مدار أوّل:
"العِلم يجلو العمى عن قلبِ صاحبِه .. كما يُجلِّي سواد الظُّلمة القمرُ ... وليس ذو العِلمِ بالتّقوى كجاهِلِها .. ولا البصيرُ كأعمي ما له بصرُ ... العِلمُ فيه حياةٌ للقلوبِ .. كما تحيا البلادُ إذا ما مسّها المطرُ" ((سابق بن عبدالله أبوسعيد "البربري"))
-1-
أكتبُ صباح اليوم، الأربعاء 24 يناير 2024، وهو اليوم "الدولي السادس للتعليم"، إذ يصادف هذا التاريخ ((24 يناير)) من كل عام ((اليوم الدولي للتعليم))، الذى أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى 3 ديسمبر 2018.

. ويأتي الإحتفال، بهذا اليوم التاريخي الهام، هذا العام، تحت شعار "التعلُّم من أجل سلامٍ دائم".. وللأسف، يأتي هذا اليوم، وبلادنا تعيش حالة حربٍ طويلة المدي، تدخل صباح الغد الخميس 25 يناير 2024، يومها العاشر بعد مرور تسعة أشهر بالتمام والكمال، منذ اندلاعها، بل، انفجارها فى عاصمة البلاد الخرطوم فى 15 أبريل 2023، وقد اعتدت هذه الحرب "المليجيشية" الكارثية بين (الدعم السريع والجيش السوداني)، على ((الحق فى التعليم))، حيث حُرم – ويُحرم – بسبب هذه الحرب الملايين من الأطفال والشباب من ((الحق فى التعليم)) فى بيئة آمنة وسلمية مناسبة.
-2-
دُمّرت بفعل الحرب دُور التعليم، وطال التخريب بسبب القصف "العشوائي" و"المتعمّد" المؤسسات التعليمية، ففقد الأطفال والطفلات فى سن الدراسة، إمكانية الوصول إلى المدارس بسبب الحرب المدمرة، وتزايُد العنف ضد الطفلات والأطفال، واِنعدام الأمن فى مناطقهم/ن، واغلاق الآلاف من المدارس (إضطراراً) فى المناطق الأكثر تضرراً من النزاع المسلح، وتحوُّل مئات المدارس إلى ملاجيء للأسر الفقيرة، التى استطاعت الفرار من مناطق النزاع، إلى مناطق "آمنة نسبياً"، ولكنها تعجز عن تدبير أمور حياتها من مأكل ومشرب ومسكن، فى الظروف الجديدة، فى المناطق التى نزحت إليها، فما كان أمامها سوى أن تجعل من المدارس ودور التعليم، مساكن إضطرارية، ومراكز إيواء مؤقّتة، بعد أن فقدت بيوتها وممتلكاتها، بسبب الحرب الضروس فى مناطق النزاع المسلح.
-3-
هذه المدارس، هى مباني – بلا شك – ليست مُهيّئة للسكن طويل المدي، أو المستدام، وهذا ما يزيد من معاناة ساكنيها، ممّن ليس لهم خيار آخر، والغريب فى الأمر، أنّ المسئولين الحكوميين، فى العديد من مُدُن النزوح، استخدموا "القوّة الجبرية"، مُستعينين بالشرطة والغاز المسيل للدموع، و"عنف الدولة" القمعية فى أقسى تجلياته، لإخلاء المدارس "قسرياً" فى ولاياتهم ومحافظاتهم ومحليّاتهم، ليواجه الآلاف من نازحي ونازحات الحرب، وأطفالهم وطفلاتهم فى سن الدراسة والتعليم، ليواجهوا مصيرهم المحتوم، وتزداد معاناتهم من صعوبات العيش فى العراء، وقد حدث ذلك، على سبيل المثال، لا الحصر، فى ولاية القضارف، وعاصمتها القضارف، ومدينة عطبرة، بولاية نهر النيل، وغيرها، فيالها من سياسات باطشة وظالمة، تفتقد – تماماً- لحساسية التعامل السليم مع الظروف التى فرضت على النازحين والنازحات، اللجوء للمدارس ودور التعليم، فى غياب معسكرات ومراكز إيواء مُهيّئة ومجهزة ومُعدّة بصورة علمية، لمقابلة مثل هذه الأوضاع الإنسانية الطارئة والصعبة.
