الفاشية الدينية طالما امتلكت أدوات القهر والاخضاع الأمني والعسكري لخصومها تظل فاقدة تماما لحاستي السمع والبصر تجاه الاخر المختلف معها ، لا تراه الا كلبا ذليلا مستمتعا بتبعيته لسيده!

الوسيلة الوحيدة لاعادة حاستي السمع والبصر إليها لترى الاخر مخلوقا مكافئا لها وله حقوق يجب أخذها بعين الاعتبار هو تجريدها من ادوات القهر او توجيه ضربات موجعة لهذه الادوات تجعلها عديمة الجدوى في فرض السيطرة القاهرة.



لقد تمنيت من كل قلبي ان يكون السودان استثناء ولا تجرجره الفاشية إلى هذه الحرب المدمرة ولكن بكل اسف خاب ظني! فالحرب اندلعت وربما تسببت في تقسيم السودان او تدشين مشروع استبدادي جديد!

بلادنا ابتليت بفاشية الكيزان وعلى مدى ثلاثين عاما كل من مد يده مصافحا لهذه الفاشية طلبا للسلام والتحول الديمقراطي بصورة طوعية كان جزاءه سرقة بعض اصابع يده المصافحة المصالحة!!!

بعد هذه الحرب اللعينة هناك من يمد يده باصابعها المقطوعة المسروقة للكيزان بحثا عن السلام وعشما في رشد الفاشية وافتراضا بعدم رغبتها في القطع والسرقة مجددا!

بعد كل هذا الدمار الاولوية لتوحيد صف قوى السلام والتحول الديمقراطي في خانة استقلال تام عن هذه الفاشية الدينية بهدف عزلها وحصارها سياسيا ومعنويا حتى تجد نفسها مجبرة هذه المرة على مد يدها بصدق للاخرين الذين كانت لا تراهم ولا تسمع صوتهم! خصوصا ان الحرب التي اشعلتها فشلت في ان تستعيد لها فردوسه المفقود ممثلا في الاستبداد العسكري والسلطة المطلقة! لو فعلت ذلك بلسان الأفعال لا الأقوال وخفضت راية الحرب والكراهية والاقصاء والتخوين والتجريم وقبلت بأنها في هذا الوطن شريك لا وصي ولا سيد يكون من المشروع جدا قبول الحوار معها من موقع مستقل، اما الهرولة نحوها والانخراط في مشاريع غسيل مجاني لها ومساعدتها في الكذب وتزييف الواقع بترديد سردياتها الكذوبة التي تضعها في خانة الضحية التي تعرضت للاقصاء والانتقام والتشفي فهذا موقف مستعصي تماما على أي تفسير موضوعي! كيزان السودان لا يحق لهم مطلقا وضع انفسهم في خانة الضحية مثل كيزان مصر أو سوريا او تونس! وقد ناقشت هذه الفرية الكيزانية قبل الحرب وقبل الثورة نفسها في سياق الرد على مقالة للدكتور عبد الوهاب الأفندي حاول فيها التماس براءة للكيزان وتبرير انقلابهم العسكري عام ١٩٨٩ باثر رجعي على خلفية ما حدث لإخوان مصر في يوليو ٢٠١٤!

في السودان الكيزان هم الجاني المستبد الفاسد لا الضحية التي تم اقصاؤها من الملعب بقوة الدولة العميقة !! الكيزان في السودان هم الدولة العميقة او بالأحرى الدولة الموازية التي دمرت جهاز الدولة الأصلي على علاته! وبالتالي فإن اي مواعظ وفاق او توافق او نبذ لخطاب الكراهية والاقصاء والانتقام والتشفي يجب توجيهه للجاني أولا وليس لضحاياه.

