أشار تقرير نشرته "فاينانشال تايمز" إلى هدم إسرائيل لـ 1100 مبنى من المباني القريبة من الحدود داخل قطاع غزة، وسط تحذيرات أمريكية بعدم تقليص الأراضي الفلسطينية.

وأفاد التقرير بأن الجيش الإسرائيلي يعمل على إنشاء منطقة عازلة داخل غزة، ويهدم المباني القريبة من الحدود على الرغم من تحذيرات الولايات المتحدة ضد أي تقليص طويل المدى لأراضي القطاع.

إقرأ المزيد اشتباكات في جنين واقتحامات في نابلس ورام الله وتشديدات أمنية شرق القدس (فيديو)

ووفقا للتقرير، فقد دفع اختراق مقاتلي "حماس"، 7 أكتوبر، لحدود إسرائيل في أماكن متعددة، دفع المسؤولين الإسرائيليين إلى القول إنهم "سيفرضون منطقة عازلة على طول محيط الأراضي الفلسطينية لمنع تكرار ذلك".

وقال شخص مطلع على الأمر إن الهدف هو "الحفاظ على هذه المنطقة نظيفة تماما من أي إرهابيين أو بنية تحتية أو قاذفات صواريخ أو قذائف هاون.. ومنحنا حرية العمل في هذا الفضاء".

وهذه القضية هي أحد مجالات الخلاف العديدة بين إسرائيل والولايات المتحدة، التي قالت مرارا وتكرارا إنها ستعارض أي تحركات تؤدي إلى تقليص أراضي غزة.

وأكد المتحدث باسم الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، الثلاثاء الماضي، على عدم رغبة الولايات المتحدة في "تقليص مساحة غزة بأي شكل من الأشكال".

ومع ذلك، فقد اتخذ وزير الخارجية أنتوني بلينكن موقفا أكثر ليونة، يوم الثلاثاء، قائلا إنه في حين أن الولايات المتحدة "واضحة بشأن عدم التعدي على أراضي غزة، إلا أنه قد يكون هناك مجال لـ (ترتيبات انتقالية)".

وقد سمع دوي انفجارات ناجمة عن عمليات الهدم بغزة في كيسوفيم القريبة.

ولفرض المنطقة العازلة، قامت القوات الإسرائيلية بتدمير المباني على طول الحدود مع غزة. وفي يوم الاثنين، قتل 21 جنديا عندما انفجرت الألغام التي زرعوها في مبنيين على بعد 600 متر من الحدود بقذائف صاروخية أطلقها نشطاء "حماس"، ما أدى إلى انهيار المبنيين.

ورفض المسؤولون الإسرائيليون التعليق على مدى اتساع المنطقة العازلة، لكن الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية عاموس يادلين قال هذا الشهر إنه يتوقع أن تفرض إسرائيل "محيطا" يتراوح ما بين 500 متر إلى كيلومتر واحد داخل غزة بمجرد انتهاء القتال.

وقال يادلين، في مؤتمر صحفي، إن هذا "سيكون حاجزا بلا أحد، فقط ألغام، للتأكد أن 7 أكتوبر لن يتكرر مرة أخرى".

ووفقا لتقرير صادر عن قناة N12 news الإسرائيلية، فقد هدمت إسرائيل حوالي 1100 مبنى من أصل 2800 مبنى كانت موجودة قبل الحرب، تنوي استخدامها كمنطقة عازلة.

ورفض الجيش الإسرائيلي تأكيد أو نفي هذه الأرقام، لكن المتحدث باسم الجيش، ريتشارد هيشت، قال إن قوات الدفاع الإسرائيلية "تعمل في المنطقة من أجل منع نشاط (حماس) الذي يهدد مواطني إسرائيل".

وأضاف: "كجزء من هذا، يقوم الجيش الإسرائيلي بتحديد وتدمير البنى التحتية الإرهابية الموجودة داخل المباني، من بين أمور أخرى. وأضاف أن هذا جزء من الإجراءات الحتمية اللازمة لتنفيذ خطة دفاعية من شأنها توفير أمن أفضل في جنوب إسرائيل".

