جمعية الهلال الأحمر أو الصليب الأحمر في كل دولة هي منظمة فريدة مختلفة عن بقية المنظمات التطوعية غير الحكومية في أنها تأخذ صفة الوطنية والعالمية في نفس الوقت لأنها جمعية وطنية في إتحاد دولي لجمعيات شقيقة.. فهي بهذه الصفة تعمل داخل الدولة المعينة ولا تأتمر بأمر حكومتها في القضايا السياسية والعسكرية ولا ترتهن لإرادة الحكام ولا تواليهم ولا تشايعهم.

. ومن أهم ما يميزها أنها تقوم على المبادئ الحاكمة للحركة الدولية لجمعيات الهلال والصليب الأحمر وهي (الإنسانية، الحياد، عدم التحيز، الخدمة التطوعية، الاستقلالية، الوحدة والعالمية) هذه المبادئ السبعة تمثل حجر الزاوية في كل أنشطة الجمعيات الوطنية التي يجب أن يعيها المتطوعون وتتفهمها الجهات الحكومية حتى لا تُسخِر الجمعية في خدمتها مهما كانت في حاجة لها، وتحفظ لها كينونتها المستقلة حتى في أحلك الظروف. كما تؤكد هذه المبادئ على حق الجمعية الوطنية أن تكون مستقلة تماماً حتى لا تتحكم فيها اهواء السياسيين ونزواتهم ومصالحهم السياسية وأهم من ذلك تضمن لأعضاء ومتطوعي الجمعية ما يعرف في أدبيات الحركة الدولية للصليب الأحمر و الهلال الأحمر بالوصول الآمن Safer access والذي يمكنهم من الوصول لأيّ منطقة بها نزاع مسلح ليس فقط بحُرية، وإنما بأمان لأن منتسبي الجمعية يقدمون خدماتهم الإنسانية بناءاً على أهم مبدأ من المبادئ السبعة وأولها وهو الإنسانية.
كان لابد من هذه التقدمة الخاطفة لتوضيح وضع جمعية الهلال الأحمر السوداني في الظرف المعقد من حرب تدور رحاها في السودان لما يقارب العام. فقد نشر تلفزيون السودان الرسمي وضمن نشرة الأخبار الرئيسة خبراً مفاده (استعداد جمعية الهلال الأحمر السوداني) ضمن النفرة التي تنتظم ولاية نهر النيل وتقديم خدمات الجمعية أمام كافة الإرتكازات بالولاية مصحوباً بترديد شعار سياسي يدلل على انحياز الجمعية لأحد طرفي الحرب وهو الجيش النظامي.
بالنظر للخبر قد يراه المشاهد العادي حدث عادياً ضمن حركة الاستنفار وطغيان حالة التعبئة والقتال داخل المدن ولا يشغل باله كثيراً أن يكون متطوع أو موظف أو عضو بالجمعية يرتدي شعارها ويعلن موقفا منحازا لأحد أطراف النزاع المسلح... غير أن المطلعين على أدببات ومبادئ هذه الجمعية فلا يمكن أن يكون ذلك الحدث مجرد حدث عابر، وإنما يُنظر له بإعتباره موقفاً مرفوضاً جملة وتفصيلاً ويستدعي التدخل الفوري والعاجل من اللجنة الدولية للصليب ICRC والإتحاد الدولي لجمعيات الهلال والصليب الأحمر IFRC على أعلى المستويات حفاظاً على أرواح بقية المتطوعين ومَن يرتدون شارة الجمعية. ذلك لأن شارة الجمعية محمية بموجب القانون الدولي الإنساني وبموجب اتفاقيات جنيف. لذلك فإن ما بثه التلفزيون الرسمي ويعلن فيه منتسبو الجمعية وبإسمها الانحياز لطرف من أطراف النزاع المسلح يخالف تماما كل مرجعيات الجمعية ويخرق أهم المبادئ التي تقوم عليها الجمعية بل ويصادر حق الجمعية في الوصول الآمن ويعرض حياة بقية المتطوعين للخطر في المناطق التي يسيطر عليها الطرف الاخر من النزاع المسلح.
إن أهم المبادئ التي يخرقها هذا التصرف هي الحياد وعدم التحيز والاستقلالية.. فبغض النظر عن موقف المنتمي للجمعية الشخصي من الحرب الدائرة ومصلحته الخاصة في أن ينحاز لهذا الطرف أو ذاك، يمكن أن يكون ذلك متاحاً ومفهوماً بشرط واحد هو التخلي عن العمل بالجمعية موظفاً كان أو متطوعاً لأن مثل هذا التصرف يضرب وبشكل مباشر أيضا في نزاهة الجمعية Soiety's integrity بل وفي الحركة الدولية برمتها.. والمعروف أن منتسبي الجمعية يقدمون خدماتهم التطوعية بغض النظر عن هوية وأصل أطراف الصراع بمعنى أنه على الجمعية أن تقدم خدماتها لأفراد الجيش السوداني بنفس المستوى الذي تقدم بها خدماتها لأفراد الدعم السريع وهنا تتجلى أهمية وجود الجمعية الوطنية لأن مبدأ الحياد يحتم تقديم الخدمة التطوعية لأفراد النزاع بدون تحيز وبناء على حاجة الناس لها وفقا لمبدأ الإنسانية وبعيداً عن حالة التجييش والتشنج والدعاية الحربية التي يبثها أطراف النزاع المسلح كما يحدث في حالة السودان الراهنة.
إن التزام الحكومة السودانية باتفاقات جنيف يجب أن تضمن للجمعية أجواء مواتية للعمل بحرية وفقا للمبادئ سالفة الذكر بما فيها تمكين منتسبو الجمعية من العمل بحرية وبلا تدخل في شؤونها، كما أن على منتسبي الجمعية احترام الشارة التي يرتدونها لا لقدسيتها فقط، وإنما لضمان أن يعاملهم أطراف النزاع المسلح على أنهم رسل إنسانية يقدمون خدماتهم من أجل تخفيف وطأة الحرب على المتحاربين والمواطنين على حد سواء.
د.محمد عبد الحميد

