شبكة اخبار العراق:
2024-12-25@17:28:38 GMT

ثقافة الأكثريَّة.. ديكتاتوريَّة الثقافة

تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT

ثقافة الأكثريَّة.. ديكتاتوريَّة الثقافة

آخر تحديث: 25 يناير 2024 - 1:36 ممحمد صابر عبيد إن استقراء دقيقاً وعلميّاً محايداً يمكن أن يكشف عن حقيقة كارثيّة لا يمكن إغفالها؛ هي أنه لا وجود لأكثرية ديمقراطيّة في أكثر المجتمعات تحضراً وفي العصور كلها، إذ إن الأكثرية تسعى بِوعي منها -وحتى بلا وعي أحياناً- إلى تكريس نموذجها على حساب الأقليّة دائماً، فهي محك هيمنتها وتسلطها وجبروتها، إن هوية الأقليّة على هذا الأساس ضرورية لهوية الأكثرية بحيث لا يمكنها أن تحيا من غير وجودها، فمن دونها تظل هوية الأكثرية بلا حدود وبلا معنى تقريباً،  وبحسب نظرية (التحدّي والاستجابة) التاريخيّة فإنّ وجود صوت الأقلّية الواطئ والراضخ هو الذي يكشف عن علوّ صوت الأكثرية وتسلّطه وجبروته، لكنّ هذه المعادلة تُخفي في داخلها معادلةً عميقةً لها رأي آخر وصورة أخرى ومقصديّة أخرى هي المعوّل عليها بإزاء المعادلة الظاهرة التي لا تعبّر عن حقيقة الثنائيّة.