وقد احتفظت إسرائيل بمنطقة عازلة داخل غزة بعد انسحابها من القطاع عام 2005. ولكن على مر السنين تآكلت هذه المنطقة العازلة جزئيا نتيجة للمفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل و"حماس" لتخفيف الحصار عن غزة.

وفي الأسابيع الأولى من الحرب، قال مسؤولون إسرائيليون كبار إنه سيتم إعادة فرض المنطقة العازلة، فيما قال وزير الخارجية آنذاك إيلي كوهين إن مساحة غزة "ستتقلص"، بينما قال آفي ديختر الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، والذي يشغل الآن منصب وزير الزراعة، أكتوبر الماضي، إن إسرائيل ستفرض "هامشا" حول غزة، مضيفا أنه "سيكون هناك هامش بطول قطاع غزة. ولن يتمكنوا من الدخول. ستكون منطقة ملغمة. وبصرف النظر عمّن تكون، فلن تتمكن أبدا من الاقتراب من الحدود الإسرائيلية".

كما أصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أن إسرائيل "ستحتفظ بالإمدادات الكاملة والسيطرة الأمنية" على كل من غزة والضفة الغربية المحتلة بمجرد انتهاء الحرب.

المصدر: فاينانشال تايمز

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: الجيش الإسرائيلي غزة الولايات المتحدة حماس وزير الخارجية أنتوني بلينكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب على غزة الضفة الغربية حركة حماس طوفان الأقصى قطاع غزة هجمات إسرائيلية المنطقة العازلة منطقة عازلة من الحدود

إقرأ أيضاً:

إسرائيل ومعركة الوعي

عند دخول محور الممانعة، متمثلًا في حزب الله وإيران بمختلف أذرعها الإستراتيجية، في المقاومة على خط إمدادات وتسنيد المقاومة الفلسطينية متمثلة في حماس، انقسم الرأي العربي الإسلامي، داخليًا وخارجيًا، بين معسكرات وطوائف وأحزاب، بين معارض لهذا التحالف ومناصر له، وعاد الخطاب الطائفي من جديد ليزدهر في صفوف الإسلام السياسي بين المحور الشيعي، والمحور السني.

هذا الخطاب التنازعي نفسه بدأ يزدهر بين صفوف العلمانيين والدينيين، وبين اليمين واليسار، وبين رؤية الأنظمة من جهة، والشارع العربي والإسلامي من جهة ثانية، حيث أصبح من الصعب، بل من المستحيل بناء سردية موحدة ترافعية عن الحق في المقاومة والحق في التحرر.

وهذا الانقسام جعل المنطقةَ العربية الإسلامية غير قادرة على مقاومة السردية الغربية ذات الصلة، مثلما أصبحت عاجزةً عن تعبئة الجماهير والأنظمة في عدد من الدول من قبيل جنوب أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا، وبعض البلدان الغربية التي انحازت بعد طوفان الأقصى للحق الفلسطيني من قبيل إسبانيا، وأيرلندا، والنرويج… إلخ.

المقاومة بين السردية الغربية وسردية محور الممانعة

 بالرغم من انتصار المقاومة في غزة انتصارًا كبيرًا بالنظر إلى اختلال موازين القوى بين قدراتها العسكرية وبين جيش الاحتلال المدعوم غربيًا والمسنود أميركيًا بالسلاح والعتاد والمعلومة والحصار الاقتصادي، فإن هذا الانتصار لم يكتمل بالنظر إلى غياب سند عربي وإسلامي، باستثناء ما قام به محور المقاومة ممثلًا في إسناد حزب الله في لبنان، وأنصار الله الحوثي في اليمن.

