سلطت الكاتبة الإيطالية، المتخصصة في الشؤون الدولية، أليس سبيري، الضوء على المقترح الأمريكي بتولي "السلطة"، التي يرأسها محمود عباس، إدارة قطاع غزة "بعد إعادة تنشيطها"، مشيرة إلى أن المقترح بات رمزا للقمع الخارجي من منظور الشعب الفلسطيني.

وذكرت أليس، في مقال نشره موقع "إنترسبت" وترجمه "الخليج الجديد"، أن المسؤولين الأمريكيين تحدثوا مرارا وتكرارا، منذ شن إسرائيل عدوانها على غزة قبل أكثر من 3 أشهر، تحدث عن عودة السيطرة الإدارية والأمنية بعد الحرب إلى السلطة الفلسطينية، لكن القادة الإسرائيليين والفلسطينيين رفضوا الاقتراح.

وأضافت أن رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد أشتيه، انتقد المقترح الأمريكي، في مذكرة جرى توزيعها على الدبلوماسيين الأجانب هذا الشهر، قائلا إن "الكثير من الحديث الحالي عن الحاجة إلى تنشيط السلطة هو في الواقع مجرد غطاء لفشل المجتمع الدولي في إلزام إسرائيل بحل سياسي"، وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي كان أكثر صراحة عندما أعلن أن مسؤولي السلطة الفلسطينية لن يذهبوا إلى غزة "على ظهر دبابة إسرائيلية".

وهنا تشير أليس إلى أن الفلسطينيين ينظرون إلى قيادتهم على أنها "مقاول من الباطن" للاحتلال الإسرائيلي، خاصة فيما يتعلق بدور قوات الأمن الفلسطينية، المدعومة من الولايات المتحدة، في قمع المقاومة الفلسطينية والتنسيق مع أجهزة الإسرائيلية بموجب ترتيب تديره الولايات المتحدة.

وتفاقمت خيبة أمل الفلسطينيين، في السنوات الأخيرة، عندما نفذت قوات السلطة الفلسطينية سلسلة من حملات القمع العنيفة ضد مئات المتظاهرين السلميين.

ويحذر المدافعون عن حقوق الإنسان من أن الدعم الأمريكي لقوات السلطة الفلسطينية قد تسبب في تنامي ثقافة الإفلات من العقاب، وهو ما عبر عنه، مدير مؤسسة "الحق الفلسطينية"، شعوان جبارين، التي وثقت التعذيب وغيره من الانتهاكات على أيدي قوات الأمن الفلسطينية: "عندما يفعلون أي شيء، فإنهم يعرفون أن الأمريكيين يقفون خلفهم".

اقرأ أيضاً

خليفة عباس المحتمل: السلطة الفلسطينية مستعدة لإدارة غزة بعد الحرب 

وعليه فإن دور السلطة الفلسطينية في الحفاظ على مصالح إسرائيل بالضفة الغربية هو السبب وراء إثارة احتمال عودتها إلى غزة الكثير من الشكوك بين الفلسطينيين، الذين يخشون أن يؤدي هذا الترتيب إلى الاستعانة بمصادر خارجية للقمع الإسرائيلي، بدلا من أن يقدم لهم ممثلا شرعيا للدفاع عن مصالحهم.

وفي السياق، تنقل أليس عن المحامية الفلسطينية، ديانا بطو، المحامية الفلسطينية والمتحدثة السابقة باسم منظمة التحرير الفلسطينية، أن "الناس يعرفون أن السلطة الفلسطينية لن تحرر أرضهم"، مشيرة إلى أن "الثقة في السلطة تدهورت أكثر منذ أن شنت إسرائيل حربها على غزة".

وأضافت: "بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، لم يتم العثور على السلطة الفلسطينية في أي مكان. والناس ليس لديهم فكرة عن مفهوم "تنشيط السلطة"، الذي تقترحه الإدارة الأمريكية، الشيء الوحيد الذي أعتقد أنه يعنيه هو أن تذهب المزيد من الأموال إلى قوات الأمن".