القوى المدنية الديمقراطية يجب أن تستعد جيدا لخوض معركتها من أجل السلام اولا، ثم معركتها من أجل الديمقراطية والحكم الراشد بعد تحقيق السلام وهذه معركة حتمية ايا كان الطرف المنتصر في هذه الحرب .  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية

يأخذك الحديث وأنت تتأمل فيلم غيوم لمُزنة المسافر إلى التطور الفني والموضوعي في تجربتها، موضوعا التعددية الثقافية والعرقية في المجتمع العماني كمصدر ثراء غني، تتجه إليه مزنة في استقصائها الطويل، مزيلة وهم ما يفصل بيننا، عبر البحث عن ما يجمع بيننا ويأتلف في نسيج اجتماعي واحد. عبر هذا الثراء العرقي واللغوي نخلق تجانسنا الحقيقي، التجانس المميز لمجتمعنا منذ جذوره التاريخية البعيدة. فنيا يشكل فيلم غيوم تحولا نوعيا تخرج به مزنة عن الطرح الأفقي للتجربة، عن أحكام البداية فتتسلسل الأحداث وصولا إلى نهايتها. فيلم غيوم يخرج عن القوالب التقليدية في السينما منحازا إلى شاعريتها، الغائب والماضي والمفقود هم من يشكل وهج الأحداث، ويدفع بشخوصه إلى المحبة والأسى والفراق والندم، محكومة بالماضي الذي تسدل ظلال أحداثه على الحاضر والمستقبل معا. فنيا ينحاز السيناريو إلى الصورة السينمائية عنه إلى الحوار، الصورة خاصة في تجسيدها المباشر لملامح شخوص الفيلم، قادرة حقا على نقل عواطفهم واختلاجات قلوبهم، سينمائيا تضفي هذه اللغة الجمال السينمائي، الذي تريد مزنة إيصاله إلينا، ما لا يستطيع الحوار نقله عبر السينما.

اختيار مُزنة لطرح تجربتها جبال ظفار، عائدة بنا إلى عام ١٩٧٨م، أي بعد ثلاثة أعوام من نهاية حرب الجبل بعد حرب طويلة استمرّت عشرة أعوام. هذه الحرب هي الماضي الذي يثقل أرواح رعاة الجبل، الماضي الذي يسدل على الحياة مشاعر الفقدان والخوف من عودة الحرب ثانية. الحرب التي تركت في كل منزل قتيلًا، أو قريبًا لقتيل، أحرقت المراعي وفتكت بالإبل مصدر حياة سكانه، والأثقل أنها تركت روح الفرقة بين أبناء الجبل، نظرا لتغير مواقفهم من موقع إلى آخر، ذلك ما نقرأ ثقله في حياة بطل الفيلم دبلان الذي يتحول بعد الحرب إلى رجل منطو على نفسه، يرفض مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم ويقضي معظم وقته في العناية ببندقيته، وملئها بالرصاص حتى تكون جاهزة للقضاء على النمر في أي وقت تتكرر عودة الحرب ثانية إلى جبال ظفار.

مزنة في هذا الفيلم العميق والشاعري في آن تبتعد عن تقديم الرصاص والقصف والقتلى، كما أن المرأة القتيلة لم تظهر في الفيلم أبدا، رغم ظهور ذكراها المتواصل، كهاجس يومي يلازم حياة الأب وابنه عمر وابنته سلمى، المرأة ومقتلها الغامض هي السر المكتوم في الفيلم، ابنها عمر كل ليلة ينام في حضن أخته الكبرى، متخيلا والدته تنام على سحابة بعيدة في السماء، يراقب أباه يوميا أثناء تنظيف وتعمير بندقيته، محاولا أكثر من مرة خطفها منه، دون أن يتبين لنا السبب المباشر لذلك، حتى نجاح اختطافه البندقية في مشهد سينمائي أخاذ، يوجّه فيه عمر البندقية إلى صدر أبيه طالبا منه فك لغز اختفاء أمه، تكون الفرصة مؤاتية آنذاك للأب للاعتراف لابنه وابنته أن الأم قد توفيت برصاصة طائشة أثناء معارك الجبل، دون أن يحدد من أي طرف جاءت الرصاصة، ذكاء مزنة يوقف التجربة برمتها أمام تقييم جديد يكشفه التاريخ في مستقبل الأيام، والوقت ما زال باكرا لإدانة طرف ضد آخر، فقط الخوف من عودة الحرب ثانية، هي النمر الذي يستعد دبلان يوميا لمواجهته. وأخيرا لتعليم ابنه طريقة استخدام البندقية لقتل النمر وحش الحرب قبل وصوله إلى الجبال.

