الخليج الجديد:
2024-07-06@01:06:13 GMT

تأملات في أحوال ما بعد الحرب

تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT

تأملات في أحوال ما بعد الحرب

تأملات في أحوال ما بعد الحرب

الأغلبية الحاكمة فى إسرائيل لا تخفى عزمها إنهاء الصراع بمحو اسم فلسطين من خرائط السياسة فى الشرق الأوسط.

أفلحت إسرائيل وأمريكا فى ردع الدول العربية مجتمعة ومنفردة بعد نجاحهما في تدمير بنية غزة التحتية ومحو المدن وقطع الكهربا والمياه ووسائل الاتصال.

النخبة الإسرائيلية الحاكمة قررت أن المستقبل للرئيس ترامب أوجمهورى آخر متصلب إيذانا بعصر ذهبى إسرائيلي بالسياسة الدولية وسياسات الشرق الأوسط.

احتمال تزداد قابليته للتحقيق فى حال استمر الركود العربى وانهيار حدود النظام العربي السياسية والعقائدية والقومية أمام سيل الاختراقات المتباينة من الخارج.

أمريكا تخرج أكثر ارتباكا وانحدارا من تجربتها في حرب أوكرانيا وحرب الإبادة فى غزة والضفة، تخرج منهما فاقدة رصيدا مهما من الثقة المتبادلة والضرورية داخل الحلف الغربى.

أرى النظام العربى بسبب أزمته الراهنة وفشله فى الخروج منها وتحت ضربات متعاقبة وضغوط خارجية يقترب من الانفراط وأظهرت متابعة مواقف دول النظام العربى من أزمة غزة تناقضا ملفتا.

في حين أعلنت أمريكا وبريطانيا وألمانيا تحالفها مع إسرائيل في مواجهة صريحة لم تتمكن دول النظام العربى من التصريح بأن الأزمة بين غزة وإسرائيل تقع ضمن الصراع العربى الإسرائيلى.

* * *

أقول إننا لو تركناهم ينفذون الخطط والمشروعات التى أعدوها لنا ولغيرنا، بل ولهم هم أنفسهم، لوجدنا أنفسنا بغير إرادتنا فى عالم غير عالمنا ونحو مصير غير ما كنا نود وكل بلادنا بحدود غير ما سبق ورسم لنا. أراهم وأرانا على النحو التالى:

أولا: دوليا، أرى نظاما دوليا يخطو متأرجحا بين مكونات وقواعد عصر هيمنة أمريكا على العالم، وبين مكونات ناشئة لعصر قطبية ثنائية أو متعددة وقواعد لها.

هذه القواعد يجرى العمل حاليا على صياغتها بدأب من خلال توترات وعنف وعدم استقرار ومنافسة شرسة وحروب صغيرة عديدة وصل عددها فى الشرق الأوسط وحده عشرة صراعات، كلها وغيرها من طباع المراحل الانتقالية.

أرى أمريكا تخرج أكثر ارتباكا وانحدارا من تجربتها في حرب أوكرانيا وحرب الإبادة فى غزة والضفة الغربية، تخرج منهما فاقدة رصيدا مهما من الثقة المتبادلة والضرورية داخل الحلف الغربى.

تخرج مثل ألمانيا مثخنة بجراح ناتجة عن سوء تصرف وانصياع لضغط صهيونى كلاهما شاركا فى خلقه قبل أن يستسلما له. تخرج، كما خرجت بريطانيا العظمى من عصرها الإمبراطورى منهكة وبنظام حزبى ونخبة حاكمة عاجزتين، كلاهما شوهته تجارب الانسحاب العسكرى والسياسى من المستعمرات ومواقع النفوذ وصعوبات المواجهة مع أقطاب صاعدة وثورة شاملة فى عالم الجنوب.

أرى فى كلا البلدين وبلاد أوروبية بوادر عواصف عنصرية جامحة. أرى وبكل الوضوح الممكن أزمات متلاحقة للديمقراطية، كنظام حكم، فى العالم بأسره وفى دول الغرب بصفة خاصة.