التحرير مقابل الاستقرار

كما تنقل أليس عن فادي قرعان، الناشط الفلسطيني والمحلل السياسي الذي اعتقلته قوات الأمن الفلسطينية مراراً وتكراراً لمشاركته في الاحتجاجات المنتقدة للسلطة الفلسطينية، قوله: "إن التنسيق الأمني هو أحد العقبات الرئيسية أمام تحقيق التحرير الفلسطيني. هذا نظام للهيمنة والسيطرة تم تصميمه داخل المجتمع الفلسطيني. إنها عملية منهجية تهدف إلى إقناع الفلسطينيين بالمساعدة في السيطرة على شعبهم".

وهنا تشير أليس إلى أن التوتر بين التطلعات السياسية للشعب الفلسطيني ودور قوى الأمن الفلسطينية في تقويضها بدا واضحا في قاعدة لقوات الأمن في مدينة أريحا بالضفة الغربية العام الماضي، وهو ما نقله "إنترسبت" في تقرير تضمن آراء العديد من المجندين والمسؤولين من المستوى المتوسط في القاعدةـ، بشرط عدم الكشف عن هويتهم.

وتحدث المجندون الشباب في التدريب بحماس عن التزامهم بالقضية الوطنية الفلسطينية ورفضوا الأسئلة حول مساهمات السلطة الفلسطينية في الحفاظ على الاحتلال.

وفي الثكنات، احتفت الجداريات برئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية الراحل، ياسر عرفات، لكنها أشادت أيضًا بالمقاومة المسلحة و"عرين الأسود"، وهي جماعة مسلحة مقرها الضفة الغربية، ظهرت في السنوات الأخيرة وسرعان ما أصبحت هدفًا رئيسيًا للجيش الإسرائيلي.

وفي أعقاب الانتفاضة الثانية، وهي آخر انتفاضة فلسطينية كبرى ضد إسرائيل، سعت الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى استعادة السيطرة من خلال الاستثمار بكثافة في الاستقرار الاقتصادي والأمني في الأراضي المحتلة، والسعي إلى عدم تسييس قوات الأمن الفلسطينية.

اقرأ أيضاً

محلل إسرائيلي: على نتنياهو قبول إدارة السلطة الفلسطينية غزة للفوز بالتطبيع السعودي 

وفي هذا الإطار، تنقل أليس عن جوليانو بوليتي، عضو قوات الكارابينيري الإيطالية، وهي قوة شبه عسكرية قامت بتدريب مجندي السلطة الفلسطينية في قاعدة أريحا بشأن حماية الشخصيات الرسمية والنظام العام، قوله: "نحن نعمل من أجل تحقيق الاستقرار، كل شيء يهدف إلى ذلك".

وتنتمي الأغلبية الساحقة من قيادة قوات الأمن الفلسطينية إلى حركة فتح، الحزب السياسي الذي يحكم الضفة الغربية منذ اتفاقيات أوسلو، والعديد منهم مقاتلون سابقون وسجناء سياسيون، ما يمنحهم هالة من الشرعية لدى الأجيال الشابة.

 لكن وفق التزامات مؤسسة السلطة فقد قايضت قوات السلطة الفلسطينية التزامها بتحرير الأراضي من الاحتلال بـ "الحفاظ على النظام".

ويعلق قرعان على ذلك بقوله: "يدخل المجندون الصغار بافتراض أنهم سيكونون جزءًا من نضال التحرير، ولكن بعد ذلك يُترجم نضال التحرير بالنسبة لهم على أنه نوع من الحفاظ على السلام والنظام لشعبهم".

ويرجع ذلك جزئيًا إلى الضغوط التي تمارسها الحكومات الأجنبية التي تمول السلطة الفلسطينية، وخاصة الولايات المتحدة، التي استثمرت بكثافة في قطاع الأمن الفلسطيني. وغالباً ما تكون السلطة أيضاً تحت رحمة إسرائيل، التي طالما اعتبرت السلطة الفلسطينية تهديداً سياسياً، بحسب أليس.

 وأشارت الكاتبة المتخصصة في الشؤون الدولية إلى أن السلطة الفلسطينية هي المحرك الاقتصادي الرئيسي في فلسطين، حيث توظف ما لا يقل عن 150 ألف شخص وتوفر سبل العيش لنحو 942 ألف شخص، في الضفة الغربية وغزة، لكنها تقع، في سبيل دفع رواتبهم، تحت رحمة المانحين الأجانب وإسرائيل، التي تسيطر على تدفق الأموال إلى السلطة الفلسطينية وتحجبها في كثير من الأحيان لممارسة الضغط عليها.

