هذا شيءٌ مهمٌ جداً، له أهمية، له تأثيره، له نتائجه المهمة، وهو في إطار المسؤولية والالتزام الإيماني والديني والإنساني والأخلاقي.
أدعو للخروج في يوم غد الجمعة- إن شاء الله- في صنعاء- كما هي العادة- في ميدان السبعين، والاحتشاد بشكلٍ كبير، وفي بقية المحافظات، بحسب الترتيبات المعتمدة فيها، وشعبنا سيؤكِّد يوم الغد- إن شاء الله- للشعب الفلسطيني في غزة أنَّه ليس لوحده، سيؤكِّد لسكان غزة أنهم ليسوا وحدهم، وأنَّه معهم حتى النصر، وفي ظل ذلك نحن مع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والله مع شعبنا، مع شعب فلسطين المظلوم، مع سكان غزة المضطهدين والمظلومين، والله خير الناصرين، {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}[النساء: من الآية45].
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: فی تاریخ الصراع العربی الإسرائیلی جرائم الإبادة الجماعیة حمایة الإجرام الصهیونی الشعب الفلسطینی فی غزة والاحتیاجات الإنسانیة للشعب الفلسطینی فی غزة یصل الغذاء والدواء إلى إلى الشعب الفلسطینی العدوان الإسرائیلی العدو الإسرائیلی الملاحة الدولیة الأطفال والنساء للملاحة الدولیة فی البحر الأحمر الدواء والغذاء شعبنا الیمنی الأمریکی على أن یکون هناک العدوان على على المستوى ذلک الإجرام ل م س ل م ین منذ بدایة بالرغم من على الشعب على مستوى ت ع ال ى س ب ح ان ه ع ل ى آل أن یستمر إلى درجة ع الصراع فی مقابل وهو أیضا سکان غزة فی موقف من خلال أکثر من لم یسبق على ذلک من أجل التی ت فی ذلک کل ذلک کل یوم هذا هو على أن
إقرأ أيضاً:
نص المحاضرة الرمضانية الـ14 للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1446هـ
الثورة نت/.
نص المحاضرة الرمضانية الـ14 للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 14 رمضان 1446هـ :
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في سياق الحديث على ضوء الآيات المباركة من (سورة الشعراء)، التي تَقُصّ لنا قصة نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، في مقامٍ عظيمٍ من مقاماته في قومه، وهو يبلغ رسالة الله إليهم، ويسعى لإنقاذهم من الضلال الكبير الذي هم فيه، والذي في مقدمته: الشرك بالله، يسعى لهدايتهم، ويسعى للسير بهم في طريق الحق، في عبادة الله وحده، وفي نهج الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يُقدِّم لهم البراهين العظيمة، المقنعة، المهمة، ويبيِّن لهم أنه ليس لهم أي حقّ ولا أي مبرر في العبادة لغير الله، فالإنسان هو ملكٌ لله، وعبدٌ لله، وكل أموره الأساسية، متطلباته الأساسية والمهمة، هي من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فلماذا يتَّجه بالعبادة إلى غير الله؟!
وقَدَّم عرضاً، قدَّمه بشكلٍ شخصي، يعني: يُعبِّر عن نفسه؛ بينما هو لكل إنسان، الحال لكل إنسان هو: أنه مفتقرٌ إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في ذلك كله، في كل ما ذكره نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وكان في بداية ما قال، في هذا العرض الذي يُبَيِّن ارتباط الإنسان بالله، وحاجته إلى الله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، وبدأنا بالحديث عن ذلك في محاضرة الأمس.
كما قلنا: الإنسان في وجوده مفتقرٌ إلى الله، هو الذي وهبك الحياة، هو الذي خلقك، هو الذي أنعم عليك بما خلق فيك ولك من أعضائك، وجوارحك، وحواسك، وطاقاتك، وقدراتك، فأنت ملكٌ لله، وهو ولي النعمة عليك، هو الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، ووهبه ما وهبه من النعم، في نفسه ابتداءً، ثم في مقدمة هذه النعم: نعمة الهداية، التي تأتي قبل كل النعم، وبدأنا بالحديث بالأمس عنها.
