صحيفة أثير:
2025-05-02@10:40:20 GMT

د. سلطان الخروصي يكتب: عُمان التي لا يعرفونها!

تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT

د. سلطان الخروصي يكتب: عُمان التي لا يعرفونها!

د. سلطان بن خميس الخروصي – باحث في قضايا التربية والمجتمع

تشكل القيم الإنسانية خارطة طريق لمجد الأمم ورسم لوحة حضارية للأجيال المتعاقبة، وتمثل المواقف مفتاح تلك الخارطة لتكون شمسا في وسط أقمار مكفهرة في أنوارها الباهتة، وأمام تلك المواقف الخالدة التي تسجلها كتب تاريخ (العواذل) قبل أهل الدار مواقف سلطنة عُمان منذ الأزمنة السحيقة وحتى اللحظة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إلا أنه لا يخلو فضاء الفراغ والوحشة من وجود بعض المراهقين ممن لهم صولاتهم وجولاتهم في الساحة الفكرية والإعلامية والدينية والسياسية بأن يتسلقوا إلى الشهرة (المقنَّعة) عبر خلال استثمار غياب الوعي المعرفي والمعلوماتي والتاريخي في الوطن العربي لبث بعض الفقاعات الفارغة بدافع الشعور بالنقص، فلا ضير بين الفينة والأخرى أن تنبري الأقلام الوطنية المجيدة في نشر الوعي والمعرفة لاستظهار بعضا من المواقف التاريخية العمانية الثابتة التي تُبرهن اليوم بمواقف مشرِّفة استمرارا للمسؤولية التاريخية والحضارية وليست مواقف عاطفية وآنية مرتجلة لكثير من الأحداث الراهنة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

أخبروهم أن هذا القطر العربي الأصيل أخرج لنا مازن بن غضوبة حينما آمن طوعاً بدين محمد الشريف ولم يُكبِل الأغلال على قومه للدخول في الدين الجديد وترك الولاء والسجود لصنمهم الأعظم “باجر”، وأخرج لنا أحمد بن ماجد الذي صال وجال بحار العالم طولاً وعرضًا، وأخرج لنا المهلب بن أبي صفرة القائد العربي العُماني الشهم الذي دافع عن وطنه ودينه وعرضه ليضرب لنا موعدا خالدا مع التاريخ فتتوارثه الأجيال حقبًا متوالية وإن حاول البعض تشويه صورته أو سرقة مجده العماني لكن وطء قدميه وصليل سيفه وصهيل خيله تنبع من ثرى وثريّا عمانيته الخالدة أبد الدهر، وأخرج لنا إمبراطورية آسيوفريقية –أفريقيا وآسيا– بلا سلاح ولا قتال حيث تعاقب سلاطينه العظماء في بناء مؤسسات الدولة والحضارة في عمان العربية الشرقية الآسيوية وتراب زنجبار الأفريقية الجنوب شرقية، وعبق مجد قصر المتوني والعجائب تحكي عن نفسها.

أخبروهم أن السياسة الخارجية العُمانية مع كثير من مجريات الأحداث المحيطة الملتهبة كانت وما تزال في موقع القيادة والإدارة الدقيقة، ففي الملف الإيراني كان مبدأ الحوار والجوار هو مؤشر البوصلة الأساس انطلاقا من المصالح المتبادلة سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا؛ فكانت عُمان تقف موقف الحياد والقيادة في الكثير من الأزمات التي تكون فيها إيران طرفا مباشرا مع دول الجوار أو مع تطورات المشهد العربي، فبعد المأساة التي عصفت بالعلاقات العربية-الإيرانية إثر حرب الاستنزاف بين العراق وإيران على مدى ثماني سنوات عجاف (1980-1988م) نجد أن الموقف العماني كان يتوخى الحذر لينزوي بعيداً عن التصعيد أو الاحتكام للرصاص والمدافع، بل كان يدعو لتغليب الحكمة والعقل والاحتكام للروح الإنسانية النبيلة، علاوة على أنها القطر الوحيد في المنظومة الخليجية التي تتمتع بعلاقات وطيدة ذكية مع إيران باسم الإنسانية وحسن الجوار، متناسية في ذلك شبح المذهبية المقيتة التي يتعاظم أثرها المخيف في نفوس كثير من الأنظمة الخليجية والعربية، فنأت بنفسها عن أن تكون مياهاً راكدة تقطع حلقة الوصل بين الخليج العربي والبوابة الشمالية له بفضل القيادة الحكيمة والحنكة السياسية النبيلة؛ فكانت محل ثقة الإيرانيين في التعامل مع كثير من المواقف الخليجية والعربية والعالمية، ولا أدل على ذلك من أنها شكلت على مدى السنوات العشر الأخيرة جسر التلاحم والتواصل بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في وقت كان الكل يرى فيه استحالة أن تكون هناك أي بوادر للقاء من هذا النوع لتتوج تلك اللقاءات بتوقيع اتفاقية نووية بين إيران والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية في العام 2015.