ولذا يصف قرعان السلطة بأنها "جزء مهم من الاحتلال"، موضحا: "بدلا من حشد 150 ألف شاب فلسطيني ضد شعبهم، من أجل أمن إسرائيل، إذا تم حشدهم للقيام بأنشطة أخرى تركز على التحرير الفلسطيني، ستكون لدينا لعبة مختلفة تمامًا، ونوع مختلف تمامًا من النضال".

حفظ أمن إسرائيل

ويعترف بعض قادة قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بالتناقض في دورهم الخاص بالحفاظ على النظام في الضفة الغربية وبين التحرير، لكنهم يصرون على أن البديل سيكون كارثيا.

وفي هذا الإطار، قال عضو كبير في قوات السلطة الفلسطينية لـ "إنترسبت": "إسرائيل ستدمر بنيتنا التحتية ومؤسساتنا. يمكنهم (الإسرائيليون) فعل ذلك بسهولة. سيدمرون كل ما بنيناه في الثلاثين عامًا الماضية".

ويصف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث مع الصحفيين، وضع القوات الفلسطينية بأنها "تقف على حد السيف"، مؤكدا: "نتعرض لضغوط هائلة من قبل الإسرائيليين؛ إنهم يبذلون قصارى جهدهم دائمًا لاستفزازنا للرد بعنف حتى يتمكنوا من تبرير جرائمهم".

وأضاف: "إنهم يحاولون طوال الوقت إثبات أننا فاشلون ولا نستطيع الحفاظ على القانون والنظام ولا نستطيع الحفاظ على أمن المكان الذي من المفترض أن نكون مسؤولين عنه، لتبرير توغلاتهم اليومية وقتل شعبنا".

ومن الناحية العملية، أدى ذلك إلى ظهور جماعات مسلحة جديدة تسعى إلى ملء الفراغ الذي خلفته قوات السلطة الفلسطينية، ما عبر عنه جبارين بقوله: "إذا لم يتم توفير الحماية لك من حكومتك أو من قوة الاحتلال فستحاول البحث عن طرقك الخاصة لحماية نفسك".

وأدى قمع قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية للمعارضة إلى تجريدها من شرعيتها في نظر الجمهور الفلسطيني، خاصة في أكتوبر/تشرين الأول، مع تصاعد الغضب من الحرب الإسرائيلية على غزة، عندما أطلقت الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية على المتظاهرين في رام الله بالضفة الغربية.

وأصبحت مثل هذه الحملات أكثر تكرارا في السنوات الأخيرة، ووصلت إلى ذروتها في أعقاب مقتل الناشط "نزار بنات" على يد قوات الأمن الفلسطينية عام 2021.

وقال غسان بنات، شقيق نزار، إن "نزار أراد الحرية للشعب الفلسطيني، ومن وجهة نظره فقد الشعب الفلسطيني تلك الحرية لسببين: محمود عباس والسلطة الفلسطينية وإسرائيل".

وأضاف: "قال نزار إننا يجب أن نحرر أنفسنا من السلطة الفلسطينية، وبعد ذلك يجب علينا أن نعمل معا لتحرير أنفسنا من إسرائيل. ولذا قتلته السلطة الفلسطينية".

واعتبر غسان أن "قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية ليست موجودة من أجل أمن الفلسطينيين. بل لأمن إسرائيل".

اقرأ أيضاً

فورين أفيرز: هل تستطيع السلطة الفلسطينية حكم غزة؟

المصدر | أليس سبيري/إنترسبت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الفلسطينيين غزة السلطة الفلسطينية منظمة التحرير الفلسطينية أوسلو قوات السلطة الفلسطینیة قوات الأمن الفلسطینیة السلطة الفلسطینیة فی للسلطة الفلسطینیة التحریر الفلسطینی الولایات المتحدة الضفة الغربیة الحفاظ على من إسرائیل إلى أن

إقرأ أيضاً:

نادي الأسير: قوات الاحتلال اعتقلت 20 فلسطينيًا بالضفة الغربية

أفادت قناة "القاهرة الإخبارية" في نبأ عاجل عن نادي الأسير الفلسطيني، أن قوات الاحتلال اعتقلت 20 فلسطينيا مساء أمس وصباح اليوم بالضفة الغربية.