إعلان

ولقد كان لهزيمة حزب الله في لبنان، سياسيًا وعسكريًا – بعد اغتيال معظم قادة الصف الأول للحزب، وتحول سوريا إلى منطقة عازلة ومحايدة في الصراع مع جيش الاحتلال، بعد سقوط نظام بشار الأسد، وما تركه من ملفات التعذيب والقهر وسجون الاعتقال السياسي، بعدما انبرت حقائق هذا النظام الذي حكم بالنار والحديد شعبًا من أعرق الشعوب – أثرٌ كبيرٌ على المنطقة.

فقد تعالت أصوات الصهيونية الوظيفية تحاول النيل من شعارات المقاومة والصراع العربي- الإسرائيلي، بالنظر إلى ما حصل في المنطقة من تحوُّلات كبرى بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية، وما رافق ذلك من تحوُّل إستراتيجي في النظام العالمي الذي انتقل إلى طور القوة الغاشمة.

وهو ما اتّضح بجلاء في التعامل الأميركي مع إسرائيل في المنطقة، حيث برزت السياسة الأميركية كسياسة احتكارية تريد استخلاص غزة والضفة لصالح مشاريع اقتصادية أميركية – صهيونية، هي بشكل مباشر ترجمة للسياسة الأميركية في توظيفها القوة العسكرية والغلبة من أجل استغلال مناطق التوتر في العالم، وهو ما اتّضح بقوة في الملف الأوكراني، وقبل ذلك في الملف العراقي، والسوري، واللبناني، والفلسطيني، وفي عموم الشرق الأوسط.

ضمن هذا السياق، رأينا كيف تعالى صوت دونالد ترامب من داخل البيت الأبيض داعيًا إلى تهجير سكان غزة إلى سيناء، والأردن، ودول عربية أخرى.

وبالرغم من رفض معظم دول المنطقة الطرح الأميركي- الإسرائيلي، فإن الشعب الفلسطيني بقي يعاني الأمرّين بين مطرقة أميركا – إسرائيل وسندان الخضوع العربي والإسلامي، في مقابل شبه صمت شعبي في الدول العربية والإسلامية، باستثناء بعض الدول العربية دون غيرها، بالنظر إلى تحكم الأنظمة بهذه الدول في الفضاء العمومي، أحزابًا ومؤسسات مجتمع مدني.

بيد أن هذا التحكم السلطوي لا يشرح معضلة القضية الفلسطينية في الوعي الشعبي.. فالقول بسلطوية الأنظمة واستبدادها لا يكفي منهجيًا لدراسة وتحليل الخلل الوظيفي الذي أصاب الذاكرة الجماعية العربية، التي أصبحت مشلولة إلى حد كبير في الفعل.

إعلان

يقودنا التحليل السوسيو- أنثربولوجي للخطاب العربي إلى استخلاص وجود شرخ كبير في الذاكرة الجماعية للشعوب، وهذا الشرخ نتج عن تغير في التمثلات حول القضية الفلسطينية، حيث برزت أصوات هنا وهناك تنادي بالالتزام بمفهوم الوطن والدولة القُطرية بدل القومية العربية والإسلامية، مقابل أصوات باتت ترى في القضية الفلسطينية عبئًا على الأنظمة التي صارت بحكم تضخم مستويات التبعية الاقتصادية والسياسية بمثابة امتداد للسياسة الأميركية.

وبما أن للقوة الاقتصادية والعسكرية والاستخباراتية القولَ الفصل في الصراع، فإن هذه الأنظمة وجدت نفسها في موقف لا تحسد عليه، من خلال التلويح الأميركي بوقف المساعدات، وتعسير الحصول على القروض والسلاح للمثال لا الحصر.

وضمن هذا السياق، تعالت أصوات حزبية وسياسية تنادي بالتخلص من حماس، أو على الأقل تحييدها في مرحلة إعادة إعمار غزة، بالنظر إلى كونها تجلّيًا للإسلام السياسي.