أراها مثلا فى شكل فوز دونالد ترامب فى انتخابات هذا العام وفى الوقت نفسه فى شكل فوز جو بايدن ونظامه المستكين. أراها فى تضخم حال ونفوذ الشركات العظمى وفى الصعود المتسارع لتطبيقات الذكاء الاصطناعى. رأيتها جميعا تفوح فى جلسات ومناقشات مؤتمر دافوس.

أرى الصين تزداد قوة وتقدما اقتصاديا ونفوذا دوليا وأرى الجنوب بصفة عامة أكثر اقترابا منها وتفهما لسياساتها وأملا فى استمرار صعودها. أراها تزداد ثقة فى مكانتها الدولية وفى استمرار انحدار مكانة الولايات المتحدة. أراها جاهزة لتفادى الاصطدام بأمريكا ومستعدة بمزيد من الصبر ذى التكلفة الداخلية الباهظة لتأجيل المواجهة الحتمية فى موضوع تايوان.

أراها أكثر حرصا فى التعامل مع الدول المشاطرة فى بحر الصين الجنوبى، الملعب الأهم للمنافسة بين الصين وأمريكا. أرى روسيا تستعيد الثقة بنفسها والقوة اللازمة للاحتفاظ بمكانتها كقطب من أقطاب القمة الدولية.

أراها غير غافلة عن إرث ماضيها الإمبراطورى وحريصة على ابتكار أشكال مناسبة للنفوذ وبخاصة فى وسط وشمال آسيا والقوقاز وشرق أوروبا. أراها مستمرة فى صياغة أو تعزيز علاقات فى إفريقيا والبحر الأحمر وبلاد العرب. تعرف أن الحال فى معظم هذه البلاد العربية والإفريقية مرشح لتحولات كبيرة وتعرف أن دورا لها هناك ينتظرها.

* * *

ثانيا: إقليميا. أرى النظام العربى بسبب أزمته الراهنة وفشله فى الخروج منها، وتحت ضربات متعاقبة وضغوط خارجية يقترب من الانفراط. كان مثيرا للاهتمام والتحليل مراقبة ومتابعة مواقف دول النظام العربى من أزمة غزة. رأينا تناقضا ملفتا.

أثبتت الأزمة أو كشفت عن ضعف شديد لدول النظام منفردة فى المواجهة بين الدول أعضاء النظام. اتضح أن هذه الدول منفردة أو مجتمعة لم تعترف أصلا بأنها فى وضع مواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة، وفى حين أعلنت أمريكا وبريطانيا وألمانيا ودول أخرى أنها متحالفة مع إسرائيل فى مواجهة معلنة وصريحة لم تتمكن دول النظام العربى من التصريح بأن الأزمة بين غزة وإسرائيل تقع ضمن صراع أشمل وأعم وهو الصراع العربى الإسرائيلى.

يظهر التناقض واضحا من إجماع دول النظام العربى على التمسك بهذا الموقف من الأزمة. أجمعت هذه الدول على رفض تهجير أهل فلسطين وعلى طلب وقف إطلاق النار وعلى عدم توسيع نطاق الحرب الدائرة.

لكنى أظن، وأتفهم لو كان ظنى صحيحا، أن إسرائيل وأمريكا معها أفلحتا فى ردع الدول العربية مجتمعة أو منفردة بعد نجاحهما فى تدمير البنية التحتية لغزة ومحو المدن وقطع الكهربا والمياه ووسائل الاتصال.

أمريكا حليفة معظم الدول العربية كانت طرفا فى هذه الأعمال الحربية والسياسية والمتوحشة التى شنتها إسرائيل بإرادتها المستقلة أو بدعم كامل مسبق ومعلن من الحليف المشترك لكل من إسرائيل والدول العربية.

لم يكن موقف أمريكا من «فلسطين تحت الغزو» الاختراق الوحيد الخطير لحدود وعقيدة النظام العربى، كان هناك اختراق آخر لعله أهم لأنه يحدث من داخل النظام العربى. إذ إنه منذ أن استلمت مقاليد المقاومة المسلحة فصائل وجماعات وأحزاب اختلطت لديها وفى داخلها ولاءاتها وعقائدها.