 لذا فإنّ الأكثريّة تحقّق وجودها بديكتاتوريّة الهيمنة والتسلّط والصوت العالي، إذ هي تنظر إلى صوت الأقليّة بوصفه ميدانَ اختبارٍ حيّاً لقوة هذه الديكتاتوريّة وفعاليّتها في التسلّط والهيمنة وفرض النموذج، وتتعامل معه تجريبيّاً بوصفه مختبراً لكشف كفاءة صوتها وصلاحيته وحجم إنجازه وقوّة تأثيره في المحيط، وهي تعيد النظر في صوتها على أساس طبيعة الاستجابة التي تحظى بها في هذا السياق وما تؤول إليه من إمكانات.  ثقافة الأكثريّة على هذا الأساس هي ثقافة سلطويّة وأبويّة بطرياركيّة عُليا لا تهبط إلى الأسفل مطلقاً مهما بالغت في تسامحها وديمقراطيّتها، ولا يمكنها التخلّي عن تراثها ومنجزاتها وحقوقها المُكتسَبة؛ حتى وإن برز فيها أفراد متحرّرون ديمقراطيّون راغبون في التغيير والمساواة والنظر إلى الأشياء بديمقراطية واضحة، لأنّ هذا التراث اكتسب درجة التقديس والصيرورة التاريخيّة والاجتماعيّة والفلسفيّة الكبرى، وراح أفراد ثقافة الأكثريّة المترفون ينعمون بمكتسبات كبيرة جداً في الحياة ليس من السهل التنازل عنها أو التقليل من منجزها، مهما شعر الديمقراطيون من أفرادها بظلمهم للآخر، فالترف يُعيق حلقات مهمّة في الشعور الإنسانيّ ويمنع تقدّمها إلى الأمام؛ لا بل يدفع عناصر الأكثريّة المترَفة إلى الدفاع عن هذه الوجود النوعيّ حتّى لو اضطرّوا إلى ارتكاب الجرائم، فالحظوة ذات الرفاهية العالية تعاين الآخر بوصفه ضحيّة ضروريّة لا بدّ منها. تؤسس هُويّة الأكثريّة بمرور الزمن وتتالي التجارب مجموعة مركزيّة من التقاليد الضاغطة والحاجبة والعازلة، تعمل على تعزيز هيمنتها وفرض سلطتها بقسوة على هويّة الأقليّة وتحوّلها إلى ضحيّة على الرغم منها، وغالباً ما تُستخدم اللغة العربية في معظم المجتمعات العربيّة سلاحاً فعّالاً في تركيز هذه السلطة في منطقة اللسان، للتقليل من أهميّة غير العرب في ميدان قيادة دفّة المجتمع وصنع مستقبله، وذلك في سياق التأكيد على أنّ اللغة العربيّة أحد أهمّ مكوّنات هويّة الأكثريّة في المجتمعات العربيّة ولا يمكن لغير العربيّ التمكّن منها، بَلْه الكتابة والإبداع والتفنّن والتفقّه فيها، على النحو الذي أصبحت فيه اللغة العربيّة هدفاً “باطنيّاً جوّانيّاً” لحقد الأقليّة وميداناً حيّاً ورحباً ومناسباً للحرب الباردة الناعمة بين صوت الأقليّة المنطلق من عتمة الظلال هادئاً ضعيفاً، وصوت الأكثريّة المتحدّر من قمّة الجبل هادراً قويّاً لا يلوي على شيء، حرب باردة ناعمة تنطوي على أحقاد نائمة وسياسة لا تُبرِز الوجه الحقيقيّ للأشياء. المجتمعات العربيّة الحيّة على مرّ عصورها هي مجتمعات أكثريّة وأقليّة، ولم تخرج في كلّ عصورها خارج هذه المعادلة الصعبة العصيّة على الحلّ أبداً، وعلى هذا فهي مُتّهَمة دائماً بسياسة التمييز بين الأكثريّة والأقليّة، مثلما أنّ العرب أنفسهم في المجتمعات الغربية -حيث هم يلعبون رغماً عنهم دور الأقليّة – يعانون من المأساة نفسها، ويشربون من الكأس نفسها، وقد حشرتهم الأكثريّة الغربيّة في هامش مظلم. وينادون المنظّمات الدوليّة ومؤسسات المجتمع المدنيّ الغربيّة لأجل مساندتهم وتحصيل حقوقهم المسلوبة. يمكن النظر إلى مصطلح المحاصصة الطائفيّة والتقسيم الفئويّ للمناصب في العراق ولبنان وفي بلدان عربيّة أخرى مثلاً بوصفه حلّاً ديمقراطيّاً شكليّاً لإعادة الاعتبار للأقليّة، لكنّه في سياق آخر هو تكريس لها وتثبيت لدعائمها ونشر ثقافتها والتقليل من خطورتها على النحو الذي يخدم الأكثريّة أيضاً، ثمّة معادلة ثقافيّة سريّة يتوافق عليها الجميع بحيث يدرك كلّ عنصر من عناصر طرَفَي المعادلة خطورة هذا التوافق ومستقبله الغامض، غير أنّ ضرورات كبيرة أكبر من حجم الفهم والإدراك تحتّم على جناحَي المعادلة قبولها، واغتنام ما تدرّه على الجميع من غنائم لا يمكن التضحية بها من أجل أفكار ومبادئ لا يمكن أن تتضح بسهولة. جاءت العولمة بخطابها الحداثيّ كي تقترح معادلة جديدة تجعل من المركزيّة الأوربيّة الأميركيّة الحلقة النواة لحركة العالم، تدور حولها الحلقات الأخرى بسحب أهميّتها قرباً أو بعداً عن البؤرة المركزيّة كي تحظى بالأهميّة والحصول على ما أمكن من الامتيازات، وتجسّدت في نماذج ثقافيّة أدبيّة متنوّعة عالميّاً دخلت في جوهر الحراك الإنسانيّ الكوزموبولوتيّ؛ بوصفها نماذج حرّة ساعد فكر الحداثة على انتشارها وتداولها، ويمكن لإشكاليّة الأكثريّة والأقليّة في مجتمعاتنا المتأخرة حضاريّاً أن تسخّر خطاب العولمة على هذا النحو لصالحها، بما يستجيب لطموحاتها في الحصول على مزيد من المكاسب بعيداً عن الأفكار والقيم الكبرى، تلك التي نادى بها كثيرون في الحقبة الماضية وأخفقوا إيّما إخفاق بسبب محدودية الوعي وغموض الفكرة وطوباويّة الحلم.

