رؤية اقتصادية تحليلية لاستراتيجية الامن الوطني
تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT
الاقتصاد نيوز - بغداد
سمير النصيري مستشار رابطة المصارف مقدمة ان اغلب دول العالم لديها استراتيجيات للامن الوطني تعتمد خططا لبناء الاستقرار والبناء المجتمعي لشعوبها وابرز هذه الخطط مايتعلق بتأمين الامن الغذائي والامن الصحي والامن المجتمعي كاولويات اساسية ومنهجية لبناء مجتمع آمن ومستقر ومتطور وهذا بالمناسبة ما أكدت عليه واشارت اليه بشكل واضح رؤية العراق ٢٠٣٠ واستراتيجية الحد من الفقر والمناهج الحكومية لجميع الحكومات المتعاقبة.
وان الاساس لتحقيق ذلك هو مدى متانة ورصانة الاعمدة التي يستند اليها الاقتصاد الوطني ويشكل الاقتصاد هو المحور الرئيسي لاستراتيجية الامن الوطني. العلاقة بين الاقتصاد والامن الوطني يمر العراق حاليا بمرحله مهمة وحساسة نظرا للظروف السياسية والامنية والاقتصادية ويمكن تحديدها بشكل خاص بما يتعلق بالمتغيرات السياسية والامنية والاقتصادية على مستوى دول العالم وعلى نطاق الاقليم الجغرافي مايتعلق بعدم الاستقرار في اسعار النفط العالمية وتوقع انتشار عالمي جديد لاحد متحورات كورونا والركود الاقتصادي العالمي. اضافة الى انعكاسات الواقع الاقتصادي في العراق والجهود الكبيرة التي تبذل من قبل الحكومة للاصلاح المالي والمصرفي وتنظيم تمويل التجارة والسيطرة على استقرار سعر الصرف والتحول من الاقتصاد النقدي الى الاقتصاد الرقمي. كما يؤشر الواقع الاقتصادي ووفقا للبيانات الرسمية استمرار معدلات نسب البطالة والفقر ما زلت اعلى من الحدود المسمموح بها اقتصاديا على الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة منذ سنة من الآن في الحد من الظاهرتين اعلاه. مما ادت كل هذه التحديات الى التوجه لاتخاذ الحكومة اجراءات فاعلة لمحاربة حالات الفساد المالي والاداري والتخفيف من معاناة الشعب العراقي من نقص الخدمات والتوجه نحو تحقيق الامن الغذائي بتطوير السلة الغذائية ضمن البطاقة التموينية مما يعني ان معالجة المشكلات الاقتصادية هو الاساس والحلقة الاولى التي يجب اعتمادها لبناء الاستراتيجية المرسومة للامن الوطني بمفهومه العام والذي يجب ان يحقق الاساس في استقرار وتطوير العراق اقتصاديا. يضاف الى ذلك ان مايجب اخذه بنظر الاعتبار هو دراسة وتحليل ما رافق عملية التغيير بعد عام 2003 من ارباك وعدم وجود رؤية ومنهجية اقتصادية موحدة لشكل الدولة الجديدة وكيفية ان يكون البناء الاقتصادي فيها حيث تم الخلط بين اقتصاد مركزي وبين تمنيات للانتقال الى اقتصاد السوق ادى الى ظروف داخلية معقدة اعاقت العملية التنموية للعراق بالرغم من مضي عشرين عاما على التغيير واصبح الامر اكثر تعقيدا وصعوبة مع التغيرات الحاصلة في المنطقة والعالم. لذلك نعتقد ان بناء اسس استراتيجية الامن الوطني بمفهومه الشامل مع التركيز على الجانب الاقتصادي يجب ان يتمخض عنها تحقيق الامن والاستقرار والتنمية الاقتصادية بما يساهم في تحقيق رفاهية المجتمع وان تكون فعالة وقابلة للتنفيذ في الظروف الحالية التي يعيشها العراق لذا فانيا الكثير من المواطنين ومن مختلف المستويات الحكومية والسياسية والاقتصادية واساتذه