فهذا التذكير هو للإنسان، ليُبَيِّن أنه ليس هناك ما يربطه في حاجيَّاته الأساسية، ومتطلباته الضرورية والأساسية، بمن يتخذهم أنداداً من دون الله:
إمَّا يتخذهم أنداداً عن طريق الشرك، باعتقاد الألوهية والربوبية لهم.أو يتخذهم أنداداً من دون الله، من خلال التولِّي لهم على الباطل، وطاعتهم في معصية الله تعالى، وإيثار طاعتهم على طاعة الله “جَلَّ شَأنُهُ”، وفوق طاعة الله “جَلَّ شَأنُهُ”.
ليسوا هم من خَلَقك، ولا من وهبك كل هذه القدرات، وليسوا هم من ترتبط بهم في أمور حياتك الأساسية، التي يأتي الحديث عنها.
في مقدمة ما يحتاجه الإنسان، ومن أهم ما يحتاجه: الهداية، والله هو مصدر الهداية، الهداية وردت في القرآن الكريم في صدارة النعم- كما قلنا بالأمس- في آيات كثيرة ومقامات متعددة، ومنها هنا: في هذه القصة، قدَّمها قبل الطعام، وقبل الماء والشراب: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}[الشعراء:78-79].
حاجة الإنسان إلى الهداية من الله تعالى هي حاجةٌ في كل مجالات وشؤون حياته، والإنسان لولا هداية الله له بأنواعها، بأنواع الهداية التي سنتحدث عنها، لكان في وضعٍ صعبٍ جدًّا، لكان أشبه ما يكون بكتلة لحمٍ حيٍ، لا يدرك ماذا يفعل، ولا كيف يتصرف، ولا ماذا يعمل، أو لكان أشبه بكمبيوتر بدون أي برامج تُشَغِّله، وتبيِّن كيف يستفاد منه، لكان لا يعرف أن يتصرف في أي شيء، وكيفية التصرف في أي شيء؛ لـذلك هو بحاجة إلى الهداية من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومنذ بداية وجوده، قبل الأشياء الأخرى؛ لأنه من خلال هذه الهداية سيتصرف في بقية أموره.
فالهداية من الله تعالى للإنسان هي واسعة ومتنوعة، في مقدمتها: الهداية الفطرية، بما غرزه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في فطرة الإنسان.
الهداية الفطرية يحتاجها الإنسان منذ لحظة وجوده، من بعد مولده، قبل أي شيءٍ آخر، وكما شرحنا بالأمس عن الطفل، بعد أن يولد وهو بحاجة إلى الغذاء، إلى الرضاعة، كيف يُلهمه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يرضع، وكيف ترى الحال في بعض المواليد، يبحث عن ثدي أمه ويحرِّك فمه يريد أن يرضع، قبل حتى أن يُفَتِّح عينيه، وهو في تلك المرحلة من طفولته المُبَكِّرَة، كان من المستحيل تفهيمه، وتعليمه بالتلقين والشرح عن كيفية الرضاعة، لولا أن الله ألهمه وهداه لذلك.
في طفولته المبكرة، يُلْهِمه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بهدايته وما غرز في فطرته كيف يصيح؛ للتنبيه على مختلف احتياجاته وأحواله:
في وقت جوعه، يعني: في وقت حاجته إلى الرضاعة يصيح.في حالة الألم، إذا شعر بالألم، يصيح.في حالة الاحتياج للنظافة يصيح.في مختلف أحواله من حرٍ، أو بردٍ… أو غير ذلك، يصيح.في حالة الوِحْشَة، إذا استوحش، يصيح… وهكذا.