وبين هذا وذاك، تعالت أصوات الصهيونية الوظيفية، التي تمثلت في كتّاب وإعلاميين ومثقفين عرب يرون واهمين في التطبيع مع إسرائيل حلًا لمشكلات التنمية والتقدم في المنطقة العربية، كون إسرائيل، ممثلة الغرب في المنطقة، قوةً عسكرية وعلمية وتكنولوجية، وخطبُ ودها هو خطب ود القوة العظمى في العالم، أي أميركا وعموم أوروبا. ناسين أن الدول التي طبّعت منذ عقود لم يجلب لها ذلك شيئًا مما يتوهمه هؤلاء، اللهم تضخم التبعية وفشل مسلسل التنمية بشكل غير مسبوق.

إن تحليل خطاب كل هذه الأطراف يحتم علينا الرجوع إلى الهزيمة التي منيت بها الأنظمة العربية منذ نكبة 1948 مرورًا بنكسة 1967، وبمسلسل السلام الذي تحول إلى استسلام في كامب ديفيد ومدريد وأوسلو… إلخ، وهي الهزائم التي تمكنت من الذاكرة الجماعية وأصابت المتخيل العربي في مقتل، إذ تحول الصراع العربي الإسرائيلي تدريجيًا إلى صراع فلسطيني- إسرائيلي.

إعلان

وترافق ذلك مع تضخم مستويات التخلف والفشل التنموي في المنطقة العربية؛ حيث أصبح البنك الدولي، من خلال سياساته للتقويم الهيكلي، المدبر الفعلي لهذه الدول على المستويين؛ الاقتصادي والسياسي.

وبالتدريج فقدت دول المنطقة سيادتها وصارت تحت رحمة الغرب ببنوكه ومؤسساته الاقتصادية، وهو ما جعلها ترضخ لتغيير جوهري في خطابها السياسي، حيث منذ التسعينيات بدأت ملامح التغيير في وجهة نظر الأنظمة والنخب من القضية الفلسطينية تظهر بجلاء.

وهكذا غيرت الأحزاب السياسية من حدة خطابها الرافض للكيان الإسرائيلي وتحول الإعلام من الإدانة والرفض والنقد إلى تلطيف خطابه تجاه إسرائيل، وهو ما امتدّ إلى تغيير طال المناهج الدراسية والجامعية. فتهيأت بفعل ذلك، الظروف لاستقبال وتلقي دعوات التطبيع السياسي، بعد أن بدأ بالتطبيع الاقتصادي مباشرة بعد كامب ديفيد، ليصبح الأمر تحصيل حاصل بعد اتفاقية أوسلو.

المقاومة الفلسطينية بين المحلية العربية والكونية الإنسانية

ضمن هذا السياق وما ترتب عنه في الإعلام الدولي والخطاب السياسي العالمي، نشأت أجيال التسعينيات وبداية الألفية الثالثة في مناخ الاستلاب الثقافي والفكري الذي جعل الغرب ممثلًا في أميركا وأوروبا القدوة والمثال، حيث ستنشأ نخب جديدة مغرقة في الافتتان بالحداثة الغربية وموهومة بالتحديث الذي تأسس، أيديولوجيًا، على الانفصال مع التراث والهوية القومية، خاصة بعد أن أفل نجم اليسار والتقدمية في المنطقة العربية، وفي عموم العالم بعد انهيار جدار برلين، وتفكك الاتحاد السوفياتي، الذي تحول بفضل البرويسترويكا -" سياسة إعادة الهيكلة"- إلى دول ذيلية تدور حول مدار الرأسمالية الاحتكارية الغربية.

ولذلك، لم تستطع هذه الأجيال التي نشأت على الدعاية الأميركية والغربية عمومًا أن تفهم جوهر الصراع العربي- الإسرائيلي، وكيف تحول إلى صراع فلسطيني- إسرائيلي، وهو الذي تأسس على احتلال واستيطان أرض شعب بعد تشريده وطرده من أرضه في سياق استعماري رأسمالي احتكاري.