الجامعات ومنظمات المجتمع المدني من الشباب والنساء والمهنيين يجب ان يساهمون باعدادها. ان ضخامة التحديات يتطلب الوقوف بحزم لجميع الجهات الحكومية والسياسية والشعبية من اجل حماية العراق وادامة بناء اقتصاده وفق المعطيات الواقعية التي تحت مستوى نظر الجميع لذلك نرى وبشكل لايقبل الشك ان الاصلاحات الاقتصادية التي اعلنها السيد رئيس مجلس الوزراء في المنهاج الحكومي وفقا للمحاور التي تعني بالامن والاقتصاد يجب اعتمادها كاستراتيجية اقتصادية لتحقيق الامن الوطني يركز فيها على المادة 25 من الدستور ومواد اخرى تتعلق بان تكفل الدولة الامن وحياة كريمة للفرد والاسرة وتضمن العدالة الاجتماعية بين جميع فئات وطوائف الشعب العراقي كما ان هذه الاستراتيجية يجب ان تتضمن تطبيقا واقعيا لمحاور البرنامج الحكومي في بعده الاقتصادي والامني والأهم من ذلك المطالبات المشروعة في القضاء على الفساد المالي والاداري ومعالجة البطالة والفقر واعادة اموال العراق المسروقة من المفسدين. المبادى الاساسية الاقتصادية لاستراتيجية الامن الوطني 1- سيادة العراق وسلامة ووحدة اراضيه. 2- بناء اقتصاد وطني سليم متعدد الموارد. 3- القطاع الخاص يلعب الدور المحوري لقيادة السوق. 4- توفير الامن الغذائي والدوائي والبيئي والمجتمعي والمجتمعي للمواطنين 5- تأمين الحياة الكريمة للفرد والاسرة. 6‐اصلاح وتطوير القطاع المالي والمصرفي وزيادة نسبة مساهمتها في التنمية الاقتصادية. 7- تكفل الدولة ضمان العدالة الاجتماعية للمواطنين. 8- اصلاح وتطوير مؤسسات الحوكمة الرشيدة لتقديم افضل الخدمات للمواطنين. 9‐امن المعلومات والشفافية في البيانات والمؤشرات الاقتصادية. سينورهات مستقبلية نلاحظ من خلال تحليل المبادى الاساسية والاقتصادية اعلاه ان بناء الاقتصاد السليم والذي يحقق بنتائجه النهائية الازدهار والرفاهية للمجتمع والاساس في بناء استراتيجية للامن الوطني تتعدى حماية الامن الداخلي الى حماية الوطن وضمان سلامته من الاعداء الخارجيين لذلك نؤكد هنا ان تعزيز الامن الوطني في الداخل ومن الخارج يتطلب من جميع الجهات المعنية الحكومية والسياسية والقطاع الخاص وخبراء الاقتصاد دراسة ومناقشة وتحليل التحديات والاجراءات الاصلاحية من اجل عراق امن واقتصاد متين لذلك نقترح ما ياتي:- اولا‐تسريع وتفعيل تنفيذ المحاور التي وردت في المنهاج الحكومي من خلال وضع سياسات واليات تنفيذية وتطبيقية تختصر الزمن لتطوير القطاعات الاقتصادية الانتاجية وتنويع مصادر الايرادات غير النفطية بالاتجاهات التي تحقق ما ورد في هذه المحاور في جوانبها التفصيلية وتحديد سقف زمني لتنفيذ كل مادة من مواد المحاور المشار اليها اعلاه. لايتجاوز 3 سنوات. ثانيا‐قيام الحكومة بتشكيل المجلس الأعلى للشؤون الاقتصادية والذي يتشكل من خبراء من الحكومة والقطاع الخاص من أجل القيام بالإصلاح الاقتصادي والخطوة الأولى منه الإصلاح المصرفي وبما يعزز دور البنك المركزي العراقي والوزارات المعنية بالشأن الاقتصادي (المالية والزراعة والصناعة والتخطيط والنفط والكهرباء) بما يعزز من التنسيق الفاعل والمتناغم بين السياستين المالية والنقدية وأن يحل بدلا من من المجلس الوزاري للاقتصاد وخلية الإصلاح الاقتصادي.