بفضل هذه المقاومة صارت إيران طرفا فاعلا فى صنع مصير النظام العربى، ولعلها باختراقها النظام العربى على هذا النحو الخطير، ساهمت فى تصعيد أهمية الرأى القائل بأن النظام الإقليمى العربى مهدد بالانفراط. وتعددت الاختراقات:

اختراق إسرائيل برفضها الاعتراف بوجود شعب فلسطينى وتأكيد هذا الرفض بحرب مدمرة وحركة استيطان ضخمة وخرائط صريحة تلغى بها عروبة دول مشرقية مؤسسة للنظام العربى وأراضى ممتدة غربا حتى قناة السويس.

اختراق إسرائيل بعد أن كان عاملا ساهم فى تأسيس النظام العربى فى الأربعينيات من القرن الماضى أصبح بتوحشه وبالتطور الحادث فى النظام الدولى وبالانحدار الأمريكى إلى حد الخضوع المهين لإسرائيل أهم عناصر تفكيك النظام العربى.

أما اختراق إيران فمختلف نوعا وإن ظل مؤثرا عملا وفعلا لاعتماده على مواطنين ومؤسسات عربية وحاملا مسئولية تصدر المواجهة مع إسرائيل، وفى الوقت نفسه مطمئنا إلى علاقة بين إيران والولايات المتحدة يحيط بها الغموض المثير للاهتمام وكثير التخمينات.

هناك أيضا اختراق تركى واختراق إثيوبى، كلاهما استفاد من حال الركود العربى، حال يثير الاعتقاد أو الأمل لدى دول الجوار بقرب انفراط النظام العربى وبالتالى سعيها لجنى ثمار هذا التطور المهم.

* * *

ثالثا: فلسطين. ليس خافيا أنهم فى إسرائيل وفى أمريكا يعدون أو يستعدون لفلسطين بما أطلقت عليه الصفقة القاتلة. يتحدثون بدم بارد عن دولة فى مستقبل ليس بالضرورة قريبا، دولة منزوعة السلاح، بمعنى دولة مفتوحة الحدود أمام إسرائيل لتفعل بها ما تشاء وقتما تشاء، دولة ناقصة السيادة لا حق لشعبها فى الدفاع عن نفسه، دولة مقطعة الأجزاء مثل قالب الجبنة السويسرية تشبها بجنوب إفريقيا فى زمن الفصل العنصري الأبارتهايد، بمعنى آخر دولة محكوم على شعبها فى آخر المطاف بالهجرة أو العذاب والقمع.

المدهش فى الموضوع أن المخططين لمستقبل فلسطين يتحدثون عن ضرورة إصلاح الحكومة القائمة الآن فى رام الله أو إقامة حكومة بديلة مختارة بعناية من جانب إسرائيل مستعينة بدول جوار عربية. آخرون وهم حسب ظنى الأغلبية الحاكمة فى إسرائيل لا تخفى عزمها على إنهاء الصراع بمحو اسم فلسطين من خرائط السياسة فى الشرق الأوسط.

لا يخفون هذا العزم بل تراهم فى الصور يتعالون على المبعوثين الأوروبيين والأمريكيين باستثناء اليهود الصهاينة منهم، حتى الرئيس بايدن صارت الكاميرات والشخصيات السياسية والعسكرية الإسرائيلية تتعامل معه وتتحدث عنه باحترام أقل وبما لا يليق برئيس أهم وأقوى دولة.

هناك ما يشير إلى أن النخبة الإسرائيلية الحاكمة قررت أن يكون المستقبل للرئيس دونالد ترامب أو لجمهورى آخر متصلب إيذانا بعصر ذهبى إسرائيلى فى السياسة الدولية وبخاصة فى سياسات وقضايا الشرق الأوسط.