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: العربی ة على هذا لا یمکن

إقرأ أيضاً:

"أهل مصر".. قصور الثقافة تختتم الأسبوع الـ35 لأطفال المحافظات الحدودية بشرم الشيخ

"أهل مصر".. شهد قصر ثقافة شرم الشيخ، مساء اليوم، ختام فعاليات الأسبوع الثقافي الخامس والثلاثين لأطفال المحافظات الحدودية، ضمن مشروع "أهل مصر" المقام تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، ونظمته الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، وأقيم في الفترة من 16 حتى 22 ديسمبر الجاري.

حضر حفل الختام لاميس الشرنوبي، رئيس إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافي، والمدير التنفيذي لمشروع أهل مصر أطفال، د. شعيب خلف، مدير عام إقليم القناة وسيناء الثقافي، منيرة فتحي المشرف على فرع ثقافة جنوب سيناء، أميمة إسماعيل مدير قصر ثقافة شرم الشيخ.

رحبت المدير التنفيذي للمشروع بالحضور وأعربت عن سعادتها بتنفيذ الأسبوع على أرض سيناء الحبيبة، بوابة مصر الشرقية، ودرعها الواقي على مر الزمان، وأكدت حرص هيئة قصور الثقافة من خلال المشروع على تأصيل الهوية الثقافية للطفل، والعمل على خلق جيل جديد مثقف وواع يعتز بوطنه ويفتخر بتاريخه.

وأشارت "الشرنوبي" إلى أن الأنشطة المقدمة على مدار أيام الأسبوع الثقافي هي بوابة اكتشاف مواهب الأطفال لبناء الشخصية وتحصيل الوعي، بما تضمنه من ورش متنوعة من الموسيقي والرسم واليدوية والحرفية والورش الأدبية، وتزويد الأطفال من المعارف التي تتماشى مع أعمارهم، حتى يمكن استيعابها، موضحة أن مصر تزخر بتراث ثقافي متنوع، ويهدف المشروع لتحقيق التفاعل بين الأطفال بعضهم البعض وجمعهم على حب الوطن.

واختتمت حديثها بتقديم الشكر لوزير الثقافة ونائب رئيس قصور على الدعم الكامل لمشروع أهل مصر، ولمحافظ جنوب سيناء على استضافته لإقامة الملتقى الثقافي بمدينة شرم الشيخ.

وقال مدير عام الإقليم: مرحبا بكم فى بقعة غالية من بقاع مصر المحروسة، وتحية لكم جميعا ولكل طفل جاء من أقاصي الوطن العظيم، وأقدم التحية لكل من ساهم فى هذا المشروع العظيم، بدءا من القيادة السياسية التى دشنت مشروعات قومية عظيمة، كما أقدم الشكر لوزير الثقافة وقيادات هيئة قصور الثقافة، لدعمهم الدائم للأنشطة التي تقدمها الهيئة لجميع فئات المجتمع.

واختتم الحديث بتوجيه الشكر للأطفال المشاركين موضحا أنهم شباب اليوم ورجال المستقبل، الذين بسواعدهم تقوى النهضة وعلى أكتافهم يعلو بناء الوطن.

وقد بدأت الفعاليات بتفقد الحضور المعرض الفني نتاج الورش الفنية والحرفية واليدوية المنفذة خلال فعاليات الأسبوع الثقافى وهي ورش "الخيامية، شنط بالخرز، إعادة التدوير، الأركت، شنط بالشبك، الحلى والإكسسوار، الرسم بالموسيقى".

واستهلت فقرات الحفل بالنشيد الوطني، أعقبه فيلم توثيقى لفعاليات الأسبوع الثقافي، إعداد د. محمد إسماعيل، تصوير جمال الشرنوبي، مونتاج أحمد فتحي.

