خديجة مسروق الكتابة الإبداعية جزء لا يتجزأ من تجربة الحياة , ببعديها الفردي و الإنساني . الكاتبة جمانة طه أرادت أن تضع بين يدي القارئ صورا عن حجم الدمار الذي عرفته سوريا الحضارة  بسبب الحروب , وعن جراحات الشام النازفة , وعن وجعها وهي ترى مشاهد الموت أمامها و لا تقوى على فعل شيء . ‘ دمشق مدينة عصية على النسيان , تستقر في أعماق القلب , ترتاح لها النفس , و يحنو لها الوجدان ‘ ‘ على تخوم الوجع ‘ رواية صدرت عن  دار الثقافة الجديدة بالقاهرة ,  العام 2021   .

 تتحدث  عن معاناة الشعب السوري , منذ أن اشتعلت بين أبنائه نيران الفتنة التي فرقت شمله , و شوهت معالم حضارته العريقة . على تخوم الوجع, سيرة ذاتية للكاتبة جمانة طه , و قد أعلنت عن ذلك في افتتاحية روايتها, تقول ‘ قد أكون في هذه الرواية أنا على طريقة  فلوبير في مدام  بوفاري , حيث يقول أنا هي  السيدة  بوفاري , و قد لا أكون , لكنها في الوقت نفسه هي بعض من شخصيتي , و من حياتي , و من سيرتي الذاتية ‘ . يذهب كثير من الكتاب بتدوين سيرهم الذاتية , و لكل واحد منهم طريقته في ذلك . هناك  من يصرح بأن ما كتبه سيرة ذاتية و هناك من يتوارى خلف بطله دون أن يصرح بذلك. الكاتبة قامت بتدوين أحداث عاشتها و تراها مهمة ‘ بعد تفكير طويل قررت أن أخوض تجربة الكتابة  السيرية , تدفعني إلى ذلك حاجة نفسية, و رغبة أدبية بتدوين ما عشته من أحداث أراها مهمة ‘ ص 03  .  هي امرأة  لا تملك سوى القلم و الكتابة . جمانة طه حاضرة في النص في شخصية خولة . تحكي عن تجربة حياة مفعمة  بالأحلام , و بالآلام ,و بالموت و بالحياة .  تتقاطع مسيرة  حياة الروائية  مع مسيرة حياة بطلتها خولة . خولة بطلة الرواية امرأة شفافة و رقيقة  . تربطها علاقة وطيدة ببلدها  ,إذ لا تتصور حياتها خارج جغرافيا مدينتها .يتقدم لخطبتها شيخ أمير من منطقة بعيدة  وهي تدرس في مرحلة الإعدادية . باندفاع الفتاة  المغمورة التي تحلم بأن تقدم شيئا لبلدتها ,وافقت على طلب الأمير, طمعا  في أن يساعد  هذا البلد الذي يعاني العجز ,و يساهم  في رفع مستواه  .لكنها تكتشف أن الأمير, أراد الزواج منها لأنها جميلة, و ليس لأنه أحبها  كإنسانة ,   الأثرياء في الغالب يعتقدون أن بأموالهم يمكن لهم امتلاك ما يرغبون فيه . تفسخ عقد زواجها منه , و تكمل دراستها ,إلى أن تتخرج من معهد اللغة العربية . تتزوج البطلة من الدكتور هشام , الذي لم تمنحه  الأقدار عمرا طويلا , غادرها إثر أزمة قلبية . و بقيت مع أبنائها تكابد  قساوة الحياة . تحب الكتابة و الإبداع , تطبع كتابها الأول الذي تمنت أن يشهد ميلاده زوجها الذي كان يحب فيها هذا التميز . الكتابة عن واقع الوطن  ,إحدى مهام الكتاب على اختلاف اتجاهاتهم و ميولهم .هكذا تقول جمانة طه . تتحدث  في الرواية عن بدايات الأزمة السورية  , و عن نشوب الحرب على أراضيها ,  وكيف  كان الحراك الشعبي  باعتباره أول فتيل أشعل هذه الحرب ,  التي أحرقت الأخضر و اليابس .  تقول عن الحراك الشعبي , بأنه ‘ قام من أجل الحياة و الإنسان  , و ما ظهر من توحش على الأرض السورية من النظام ومن المعارضة المسلحة خطفه من مداره , و أغرق الوطن في حقد و دماء ‘ ص  178..  خرج الشعب للمطالبة بالحرية العدالة, لكن الحراك انحرف عن  مسعاه , و دخلت سورية في لجّة من النيران , أوقدها الإرهاب الحاقد على الشام الحضارة و التاريخ , و على شعبها الأبيّ . أخذ الناس قليل من متاعهم ورحلوا هروبا من الموت  .متشبثين ببعض الأمل في الحياة ‘ كيف يمكن أن تكون الحياة في دمشق مبهجة و مشرقة , و أنياب القصف و القتتل و الخوف , و اليأس تقضم  ما حولها لحظة بلحظة ‘ ص  36.  تصف الروائية مشاهد القصف الذي لا يبقي و لا يذر , حين تدخلت القوات الخارجية, التي أبادت كل شيء , حيث تقول ,إن  هيروشيما التي صنعتها أمريكا  في القرن العشرين , قد كررتها روسيا في القرن الحادي و العشرين  مع سورية .  في حلب طائرة تدس بهمجية   عشرات الأبرياء من الأطفال , بعضهم في طريقه إلى المدرسة , و بعضهم كان يلعب بالشارع ..  و هذا مشهد آخر , عن الفارين   من نيران الحرب إلى الملاجئ, يتضورون جوعا , و قوات الأمن تقف في طريق من يحاول الخروج   لشراء الطعام .إنه الموت يتربص بهم جميعا . صورة أخرى عن تاتار العصر الحديث , تتحدث جمانة عن مكتبة عريقة بمدينة الرقة سرقت منها الكتب , و تفحمت ورودها . أي بشاعة أكثر من هذه ؟ يغتال العلم في بلاد العلم. تحكي الروائية  عن  المعتقلين في سجون النظام , ومعاناتهم مع التعذيب الوحشي . منهم من يلقي حتفه جراء التعذيب و منهم من ينجو من الموت , و بعد الإفراج عنه يغادر سورية إلى بلد آخر آمن . هذا عدنان ناشط في مجال العمل الخيري , ألقى عليه الأمن القبض و عذب بتهمة العمل مع المعارضة , و التحريض ضد النظام .هاجر إلى ألمانا بعد الإفراج عنه . و فراس الذي مورس عليه عذابا لا مثيل له , بعد أن أفرج عليه سافر إلى هولندا دون عودة  و غيرهما كثير . تذكر جمانة  أن وحشية  التعذيب داخل سجون النظام تشبه وحشية النازية زمن هتلر , و هذا ما صرح به ديفيد كراني المدعي العام السابق في الأمم المتحدة ‘ بعد عملية التدقيق بصحة آلاف صورة متسربة من السجون السورية ,أظهرت ارتكاب جرائم ضد الإنسانية لم يسبق لها مثل , منذ معتقل أوشفير النازي , و ذكر أن عدد الذين وضعوا في السجون تحت التعذيب , و سمْل عيون و شنقا بأسلاك معدنية , و صعقا بالكهرباء بأنه يقدر بإحدى عشر ألفا في السنين الأولى من الحراك ‘ ص 157.. مئات المعتقلين و المفقودين و المشردين . سورية تدمر على يد أبنائها , النظام , المعارضة , الجماعات التي تدعي الإسلام , كلهم يزعمون أنهم يريدون حماية سورية , ولم ينتبهوا بأن سورية قتيلة أمامهم  بسلاحمهم ,أكثر من بسلاح غيرهم .و العالم تقول الروائية  من حولهم لم يحرك ساكنا لإيقاف المجازر التي تحدث دخل سورية  . الكتابة بالنسبة لجمانة طه تشبه الحياة , تشعرها  بوجودها . حين تكتب تشعر أنها على قيد الحياة .  مهمة الكاتب أن يتقل واقع وطنه حسب رأيها و أن يُسمع صوته العالم . غير أن مثقفي و كتاب بلدها تراهم لم يكونوا في مستوى الوطن , لم يدافعوا عنه بأقلامهم  , لم يقولوا كلمة حق في شأنه .  فمن ذا الذي يمكن له أن  يقول بكل شجاعة  للظالم ـ الذي يحمل السلاح و يستعمله ببشاعة ـ  أنت ظالم ؟ . الحياة أشياء كثيرة , تكتب في لحظة حبّ..الموت و الحياة , تيمتان متلازمتان , اشتغلت عليهما الروائية  . ما الموت إلا حياة أخرى . و ما الحياة إلا حبّ   بتعبير المتصوفة .الحبّ وحده يصنع الأبدية . سورية عاصمة للحبّ , تتحدى آلة الموت بسلاح ناعم .إنه سلاح الحبّ الذي يعلو صوته لصنع السلام . الروائية تستحضر بعض قصص الحبّ التي عاشها السوريون في زمن الحرب .رغم الموت و الدمار كانوا يحبون و يتزوجون . فادي , شاب سوري عاش قصة حبّ جميلة , مع آية , فتاة سورية  .أصيبت بورم في قدمها هددها بالبتر , ومع ذلك ظل متمسكا بها .تزوجها و سافرا إلى روما , يقبض عليهما الأمن الإيطالي لأنهما لا يملكان أوراقا تثبت هجرتهما .وجدا زوجان إيطاليان أنقذاهما . و حظيت قصة حبهما باهتمام كبير من الوكالة الإيطالية أنسا .و أصدر كاتبان إيطاليان كتابا حول قصتهما بعنوان ‘ قصة آية ‘ . خولة بطلة الرواية , بعد رحلة حياة مثقلة بالأوجاع و بالمسرات أيضا  .سافرولداها إلى الخارج , و بقيت تصارع الوحدة  ‘ لا أحد يعرف الوحدة ووطأتها على النفس و الروح مثلي ..و إن تظاهرت بإددمانها  حرصا على كرامتي . حياة المرأة الوحيدة مكابدة وقهر ‘ ص 189…..هذا ما تشعر به خولة , و هو اعتراف من الروائية بأن الوحدة قاتلة .ربطت علاقات افتراضية مع مجموعة أصدقاء   من محبي المعرفة على صفحات التواصل الاجتماعي ‘ الفايس بوك ‘ من مختلف  الجهات .صديقها  الإفتراضي  .أكثرهم تواصلا معها مريد ,  و هو عراقي هرب من جحيم الحرب التي تعيشها العراق   ليستقر في تركيا . يعاني هو الآخر من الوحدة بعد موت زوجته . كانا يتواصلان  باستمرار , يتبادلان الآراء المعرفية ,أصبحا يعرفان عن حياة بعضهما كل شيء .  تطورت علاقتهما إلى صداقة متينة و عميقة .جعل الروائية تؤمن بامكانية نجاح العلاقات الإفتراضة على الفضاء الأزرق .مريد يموت في حادثة انفجار عبوة ناسفة على الحدود بين سورية و تركيا .و تبقى روحه تحوم حولها وصوته لا يفارق مسامعها . هكذا أرادت جمانة طه أن تحكي سيرتها بلسان بطلتها خولة .ما كتبته غيض من فيض , كتبت كل ذلك  و بداخلها غصة ‘ وطني جريح و أنا عاجزة عن مدّ العون له ‘ . بقلب نازف كتبت ‘ سورية هي الأطفال من غير مدارس و تعليم ,و الأطفال  المرضى و لا علاج , و الأطفال الذين يموتون من الجوع و العطش ,سورية هي الأشخاص المصابون بأمراض نفسية , و عاهات جسدية ,اليتامى و الثكالى , و الأيامى و الشهداء , من العسكريين و المدنيين , من المفقودين و المهجّرين و النازحين ‘ ص 194.. على تخوم الوجع , رحلة حياة مشحونة بالآمال و الألام ,و بالذكريات .  ملحمة امرأة ثائرة وقعتها  لتؤرخ لمرحلة  دامية في حياة السوريين ,  لتؤرخ لحرب تمثل وصمة عارفي تاريخ الإنسانية , أوشكت أن تقضي على  حضارة بأكملها .. كاتبة من الجزائر