كل هذا في إطار هذه الهداية الفطرية، التي فطره الله عليها، وهذه آية من آيات الله، ومن رعاية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، برمجة ربانية له، وهي عون كبير في رعايته؛ وإلَّا لكانت الرعاية صعبة جدًّا، لكانت تحتاج إلى تَفَقُّد دائم بعناء شديد، لكن هو يُؤَدِّي هذا الدور هو في التنبيه على ذلك، يأنس بأمه وأبيه، ومحيطه الأسري، وبالقائمين على رعايته، في طفولته المبكرة تلك، يتناغم معهم، ويرتبط بعلاقةٍ عاطفيةٍ مؤثِّرةٍ معهم، وهم كذلك… كل هذا في إطار هذه الهداية الفطرية من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
الهداية الفطرية، بما غرزه الله في الفطرة، هي تشمل مع الإنسان أيضاً الكائنات الحَيَّة، والحيوانات الأخرى، وبحسب دورها ومهامها في الحياة؛ ولـذلك يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}[الأعلى:2-3]، مع التقدير والخلق، الهداية وفق ذلك التقدير، الهداية للكائنات الحَيَّة والحيوانات، في سُبُل معيشتها، وأسباب بقائها، وفي إطار مهامها المرسومة لها في هذه الحياة، {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه:50]، فهي أساسيةٌ في حياة البشر من جهة، وحياة بقية الكائنات الحَيَّة، التي تهتدي لذلك، بما هو مُقَدَّرٌ لها من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
ولـذلك في الدراسات والأبحاث المعاصرة، التي تعتمد على أجهزة للرصد، والتصوير الدقيق، والرقابة الطويلة، لأنواع من الحيوانات والكائنات؛ تظهر العجائب، التي تُبيِّن كم ألهمها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن تتصرف بدقة، ووفق نظام معيَّن، مثلاً: فيما يتعلق بعالم الطيور، هناك دراسات وأبحاث، البعض منها أيضاً يعتمد على التوثيق بالفيديو، ومُنْتجٌ الكثير منه، كذلك عن عالم النمل، عن عالم النحل، عن عالم الأسماك، تظهر العجائب الكثيرة جدًّا، التي تُبيِّن أنها تتصرف بهداية فطرية، فطرها الله عليها، وألهمها الله بها، فتتصرف بدقة، ووفق نظام مُعَيَّن، وتسعى في سُبُل معيشتها وأسباب بقائها، وفي إطار مهامها المرسومة لها في الحياة بشكلٍ عجيب.
ولـذلك يقول الله عن النحل: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل:68-69]، فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يُبَيِّن أنه أوحى إليها، هذا الوحي هو هذا الإلهام، في ما غرزه الله في فطرتها، هذه الهداية الفطرية، التي منحها الله إياها، وهي تنتج العسل ببراعة فائقة جدًّا.
وهكذا بَقِيَّة الحيوانات، بل إن في فطرتها- بالنسبة للكائنات الحَيَّة والحيوانات- في فطرتها، وإدراكها في هذه الهداية الفطرية، ما هو أوسع من ذلك، لها مستوى مُعيَّن من الإدراك، وفي إطار أدوارها ومهامها.
ولـذلك نجد في قصة نبي الله سليمان “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، في قصة الهدهد، وكيف تخاطب مع الهدهد، وكيف شرح الهدهد عن قصته في رحلته تلك إلى اليمن: {فَقَالَ}، الهدهد يخاطب نبي الله سليمان، {فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ}، {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ}[النمل:22-24]، يُقدِّم تقريراً كاملاً، وموجزاً في نفس الوقت، عن واقع أهل مملكة سبأ: على المستوى السياسي، على المستوى الديني، على المستوى الاقتصادي، على المستوى العسكري، على مستوى الإمكانات؛ وكذلك ينقدهم فيما هم عليه من ضلال، في عبادتهم للشمس من دون الله، وكيف أن الشيطان ورَّطَهم، وأضلَّهم، وزيَّن لهم ما هم عليه من الضلال الرهيب، فهذا الفهم، وهذا المستوى من الإدراك للهدهد، يُبيِّن مستوى الهداية الإلهية الفطرية.