أعقب ذلك عرض نتاج الورش الأدبية والمسرحية وورش الأداء، وبدأت بورشة المسرح للمخرج جمال مهران وتقديم العرض المسرحي "كلنا مصر"، وإبداعات ورشة الأراجوز للفنان ناصر عبد التواب بفقرات "النشيد الوطني، وتعلم الأرقام، وأغنية يا أغلى اسم فالوجود"، تلاها ورشة تحريك العرائس للمدرب جمال الشرنوبي، على أغاني "اتفرج ع الحلاوة، شمندورة"، بجانب عرض التنورة.

كما شهدت الفعاليات تقديم نتاج ورشة التصوير الفوتوغرافي للمدربين د. محمد إسماعيل، والمونتير أحمد فتحي، وتضمنت فيديو لبعض الصور التى قام بتصويرها الأطفال خلال الزيارات والجولات الميدانية، أعقبها ورشة الشعر للشاعر محمود الحلواني وشملت قصائد "على اسم مصر، مصر هي أمي، الأخت، الفراق".

وتواصلت الفقرات مع ورشة كتابة السيناريو للسيناريست وليد كمال، وقدم الأطفال فقرة بعنوان "چياد البطل" تتناول التنمر والخجل، كما شهدت ورشة الموسيقى والغناء للفنان ماهر كمال تقديم أغانى "لما بدى يتثنى، ما شربتش من نيلها، كلمة حلوة وكلمتين، مصر يا أم الدنيا".

واختتم الحفل الذى أخرجه الفنان ماهر كمال، بعرض أوبريت "أهل مصر في البلد" بمشاركة أطفال محافظات الأسبوع الثقافي.

الأسبوع الثقافي جاء ضمن برنامج الإدارة المركزية للدراسات والبحوث برئاسة د. حنان موسى، رئيس اللجنة التنفيذية للمشروع، وبالتعاون مع إقليم القناة وسيناء الثقافي، وفرع ثقافة جنوب سيناء.

وتضمن الأسبوع الثقافي ورشا ثقافية وأدبية وفنية وحرفية بمشاركة نخبة من الأكاديميين والمدربين، تستهدف أطفال المحافظات الحدودية الستة: شمال وجنوب سيناء، البحر الأحمر (حلايب، الشلاتين، أبو رماد)، الوادي الجديد، مطروح، وأسوان، إضافة إلى أطفال المناطق الجديدة الآمنة بالقاهرة.

وشهدت الفعاليات زيارات لمعالم مدينة السلام، منها "متحف شرم الشيخ، السوق القديم، سوهو سكوير، مسجد الصحابة، محمية رأس محمد".

مشروع "أهل مصر" أحد أهم مشروعات وزارة الثقافة المنفذة ضمن البرنامج الرئاسي لدعم أبناء المحافظات الحدودية، ويهدف إلى تعزيز قيم الانتماء والولاء للوطن ورعاية الموهوبين وتحقيق العدالة الثقافية.

مقالات مشابهة

  • تأثير وسائل تواصل الاجتماعي على الشباب.. ندوة بثقافة أسيوط
  • عرض "جزيرة مورو" ضمن نوادي مسرح قصور الثقافة بالإسماعيلية
  • عرض جزيرة مورو ضمن نوادي مسرح قصور الثقافة بالإسماعيلية
  • "الثقافة ودورها في تدعيم الهوية المصرية" بفعاليات ثقافة أسوان
  • الأربعاء.. الثقافة تقيم مؤتمر المشهد الثقافي وتجلياته في الإسماعيلية
  • معلمة ثقافة دينية تثير الجدل بملابسها المثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا
  • أماكن عرض فيلم «الهنا اللي أنا فيه» بسينما الشعب.. التذكرة بـ40 جنيها
  • "أهل مصر".. قصور الثقافة تختتم الأسبوع الـ35 لأطفال المحافظات الحدودية بشرم الشيخ
  • معهد واشنطن: هذه مصالح إسرائيل في سوريا وهكذا يمكن أن تتحقق
  • الثقافة ودورها في تدعيم الهوية المصرية بفعاليات ثقافة أسوان