في مديح القارئ السيئ.. هل يصنع النص قارئه أم العكس؟
تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT
يقول الروائي والناقد الفرنسي الراحل مارسيل بروست (1871-1922) إن "كل قارئ يكون قارئا لنفسه حين يقرأ"، فهل بهذا المعنى يوجد قراء سيئون، هذا السؤال هو ما حاول الكاتب الفرنسي مكسيم ديكو الإجابة عنه في كتابه "في مديح القارئ السيئ".
وتساءل ديكو "هل كل الكتب تصنع قارئا سيئا؟ ما مواصفات ذلك القارئ؟ وهل يمكن للقراءة أن تجعل من القراء سيئين؟ وهل هناك تصنيف مسبق للقارئ السيئ والقارئ الجيد؟ وكيف إذن يمدح الكتاب ذلك القارئ السيئ؟"
القراءة المنحرفةفي هذا الكتاب الصادر عن منشورات الصفحة السابعة حديثا بترجمة: جلال العاطي ربي، يشير الكاتب مكسيم ديكو إلى أن مصطلح القراءة السيئة هو الذي يحدث عن طريق التقمص والتماهي، من دون اتخاذ المسافة الضرورية، ولا التحلي بصفاء الذهن وسلامة الحس.
ويعلل بذلك إلى واقعة الشاب الذي قام بتفريغ رصاصة قاتلة في رأسه بسبب حب مستحيل، وكان هناك فريق من المتضامنين مع الشاب قاموا بالانتحار بنفس نوعية الملابس، ويشبه الكاتب مكسيم ديكو تلك الواقعة ببطل رواية آلام الشاب فيرتر للأديب الألماني يوهان غوته، التي حظرت من التداول عندما استفحلت ظاهرة الانتحار واتسع نطاقها في عدة دول أوروبية في القرن الـ18.
وقد أضحت هذه العدوى معروفة بمصطلح "الانتحار المحاكي"، الذي وضعه عالم الاجتماع الأميركي ديفيد فيليبس باسم "تأثير فيرتر" على اسم بطل رواية غوته.
وأفاد مكسيم ديكو بأن قارئ رواية "البحث عن الزمن المفقود" الصادرة 1914، للفرنسي مارسيل بروست صار منصرفا إلى إسقاط أفكار الرواية عليه. مما يدفع إلى القول إن هذا الاسقاط أنتج قراءة تستند إلى كون قارئها لا يتماهى مع النص، بل يقرأ ذاته عبره.
وهذه طريقة أخرى من طرق القراءة السيئة، بحسب المؤلف، إذ ما عاد الأمر متعلقا بمحاكاة النص وتقليده، وإنما تشويه معالمه وإسقاط القارئ الأحداث على نفسه.
ولكن هل يكون كل هؤلاء قراء سيئين؟ الإجابة لا، لأنهم يخطئون معنى النص، أو يذهبون عكس ما ذهب إليه، وإنما هم قراء سيئون، لأنهم من ناحية يقرؤون على خلاف ما يتكهن النص، ومن الناحية الأخرى يعكسون ذاتهم على النص، بحسب المؤلف.
إن القراءة تنطوي على معنيين، فهي بقدر ما تدل على تأويل نص بقدر ما تشير إلى فعل القراءة المحسوس، ومن هذا المنطلق، يعرف مكسيم ديكو القارئ السيئ بأنه "الذي لا يتبع، سواء في فكره أو انفعالاته وعواطفه، نفس المنطق الداخلي الحميم للنص، أو هو ذلك القارئ الذي لا يقرأ، عمليا، النص كما يريد النص، بمعنى أنه، على الأغلب، لا يقرأ كلمة كلمة، وسطرا سطرا".