أخبروهم أنه وخلال أكثر من سبعة عقود، وعلى الرغم من أن القضية الفلسطينية شكلت مهد ولحد التحرر العربي والحلم الخالد في سبيل الوحدة العربية، وعلى الرغم من مرور هذه القضية بموجات ارتدادية متتالية بين كرٍّ وفرٍّ لتشي بواقع هلامي للمشروع العروبي السياسي، إلا أن الموقف العُماني التاريخي الثابت يوحي للمراقب عمق صناعة القرار السياسي والانتماء القومي الأصيل رغم كل المتغيرات والمساومات وتقلّب الأمزجة والأنظمة وازدواجية الولاءات والانتماءات، متضلّعا بقاعدة الثوابت والأولويات، فعزلت نفسها عن صخب الدعوات القومية التي تُنازل الثُريَّا في استثارة شعوبها نحو أهداف وطنية هُلامية تمضغها الألسنة لتكون بعد حين قُربانا لتحقيق مقاصد حزبية أو قومية زائفة، أو قبلية أو مذهبية سمجة؛ فلا ضبابية في الثوابت العُمانية، ولا مساومة على الحقوق وتحديد المصير؛ ليضرب بذلك نموذجا رائدا في بناء مفهوم ودلالات القرار السياسي والانتماء الخالد للقضية المشروعة.

أخبروهم أن الصوت العُماني الرخيم الذي استطاع إخراج بلاده من عمق الزجاجة والعُزلة إلى محافل الوجود الدولي ليصبح رقماً صعباً ضمن المنظومة العالمية، قوامُها التبصُّرِ والحكمة والثوابت الإنسانية النبيلة نحو عيش رغيد للجميع؛ يؤمن بضرورة أن يشعر العالم والدول العظمى بأحقية الفلسطينيين في مكتسباتهم وحقوقهم وعيشهم وتاريخهم، كما أن الثوابت السياسية لهذا البلد لا تقبل بأن تُنتقص إنسانية وكفاح الفلسطينيين لتكون عيشة بدائية محاطة بعُزلة سياسية وحضارية واقتصادية وضمن “فُتات” شبه دولة؛ يسيل على تمزّق أوصالها لُعاب أهل النفوذ من سماسرة وشراذمة الموت والحروب.

أخبروهم أن عمان العظيمة أرضا وإنسانا قد نأت بنفسها عن صخب ازدواجية المعايير وتمييع المفردات والمفاهيم، فسلطان البلاد المفدى وفي خطابه السامي أثناء افتتاح مجلس عُمان نجده يُشدَّد على موقف البلاد الثابت والحضاري بحق الشعب الفلسطيني بأرضه وسمائه، ويُجرِّم مجازر الصهيونية تجاه الحياة الإنسانية الكريمة، ليتناغم مع خطاب جلالته رسائل سماحة الشيخ أحمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عُمان، والتي يبارك فيها أفعال المقاومة وحركات التحرر الوطنية والدعوة لمقاطعة الشركات الداعمة للصهاينة ومن عاونهم، ويوجه خطاباته ونداءاته لعلماء الأمة بأن يتحملوا ذنب صمتهم عند الله تعالى عن إزهاق الأرواح بدون وجه حق في غزة، ويكون للشعب كلمته الثابتة الراسخة من خلال طوفان المظاهرات الجماهيرية التي يقودها ثُلَّة من الشباب المؤمن بمبادئه والقابض على ثوابته كالقابض على الجمر.