ثالثا‐تفعيل ووضع آليات تنفيذية لإجراءات الإصلاح الاقتصادي بدعم وتطوير وإشراك القطاع الخاص في صناعة القرارات الاقتصادية تشريعيا ومؤسسيا بتفعيل مجلس تطوير القطاع الخاص وفقا لرؤية استراتيجية تطوير القطاع الخاص ((2014‐2030) ا التي أعدتها لجان الخبراء المختصة في مجلس الوزراء مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة مع التركيز على ما تناوله في مراحلها الثلاثة والبدء فعلا في تنفيذها وتحديد السقوف الزمنية لوضعها موضع التنفيذ وتحديد عناصر التنفيذ آخذين بنظر الاعتبار الظروف التي يمر بها العراق حاليا. وأن تشكل هيئة استشارية تابعة للمجلس من مستشاري المنظمات واتحادات القطاع الخاص الأعضاء في المجلس.
رابعا‐تحفيز المصارف على العمل الحقيقي بالتوسع في التمويل المصرفي وفقا لمبادرات البنك المركزي لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والإسكانية والاستثمارية وتفعيل وتطبيق وتحديد آليات وتعليمات مرنة للتنفيذ.
مع وضع أسس واضحة تضمن شفافية البيانات والجهات التي تم إقراضها من قبل المصارف الحكومية والأهلية ووضع رقابة استباقية وأثناء التنفيذ وبعد التنفيذ على الجهات المستفيدة من هذه القروض بما يخدم الهدف المركزي من تخصيصها لتسريع الدورة الاقتصادية والحد من البطالة وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمساهمة في التنمية.
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار الامن الوطنی القطاع الخاص یجب ان
إقرأ أيضاً:
الدبلوماسية الاقتصادية من أمستردام إلى موسكو
د. محمد بن خلفان العاصمي
كتبتُ مقالًا سابقًا عن الدبلوماسية الاقتصادية التي باتت توجه العلاقات الدولية وتشكل التحالفات السياسية الجديدة في هذا القرن، الذي أصبحت فيه قوة التأثير مرتبطة بالقوة الاقتصادية بشكل كبير جدًا.
في ذلك المقال تطرقتُ إلى توجه سلطنة عُمان نحو الدبلوماسية الاقتصادية وآثر ذلك على الخطط الاستراتيجية ورؤية "عُمان 2040" والتي يتوقف نجاحها كغيرها من الرؤى الاستراتيجية على استدامة الموارد المالية ودوران الاقتصاد، ولذلك يجب ضمان هذه الاستدامة كإحدى الممكنات الأساسية مع بقية العناصر اللازمة بطبيعة الحال، ولضمان ذلك لابد من وجود خطة اقتصادية متكاملة لتحقيق أهداف التنمية، وهنا يأتي دور السياسة الخارجية كأحد العوامل الرئيسية لضمان خلق فرص استثمارية جديدة ووجود بيئة جاذبة لنمو الاقتصاد الوطني.
وعودةً الى الدبلوماسية الاقتصادية، فإنني ومن خلال نظرة تحليلية بسيطة حول الدبلوماسية الاقتصادية العُمانية والتوجهات المستقبلية، وما هو النموذج الأنسب لها في ظل المبادئ الموَجِّهة للسياسة العُمانية، من حيث الحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ورفض التحالفات المبنية على الإضرار بالدول الصديقة. وقد أوردت الدراسات السياسية الاستراتيجية عدة نماذج ومستويات للدبلوماسية الاقتصادية بحسب السياسية الخارجية لكل دولة وما ترغبه من أهداف، ولعل أبرز هذه النماذج التي تنتهجها الدول في دبلوماسيتها الاقتصادية النموذج الثنائي والنموذج الإقليمي والنموذج الجماعي أو المجموعات متعددة الأطراف التي تضم المنظمات والتحالفات السياسية على المستوى الإقليمي والدولي.
إنَّ المتابع لتوجهات السياسة العُمانية يدرك أن الخط الذي وضعه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أعزه الله- للدبلوماسية العُمانية يسير وفق منهجية واضحة تراعي المبادئ التي أقرها النظام الأساسي للدولة، وفي نفس الوقت تساهم في تشكيل دبلوماسية اقتصادية تقوم على تحقيق المصالح الاقتصادية العُمانية وتخدمها بشكل مباشر. لذلك جاءت الزيارات الخارجية لجلالته- أيده الله- لتعزز هذا التوجه والخط الدبلوماسي الذي يتناسب مع المرحلة المقبلة ويحقق تطلعات القيادة الحكيمة والشعب لرفع مستوى المعيشة وزيادة الدخل والرفاه الاجتماعي.
