من جنوب أفريقيا وإسرائيل.. من هما القاضيان الإضافيان بقضية الإبادة الجماعية بغزة؟
تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT
تُصدر أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة، الجمعة، قرارها بشأن ما إذا كانت ستحدد إجراءات عاجلة ضد إسرائيل بخصوص اتهامات جنوب أفريقيا بأن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة "إبادة جماعية" تقودها الدولة ضد الفلسطينيين.
وينضم إلى القضاة الخمسة عشر في محكمة العدل الدولية، المعروفة أيضا باسم المحكمة العالمية، في هذه القضية قاض معين خصيصا من جنوب أفريقيا وقاض آخر من إسرائيل.
وهما شخصيتان مميزتان في بلديهما ولهما تاريخ شخصي غير عادي، وستصدر قرارات المحكمة الملزمة قانونا بالأغلبية البسيطة لكن المحكمة لا تملك آلية لتنفيذها.
* ديكجانج موسينيكيموسينيكي (76 عاما) هو أحد كبار القضاة المتقاعدين في جنوب أفريقيا الذين ناضلوا ضد سياسة الفصل العنصري ولعبوا دورا رئيسا في تحول البلاد إلى الديمقراطية.
وسُجن عندما كان عمره 15 عاما بسبب احتجاجه على الفصل العنصري، وأمضى 10 سنوات في سجن جزيرة روبن سيئ السمعة في جنوب أفريقيا، حيث أصبح صديقا لنيلسون مانديلا.
درس موسينيكي للحصول على شهادته الجامعية خلف القضبان وعمل محاميا بعد إطلاق سراحه.
وطلب منه مانديلا في وقت لاحق المساعدة في صياغة الدستور المؤقت لجنوب أفريقيا والإشراف على أول انتخابات ديمقراطية.
وتم تعيينه في المحكمة الدستورية في جنوب أفريقيا عام 2002.
وفي عام 2005 تم تعيينه نائبا لرئيس المحكمة العليا، وهو المنصب الذي شغله حتى تقاعده عام 2016.
وفي مقابلة مع جامعة أكسفورد عام 2021 حول سيرته الذاتية، أشار إلى أنه كان لديه إحساس عميق بالصواب والخطأ عندما كان طفلا.
وقال "كان الفصل العنصري بالفعل مُعلما كبيرا، مثل معظم الدول... لقد علم الناس عدم المساواة".
ويقول فرانس فيلجوين، أستاذ القانون الدولي لحقوق الإنسان في جامعة بريتوريا، إن موسينيكي يتمتع بسمعة طيبة باعتباره "قاضيا منصفا صاحب رؤية واسعة يتتبع وقائع القضايا".
* أهارون باراكباراك (87 عاما) هو أحد الناجين من المحرقة النازية (الهولوكوست)، ولد في ليتوانيا عام 1936 وتقلد منصب رئيس المحكمة العليا في إسرائيل.
وهو أحد الأطفال القلائل الذين نجوا من الحي اليهودي في مدينة كوفنو (كاوناس) بوسط ليتوانيا خلال الحرب العالمية الثانية.
وقد وصف بقاءه بالمعجزة، وقال "منذ تلك الحادثة، لم أخف الموت قط".
وتم تهريب باراك إلى خارج الحي اليهودي عن طريق والدته التي أخفته في كيس للملابس الرسمية التي كان يتم تصنيعها هناك.
وهاجر إلى فلسطين التي كانت خاضعة للانتداب البريطاني في عام 1947، أي قبل عام من إعلان قيام دولة إسرائيل.
وشغل باراك بين عامي 1975 و1978 منصب المدعي العام الإسرائيلي.
وفي عام 1978 تم تعيينه في المحكمة العليا وشغل منصب رئيس المحكمة من عام 1995 حتى تقاعده في عام 2006.
ويُعرف باراك بأنه داعم كبير للمحكمة العليا، وكان من أشد منتقدي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي أدت مساعيه لتعديل النظام القضائي العام الماضي إلى حالة من الاستقطاب العام.
وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة "جلوب أند ميل" الكندية اليومية في نوفمبر الماضي، عبر باراك عن دعمه للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
وقال "أتفق تماما مع ما تفعله الحكومة".
وردا على سؤال حول الاتهامات بأن إسرائيل تشن حرب إبادة جماعية في غزة، قال باراك إن هذا المصطلح يجب أن يستخدم لوصف هجمات السابع من أكتوبر التي شنتها حركة حماس "المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى"، على إسرائيل.
وأضاف "ما نفعله هو منعهم من تكرار الأمر".
واندلعت الحرب في قطاع غزة إثر هجوم حركة حماس غير المسبوق في إسرائيل في السابع من أكتوبر الذي أسفر عن مقتل 1200 شخصا، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل "القضاء على الحركة"، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، ما أسفر عن سقوط 25700 قتيل معظمهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة التابعة لحماس.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: جنوب أفریقیا فی عام
إقرأ أيضاً:
صوت العدالة في زمن الإبادة.. كيف أزعج البابا فرنسيس إسرائيل؟
بينما كان العالم يغرق في صراعات دامية، حافظ البابا فرنسيس على مكانته كأحد أبرز الأصوات الأخلاقية التي وقفت في وجه الظلم، خصوصًا في ما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على غزة.