إعلان

وضمن هذا المناخ الذي انتعشت فيه السردية الغربية المناصرة لإسرائيل والداعمة لسياستها الاستيطانية والإحلالية، تراجع تأثير المشهد الثقافي والفني في أجيال الشباب العربي، إذ سيحصل بالتدريج تحول كبير في الدراما والمسلسلات والسينما، التي انتقلت من تقديم إسرائيل كعدو ومحتل لفلسطين، إلى جار وأبناء عمومة ودعاة سلام وحاملي قيم الحداثة والتقدم.

وبعد أن كانت إسرائيل موضوعًا للجاسوسية والخيانة في عدد كبير من المسلسلات العربية، أصبحت الدراما العربية مغرقة في مواضيع استهلاكية فجة، ومنتصرة للخلاص الفردي والترقي الاجتماعي على حساب القيم والمبادئ، في ظل تضخم مستويات نظام التفاهة في العالم الاستهلاكي. وهو ما يشكل اختراقًا إسرائيليًا للفنون والدراما والتلفزيون والسينما في المنطقة.

إن الأجيال الحالية، وخاصة أجيال التسعينيات وما بعدها، لا تفهم كيف أن محور الممانعة هو في العمق محور نشأ على أعقاب الصراع بين القطبين: الاتحاد السوفياتي والغرب الرأسمالي بزعامة أميركا، وأن الدين أقحم في هذا الصراع لتمييعه وتحويره عن مقاصده السياسية والاقتصادية والأخلاقية.

فالثورة الإيرانية نشأت في مناخ رافض للهيمنة الغربية الرأسمالية في احتكاريتها مدخرات الدول والمجتمعات العربية والإسلامية، وإن كانت اتخذت من الدين آلية من آليات الأدلجة النسقية لنظام الحكم، وإن أخطأت إيران من خلال ولاية الفقيه في امتدادها الأيديولوجي في المنطقة من خلال إستراتيجية التشييع، وجعلت من طوائف الشيعة في مختلف المناطق العربية أذرعًا للهيمنة والسيطرة، مما جعلها منبوذة من قبل الأنظمة التي رأت في ذلك تهديدًا.

إن التحوير الذي مارسته آليات الإعلام والفكر في الغرب لجوهر الصراع جعله يبتكر مفاهيم تحليلية سرعان ما هيمنت على الخطاب العلمي والفكري والثقافي في العلوم السياسية والاجتماعية من قبيل: الإسلام السياسي، أسلمة المجتمع، الإسلام الحركي، الطائفية والقبائلية، وبالتدريج بات الخطاب العربي والإسلامي في العلوم الاجتماعية يعيد إنتاج نفس النسق الفكري الغربي منهجيًا ونظريًا، وهو ما جعل الصراع السياسي في المنطقة ينتقل من الصراع حول الاقتصاد والاحتكار والاستغلال والهيمنة والتبعية إلى صراع أيديولوجي بين اليسار واليمين، وبين الإسلام السياسي والأنظمة والنخب التقدمية، وكلما توغلت النخب التي تتبنى أيديولوجية دينية مغرقة في الماضوية، واشتدت مستويات تبعية النخب التقدمية للغرب، اشتدَّ الصراع وصار حروبًا طاحنة بين هذه الأطراف.

إعلان

وهكذا، تم تغييب جوهر الصراع بين الشمال والجنوب، وبين الدول النامية والدول الغربية، وبين البلدان العربية ومستعمريها السابقين/ الجدد ليتحول إلى صراع حول السلطة والحكم، الذي بقي يدور في فلك الغرب ويسترشد بأوامره مهما كانت الحكومات والأنظمة.

ولهذا، فبالرغم من أن المنطقة العربية عرفت حكومات من مختلف التوجهات: إسلامية، يسارية، يمينية، ليبرالية…إلخ، فلم تستطع أن تبني استقلالًا سياسيًا واقتصاديًا وقاعدة علمية بالمرة.