مصدر إيحاء غيوم هي مجموعة من الصور الوثائقية التقطها والدها الفنان موسى المسافر، الذي دون شك عاصر مرارة تلك الأحداث، تكشف لنا جانبا مهما من حياة أبناء الجبل في ظفار أثناء الحرب وبعد انتهائها. من تلك الصور الوثائقية استمدت مزنة هذا الإلهام المتدفق، وصاغت سيناريو فيلم غيوم، الذي يأتي ليس لإدانة طرف دون آخر، بل لإدانة الحروب البشرية برمتها، ذلك لأنها نظرت لنتائجها الوخيمة في عيني دبلان رب العائلة الذي مع خروجه حيا منها إلا أنه خرج مهزوما فاقد القدرة على الحياة، معذبا بالماضي الذي قدمته مزنة كنمر يفترس كل ما أمامه دون تمييز ورحمة.

مزنة تعي جيدا آثار الحروب على تغيير العلاقات الاجتماعية بين البشر، العلاقة بين دبلان وشيخ القبيلة بعد الحرب، ليست هي العلاقة إياها قبل الحرب، يتقدم شيخ القبيلة المتقدم في العمر لخطبة سلمى صبية دبلان، المرتبطة بعلاقة عاطفية مع سالم الصبي الجبلي من جيلها. يقف دبلان وهو راعي الإبل الجبلي موقفا متقدما عندما يرفض تزويج ابنته شيخ القبيلة الثري، مزوجا إياها الصبي الفقير مع مباركة الأب له بحبات من شجرة اللبان الأسطورية والتي تصل محبة أبناء الجبل لها إلى درجة التقديس، نظرا لارتباط استخدامها بطقوس دينية في معابد الأديان الهندية بل وفي معابد الأديان السماوية قديما.

الفيلم ناطق بالشحرية لغة رعاة الجبال بظفار، كان ذلك ضروريا، هذا ما أدركته مزنة، منذ بداية اشتغالها على المشهد السينمائي العماني، بما يحمله من تنوع عرقي وثقافي أخاذ منذ قديم الزمان. قبلها قدمت فيلم شولو الناطق بالسواحيلية وفيلم بشك الوثائقي الناطق بالبلوشية. هي السينمائية التي لا تعترف بفوارق وهمية بين أبناء الوطن الواحد، القادرة على اكتشاف النسيج الاجتماعي المخفي، الرابط أبناءه روحيا على أرض واحدة، وتحت سماء واحدة.