في قصة النملة نفسها، في (سورة النمل)، في قصة نبي الله سليمان “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، عندما تحرك بجنوده: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}[النمل:18]، هذا المستوى من الإدراك، من المعرفة، من الفهم، هو في إطار هذه الهداية من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في الكائنات الحَيَّة تتفاوت المسألة- كما قلنا- في إطار مهامها في الحياة، ودورها في الحياة.
الهداية الفطرية للإنسان واسعة أكثر من غيره؛ وذلـك لاتِّساع مهامه، واتِّساع شؤونه في الحياة، ولحجم مسؤولياته ودوره في هذه الأرض، فالهداية الفطرية للإنسان بما غرزه الله في فطرته واسعة، في إطار هذه المسؤوليات الواسعة في الاستخلاف في الأرض، وأيضاً بالنظر إلى احتياجاته الواسعة.
ومع الهداية الفطرية، يوازي هذه الهداية الفطرية بما غرزه الله في فطرة الإنسان، ما زوَّد الله به الإنسان من وسائل وقدرات للإدراك، والمعرفة، والتمييز، والتعقُّل، التي يكتسب الإنسان بها أيضاً المزيد من المعارف والمعلومات، ويستفيد من خلالها من التجارب، فمنحه الله إدراك التمييز والتعقُّل؛ ولـذلك يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[النحل:78].
ومع ذلك أيضاً، جعل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبموازاة ذلك، معالم هداية للإنسان يهتدي بها، ويعرف من خلالها، بما يساعده على المعرفة اللازمة لحركة حياته، وفي حركة حياته، ولـذلك يأتي عنوان الهداية- نفسه- في القرآن الكريم، مع التذكير بنعم الله في تلك المعالم نفسها، من مثل قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}[النحل:15-16]، ويقول الله تعالى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[النمل:63].
فالهداية واسعة للإنسان، في سُبُلِ معيشته، وأسباب بقائه، في جلب المنافع، في دفع المضار، في حركته الواسعة في الحياة:
هدايةٌ في داخل الإنسان.هدايةٌ أيضاً في محيطه في الحياة، في معالم واضحة.وهداية إرشادية، هداية بكتب الله، برسله، بأنبيائه، بالهداية التي تمتد من بعدهم على ضوء الوراثة لكتبه من الهداة من عباده.
فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هدى الإنسان هدايةً واسعة، نعمة الهدى هي نعمةٌ عظيمةٌ جدًّا، دورها كبير في حياة الإنسان، وأساسيٌ في حياة الإنسان؛ ولـذلك هناك في داخل الإنسان الهداية الفطرية، ومعها- كما قلنا- ما وهب الله الإنسان من وسائل للإدراك، والتمييز، والتعقُّل، التي تساعده أيضاً على الاستيعاب، وعلى التفهُّم، وفي نفس الوقت في نفس الهداية الفطرية أُسسٌ وبديهيات ومفاهيم ضرورية، الإنسان يعتمد عليها، كمعلومات ضرورية، مما هو معلومٌ ضرورة لدى الإنسان، ثم تبنى عليها الكثير من التفاصيل المعرفية في حياة الناس، وهذه مسألة مهمة، لها دورٌ كبيرٌ في حياة الإنسان؛ لأنها مشتركةٌ بين البشر، معلومةٌ بالضرورة لهم، بديهياتٌ بالنسبة لهم؛ وبالتـالي لا يمكن الإنكار لها، أو الجحود لها، إلَّا ويخرج الإنسان عن نطاق العقلاء، ويُعتَبر في حالة مكابرة، أو كما يقولون: (سفسطة، أو عبث).