وضمن هذا السياق، ساهمت الصراعات والحروب العربية- العربية في تأزيم الذاكرة الجماعية وفقدت النخب ثقتها في الخلاص الجماعي والقومي، وباتت القومية العربية مجرد ذكرى لزمن الهزيمة. وعليه، فقد تمكن الغرب، بعد تغريب الصراع العربي- الإسرائيلي وتفكيك نخب المقاومة الثقافية والفكرية، من بناء سردية غربية رأسمالية احتكارية في العمق، تتخفى بأقنعة الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وصار سبب التخلف في المنطقة هو الإسلام ومقاومة الحداثة والتحديث.

وبالمقابل، صارت المقاومة الفلسطينية سببًا في الحروب والفوضى في منطقة الشرق الأوسط، وهو الخطاب الذي تبناه وصاغه المحافظون الجدد في أميركا، في تبريرهم غزو العراق واحتلاله، وفي إجهاض ثورات الربيع العربي وتحويره، وهو الخطاب نفسه الذي بات يبرر حرب الإبادة العرقية في فلسطين، وقد تمكن هذا الخطاب من أن يخترق الخطاب العربي الرسمي ومن يدور حوله من نخب براغماتية ترى أن الوصل بالتراث والدين هو سبب التخلف في المنطقة.

وعلى هذا الأساس، فشلت المجتمعات العربية في بناء سردية عربية إسلامية للصراع العربي- الإسرائيلي من خلال تفكيك الخطاب الغربي ونقد أسسه الأيديولوجية والاقتصادية ممثلة في الرأسمالية الاحتكارية.

وهو ما يشرح تواضع الدراسات ما بعد الكولونيالية والدراسات الثقافية مقارنة بما حققته أميركا اللاتينية وأفريقيا والصين وروسيا، من قبيل العصيان المعرفي، ونقد الحداثة، والواقعية البنائية، وما إلى ذلك من توجهات نقدية للمركزية الغربية وللحداثة في أفولها وتهافتها الأخلاقي.

إعلان

تأسيسًا على ما سبق، تصبح الدعوة إلى بناء سردية عربية إسلامية كونية حول القضية الفلسطينية إحدى واجهات المقاومة الثقافية التي يجب أن تمتد إلى مجالات الأدب والفنون والسينما والدراما، من خلال عودة النخب المثقفة إلى واجهة الأحداث، وهي مسؤولية عظمى تتجاوز الانتماء الضيق للدولة القُطرية لتعانق الانتماء الرحب للإنسانية الكونية.

وهنا تصبح الجامعة واحدة من أهم الفضاءات المعرفية التي يجب أن تعمل على ازدهار الدراسات الثقافية والديكولونيالية، وعلى تشجيع البحث العلمي في مجالات السيادة الثقافية والفكرية والعلمية، كما يجب على الإعلام المسنود بالمجتمع المدني أن يلعب دوره في التأطير ونشر الفكر الجاد والمعرفة التنويرية للشعوب العربية التي باتت تعيش تحت تهديد القصف الإعلامي والفكري الغربي، الذي يعمل دون هوادة على نشر سرديته الاستعمارية والاحتكارية وثقافته الاستهلاكية المغرقة في نظام التفاهة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الحكومة تصادق على إحداث المنطقة الصناعية عين الجوهرة بالخميسات
  • تعليمات صارمة تهدم بنايات عشوائية بمراكش
  • تصاعد التوتر بين إسرائيل ولبنان.. تبادل للقصف رغم اتفاق وقف إطلاق النار
  • فلسطين.. جيش الاحتلال ينسف مباني سكنية شرق جباليا شمالي قطاع غزة
  • "مدن" و"السويدي للتنمية" تطوران منطقة صناعية ضمن مشروع "رأس الحكمة"
  • تعاون بين «مدن» و«السويدي» لتطوير منطقة صناعية بمشروع «رأس الحكمة»
  • هل استهدفت إسرائيل مقاتلين أجانب في اللاذقية؟
  • في جنوب لبنان..الجيش يغلق طريقين شقتهما القوات الإسرائيلية
  • مقتل صحفية روسية بانفجار لغم بالقرب من الحدود الأوكرانية
  • إسرائيل ومعركة الوعي