wadrajab222@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الهلال الأحمر

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني يحكم سيطرته على منطقة مهمة في النيل الأزرق ويكبد الدعم السريع خسائر كبيرة

متابعات ــ تاق برس  نفذ متحرك اسود النيل الأزرق التابع للفرقة الرابعة مشاه بالدمازين عملية عسكرية مباغتة فجر اليوم في منطقة السلك الحيوية. وتمكنت قوات الجيش من بسط سيطرتها بالكامل بالمنطقة بعد أن كبدت الدعم السريع خسائر كبيرة في الارواح والمعدات. وبث جنود بالجيش السوداني مقاطع فيديو تظهر عشرات السيارات القتالية المحترقة التي تحمل المدافع الثنائي والدوشكا الأمر الذي يكشف حجم الخسائر الكبيرة التي منيت بها قوات الدعم السريع.

 

الجيش السودانيالدعم السريعالنيل الأزرق

مقالات مشابهة

  • ‎الباقات الأساسية التي توفرها منصة نسك
  • بقيادة الإمارات..الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قراراً بالتوافق حول «دور الماس في تأجيج النزاع»
  • الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قراراً بالتوافق حول دور الماس في تأجيج النزاع بقيادة الإمارات
  • اللجنة الدولية للصليب الأحمر تُطلق صيحة استغاثة بشأن الاعتداءات على المستشفيات في مناطق النزاع
  • الجيش السوداني يحكم سيطرته على منطقة مهمة في النيل الأزرق ويكبد الدعم السريع خسائر كبيرة
  • الأمم المتحدة قلقة بشأن المدنيين الفارين من العنف في ولاية النيل الأزرق
  • مدير شرطة ولاية جنوب كردفان يستقبل قوة شرطة الولاية المشاركة مع القوات المسلحة في فتح الطريق القومي كادقلي – الدلنج
  • دوري أبطال أفريقيا| الليلة.. الأهلي يتحدى الهلال السوداني في موريتانيا
  • الأمم المتحدة قلقة بشأن الفارين من العنف في ولاية النيل الأزرق
  • قيم في الحياة.. الإصلاح ذات البين.. فضيلة للاستمرار