فيما فطره الله في الإنسان، في الهداية الفطرية نفسها، أسس يحتاج إليها أيضاً في الهداية الإرشادية، فالهداية الإرشادية هي تأتي منسجمةً تماماً مع ما قد فطر الله الإنسان عليه:
في مقدِّمة ذلك: الإقرار بربوبية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هذا أمرٌ فطري، أنَّ الإنسان عبدٌ لله، وأنَّ الله هو ربُّه، وربُّ العالمين، وربُّ السماوات والأرض، والخالق لكل شيء، هذه مسألة فطرية في الإنسان، غرزها الله في فطرة الإنسان.ثم تأتي الهداية الإرشادية لتوسِّع معارف الإنسان، ليعرف الله أكثر، ليستفيد من التأمل في مظاهر قدرة الله ورحمته، وحكمته وعلمه… وغير ذلك، مما يزيده معرفةً.كذلك مغروزٌ في فطرة الإنسان، في الهداية الفطرية، الأسس والمفاهيم الأخلاقية، والفضائل كذلك.
فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال عن مسألة الفطرة والهداية الفطرية، فيما يتعلق بالربوبية، بربوبية الله “جَلَّ “شَأنُهُ”: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}[الأعراف:172-173]، يعني: ليس لكم حُجَّة في أن تستندوا إلى انحراف آبائكم في مسألة الشرك، ولا يمكن أن تُبَرِّروا بالغفلة عن مبدأ التوحيد، لماذا؟ لأن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قد غرز في فطرتكم الإقرار بربوبيته، فليس لكم أي مستند، ولا مُبَرِّر، ولا حُجَّة، في أن تخالفوا ذلك، ومع ذلك أتى رسل الله وأنبياؤه لتذكيركم بهذا المبدأ العظيم، وبهذا الحق الكبير، الذي تبنى عليه كل التفاصيل.
في مسألة الفضائل، في مسألة مكارم الأخلاق، في مسألة المفاهيم الأخلاقية، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس:8]، النفس البشرية مُلهمة، جزءٌ من هذا الإلهام هو بالهداية الفطرية.
ولـذلك العناوين التي تُعبِّر عن الفضائل وعن الأخلاق: عنوان الحق، عنوان الهدى، عنوان العدل، عنوان الصدق، عنوان الإحسان، عنوان الشرف، عنوان العِفَّة، عنوان الوفاء، عنوان الرحمة، عنوان الكرم… وبقية العناوين التي تُعبِّر عن مكارم الأخلاق، تُعبِّر عن الفضائل، هي عناوين معترفٌ بها عند كلِّ البشر، عند كل البشر، وإن اختلفوا في التفاصيل، لكن من حيث المبدأ هم يعترفون بها، ويعترفون بأنها فضائل، وبأنها صفة كمال للإنسان الذي يتَّصف بها، يُثنى عليه بها، يُمدح بها.
ويتَّفقون أيضاً– من حيث المبدأ- فيما يتعلَّق بنقائضها أنها سيئة، وأنها تُعبِّر عن نقص في من يتصف بها، وغير ذلك، فمثلاً: الكذب، الكذب مذموم عند كل البشر، لا يعتبر من الفضائل، ونَقِيصَة معروفة عند كل البشر، يُذمُّ من يتَّصف به. كذلك الظلم، الرذيلة… مختلف أنواع الجرائم، السرقة مثلاً، فالبشر متَّفقون على هذا.
