سودانايل:
2025-03-16@21:23:09 GMT

المعادلة العقلية في الصراع السياسي

تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT

زين العابدين صالح عبد الرحمن
السؤال الذي يطرح بعد كل ثورة و انتفاضة في السودان لماذا تخسر القوى السياسية معركة الديمقراطية في سنينها الأولى من التغيير؟
أن محاولة البحث عن الإجابة على السؤال تتطلب مواجهة الحقيقة، حقيقة الذات و رغائبها، حقيقة المعرفة و كيفية توظيفها من أجل الوصول على إجابات مقنعة، حقيقة الموقف من الأخر، حقيقة الأهداف المطلوب تحققها في الواقع، حقيقة أن التحول الديمقراطي يجب أن يؤسس على التسوية السياسية، حقيقة أن التسوية تعني القبول بمبدأ التنازلات المتبادلة، و أخيرا يجب الرد على العديد من التساؤلات التي تكون مطروحة و بوضوح، و بعيدا عن البحث عن شماعات تعلق عليها الأخطاء.

واحدة من أسباب الفشل في السودان لإنجاز مهام الثورة أو الانتفاضة السابقة، أن النخب السياسية عجزت أن تدير حوارا فيما بينها، الخوف من الحوار هو تأكيد و أعتراف بضعف القدرات؛ و الضعف يتبين عندما تعجز النخب السياسية بعد التغيير أن تحدث تغييرا في المفاهيم السائدة، أي أن تؤسس لثقافة جديدة تشكل أرضية لعملية التغيير المطلوبة..
أن طول النظم الشمولية في أي دولة، يعمل على تجريف مساحة الحرية، و يضعف الممارسة الديمقراطية، الأمر الذي ينعكس سلبا على المؤسسات الحزبية و يضعفها، فالديمقراطية تؤسس على الحرية و صراع الأفكار و الأراء من خلال الحوارات المفتوحة، و التي تتواصل مع الحراك داخل المؤسسات الحزبية و الأكاديمية و البحثية و منظمات المجتمع المدني، بهدف ضبط المفاهيم لكي تخلق أرضية مشتركة للثقافة المطلوبة لعملية التغيير. لكن التجارب التاريخية أثبتت أن النخب السياسية السودانية لا تلتفت لهذه القضايا، لأنهم جميعا يعتقدون أن قوة السلطان وحدها هي التي تستطيع أن تحدث التغيير، مما يؤكد أن النخب تريد أن تحدث التغيير بذات الثقافة و الإرث السياسي ما قبل الثورة و الانتفاضة.
في ظل شعارات الديمقراطية المرفوعة في سماء السياسة؛ يحاول البعض أن يفرضوا على المرء آرائهم إعتقادا أن الآخرين ليس أمامهم خيار غير الإذعان و الرضوخ لمبدأ الأستاذية الذي يتعاملون به. و آخرون يهددون بالتدخل الدولي استنكارا لرفض البعض الرضوخ. إذا لم تفعلوا كذا و كذا أن المجتمع الدولي سوف يفرض قرار التدخل، أو أن مجلس الأمن سوف يفرض التدخل العسكري امتثالا للبند السابع. و يتجاهلون أن المنظمات الدولية نفسها رغم أن القوانين و الاتفاقات الدولية تحكمها، إلا أن قراراتها تحركها مصالح الدول داخل هذه المؤسسات. و من الصعوبة بمكان أن يتخذ مجلس الأمن الدولي قرارا بالتدخل في أي دولة بعيدا عن صراع المصالح الإستراتيجية الدائر بين الدول..
في ظل هذا الركود العقلي و الثقافي السياسي؛ أتذكر قول سلامة موسى في كتابه "ما هي النهضة" يقول ( كل تحرك اجتماعي يحتاج إلي تحرك ثقافي و ليس هناك غير الأمم الزراعية التي تستطيع أن تعيش على ثقافة راكدة لا تتحرك و لا تتباين و لا تتنوع لآن المجتمع المتحرك يحتاج إلي ثقافة متحركة متباينة و متنوعة.. و من هنا تكون ضرورة الانقلاب الثقافي لإيجاد انقلاب في الحضارة) أن التحرك الذي يشير إليه سلامة موسى يحتاج إلي عقل نقدي يواجه الحقائق، و يتعامل معها بذهن مفتوح، و لا يحاول تغيبها بتبريرات واهية. أن العقل السياسي السوداني بمختلف تياراته الفكرية هو عقل تبريري، التبرير لا يجعل صاحبه يتعرف على سباب الأخطاء التي تسببت في الفشل. لذلك يتراكم الفشل في السودان منذ عشرات السنين. و ربما يرجع ذلك لتراكم الثقافة الشمولية، و أيضا ثقافة "الحوار و الشيخ " المهاجرة من حقل الصوفية إلي الساحة السياسية، هي التي تسببت في تعطيل العقل السياسي السوداني. أن حالة الركود تفقد المرء الجسارة التي يستطيع أن يقدم فيها أراءه بقوة دون خوف أن يرميه الأخرين بصفات الانحرافية و التخازلية و الكوزنة و غيرها من المحبطات و الفزاعات التي تستخدم للحد من تقديم الأفكار و الآراء.
أن العقل السياسي السوداني و حتى المثقفين أمام تحدي: هل هم قادرين أن يقدموا أفكارا تساعد على الخروج من الأزمة، و فتح حوارات فكرية و سياسية بهدف خلق أرضية للثقة ثم الوصول منها إلي توافق وطني؟ و نسأل الله حسن البصير..

zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

باب المندب قلبُ العاصفة ومهدُ التغيير

أمــين زرعان

وجاء من أقصى اليمن بأسٌ يسعى، يجرف من أفسد وتعدّى، ببأس رجالٍ من حديد، وهمةِ سيدٍ أغلق المحيط. بتهديده جعل ثلاثي الشر يدور حول نفسه، وجعل من بحره وبأس سلاحه الجوي جسرًا يعبر من خلاله الدواء والغذاء إلى أهل غزة، وجعل من بحره كابوسًا يؤرّق “إسرائيل”.

فمرحلة حرب المحيط لا تقتصر على البحرَين الأحمر والعربي فحسب، بل ستصل إلى المحيط الهندي، وُصُـولًا إلى البحر الأبيض المتوسط؛ فليس جديدًا أن نرى المفاجآت من يمن الإيمان والحكمة.

وفي خضم هذه المعركة المتصاعدة، تتجلى معادلة جديدة تفرضها إرادَة لا تنكسر، حَيثُ تتحول المياه الإقليمية إلى خطوط مواجهة، والسماء إلى ساحات استعراض للقوة والإصرار. فبينما كان العدوّ يظن أنه يسيطر على البحر ويفرض هيمنته على أهل فلسطين، جاء الردُّ بما لم يكن في حسبانه؛ فالعمليات النوعية تتوالى، والرسائل النارية التي يرسلها السيد القائد تكتب معادلات جديدة في توازن الردع.

إنها ليست مُجَـرّد معركة عابرة، بل حربٌ استراتيجية تُعيد رسم خرائط النفوذ، وتثبت أن اليد التي تمتد لنصرة المستضعفين قادرةٌ على قلب الطاولة وتغيير قواعد الاشتباك. فما بين مدٍّ وجزر، يبقى البحر شاهدًا على عهدٍ قُطع، وعلى رجالٍ أقسموا ألا يهنأ المحتلّ، ولا ينعم من تآمر وخان.

إذن.. مرحلة حرب المحيط تتجاوز كونها مُجَـرّد عملياتٍ عسكرية، إلى كونها رسالةً للعالم بأن الهيمنة المطلقة باتت وهمًا، وأن زمن الإملاءات بلا رادع قد ولّى؛ فمن البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، ومن باب المندب إلى المحيط، ستبقى راية الإرادَة الحرة ترفرف، وستظل المفاجآت سيدة الموقف، ليبقى اليمن عبر التاريخ قلبَ العاصفة، ومهدَ التغيير.

مقالات مشابهة

  • باب المندب قلبُ العاصفة ومهدُ التغيير
  • تغير المعادلة في سوريا.. أربعة أعداء جدد للاحتلال أكثر خطورة
  • سجن وتغريم أفراد عصابة تتاجر بـ«المؤثرات العقلية»
  • ???? مدنيون ضد الحقيقة ومع تدمير العقل السياسي السوداني
  • السجن 13 عامًا لفردين ضمن تشكيل عصابي نقل المؤثرات العقلية من أوباري إلى مدن أخرى
  • النيابة العامة تعلن إدانة فردين ضمن تشكيل عصابي لترويج المؤثرات العقلية
  • وزير التربية: دعم النخب والكفاءات في مجال الرياضيات
  • المعادلة الجماهيرية لصالح من؟
  • سليمان من قصر بعبدا: المعادلة التي تُفيد البلد هي معادلة الجيش والشعب
  • تفكيك نظرية التهميش: هل هي حقيقة أم وهم متجذر؟