وبحسب مكسيم ديكو، فإن اختيار القارئ السيئ كعنوان "هو في الواقع لفظ عام يغطي مجموعة واسعة من الوجوه؛ لأنه لا يوجد قارئ سيئ، ولكن قراء سيئون، ومن جهة أخرى، لست مخطئا في الإشارة إلى أن القراءة السيئة ظلت لزمن طويل لصيقة بالنساء. لماذا؟ لأنهن كنّ يُعْدَدْنَ سجينات عواطفهن، ويجسدن مثالا نموذجيًا للقارئ السيئ المتماهي. لذلك فقد جرى السعي إلى تأطير قراءاتهن، من حيث إنه إذا صح أن النساء المتعلمات خطيرات، فالنساء الضائعات أخطر".
إدانة القراءةويشير مؤلف الكتاب إلى ما يسمى خصخصة القراءة، وهي أن القارئ السيئ الصاخب ليس نفسه القارئ السيئ الذي يقرأ بصمت، بهذه الطريقة تحضر الذات، ولا يعد الفرد خاضعا مباشرة لجماعته البشرية، وإنما لإرادته الحرة، وبالتالي يملك سلطة على معنى النص.
ويرى ديكو أن التوجس من القارئ السيئ لا يمكن أن ينفصل عن توجس آخر وهو التوجس من الكتاب السيئ، فالقارئ السيئ والكتاب السيئ أمسيا خطرين عامين حقيقيين وموضوعين للتأمل والتفكير منذ القرن الـ17، تسير على إيقاعه الحياة الفكرية برمتها، وهكذا سيرسخ القرن الـ17 أن الكتاب الجيد قد يصنع القارئ السيئ، وأن القارئ الجيد بدوره صنيعة للكتاب الجيد، وبناء على ذلك، سيكون القارئ الجيد مبدعا خلاقا، ولكن حريته ستظل رهنا بالنص.
ويسعى مكسيم ديكو إلى توضيح ما معناه أن القارئ النموذج ليس في مطلق الأحوال قارئا مثاليا، والقارئ السيئ ليس دائما نقيض القارئ الإيجابي، ويضيف "يمكن أحيانا للنص أن يطور آلية قد تحولك إلى قارئ سيئ وخاصة في الروايات البوليسية والقصص المضللة التي ستجبر القارئ على إساءة القراءة، فالقارئ السيئ مطلوب من قبل النص، إنه القارئ النموذج. وعليه فالقارئ الجيد، ذلك الذي ينتبه إلى ما قدم النص".
ويتسأل مكسيم ديكو، لماذا يتم النظر إلى القراءة السيئة بوصفها لعنة ونقمة، وإلى القراءة الجيدة بوصفها نعمة، لكن ماذا لو كان القارئ السيئ سعيدا؟ إن إثارة هذه الفرضية قد دفعت المهتمين بالشأن الأدبي إلى مواجهة وجهة نظرهم، ويفسر "إنهم لم ينجحوا في التخلص من القارئ السيئ. وهذا يعني أنه بدلا من ابتكار طريقة جديدة، وهي الذهاب إلى قراءات الطفولة وبدلا من أن يصيروا قراء سيئين، رغبوا في أن يصيروا قراء سيئين مرة ثانية".
وبحسب مكسيم ديكو، "لقد أثبت القارئ السيئ أهميته، في القرنين الـ20 والـ21، وترك بصمات أصابعه في كل ركن من الأعمال الأدبية. وبات من المستحيل الآن أن نفقد أثره".