من أين جاء هذا الاتفاق بين البشر؟ لأن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بهدايته لهم في فطرتهم، فيما غرزه في فطرتهم، ألهمهم ذلك، وإن اختلفوا في التفاصيل، أو حاول بعضهم في سياق العصيان، والتعنت، والضلال، أن يقلب الحقائق تجاه هذه العناوين، أن يطلق على ظلمه عدلاً، أو يطلق على أكاذيبه صدقاً… أو غير ذلك، هو من التوظيف والاستغلال الباطل المتعمد، ليس لأن هناك اشتباه فيما تطلق عليه هذه العناوين، لا، المسألة واضحة عند البشر جميعاً في حقيقة الصدق، في حقيقة الكذب، في حقيقة الباطل، في الحق، في العدل، الظلم…إلخ. المسألة واضحة، فهذا هو أيضاً مما أتى في واقع البشر في الهداية الفطرية، وليكون متناغماً ومنسجماً بشكلٍ تام، ومتطابقاً مع الهداية الإرشادية، التي تأتي عبر الأنبياء والرسل، ومن خلال كتب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
مثلاً: عنوان الهدى، عنوان معظَّم عند البشر؛ وعنوان الضلال، عنوان سيء عند البشر؛ ولهـذا مثلاً حتى أنَّ أهل الضلال بأنفسهم، يحاولون أن يقدِّموا عنوان الهدى أمام الآخرين، فرعون- بنفسه- قال لقومه: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29]، لماذا؟ لأنه يعرف أن الفطرة البشرية تنجذب إلى عنوان الهدى، وترى أنَّ الطريق الصحيح، والموقف الصحيح، هو الذي يُعبَّر عنه بالهدى، فهو يحاول أن يستغل هذا العنوان لخداعهم، وليس لأن هناك اشتباه فيما ينطبق عليه هذا العنوان؛ إنما للخداع، وهكذا هو الحال بالنسبة لعنوان الباطل والضلال، أنها عناوين سيئة، نقيضة لعنوان الهدى، لعنوان الحق، ومذمومٌ من يسير عليها، من يتَّبعها، هذه أمور فطرية، لكن من أين؟ من هداية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بما غرزه الله في فطرة البشر.
الهداية الفطرية تتعرض في واقع الناس لكثيرٍ من المؤثرات السلبية، فيتنكَّر الإنسان لها، حتى فيما يتعلَّق بالوازع الذي يسميه الناس بـ (الضمير)، أنَّ الإنسان في فطرته ليس فقط يعرف، بل ينسجم، يُعظِّم، يشعر في نفسه أنَّ الهدى، أنَّ الحق، أن مكارم الأخلاق، هي شرف، هي شيءٌ عظيم، يُقدِّسه، ينجذب إليه، يُحسُّ في نفسه بتعظيمه، وأنَّ المذام، ومساوئ الأخلاق، والجرائم، والمفاسد، هي أشياء سيئة، ينفر منها، يخجل منها، يعتبرها مسيئة إلى كرامته، إلى شرفه… وغير ذلك، يعني: حتى المشاعر، معرفة مع مشاعر، هذا هو أيضاً يعود إلى ماذا؟ إلى الهداية الإلهية، لكن الإنسان عندما يتمادى في طريق الباطل والضلال؛ تفسد نفسيته، يتغير على مستوى المشاعر ابتداءً، حتى لو بقي له معرفة يُميِّز بها بين أنَّ ذلك حسن، أو ذلك قبيح، لكن اِسْتِسَاغت المفاسد، الرذائل، هذه حالة فسدت فيها نفسية الإنسان، ومن خلال ممارساته السيئة في الحياة، وتماديه في الأشياء السيئة؛ تفسد نفسيته، فيبدأ ضميره الإنساني بالتأثر، بالتراجع… وهكذا هو الحال بالنسبة لابتعاده عن القيم العظيمة، يبدأ يتأثر كذلك، ويبتعد عنها شيئاً فشيئاً في مشاعره، في تفاعله الوجداني معها، ثم يتَّجه اتِّجاهاً آخر في الحياة.
ولـذلك الإنسان من حيث الجانب التربوي لتزكية النفس، ولتنمية مكارم الأخلاق في نفسه، التي هي فطرية، يحتاج إلى الهدى، أيضاً اتِّساع شؤون الإنسان في هذه الحياة، في إطار مهامه ودوره، يحتاج فيها أيضاً إلى الهداية الإرشادية، التي من الله عبر كتبه ورسله وأنبيائه.