-4-
بسبب هذه الحرب الكارثية، يحدث (الحرمان من الحق فى التعليم)، للأطفال والشباب، فى بلدٍ يُشكِّل عدد أطفاله وطفلاته، نصف عدد إجمالي السكان، وقد بلغ عدد النازحين واللاجئين، منذ اندلاع الحرب فى 15 ابريل 2023، ( 7.6) مليون شخص "داخل وخارج السودان"، عبر منهم الحدود (1.5) مليون شخص، فيما بلغ عدد النازحين خلال العشرة أيّام الماضية – وحدها – (19600) شخص، من أجمالي النازحين البالغ عددهم (6.1) مليون شخص، وكل ذلك، موثّق وموجود فى آخر تقرير صادر بتاريخ الأحد 21 يناير 2024، عن (مكتب الأمم المتحدة للشئون الإنسانية "أوشا") .. وبلا شك، فإنّ هذه الأرقام تُشكّل صدمة كبيرة، وتُنذر بأخطارٍ ماحقة، ومستقبل مظلم تنتظره البلاد، ويتأذّى منه العباد، فى السودان "الفضل"!.
-5-
من المهم أن نؤكّد هنا، أنّه كلما تواصلت الحرب الكارثية، وبقدرما يتواصل ويتزايد القصف المتبادل بين طرفي الحرب، فى الخرطوم، وغيرها من المدن والولايات، تزداد معاناة التلاميذ والطلاب بسبب اغلاق دور العلم، وتحويل بعضها إلى "ملاجيء"، إن سلمت – هي - من القصف العشوائي أو المتعمّد، وبهذا، تزداد فيها درجات انعدام الأمن والإطمئنان، كما تتناقص فُرص التعليم، فى غياب المعلمين والمعلمات عن مدارسهم/ن "قسراً" بسبب الحرب، ومن المعلوم بالضرورة، أنّ المعلمين والمعلمات هم عماد التعليم، وعماد اِنعاشه وتعافيه، وأساس نجاح العملية التعليمية بمجملها، ومن المعلوم – أيضاً - أنّ الحق فى التعليم، هو حق من حقوق الإنسان، تنص عليه المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تدعو إلى التعليم الإبتدائي المجاني والإلزامي، فيما تذهب (اتفاقية حقوق الطفل)، المعتمدة فى عام 1989، إلى أبعد من ذلك، فتنص على أن يُتاح التعليم العالي أمام الجميع، ولكن، هيهات !.
-6-
هناك، الآلاف من الناجين والناجيات، ممن استطاعت أُسرهم/ن (النزوح) من مناطق الإقتتال الساخنة، ثمّ (اللجوء)، بالخروج من السودان، لبلدان الجوار و"غير الجوار"، هؤلاء، أصبحوا يواجهون تحديات جمّة، وصعوبات جديدة، من بينها وأهمها ارتفاع تكلفة التعليم الباهظة فى تلك البلدان، مضافاً إلى مشكلات أُخري، منها انعدام الوثائق الرسمية "الشهادات" التى تُثبت أهلية التلاميذ والطلاب للقبول بالصفوف الدراسية المعينة، وضعف القدرات المالية للآلاف من الأمهات والآباء، وعجزهم/ن المالي من تحمل نفقات اِلحاق أبنائهم وبناتهم بالمدارس "المتميّزة" فى البلدان المُضيفة، وصعوبات أُخري يواجهها الطفلات والأطفال، بصورة خاصة، منها طول وقت "التاقلم" و"الإندماج" فى "بِيئات" تعليمية جديدة، وهناك، مشكلات أُخري فى اللغة، والثقافة، وطرائق واساليب التعليم، ومناهج التعليم المختلفة، فى تلك البلدان، وجميعها صعوبات فرضتها هذه الحرب الكارثية التى أجبرت الملايين على الفرار من أماكن النزاع المسلّح، دون تخطيط مسبق ومدروس لمغادرة الأوطان، وهذه كارثة كبرى تنتظر آثارها ونتائجها الأجيال الجديدة من السودانيين والسودانيات، فى داخل الوطن، وفى مناطق النزوح واللجوء !.