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

بوميل: “فخور بإعادة المولودية إلى المكانة التي تستحقها”

عبّر مدرب المولودية باتريس أمير بوميل، عن فخره الشديد، بالمشاركة في مجموعات رابطة أبطال إفريقيا، وإعادة العميد إلى المكانة الحقيقية التي يستحقها.

وقال بوميل، في ندوة صحفية اليوم الاثنين، من مدينة “لوبومباشي” التي ستستضيف مباراتهم الأولى في مجموعات “الشامبينز ليغ” غدا، أمام تي بي مازيمبي: “فخورون بالمشاركة مجددا في منافسة افريقية مثل رابطة الأبطال”.

ليضيف التقني الفرنسي: “فخور أيضا بوضع الفريق في المكانة التي يستحقها. ونحن سعداء، لبدأ هذا المنافسة وجد متحمسون لمواجهة العملاق تي بي مازيمبي، الذي نعرفه جيدا”.

وواصل بوميل: “مادمنا في هذا الدور، هذا يعني أننا نستحق ذلك. لقد توجنا باللقب في الجزائر أين يبقى التتويج هناك صعبا للغاية”.

كما أوضح مدرب المولودية، بأن فريقه تنقل إلى الكونغو برغبة كبيرة، ولكنه مطالب بالحذر. وأضاف: “نريد العودة بنتيجة ايجابية، سنقدم كل شيء من أجل تشريف علمنا وقميص المولودية، نحترم مازيمبي. ولكن ذلك، سيكون بإثبات وجودنا”.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • صدرت حديثًا.. رواية “طحلب أزرق” لمنصور الصويم تنفد في أول مشاركة بمهرجان ديرك
  • بوميل: “فخور بإعادة المولودية إلى المكانة التي تستحقها”
  • “الحياة الفطرية” يعقد أول لقاء للمجلس الإشرافي لمحمية عروق بني معارض
  • ثقافة الإسماعيلية تناقش رواية "موت الحياة" للأديب ممدوح عبد الهادي
  • “الأونروا”: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة السكان
  • أنسنة المنطقة المركزية بـ “تبوك”.. استثمار في جودة الحياة وخدمة الإنسان
  • شابة سورية تدخل موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية بقيادة دراجتين معاً لأطول مسافة
  • الرئيس الكولومبي: هدف حرب الإبادة التي تمارسها “إسرائيل” في غزة منع قيام وطن للفلسطينيين
  • “الصفحة الرسمية للجنة” رواية للكاتب حسن المرتضى
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار