تغول الدولار يضرب مستلزمات الإنتاج المصرية.. وخبراء: الحل بالاقتصاد السري
تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT
يبدو أن السوق المصرية التي تعاني الكثير من الأزمات الهيكلية والمعقدة مستعصية الحلول، على موعد مع أزمة جديدة مع تعدي سعر صرف العملة المحلية بالسوق الموازي ضعف السوق الرسمية، بتسجيلها نحو 60 جنيها أمام الدولار، وحوالي 65 جنيها مقابل اليورو، قبل عدة أيام.
وخلال الأيام الماضية جرى الحديث عن أزمة نقص كبيرة في الخامات ومستلزمات الإنتاج المستوردة للمصانع وشركات الإنتاج المصرية، من الخارج، يقابله شح في المعروض من البضائع، وزيادة كبيرة في الأسعار.
"الصناعة تموت"
وتحدث السياسي المصري، مجدي حمدان موسى، عن نقص "خامات ومستلزمات صناعة الغزل والنسيج ومواد الصباغة الخاصة بالمنسوجات"، قائلا عبر صفحته بـ"فيسبوك": "عليه العوض في البلد، الصناعة بتموت مفيش خامات ولا مستلزمات نسيج ولا مواد صباغة".
وفي السياق، قال رئيس جمعية "الحق في الدواء" الدكتور محمود فؤاد، إن الظرف الاقتصادي هو الضاغط الحقيقي على صناعة الدواء وأزمتها الحالية، مشيرا عبر صفحته بـ"فيسبوك"، إلى أن "نقص الأصناف المنقذة للحياة يتزايد لأول مرة بشكل مرعب".
وأكد أن أزمة نقص الأدوية النفسية والعصبية ظهرت"، مشيرا إلى أن "منتجات شركة (Lundbeck) الدانماركية اختفت بسبب أزمة الدولار من السوق المصري"، موضحا أن "(السيبرالكس) أهم أصناف الشركة، بخلاف أدوية الصرع والاكتئاب".
"نضوب وغلاء"
ومن أمام إحدى شركات بيع الأجهزة المنزلية والكهربائية في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية يقف عشرات المواطنين، في انتظار دورهم في الحصول على سلعتهم التي قاموا بحجزها قبل أيام من الشركة، نظرا لعدم توافر المنتجات بسبب تراجع الإنتاج المحلي، لنقص الخامات بسبب أزمة الدولار.
هذا، وفق ما أكده نبيل، أحد المشرفين على عملية التسويق بالمعرض، نقلا عن الشركات الموزعة، موضحا أن شح المعروض من البضائع رفع أسعار الأجهزة الكهربائية لنحو 25 بالمئة خلال أيام.
وقبل 6 أيام اعترف رئيس شعبة صناعة الأجهزة الكهربائية بغرفة الصناعات الهندسية، حسن مبروك، أن السوق تعاني نقصا شديدا بالمعروض من الأجهزة الكهربائية والمنزلية بين (55-60 بالمئة)، من المنتجات المحلية والمستوردة، مؤكدا أن والمصانع تعمل بنصف طاقتها الإنتاجية.
كما اعترف وزير التموين المصري علي المصيلحي، قبل 5 أيام بأن أزمة نقص المعروض من السلع، وارتفاع سعر الدولار، وعدم استقرار سعر الصرف، بالتزامن مع ارتفاع تكلفة الشحن، أسباب رئيسية لارتفاع أسعار السلع الغذائية مثل الزيت.
وأشار الوزير في تصريحات صحفية قبل أيام، أن 97 بالمئة من الزيوت النباتية مستوردة، والعصارات المحلية تستورد بذرة الفول الصويا، و53 بالمئة من القمح، و55 بالمئة من الذرة الصفراء مستورد.
"الحديد والعقارات"
وبالتزامن، شهد السوق المحلي الأيام الثلاثة الماضية ارتفاعا في أسعار حديد التسليح، الذي وصل أكثر من 50 ألف جنيها لسعر الطن.
ما برره عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب على الدسوقي، بالقول إن نحو 95 بالمئة من الصناعة يتم استيراده، وتعتمد بالتالي على العملة الصعبة التي لا تستطيع الحكومة توفيرها من البنوك.
وتقترب أزمة شح السلع من السوق العقاري الذي يحظى بإقبال كبير، خاصة وأنه يعتبر من الملاذات الآمنة التي ينصح بشرائها الخبراء، إلى جانب الذهب والعملات الصعبة.
وأكد 3 من أصحاب شركات العقارات العاملة في مدينتي "بدر" و"الشروق" شمال شرق القاهرة، القريبتان من العاصمة الإدارية الجديدة، أن هناك ندرة كبيرة في المعروض من العقارات، مع تراجع في عمليات البناء بشكل لافت، خاصة مع زيادة أسعار الأسمنت والحديد والتي يقود ارتفاعهما سعر صرف الدولار، لأرقام قياسية.
وأكدوا أنه في مقابل قلة المعروض، وتراجع عمليات البناء، تحرص الشركات على عدم بيع ما لديها تحسبا لارتفاع الأسعار كل يوم، وما تبيعه يكون مقوما بالدولار أو اليورو، وما يتبقى من قيمة أية عملية بيع يتم احتسابه واستلامه بالعملة الصعبة وقت الدفع.
"أزمة الاستيراد"
وتعاني السوق المصرية منذ الربع الأول من عام 2022، من أزمة شح الدولار، وتراجع قيمة العملة المحلية، ما أدى لتراكم السلع والخامات وقطع الغيار المستوردة بالموانئ، وسط تضارب القرارات الحكومية، التي انتهت إلى تقليص حجم الاستيراد الخارجي نظرا لعجزها عن توفير الدولار، ما أثر على إنتاج المصانع والشركات.
وسجل عجز ميزان مصر التجاري غير النفطي 37.1 مليار دولار بنهاية 2023، بسبب هبوط واردات البلاد نتيجة شح العملة الصعبة اللازمة للاستيراد، وفق ما نشرته "الشرق مع بلومبيرغ"، الثلاثاء.
وانخفضت واردات مصر بنحو 13 بالمئة لتسجل 72.5 مليار دولار، في انخفاض وصل حوالي 11 مليار دولار لعدم القدرة على تدبير العملة الصعبة من أجل استيراد المواد الخام اللازمة لعمليات الإنتاج في المصانع.
وتعالج حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، أزماتها عبر التوجه لبيع الأصول العامة (35 شركة)، والتخارج من نحو 65 نشاطا، والاقتراض الداخلي والخارجي، ومبادلة الديون السابقة بأصول حكومية وسيادية.
وفي الوقت نفسه تواصل مشروعاتها التي تكلفت وتتكلف مليارات الدولارات والتي تم جلب مليارات الدولارات كديون خارجية لأجلها في الوقت الذي لم تقدم أية عوائد للدولة.
"الاقتصاد السري"
لكن، وعلى الجانب الآخر، يرى خبراء وبينهم متخصصون بمجموعة "تكنوقراط مصر" أن الحل لأزمة البلاد مع العملة الصعبة، وما تبعها من نقص المستلزمات وخامات الإنتاج وارتفاع أسعارها، ووقف الضغوط على المصريين؛ بفك "الاقتصاد السري" المكون من الصناديق الخاصة والسيادية، ودمجها باقتصاد الدولة في موازنة واحدة.
وكتب الخبير الاقتصادي محمود وهبة، عن الأزمة مؤكدا عبر "فيسبوك"، أن "هيكل الاقتصاد مختل بشأن توزيع الثروة والأعباء"، موضحا أن "الدخل القومي نحو 400 مليار دولار، ويمتلك اقتصاد الجيش والصناديق السيادية والخاصة (الاقتصاد السري) 280 مليار دولار أي ثلثي الدخل القومي، ويمتلك الشعب 120 مليار دولار".
وأكد عضو "تكنوقراط مصر" أن "الاقتصاد السري، لا يسدد ديونه، أو يدفع فوائد عنها ويحملها للميزانية العامة، ولا يدفع جمارك، أو ضرائب، أو رسوما، وله مزايا أخرى خاصة بالمستفيدين منه"، وصفها بـ"السرية".
ويرى أن "الحل ليس فنيا"، مبينا أن الاقتصاد السري خلق الأزمات وعليه حلها، بأن يتم "توحيد الميزانية بتوحيد ميزانيات الصناديق الخاصة والسياسية"، وأن "يسدد الاقتصاد السري ديونه ويدفع فوائدها ولا تُدفع من الميزانية العامة"، وأن "يدفع الجمارك والضرائب والرسوم المستحقة على كل عملياته التجارية".
وطالب وهبه، أيضا بأن يدفع الاقتصاد السري "التعويض عن سلب كل الأصول التي نقلت ملكيتها له بالمجان"، وأن "تستعيد الخزانة العامة كل العمولات والسمسرة التي تم الحصول عليها من شراء الأسلحة وغيرها من عمليات".
"الأزمة أعمق"
وتحدث المستشار السياسي والاقتصادي الدكتور حسام الشاذلي، لـ"عربي21"، عن تأثير نقص الخامات والسلع ومستلزمات الإنتاج على وضع البلاد، فيما تطرق إلى دور الاقتصاد السري وضرورة فكه ودمجه في الاقتصاد الرسمي لحل الأزمة، وأشار إلى ما أسماه منظومة الاقتصاد المسموم، كما عرض لما اعتبره حل شامل؛ يتطلب تغيير هيكلي وسياسي واقتصادي.
وقال الشاذلي، الذي يرأس جامعة كامبردج المؤسسية بسويسرا، "من الهام جدا عند تقييم الحالة الآنية للاقتصاد المصري أن ننظر للصورة مكتملة وليس فقط الجزء الخاص بانهيار الجنيه، والذي كان متوقعا".
وأضاف: "ومازالت نتائجه قادمة، بعد فقدان ثقة الإستثمار الأجنبي في السوق المصري، بعد حذف مصر من مؤشر (جي بي مورجان)، وكذلك تغيير وكالة (موديز) تصنيف مصر إلى سلبي، وتحذيرها من خطورة المرحلة القادمة".
وأكد أن "حقيقة الأمر أن مشكلة مصر تكمن ليس فقط في نقص السيولة أو العملة الصعبة فقد تم حقن مليارات بعد مليارات من القروض والمعونات؛ ولكن كانت منظومة الاقتصاد المسموم قادرة على إذابة أي قدر من السيولة بدون تحقيق أي تقدم في إصلاح المنظومة الاقتصادية المصرية".
ولذلك يرى الشاذلي، أن "محاولة تفكيك ما يُعرف بالاقتصاد السري أو اقتصاد الصناديق السيادية سوف يساعد في توفير السيولة والعملة، ويمنح قدرا من الشفافية المطلوبة لأي منظومة اقتصادية ناجحة؛ ولكن لن يحل المشكلة".
وأضاف: "حتي إذا نظرنا إلى محاولة السيطرة على نوع آخر من الاقتصاد، وهو الاقتصاد الموازي وغير الرسمي، والذي يمثل في مصر ما يقارب من 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي GDP))، فسوف يساهم بالسيطرة على ضرائب الدخل ونواتج المنظومة ولكن لن يحل المشكلة أيضا".
"منظومة الاقتصاد المسموم"
الخبير المصري، قال إن "مشكلة منظومة الاقتصاد المسموم، والتي لقبتها بهذا الاسم، وقدمت هذا المفهوم لأول مرة في مقالتي على صفحة كلية (لندن للاقتصاد والعلوم السياسية)، "Toxic Economy : The Egyptian Model"، ونشرت الكثير من المقالات حولها منذ عام 2018".
وأكد أن "تلك المنظومة في شدة الخطورة كونها تعطي مؤشرات خادعة حول المنظومة الاقتصادية، وترسخ لمبدأ الاعتماد على القروض، وتؤخر التشخيص، ولا تفيق منها المنظومة إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن يكون الهيكل الاقتصادي قد استُهلك تماما وبدأ في الانهيار".
ولفت إلى أن "هذا ما تواجهه مصر الآن؛ ولذلك فإنني أزعم بأن الحل الاقتصادي للخروج من منظومة الاقتصاد المسموم هو حل شامل؛ يتطلب تغيير هيكلي وسياسي واقتصادي على مراحل متعددة".
ويركز حل الشاذلي، "على خلق منظومات جديدة لصناعة التكنولوجيا والتحول الرقمي، ويرسخ لمنظومة تعليم مؤسسية مختلفة، ويضمن حرية السوق، ويعالج الفساد والسيطرة الأحادية، ويخلق شراكات دولية جديدة بعيدة عن السيطرة الشاملة".
وأيضا، "يتبنى خطة متخصصة للتميز والجودة في صناعات مستقبلية محددة، ويتخلص من الاتفاقيات المحددة للنمو، ويركز على الاستفادة القصوى من العقول المصرية المتواجدة بالخارج، ويدعو المتميزين لقيادة منظومة تغيير اقتصادية شاملة".
تلك المنظومة، "تضمن تحقيق إصلاحات مؤكدة في إطار زمني محدد، وتعيد ثقة الاستثمار والشركاء الدوليين، وتطالب بإسقاط جزء من المديونية في ضوء خطة الإصلاح الشاملة، من أجل مصر أفضل لكل المصريين".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد عربي المصرية أزمة الدولار الاقتصادي المواد الخام الجنيه مصر الدولار أزمة الجنيه الاقتصاد المزيد في اقتصاد اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة من هنا وهناك اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العملة الصعبة السوق المصری ملیار دولار المعروض من بالمئة من
إقرأ أيضاً:
الدولار يتجه لتسجيل أفضل أداء أسبوعي في أكثر من شهر
يتجه الدولار اليوم الجمعة لتسجيل أفضل أداء أسبوعي في أكثر من شهر بدعم من توقعات بأن يخفض مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) أسعار الفائدة بشكل أقل.
ويحوم الدولار قرب أعلى مستوى في عام مقابل سلة من العملات عند 106.88 ويمضي لتحقيق مكسب أسبوعي 1.8 بالمئة في ما سيكون أفضل أداء له منذ سبتمبر.
ويتجه اليورو من جانبه لتسجيل أسوأ أداء أسبوعي في سبعة أشهر بهبوط بواقع 1.75 بالمئة. ووصلت العملة الأوروبية الموحدة في أحدث التداولات إلى 1.0530 دولار لتظل قرب أدنى مستوى لها في عام والذي سجلته في الجلسة السابقة.
وانخفض الجنيه الإسترليني 0.02 بالمئة إلى 1.2666 دولار ويتجه لخسارة أسبوعية باثنين في المئة بما يمثل أكبر تراجع أسبوعي له منذ يناير 2023.
وقال رئيس المركزي الأميركي جيروم باول أمس الخميس إن البنك ليس بحاجة إلى التسرع في خفض أسعار الفائدة، وأرجع هذا لاستمرار النمو الاقتصادي وقوة سوق العمل.