وعبّر طوال فترة بابويته عن مواقفه المناصرة للسلام والعدالة، متحديًا الروايات السائدة، ورافضًا الصمت أمام ما وصفه بـ"الإبادة الجماعية" التي تُرتكب بحق المدنيين الفلسطينيين. ومع وفاته، ظهرت ردود الفعل الإسرائيلية التي عكست حرجًا سياسيًا ودبلوماسيًا، بل وعداءً مبطنًا لشخصه ومبادئه.
ومنذ اعتلائه سدة البابوية، رسم البابا فرنسيس صورة رجل الدين الإنساني، الحاضر في آلام الشعوب، والمدافع عن المظلومين.
وفي واحدة من آخر خطاباته قبل وفاته، وصف ما يجري في غزة بأنه "إبادة جماعية" تستدعي التحقيق والمساءلة، في موقف نادر الوضوح من زعيم ديني بحجم بابا الفاتيكان تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
ردًا على مواقف البابا الراحل، اختارت إسرائيل خفض تمثيلها في جنازته، إذ اكتفت بإيفاد سفيرها لدى الفاتيكان، يارون سيدمان، دون مشاركة رفيعة المستوى، في وقت تستعد فيه الدول الكبرى لإرسال رؤساء دول أو أفراد من العائلات الملكية. هذا القرار، بحسب وكالة "رويترز"، يعكس التدهور الكبير في العلاقات بين تل أبيب والفاتيكان منذ اندلاع الحرب على غزة عام 2023.
عقب إعلان وفاة البابا، نشر حساب رسمي للحكومة الإسرائيلية على منصة "إكس" (تويتر سابقًا) رسالة تعزية تضمنت صورة للبابا وهو يزور حائط البراق، لكن تم حذفها لاحقًا دون تفسير.
ونقلت صحيفة "جيروزالم بوست" عن مصادر في الخارجية الإسرائيلية قولها إن المنشور نُشر عن طريق الخطأ، ما يعكس ارتباكًا داخل مؤسسات الاحتلال في التعامل مع رحيل شخصية دينية نددت بجرائمهم علنًا.
اقتصر رد فعل السفارة الإسرائيلية لدى الفاتيكان على إعادة نشر تعزية الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج، الذي وصف البابا بأنه "رجل يتمتع بإيمان عميق ورحمة لا حدود لها"، دون أي إشادة بمواقفه أو حضوره الديني والسياسي.
شهدت العلاقات بين إسرائيل والفاتيكان توترًا متصاعدًا منذ بدء العدوان على غزة. فقد ضغط السفير الإسرائيلي السابق لدى الفاتيكان، رافائيل شوتز، على أمانة الدولة في الكرسي الرسولي للضغط على البابا كي يدين حماس، إلا أن الفاتيكان تمسك بمواقفه المتوازنة. وفي تصريحات علنية، وصف الكاردينال بيترو بارولين، وزير خارجية الفاتيكان، الرد الإسرائيلي بأنه "غير متناسب"، ما قوبل بانتقاد رسمي من السفارة الإسرائيلية، قبل أن تعود وتتراجع عنه بحجة "سوء الترجمة".
في نوفمبر الماضي، دعا البابا فرنسيس المجتمع الدولي إلى دراسة ما إذا كانت الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. وفي يناير، وصف الوضع الإنساني في القطاع بأنه "مخز"، ما أثار غضب بعض الشخصيات الدينية اليهودية، وعلى رأسهم الحاخام الرئيسي في روما.
حتى في ظل مرضه، لم يتوقف فرنسيس عن التنديد بالقصف الإسرائيلي، إذ خرج في مارس الماضي من نافذة مستشفى بروما ليطالب بوقف "صوت السلاح"، مؤكدًا أن "الأبرياء تعبوا من الموت".
وفي آخر رسالة له بمناسبة عيد الفصح، وقبل وفاته بساعات، دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، والإفراج عن الأسرى، مشددًا على تضامنه مع "الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء".
دعم لفلسطين وانتقاد للاحتلاللطالما تبنى البابا فرنسيس مواقف مؤيدة لحقوق الفلسطينيين. ففي زيارته للأراضي الفلسطينية عام 2014، ترجل بشكل مفاجئ عند جدار الفصل العنصري، واصفًا إياه بـ"جدار الألم"، رغم محاولات إسرائيل منع اقترابه منه.
وفي لقاءاته مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، شدد على ضرورة وقف الاستيطان، واعتبر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة "مشينًا". كما اعترف عام 2015 بدولة فلسطين على المستوى الدبلوماسي، في خطوة أغضبت إسرائيل بشدة.
برحيل البابا فرنسيس، يفقد العالم صوتًا إنسانيًا نادرًا، اختار الانحياز إلى الضحايا، لا إلى موازين القوى. كما تنكشف في ردود أفعال إسرائيل الرسمية تجاه رحيله صورة أعمق من مجرد اختلاف سياسي، إنها صورة الحرج من رجل دين لم يتردد في تسمية الأشياء بأسمائها، ووضع العدالة قبل التحالفات. فرنسيس لم يكن مجرد بابا، بل كان شاهدًا على المأساة، وصوتًا صارخًا في وجه آلة القتل، حتى الرمق الأخير.