إنَّ الهجمة المستعرة في الفترة الأخيرة على الموقف العُماني الواضح والصريح والجريء في مناصرة القضية الفلسطينية لها مآرب واهية سمجة يقتات على فتاتها زُمرة مراهقة من مرتزقة المواقف والمصالح، فهم يعرفون تاريخ هذا البلد العظيم ومواقفه السيادية الرصينة في الكثير من القضايا القومية والعالمية، فما جرى تروجيه بأنه تعزيز لقيم العنف وخلق جيل متضلِّع بالكراهية تجاه القوميات والأديان الأخرى في إشارة إلى اليهود ما هو إلا تكريس لسياسة التطبيع والانبطاح في القيم والثوابت بعدما أتعبتهم الفلسفة السياسية والتربوية في القدرة على خلق جيل يحمل في صدره حب فلسطين وعروبتها وطيفها الديني القويم، لقد آلمتهم صلاة الجمعة التي ما فتأت تُذِّكر العالم بحق الحياة للفلسطينيين الذين أغرقوا أرضهم بدمائهم الزكية وصلاة الغائب على أرواحهم الطاهرة في ظل صمت وجُبن عربي مُخيف حتى من رفع أكف الضراعة لله تعالى بأن ينصرهم ويرحم شهداءهم، عُمان ليست  بحاجة لأنَّ تُعلِّمها الصُّحف الصفراء، ولا أن يقوِّم ويقيّم مواقفها صُغراء القلم وتُجَّار المواقف، ولا أن يوجَّه سفينتها الأقزام والقراصنة فهم رُبَّان البحار على مدار الزمان،  بل هي تُلجم تلك الأفواه بالإرث التاريخي المشرِّف تجاه القضايا العربية والإقليمية منطلقة في ذلك من إرثها الحضاري ومسؤوليتها الأخلاقية والإنسانية.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: الع مانی التی ت

إقرأ أيضاً:

د. حسن محمد صالح يكتب: مجزرة صالحة (ما بضولا نار)

مليشيا الدعم السريع ترتكب أفظع المجازر بصالحة غرب أم درمان في رابعة نهار الاحد ٢٧ ابريل ٢٠٢٥م ضد مدنيين عزل أبرياء بينهم أطفال وشيوخ وربما نساء في مواقع أخرى بعيدة عن الأنظار .

وهي جريمة موثقة وتم توثيقها بواسطة المليشيا نفسها من بداية العدوان حتى نهايته الدراماتيكية .

وهو جرم لم يعد الإعلام في حاجة للسؤال عنه بإتاحة مساحة لمرتكبيه لتبريره من قبل مستشاري قائد المليشيا المتمردة أو جماعة صمود لكون مبررات قتل المواطنين عند هذه المليشيا المارقة الحاقدة وحلفائها أكثر من أعداد من قامت بقتلهم منذ بداية هذه الحرب في ١٥ ابريل ٢٠٢٣م .

كان على قناة الجزيرة مباشر والأستاذ المذيع بالقناة أحمد طه مقدم برنامج حرب السودان المنسية الاكتفاء بالمعلومات التي نقلها مراسل الجزيرة مباشر من الميدان وهي معلومات وافية يضاف إليها الفيديو المباشر لعمليات التعذيب والسباب التي تعرض لها المواطنون الأبرياء قبل قتلهم وحرقهم على يد المليشيا التي أعلنت بعضمة لسانها إنها أحضرتهم من حي المهندسين بأم درمان وقامت بقتلهم لكي تفرح أنصار الدعم السريع بهذه المجزرة البشعة .
٢-!
الدعم السريع لا يحتاج إلى مبرر لقتل مواطن برئ حتى تطرح وسيلة إعلامية محترمة سؤالًا موضوعيًا على مستشاره أو ناطق بإسم جماعة صمود أو سياسي مراوغ ومخاتل مثل الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني خالد عمر يوسف أو خالد سلك .

لا حاجة للسؤال عن ما هو معلوم وثابت بالممارسة اليومية لأنهم ظلوا على الدوام يقتلون المواطنين داخل منازلهم والفرق الوحيد أنهم هذه المرة قاموا بإخراجهم من بيوتهم وجمعوهم في مكان واحد ثم قتلوهم. هؤلاء الأوباش يقتلون أبناء الشعب السوداني تحت أي ذريعة أو مبرر للقتل، اما لأنهم شماليون جعليون أو شايقية أو دناقلة وهذا مسلسل من القتل الممنهج على الهوية العرقية .