-7-
فى هذا الواقع المأساوي، نجد "أباطرة" أطراف الحرب "المليجيشية" الكارثية، منشغلين فى عمليات التجنيد والتحشيد والإستنفار على الهوية العرقية والإثنية والمناطقية، دون أدني إحساس أو انتباه لأوضاع الأطفال والشباب، وهناك حملات مستمرة فى تجنيد للشباب دون سن الثامنة عشر، وكثيرون منهم فى مرحلة التعليم الأساسي، وهذا يعني تحوُّلهم إلى مقاتلين، بدلاً عن تلقيهم التعليم، وهذه جريمة يرتكبها ويُصر على ارتكابها من فجّروا هذه الحرب، غير آبهين بمستقبل الأطفال والطفلات، ويكفى هنا أن نردد مع نيلسون مانديلا قوله الحكيم: "التعليم هو أقوى سلاح يمكنك استخدامه، لتغيير العالم"!.
-8-
هناك حرب أُخري، بين (الجيش والدعم السريع) تدور رحاها بقوّة فى ساحات القنوات الفضائية، وبخاصة الناطقة بالعربية، حيث يتواصل الجدل "البيزنطي" العقيم، بين مُعظم ممن تسميهم تلك القنوات "محللين سياسيين"، و"خبراء" فى الشأن السوداني، وجُلّهم من المقيمين فى "المهاجر" القريبة والبعيدة، نجدهم يتحدثون، ويسهبون فى اللغو، بلغة بعيدةً – كل البعد – عن الواقع، لغة "تبريرية" ماسخة، وباردة، يُسهبون فى الحديث – المكرور - عن كل شيء، إلّا عن "معاناة" الناس "الواطية جمرة الحرب"، ودون التطرق أو التركيز على آلامهم وفواجعهم، وكثيراً ما نري أنّ معظم هؤلاء "الخبراء" ينخرطون فى التبريرات الفطيرة، فيكشفون بغباءٍ مفضوح، عن انحيازاتهم الواضحة، لأحد طرفي النزاع، فلا يُشخِّصون مرضاً، ولا يجترحون حلولاً علاجية ممكنة، بل، نجد غالبيتهم، يحرّضون – الناس - على الحرب واستمرارها، ولا يكتفوا بالتحريض على مواصلة الحرب، فحسب، لكنهم يصرّون على المزيد من" صب الزيت فى نار" الحرب المدمرة، ويمارسون خطاب كراهية وتمييز وعنصرية بائن، دون تدخّل من مُعظم مقدمي هذه البرامج، وهذا ما تفرضه مواثيق الشرف الصحفي، على الصحفيين والصحفيات فى وسائل الإعلام والصحافة، بعدم جعل منصاتهم الإعلامية، ساحات مُبارزة قتالية، وفضاءات حُرّة، لممارسة خطاب الكراهية والعنصرية والتمييز، وكل ما نرجوه ونتمناه – فى هذا المقام - من زملائنا وزميلاتنا، فى مهنة البحث عن الحقيقة، الإنتباه لخطورة جعل برامجهم معاول هدم، وإهدار لقيم حرية التعبير والصحافة، ببث خطاب الكراهية والعنصرية والتمييز، ضد الآخر والمختلف !.
جرس أخير:
"كم من ولد .. لا أُم .. لا بيت .. ولا حاجة... ياحليلو ما بِحلم .. مدرستو .. ما فتحت .. قدامو أدراجا ... لا بحس بطعم العيد .. لو مرّ أو ما جا ... بتوسّد الطرقات .. والحُمّى سهراجه ... لمّن يراهو الجوع .. واللُقمة مُحتاجا ... هُوج الرياح .. فى الليل .. ساقياهو كُرباجا " ((محجوب شريف))

فيصل الباقر
faisal.elbagir@gmail.com
علَمْ بأن العِلمَ أرفعُ رتبة
وأجَلُّ مكتسَبٍ وأسنى مفخَر
فاسلُكْ سبيل المقتنين له تسُدْ
إن السيادةَ تُقتنى بالدفترِ
والعالِم المدعوُّ حَبرًا إنما
سمَّاه باسم الحَبْرِ حَمْلُ المحبَرِ
ومُضَمَّر الأقْلامِ يبلغُ أهلُها
ما ليس يُبلَغ بالجِيادِ الضُّمَّرِ  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

“على بلاطة”

يهددوننا بشن الحرب!
هل تعرف ما الذي تعنيه الحرب ؟!