فلأهمية دور الإنسان في الحياة، ولسعة دوره في الحياة، كان محتاجاً أيضاً أن يرتبط بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في هدايةٍ أوسع، هداية بالتعليمات؛ لأن طبيعة حياة الإنسان أوسع من حياة غيره من الحيوانات والكائنات، مهامه في هذه الحياة، والإنسان في هذه الحياة هو مرتبطٌ بالله، لا يمكن أن ينفصل وأن يبتعد عن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ثم تكون المسألة عادية، وخلاص له خياره في ذلك وانتهى الأمر، أنت كإنسان عبدٌ لله، في أرض الله، في جزءٍ من مملكة الله الواسعة، هذا العالم بكله هو مملكة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فالله ربُّ العالمين، وملك السماوات والأرض؛ ولـذلك أنت عبده، أنت في مملكته، هذه الأرض هي حَيِّزٌ صغيرٌ جدًّا، لكن في مملكة الله الواسعة، فالله هو الذي أتى بك إلى الوجود، ووهبك الحياة، ووهبك ما وهبك من طاقات وقدرات، وسخَّر لك ما سخَّر لك ومكَّنك فيه كإنسان، كمجتمع بشري، فيما مكَّنهم فيه على هذه الأرض، في إطار دورٍ تقوم به، لا يخرج عن نطاق العبودية لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أنت عبدٌ لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فأنت في إطار مسؤولية في هذه الحياة، لست عبثاً، ولم تأتِ في هذا الوجود لمجرد أن تتيه كيفما أردت، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يقول: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}[الجاثية:22].
فالإنسان بما وهبه الله في نفسه من: طاقات، وقدرات، ومدارك، وبما سخَّر له في السماوات والأرض، عليه مسؤولية كبيرة، وما وهبه الله هي أمانة كبرى، في كيفية التصرف معها، الإنسان فيما يتصرف فيه، هو يتصرف فيما هو مِلكٌ لله، هذه الأرض مِلكٌ لله، ما فيها مِلكٌ لله، وما وهبك الله وأنت مِلكٌ لله، فكيف تتصرف وفق إذنه، وفق تعليماته، وفق توجيهاته.
والله رسم لك في مسيرة حياتك أقوم طريقة لتعيش فيها أحسن حياة؛ لأن الإنسان إذا اتَّجه الاتجاه الخاطئ، وانحرف عن دوره في هذه الحياة، يترتب على ذلك أضرار ومفاسد كبيرة جدًّا، فالإنسان في مقام مسؤولية أمام الله؛ ولهـذا يُعبِّر القرآن عن حجم هذه المسؤولية بقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}[الأحزاب:72]، الإنسان إذا اتَّجه الاتجاه الخاطئ في هذه الحياة، في مقابل ما وهبه الله من طاقات، وقدرات، ومدارك، وما سخَّر له، وعظيم ما سخَّر له من النعم، إذا اتَّجه الاتجاه الخاطئ، يترتب على ذلك: مفاسد كبيرة، مظالم كبيرة، مخاطر كبيرة، أعمال الإنسان في دائرة الخير والشر ذات تأثير كبير في الحياة، ليس كغيره من الحيوانات ذات الدور المحدود، التي حتى لو حصل منها شيءٌ ما، يكون تأثيره محدوداً، الله يقول: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}[الروم:41].
ولـذلك لأهمية دور الإنسان، وحجم مسؤوليته، ارتبط بذلك جزاء كبير، جزاء عظيم:
جزاء على الخير: ما وعد الله به من رضوانه وجنته، النعيم العظيم الأبدي الخالص.وجزاء رهيب جدًّا: غضب الله وسخطه، والعذاب في النار للأبد، لمن ينحرف عن نهج الله ورسالة الله، ويتَّجه في اتجاه الشر.
عِظَم الجزاء وكِبَره يدل على حجم هذه المسؤولية للإنسان في هذه الحياة؛ ولـذلك هو بحاجة إلى هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وإلى تعليمات من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهداية من الله “جَلَّ شَأنُهُ”؛ لأن انحرافه خطير جدًّا عليه، على حياته، ويترتب عليه مفاسد كبيرة جدًّا، وعواقب خطيرة جدًّا.
فلذلك نأتي إلى الحديث عن الهداية الإرشادية والتشريعية من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، نستكملها- إن شاء الله- في محاضرة الغد.
نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