وسيكتشف قارئ الكتاب أنه عبارة عن دعم ومساندة للقارئ الجيد، وذلك عبر محاولة تحديد سمات القارئ السيئ، لكن من يحدد سمات القراء الجيدين؟ النص أم القارئ؟ وهل يمكن أن نقرأ الكتب الجيدة بطريقة سيئة؟ أم أن هل هناك قراءة سيئة، بسبب النص لا بسبب القارئ.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
دعمًا للحرف اليدوية .. الصندوق الثقافي يصنع فرص التمكين في “بنان”
المناطق_واس
يشارك الصندوق الثقافي في النسخة الثانية من الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية “بنان” الذي تنظمه هيئة التراث برعاية صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة، رئيس مجلس إدارة هيئة التراث، رئيس مجلس إدارة الصندوق الثقافي، في واجهة روشن بالرياض خلال الفترة من 23 وحتى 29 نوفمبر الجاري. وتستكمل مشاركة الصندوق التي تأتي تحت عنوان “التمويل الثقافي؛ لتراثٍ مستدام” دوره كممكن مالي رئيسي للقطاع الثقافي؛ مستعرضًا خلالها خدماته التمويلية والتطويرية للحرفيين ورواد الأعمال والمنشآت، ومعززًا تواصله مع المهتمين بقطاع التراث.
وتتضمن مشاركة الصندوق في نسخة هذا العام بجناحٍ تعريفي في منطقة شركاء هيئة التراث؛ ليلتقي الحرفيين ورواد الأعمال والمنشآت، ويتيح لهم فرصة التعرف على التمويل الثقافي الذي يدعم جميع أنشطة سلسلة القيمة في قطاع التراث ومجال الحرف اليدوية، ودوره في دعم بدء مشاريعهم الثقافية، أو توسيع نموها. ويخلق الصندوق عبر جناحه بيئة تواصلية فعالة مع أصحاب الحرف والمشاريع؛ ليعزز معرفته بتحدياتهم ويذلل صعوباتها، ويؤهلهم للحصول على التمويل الثقافي والمضي قدمًا في توسع أعمالهم عبر الاستفادة من خدماته التطويرية.
أخبار قد تهمك للعام الثالث تواليًا .. الصندوق الثقافي يٌشارك في مهرجان كان السينمائي الدولي 22 مايو 2024 - 10:16 صباحًا الصندوق الثقافي يختتم مشاركته في الدورة العاشرة لمهرجان أفلام السعودية 10 مايو 2024 - 4:49 مساءًويستكمل الصندوق في جناحه سلسلة تعاوناته الفنية لدعم صُنّاع الثقافة، ويتعاون مع الفنانة التشكيلية السعودية “همس مريّح” التي تميزت برسم القط العسيري على لوحاتٍ من سعف النخيل؛ ليقدم لزائريه تجربة ثقافية حية وتفاعلية يمكنهم من خلالها اقتناء عمل الفنانة، ويعزز وصول فنها لجمهور أكبر.
وفي إطار دعم مشاريع الحرف اليدوية، يُمكّن الصندوق عددًا من مستفيديه من المشاركة في “أجنحة العارضين” رفقة أكثر من 500 حرفي محلي ودولي يستضيفهم المعرض؛ ليتيح لهم فرصة الانخراط مع المهتمين، وفتح آفاق جديدة تعزز نمو مشاريعهم، وعرض وبيع منتجاتهم.
ويُعد بنان” ملتقى يجمع الحرفيين من جميع أنحاء المملكة، بمشاركة أكثر من 20 دولة، حيث يهدف إلى إبراز جانب من الثقافة السعودية من خلال تسليط الضوء على الحرف اليدوية، ودعم وتمكين الحرفيين عبر توفير منصات لعرض وبيع منتجاتهم والتعريف بأعمالهم.
يذكر أن الصندوق الثقافي تأسس عام 2021م، كصندوق تنموي يرتبط تنظيميًا بصندوق التنمية الوطني، بهدف تنمية القطاع الثقافي وتحقيق الاستدامة من خلال دعم النشاطات والمشاريع الثقافية، ولتسهيل الاستثمار في الأنشطة الثقافية وتعزيز ربحية القطاع، وتمكين المهتمين من الارتقاء بأعمالهم الثقافية، وليكون للصندوق دوره الفاعل في تحقيق أهداف الإستراتيجية الوطنية للثقافة، وأهداف رؤية المملكة 2030.