فيلم تشولو، تناقش مُزنة فيه تجربة الانتماء الوطني والحنين إلى الجذور البعيدة خلف البحار، تدور أحداثه في زنجبار، موطن أساسي لهجرة العمانيين عبر التاريخ لقرون مضت، يستقبل تشولو الصبي أخاه عبدالله القادم من عُمان، يعيشان معا توافق البحث عن جذورهم المشتركة، يتعرضان للاعتداء من رجال أفارقة بسبب انتماء عبدالله العربي الواضح في لونه، تتراءى عمان وطنا بعيدا مجهولا لتشولو، أرضا سحرية لن يعود إليها أبدا، يعود عبدالله مع أبيه ويظل تشولو ينظر إلى البحر، إلى السفن وهي تبحر عائدة إلى عمان التي لن يراها أبدا، هكذا تتكرر تجربة الماضي الساكن كقيد يرتبط به المرؤ. ولكن بشكل إيجابي في تشولو عنه في غيوم، مزنة تتجاوز تجربة الحنين النوستالجي إلى الماضي، في الفيلمين تنظر إلى الماضي كقيد يجب علينا كسره والانطلاق إلى المستقبل دون الالتفات إليه. خاصة في مرارة أحداثه كما هو في فيلم غيوم، حيث يبقى الدم الأفريقي العماني المشترك، تجربة حضارة مشتركة أيضا، تغذي النسيج الاجتماعي العماني بخصوبة العطاء في فيلم تشولو، أي أنها تنطلق من الإيجابي في ثراء الوجود العماني بشرق إفريقيا، الثراء الذي دفع بالأفارقة إلى ما هو مثمر، حيث حمل العمانيون معهم الأساليب الحديثة في الزراعة، وارتياد آفاق العمل التجاري، ونشر الدين الإسلامي وغيرها من الدلائل الحضارية المهمة، التي تؤكد إيجابية وجودهم المبكر في شرق إفريقيا. وحش الماضي الذي يصوب له دبلان وابنه عمر البندقية لمواجهته، يحتفظ له تشولو وأخيه عبدالله بمئة قطعة من المندازي الذي خبزته لهما جدتهم الإفريقية، يحشوان فم النمر المفترس بها حتى لا يكون قادرا على افتراسهما معا. ذلك دون شك مشهد طفولي ساحر يؤكد وحدة الأخوين ضد وحش الحرب المأساوية بين العمانيين والأفارقة، أي من المحبة المشتركة بينهما نخلق إمكانية التعايش المشترك والوحش الذي يطعمه الطفلان العماني والأفريقي المندازي، هي الحرب التي خلقت روح الكراهية بينهما، وآن لنا جميعا طي صفحاتها الدموية، نحو خلق عالم أجمل لأجيالنا القادمة.

مُزنة التي جاءت بعد ستين عاما على مأساة خروج العمانيين من شرق إفريقيا بطريقة مأساوية فقد فيها العمانيون الآلاف من أبنائهم ثم أنها جاءت بعد خمسين عاما أيضا بعد نهاية حرب الجبل بظفار، تنصت إلى أوراق التاريخ التي تحفظ لنا ما فقد وتم نسيانه، مؤهلة حقا للذهاب أبعد مستقبلا، نحو تقديم تجارب العطاء العماني المتدفق عبر التاريخ، ورفد السينما العمانية الناشئة بلغة شاعرية متميزة، ذلك حقا جوهر الفن الطليعي الجاد، يضيء كالنجوم ترشد المسافرين في ليل البحار إلى المجهول.

فيلم غيوم /روائي قصير /ناطق بالشحرية/ جائزة أفضل فيلم روائي قصير /المهرجان السينمائي الخليجي ٢٠٢٤م. إخراج مزنة المسافر.

فيلم تشولو/ روائي قصير/ ناطق بالسواحيلية /جائزة أفضل سيناريو /مهرجان أبوظبي السينمائي ٢٠١٤ م. إخراج مزنة المسافر.

سماء عيسى شاعر عُماني

مقالات مشابهة

  • توقيف 3 سوريين... سرقوا 300 ألف دولار من داخل فيلا في الكورة
  • الأمم المتحدة: الحرب في أوكرانيا تمر بنقطة تحول ويتعين وقف إطلاق النار فورًا
  • هل تجلب المسيرات السلام الى السودان؟
  • ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام
  • 50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم
  • الدول في حالة الحرب تحتاج مواقف قوية وخطاب صفري
  • الحرب في السودان .. خسائر بمليارات الدولارات
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • البرهان في القاهرة… دلالة الزيارة ومآلاتها والرسائل التي تعكسها
  • جريمة مطلوقة