لا شك أن بناء الوطن مسئولية، لا يتحملها فرد بعينه ولا مجموعة بذاتها ولا جهة معينة، بل أنها فرض عين على جميع أبناء الوطن، كل في مكانه ومنصبه، ولا يمكنها أن تسقط عن أي شخص أو جهة أو وزارة طالما أن هناك قدرة على العطاء والتضحية.
ولكي نستطيع بناء الوطن والحفاظ عليه، لابد أن نبتعد عن كل السلبيات والجرائم التي يقترفها البعض في حقه، وأخطرها تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، بحيث يستغل الفرد منصبه أو وظيفته أو موقعه في جني المكاسب غير المشروعة، وتقديم خدمات وامتيازات غير قانونية لمعارفه وأقاربه، والتأثير المباشر وغير المباشر على المال العام، عن طريق تلقي الرشاوى وغيرها.
لو أمعنا النظر جيدًا، لوجدنا أن معظم ما يُقترف من جرائم في حق الوطن، مصدره تغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة، لأن ذلك يفتح المجال للرشوة والتحايل والغش، وعدم الإحساس بالمسئولية تجاه الوطن، وعدم تقدير قيمة العمل، ودوره في التنمية والنهضة.
إن الصراع بين المصلحتين العامة والخاصة صراع طويل وممتد من قديم الأزل، بسبب المصالح الضيقة والأنانية التي تحكم علاقات الناس ببعضها، إلا أنه في هذه الأيام قد كثر تغليب المصالح الخاصة على المصالح العامة، ولعل ذلك يرجع إلى توجه الناس صوب الرأسمالية والمادية، مع غياب الضمير، وبالطبع غياب الرقابة الفاعلة والمؤثرة في كثير من مناحي الحياة.
وللأسف، من يتابع حركة السوق المصري في مجال السلع، وخاصة الاستراتيجية والمتطلبات اليومية، يلحظ ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، أدى إلى انزعاج الناس، وتأثر الفقراء والمحتاجين ومحدودي الدخل بسبب الغلاء وظاهرة احتكار السلع، وتسلط المستغلين من التجار.. وهذا نموذج صارخ للأنانية وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، مما يكون سببًا في خلق الأزمات في المجتمع وظهور الغل والحقد بين فئاته.
وكمثال آخر على هذه الأنانية، ما يمارسه تجار العملات الأجنبية، من جرائم في حق الوطن، عن طريق تجارة العملة بأسعار مبالغ فيها ولا تعبر عن السعر العادل المتوقع للجنيه بسبب زيادة المضاربات والمتلاعبين بالعملة، مما يؤثر سلبًا على الأوضاع الاقتصادية والاستثمار والأسعار.
ولابد أن يعلم الجميع في هذا البلد، أن الدول تضعُف حينما تطغى المصالح الشخصية على المصلحة العامة، وحينما تغيب الرقابة الفاعلة، ويغيب الضمير الإنساني.. لذلك علينا تغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية الضيقة لبناء هذا الوطن والحفاظ عليه، ونموه واستقراره.
اقرأ أيضاًوزير المالية لـ «الشرطة المصرية»: عطاؤكم يتجدد كل يوم في صون أمن الوطن والمواطن
الداخلية تشارك المواطنين احتفالات عيد الشرطة الـ72 بالمحافظات
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الدولة والمواطن الشعب الوطن صراع المصالح عيد الشرطة
إقرأ أيضاً:
كان عاما مليئا بالإنجازات.. وبناء عُمان الجديدة
رغم التحولات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية من حولنا والتي ستكون لها تأثيرات كبيرة متوسطة وبعيدة المدى إلا أن الأمر ليس بهذا السوء عند النظر إلى الدول كلٌ على حدة.
سلطنة عُمان على سبيل المثال حققت إنجازات كبيرة في بنائها الداخلي خلال العام الجاري الذي توشك أيامه على الانتهاء. لقد تحولت الكثير من الآمال والطموحات إلى حقيقة ماثلة على أرض الواقع بالعمل الجاد وليس بالمعجزات بدلالتها الدينية رغم أن بعض الإنجازات التي تحققت كانت أقرب إلى المستحيلات بالمعنى الحرفي للكلمة.
وبانتهاء أيام هذا الشهر تكون سلطنة عمان قد أكملت أربع سنوات من أصل خمس سنوات هي مدة الخطة الخمسية العاشرة التي انطلقت معها «رؤية عمان 2024». وللعام الثاني على التوالي تواصل سلطنة عمان تحقيق فوائض مالية حقيقية نتيجة خطة الإصلاح الاقتصادي والمالي التي قادها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وجاءت بنتائج إيجابية بل إنها تجاوزت الطموحات الأولى نتيجة التحولات التي حصلت في أسعار الطاقة بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية وكذلك الخطط التي تبنتها مجموعة «أوبك بلس».
لكن كل هذا لم يكن ليجدي نفعا في سلطنة عمان التي كانت مع بداية الخطة الخمسية العاشرة تعاني من عجوزات مالية ضخمة ومديونية كبيرة وصلت إلى حدود خطيرة حين تجاوزت الخطوط الحمراء من حيث نسبة المديونية لمجموع الدخل الوطني. لكن كل ذلك ذهب إلى الحدود الآمنة في مدة زمنية محدودة.. وهذا مرده إلى القيادة الحكيمة إضافة إلى الإمكانيات التي تتمتع بها سلطنة عمان ومرونتها في التعامل مع الأزمات.
واستطاعت عُمان بفضل كل الإصلاحات الهيكلية إدارية ومالية من رفع تصنيفها السيادي إلى حدود مستقرة واستثمارية الأمر الذي وضع سلطنة عمان على خريطة الاستثمارات الدولية خاصة أن عُمان تشهد تحولات كبرى وجوهرية في مجال الاستثمار في الطاقة النظيفة الأمر الذي جعلها قبلة للاستثمارات العالمية.
لكن هذا الأمر تحقق أيضا نتيجة تنويع مصادر الدخل وتطوير منظومة القوانين التي تسهل دخول رؤوس الأموال وبناء استثمارات من شأنها أن تدوم مدعومة بالاستقرار السياسي والأمني في وسط مضطرب في المنطقة.
وشهدت القطاعات الرئيسية مثل السياحة والخدمات اللوجستية والطاقة المتجددة ومصايد الأسماك نموًّا قويًّا، بدعم من المبادرات الاستراتيجية التي أفرزتها «رؤية عمان2040». لقد ارتفعت تدفقات الاستثمار مع سعي سلطنة عمان بدأب إلى جذب المستثمرين الأجانب والمحليين من خلال الإصلاحات والحوافز. كما عززت مشاريع البنية الأساسية الكبرى والمناطق الحرة والمدن الصناعية مكانة عُمان بوصفها وجهة استثمارية تنافسية. وكان النمو المطرد في الشراكات بين القطاعين العام والخاص أساسية في كل هذه التحولات عبر الدفع بالابتكار وضمان التنفيذ الفعال لمشاريع التنمية.
لكن عُمان خلال هذه المرحلة لم تكتفِ بالدفع بالاقتصاد نحو الواجهة ولكنها اهتمت بشكل كبير بتنمية الموارد البشرية وذلك من خلال المبادرات التي تهدف إلى تعزيز التعليم وتطويره والرعاية الصحية والتدريب على المهارات في مختلف المجالات.
تستطيع سلطنة عُمان وهي تودع عاما جديدا أن تقول بشكل يقيني إنها أنجزت فيه الكثير والكثير وخطت خطوات واثقة نحو الأمام/ المستقبل في مجالات كثيرة.