– لا.. !
حتى أنا، لكني سمعت بها من قبل!
شاهدت بعض الأفلام عنها، لا بد أنك فعلت أيضاً!
لكن لم يسبق لي عيش واحدة!
من المفترض أنها شيء مخيف يا صديقي.
يتحدثون عن تشكيل تحالف أمريكي – إسرائيلي ضدنا..!
سيقومون بقصف مدننا يا رجل!!
ليس هذا فحسب، سيغلقون مطاراتنا كذلك!
لن نقضي إجازة الصيف القادم في سويسرا كما هو مخطط له!!
الأمر لن يتوقف عند هذا الحد، كلا!
سيفرضون حصاراً خانقاً على موانئنا ومنافذنا!
لا غذاء.. لا دواء.. لا مشتقات نفطية.. لا شيء!
ربما يقومون بنقل البنك المركزي ويمنعون مرتباتنا!
سيرتكبون المجازر.. سيقصفون صالات العزاء وصالات الأفراح والأسواق والمساجد والمدارس!
ربما نفقد شقيقاً.. ابن عم.. ابن خال.. عزيز ..
زميل.. جار.. أو حتى أنفسنا.. هذا مريع!
سيحركون أذرعتهم ومرتزقتهم في الداخل!
هل شاهدت فرحتهم وحماستهم ؟!
مثيرة للرعب يا رجل، هتافاتهم كذلك!
قادمون يا صنعاء..!
لا أدرى أي داهية ابتكرها!
قادمون يا صنعاء..!
يا إلهي، ألا تشعر برغبة في البكاء ؟!
– لا..!
حسناً.. يمكنك الضحك إذاً، لقد صبرت بما فيه الكفاية!
أبناء الساقطة يحاولون اخافتنا بدعابة قديمة!!
لا أدري ما الذي يفكرون فيه!
لا افهم سبب سعادتهم ونشوتهم واستبشارهم!
هل تعون ما الذي أنتم بصدد اختباره ؟!
لقد دسنا رقابكم بأسلحتنا الشخصية..
بندقيات الكلاشنكوف كانت كافية لتوزيعكم على كل قارة.
اليوم بتنا نصنع صواريخ فرط صوتية، هذه المرة سنحرص على إرسالكم إلى الجحيم أو إلى مجرة أخرى على أقل تقدير!
ما جديدكم.. ما الذي تغير، تفضلوا فاجئونا ؟!
«شن حرب على اليمن»
هذا حدث لا يستحق مغادرة الفراش لأجله!
سنفنيكم عن آخركم.. تذكروا هذا جيداً..
ومالم تحققوه بعباءة العروبة والإسلام لن تحققوه بتنورة الغرب واليهودية!
أما نحن سنفعل ما نجيده، هزيمة العالم!
من نصرنا في البارحة سينصرنا اليوم!
على الأقل، المنطق في صفنا هذه المرة!
الخوف.. مخيم عليكم أنتم أيها الحمقى السمج،
أنتم الحلقة الأضعف في هذا السيناريو..!

مقالات مشابهة

  • قرار رائع “عشية رأس السنة” من وزارة التربية التركية
  • في جلسة لمجلس الأمن.. السودان يكشف بالأدلة عن شحنات سلاح مضطردة من الإمارات للدعم السريع ومهابط سرية لطائرات داخل السودان ويدفع مطالب عاجلة ويعلن عن “خطة” فيديو
  • في الذكرى السادسة لثورة ديسمبر.. “تقدم”: الحرب الحالية امتداد لمحاولات النظام البائد الانتقام من الشعب السوداني
  • السودان: أحكام بالسجن المؤبد والإعدام في قضايا تعاون مع “الدعم السريع” 
  • الانسحابات تزلزل الجيش الإسرائيلي.. 500 ضابط رحلوا خلال شهور بسبب الحرب
  • “بلومبيرغ”: مفاوضات إيرانية روسية لبناء قاعدة عسكرية في السودان
  • امتحانات الشهادة السودانية.. الطريق إلى تقسيم السودان عبر “سلاح التعليم”
  • “على بلاطة”
  • حراك المعلمين المتعاقدين يستنكر إلزام التعليم عبر تيمز في المناطق المتضررة
  • مطالب دولية بحماية المدنيين مع تزايد انتهاكات “حرب السودان”