وأما لأنهم كيزان أو فلول أو دولة ٥٦ وهذا قتل على الهوية السياسية وقتلوا الناس في ولاية الجزيرة لأن القائد أبو عاقلة كيكل انسلخ عن مليشيا الدعم السريع وبالتالي عليهم الانتقام من المواطنين الأبرياء لخروج كيكل عنهم .

قتلوا الوالي خميس أبكر والي غرب دارفور ودفنوا المساليت أحياء وشردوهم من ديارهم لأسباب عنصرية مع أنهم يقطنون معهم في نفس الولاية فهل تنتمي هذه المليشيا إلى أي مروءة أو شعور إنساني أو إلى السودان بأهله الكرام البررة؟.
٣-
مستشارو المليشيا يتحدثون بلغة الثأر عن حواضن اجتماعية لهم في دارفور ويزعمون أن الجيش والبرهان يقتل حواضن للمليشيا في دارفور وهذا يمنحهم قتل المواطنين في صالحة وضرب المنشآت المدنية في نهر النيل والشمالية وهم الذين كانوا حتى وقت قريب يدعون القومية وقد استشاط المتمرد محمد حمدان دقلو حميدتي قائد مليشيا آل دقلو الإرهابية غضبًا لأن الصحفي عبد الماجد عبد الحميد سأله في لقاء تلفزيوني لماذا لا تتصالح مع الشيخ موسى هلال وأنتم أبناء قبيلة واحدة هي قبيلة الرزيقات؟.
٤-
قال حميدتي قبل أن يقذف الميكروفون ويغادر البرنامج أنا لست رزيقي والدعم السريع قومي. انت الآن ممكن تقول للبرهان انت جعلي؟ الآن صاروا يتحدثون عن حاضنة اجتماعية في دارفور فقط لأنهم هربوا وعردوا من الخرطوم والجزيرة ونهر النيل إلى دارفور وهم الذين ارتكبوا أكبر المجازر في دارفور وهاجموا مدينة الفاشر أكثر من مئتي هجوم هذا غير التدوين بالمدافع والضرب بالمسيرات وقتل الناس في معسكر زمزم للنازحين .
٥-
وكما أورد الأستاذ محمد حامد جمعة نوار في زاويته أمس لا داعي للحزن على ما قامت به مليشيا آل دقلو في حق مواطني صالحة رغم الألم واللوعة والحسرة التي تركتها لأن الفعل الذي قامت به المليشيا هو جريمة حرب يحاكم عليها القانون الدولي والإنساني وهي جريمة موثقة تحتاج إلى من يحملها إلى محكمة الجنايات الدولية للقصاص من المنفذين والمحرضين والممولين لهذه المليشيا التي ترتكب جرائم ضد الأبرياء من خطف وإخفاء قسري واعتقال في ظروف بالغة التعقيد وقتل للمواطنين وتدمير البنيات الأساسية .

أخيرًا :
الشعب السوداني لا يستجدي إدانة هذه الأفعال من أحد ولكن صمت المجتمع الدولي والحكومات والمنظمات الدولية يدل علي التواطؤ على قتل السودانيين وتدمير البنيات الأساسية من ماء وكهرباء ومستشفيات وغيرها . اللهم تقبل الشهداء وأشفي الجرحى ورد الأسرى والمخطوفين. وأنصر القوات المسلحة والمجاهدين نصرًا عزيزًا مؤزرًا .
د. حسن محمد صالح

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. بين طواف الحجاج حول الكعبة وطواف الجياع بين ركام غـزة
  • د.حماد عبدالله يكتب: الوادى الجديد "والحرمان" !!{3}
  • د.حماد عبدالله يكتب: " نصف مصر " الذى لا يعرفه المصريون !!{2}
  • د. حسن محمد صالح يكتب: مجزرة صالحة (ما بضولا نار)
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (تحت أرض الخرطوم) 4
  • إبراهيم النجار يكتب.. 100 يوم من حكم ترامب.. هل أهتز توازن العالم؟!
  • تفاصيل لقاء اللواء سلطان العرادة مع سفيرة مملكة هولندا وأهم الملفات التي تم عرضها
  • د.حماد عبدالله يكتب: حتمية الإتجاه " للواحات " !!{1}
  • الرئيس السيسي يؤكد ضرورة الحفاظ على المواقف الإفريقية الموحدة تجاه القضايا الدولية
  • نائب محافظ بني سويف يتفقد مستجدات إنشاء مجمع المواقف أسفل محور عدلي منصور