الاحتلال يعتقل 7 مواطنين جنوب الضفة الغربية اليوم استشهاد 4 فلسطينيين في قصف لطائرة مسيرة إسرائيلية شمال الضفة الغربية السيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح بشكل كامل

جدير بالذكر أن الجيش الإسرائيلي، أعلن سابقًا، "السيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح بشكل كامل"، مؤكدا أن قواته تقوم بعمليات تمشيط واسعة بالمنطقة.

وحسب وكالة سبوتنيك، قال الجيش الإسرائيلي، في بيان له، إنه "قتل 20 مسلحا وعثر على 3 أنفاق خلال عملية السيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح"، مؤكدا أن "معبر كرم أبو سالم مغلق وسيعاد فتحه عندما تسمح الظروف الأمنية بذلك".

من جهتها، أعلنت هيئة المعابر في غزة، "توقف حركة المسافرين ودخول المساعدات إلى القطاع من خلال معبري رفح وكرم أبو سالم"، مؤكدة إغلاق معبر رفح بسبب وجود الدبابات الإسرائيلية داخل المعبر.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، مهاجمة أهداف تابعة لحركة حماس شرقي مدينة رفح الفلسطينية. يأتي ذلك بعدما قرر "مجلس الحرب قرر بالإجماع استمرار العملية العسكرية في رفح للضغط على حماس لتحرير الأسرى وتحقيق أهداف الحرب، مع إرسال وفد للقاء الوسطاء في القاهرة لبحث التوصل إلى صفقة مقبولة".

وكان اللواء سيد الجابري الخبير الاستراتيجي ورئيس حزب المصري، قال إن الطرف الثاني في حرب غزة هو شعب قُهر وطُرد من أرضه ومُحتل منذ 75 عامًا، ولديه رغبة أكيدة في التحرر.

كل القرارات التي صدرت لصالح القضية الفلسطينية الطرف الآخر لا يحترمها

وأضاف "الجابري" خلال حواره مع الإعلامي الدكتور محمد الباز ببرنامج "الشاهد" المُذاع على قناة "إكسترا نيوز": "كل القرارات التي صدرت لصالح القضية الفلسطينية الطرف الآخر لا يحترمها".

وتابع: "لكي تتحرر الشعب تحتاج أن تدفع الثمن لأن مفيش حاجة هتتحرر ببلاش، في المنطقة العربية لدينا تجربة الجزائر التي ممكن أن يقتضي بها شعوب أخرى".

وأوضح أن تجربة الجزائر دفعت الثمن مليون شهيد، متابعًا: "أعتقد أن هذا هو الموجود والمترسخ اليوم في الإنسان الفلسطيني، رغم كل المآسي لكنه لديه رغبة دفينة قوية في تحرير نفسه، وهذه هي المرة هي الفرصة التاريخية للشعب الفلسطيني لتحرير نفسه والوصول إلى حل الدولتين ولكي يصل إلى ذلك يجب أن يقدم الفاتورة وتم تقديم الفاتورة بأرواح الشهداء والجرحى والأطفال والدمار البربري الذي نراه"، مؤكدًا أن الفاتورة غالية لكن يجب دفعها.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تفرج عن دفعة من عائدات الضرائب للسلطة الفلسطينية
  • إسرائيل تحول 116 مليون دولار للسلطة من مخصصاتها المحتجزة
  • لليوم الـ271.. تواصل المقاومة الفلسطينية التصدي لقوات الاحتلال في قطاع غزة
  • إسرائيل تحول 116 مليون دولار لفلسطين من عائدات الضرائب
  • منظمة التحرير: الفلسطينيون في "الجليل والمثلث والنقب" يواجهون آليات قمع غير مسبوقة
  • نادي الأسير: قوات الاحتلال اعتقلت 20 فلسطينيًا بالضفة الغربية
  • نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية: ندعو إسرائيل للإفراج عن بقية عائدات المقاصة المحجوزة عن السلطة الفلسطينية
  • الجزيرة للدراسات يصدر رؤية حول الأمن القومي الفلسطيني
  • حرب غزة.. إسرائيل تنتقل للمرحلة الثالثة ونتنياهو يوافق على مشاركة السلطة في إدارة القطاع
  • نتنياهو وغزة بعد الحرب .. تقرير يكشف فرقا بين المعلن والخفي