هذا الاحتمال تزداد قابليته للتحقيق فى حال استمر الركود العربى واستمر انهيار حدود النظام العربي السياسية والعقائدية والقومية أمام سيل الاختراقات المتباينة من الخارج.

*جميل مطر كاتب ومفكر سياسي، دبلوماسي مصري سابق

المصدر | الشروق

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: فلسطين الحرب أمريكا الصين إسرائيل ترمب النظام الدولي النظام العربي النخبة الإسرائيلية الدول العربية الدول العربیة الشرق الأوسط مع إسرائیل

إقرأ أيضاً:

الخارجية الإسبانية: انضممنا إلى دعوة جنوب إفريقيا وعلى الدول الأوروبية دعم محكمة العدل الدولية

مدريد – أكد وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أن بلاده اتخذت إجراءات بارزة تجاه القضية الفلسطينية، بينها الاعتراف بدولة فلسطين، والمشاركة في دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل.

وقال الوزير الإسباني في مؤتمر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية بمدريد، مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان يوم الخميس إن “إسبانيا اعترفت بالدولة الفلسطينية وشاركت في الدعوى القضائية مع جنوب إفريقيا ضد إسرائيل كإجراءين بارزين تجاه القضية الفلسطينية”.

وأضاف أن “على جميع الدول الأوروبية دعم الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والقانون الدولي”.

من جهته، أعلن بن فرحان دعم المملكة نشر قوة دولية في غزة بقرار أممي مهمتها دعم السلطة الفلسطينية، مشيرا إلى عدم رؤية أي احتمالات لوقف إطلاق النار في غزة.

وأضاف “الوضع حاليا محبط لأننا لا نرى أي احتمالات لوقف إطلاق النار ونرى تأزما للوضع الإنساني”، منوها بأننا “نشاهد كل يوم في غزة والضفة الغربية عناصر تعمل على تهديد حل الدولتين”.

وفي الملف اللبناني، قال بن فرحان “قلقون من خطر توسع الحرب في لبنان ولا نرى أي أفق سياسي”، مضيفا أن وقف إطلاق النار في غزة قد يساعد على وقف التوتر في الحدود بين إسرائيل ولبنان.

ومنتصف مايو الماضي، دعا قادة الدول العربية في ختام القمة العربية التي استضافتها المنامة إلى نشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في فلسطين إلى حين تنفيذ حل الدولتين.

ولا تزال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023، متسببة بسقوط أكثر من 38 ألف قتيل و87 ألف جريح، غالبيتهم من الأطفال والنساء، فيما لا يزال هناك أكثر من 10 آلاف مفقود.

في غضون ذلك، ارتفعت حدة التوترات على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، وتبادل الجيش الإسرائيلي و”حزب الله” اللبناني قصفا مدفعيا متقطعا، وسط مخاوف في إسرائيل من عمليات تسلل محتملة من الحدود.

المصدر: RT + وكالات

مقالات مشابهة

  • وزير خارجية الأردن يؤكد خطورة عدم حل القضية الفلسطينية على الدول الغربية
  • الخارجية الإسبانية: انضممنا إلى دعوة جنوب إفريقيا وعلى الدول الأوروبية دعم محكمة العدل الدولية
  • وزير خارجية السعودية: ندعم نشر قوة دولية في غزة بعد الحرب
  • الجامعة العربية تطالب مجلس الأمن بالتدخل لوقف الإبادة في غزة
  • تحرك من الجامعة العربية لتجميد مشاركة إسرائيل بالجمعية العامة للأمم المتحدة
  • تحرك جديد لجامعة الدول العربية تجاه إسرائيل
  • تأملات قرآنية
  • نتنياهو يشكر أمريكا على دعمها لإسرائيل.. ويؤكد: أتمنى لكم عيد استقلال سعيد
  • الأمم المتحدة: محاكم "إسرائيل" بالضفة توفر غطاء لتعذيب الفلسطينيين
  • الخارجية الإيرانية: فرض العقوبات الاقتصادية على الدول المستقلة من أهم مظاهر انتهاك واشنطن لحقوق الإنسان