هذه الأهداف لا يمكن أن تتحقق إلّا من خلال جهود مختلفة تساهم في تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط والغاز كمصادر وحيدة للدخل، مع وجود فرص كبيرة لتحقيق التنوع الاقتصادي.
وفي ظل ما يشهده العالم من تطورات وتغيرات سياسية تؤثر بشكل مباشر على مستقبل الاقتصاد العالمي وخاصة ما دار خلال الأسابيع الماضية من حرب مستعرة حول الرسوم الجمركية التي أشعلتها الولايات المتحدة الأمريكية، ومدى تأثير كل ذلك على اقتصاديات الدول، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني أساسًا من ازمات سياسية، وحالة من عدم الاستقرار وتحديات تعيق النمو الاقتصادي، الذي يعاني من تباطؤ حركته، كذلك استمرار الاعتماد على النفط والغاز كمصادر للدخل وتأثير الأزمات الاقتصادية على هذين المصدرين بشكل مباشر، وسط كل ذلك لابد من عمل سياسي قوي يعمل على إيجاد مسارات اقتصادية جديدة وينعش الاقتصاد ويواجه هذه التحديات ويقلل من تأثيرها ويمنع الانتكاسات التي قد تؤثر على الخطط والاستراتيجيات التنموية.
وفي هذا السياق، جاءت زيارة جلالة السلطان المعظم- حفظه الله- إلى كلٍ من هولندا وروسيا لتُعزِّز العلاقات الاقتصادية معها، الى جانب مد جسور الصداقة والتعاون بين الجانبين، وقد كرَّس جلالة السلطان المعظم جهوده خلال الفترة الماضية للوصول إلى شراكات اقتصادية جديدة يمكن أن تسهم في تحقيق أهداف رؤية "عُمان 2040" وجلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتي تعزز من قوة الاقتصاد الوطني وزيادة الناتج المحلي؛ مما يعني زيادة فرص العمل ونمو القطاعات غير النفطية. وقد حرص جلالة السلطان على قيادة المشروع الاقتصادي بشكل شخصي، رغبة من جلالته في إيصال فكرة واضحة عن خطط الدولة واستراتيجيتها الاقتصادية المستقبلية وقدرتها على الالتزام بتنفيذ هذه الخطط ورغبتها الجادة في هذه الشراكات والتحالفات الاقتصادية.
إنَّ الفكر الذي يمضي به جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أبقاه الله- وهو يقود المشروع الاقتصادي الوطني من خلال الممارسة الناجحة للدبلوماسية الاقتصادية؛ لهو جدير بالالتفاف حوله ومساندة هذه الجهود، كلٌ حسب موقعه ومكانته ومهامه؛ فهذا الفكر هو السبيل لمستقبل واعد للحاضر وللأجيال القادمة من أبناء الوطن العزيز، ولا بُد من الإيمان بأن هذه الجهود التي تبذل سوف نرى نتائجها في المستقبل القريب- بإذن الله- مع استمرار الجهود والمساعي التي تُسهم في تطوير منظومة الاقتصاد الوطني وتحقق أهداف التنمية المستدامة التي تسعى الحكومة لتحقيقها، وبالتعاون سوف نرى كل ذلك واقعًا بعون الله.
ختامًا.. ومن خلال الزيارتين الساميتين وما سبقهما من زيارات سامية إلى أقطار عدة، فإنَّ حزمة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي أبرمتها سلطنة عُمان مع هذه الدول، يجب استثمارها بشكل صحيح وعلى المؤسسات المعنية أن تقوم بدور فاعل في سبيل وضع هذه التفاهمات موضع التنفيذ، وفق خطط محددة، وعلى الوزارات والهيئات ذات العلاقة المُباشرة وكذلك غرفة تجارة وصناعة عُمان والشركات التابعة لجهاز الاستثمار العُماني وشركات القطاع الخاص، أن تعمل على تحليل مضامين هذه الاتفاقيات وما تحتويه من تسهيلات وخدمات يمكن أن تساعد على تطوير القطاعات الاقتصادية والتجارية والصناعية والاستثماريّة بين الدول، وربما تكون هناك حاجة لمؤتمرات وورش عمل في هذا الشأن حتى تتحقق الاستفادة من هذه الجهود.