وسط صمت مطبق من الجميع سواء إقليميًا أو دوليًا؛ كثّفت تركيا مؤخرًا من حجم عملياتها العسكرية في كل من الشمالَين: السوري والعراقي ضد وحدات حماية الشعب (قسد)، وحزب العمال الكردستاني؛ بهدف تدمير مخازن أسلحتهم، ومعسكراتهم والكهوف التي يختبئون داخلها، والمنشآت النفطية الخاضعة لسيطرتهم، التي تؤمن لهم مصادر دائمة لتمويل عملياتهم الإرهابية ضد أهداف داخل حدود الدولة التركية، ومهاجمة أفراد من قواتها المسلحة المتواجدين في المنطقة.

ردّ سريع

وهي العمليات التي اعتبرت ردًا سريعًا من جانب تركيا على استهداف عناصر حزب العمال الكردستاني في العراق- وذراعها داخل الشمال السوري وحدات حماية الشعب – مواقعَ تمركز الجنود الأتراك؛ مما أدى إلى إصابة بعضهم بإصابات خطيرة، ومقتل اثني عشر منهم، خاصة بعد أن أعلن المسؤولون الأتراك أن لبلادهم كل الحق في الحفاظ على تأمين حدودها، والقيام بما يلزم لمواجهة المخاطر التي تواجهها.

كما أن عملياتهم التي تتسق وبنود القانون الدولي، وتتوافق مع مبدأ حق الدفاع عن النفس سوف تستمر حتى تحقق أهدافها، ويتم القضاء على جميع الإرهابيين المتواجدين على طول حدودها مع كل من سوريا والعراق، معتبرين أن ما يتم تنفيذه حاليًا من عمليات عسكرية، يأتي ضمن إطار التعاون الدولي في سياق الحرب على الإرهاب، ولا يستهدف إطلاقًا المساس بسيادة الدولتين.

عمليات عسكرية مكثفة

يبدو من الطبيعي بل ومن المنطقي أن يكون لتركيا الرسمية رد فعل يتناسب مع حجم مكانتها كدولة، ومع ما تعرض له جنودها من هجوم، إلا أن الإصرار على توسيع نطاق العمليات العسكرية، والتوغّل في مناطق لم تكن يومًا هدفًا لها، وتكرار الحديث عن الاستمرار فيها، يؤكد ذلك أنّ الأهداف التي تسعى تركيا لتحقيقها من وراء هذه العمليات تتخطى مسألة الثأر لجنودها الذين لقوا حتفهم على يد عناصر مسلحة تصنفهم إرهابيين.

ربما يكون من أهم هذه الأهداف بالنسبة لأنقرة في الوقت الراهن، استغلال حالة الصمت التي تواكب عملياتها العسكرية لقطع جميع الطّرق والممرات التي تمثل أساس خطوط التواصل بين مسؤولي حزب العمال الكردستاني المتمركزين في الشمال العراقي، ونظرائهم في المناطق الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب (قسد) في الشمال السوري، وذلك لمنع أية خطوة تستهدف الإعلان عن تشكيل حكم ذاتي كردي في الشمال السوري على نسق ما سبق أن تمّ في شمال العراق، بإشراف ودعم كامل من الولايات المتحدة الأميركية.

وهي خطوة استباقية على الأرجح، تأتي ردًا على قيام الإدارة الذاتية لـ (قسد) بعقد مؤتمرها الرابع الذي تم في العشرين من شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي تحت عنوان: "وحدة السوريين ديمقراطية تعددية لا مركزية"، وإصدارها وثيقةً أطلقت عليها اسم: " عقد اجتماعي" استخدمت فيها مصطلحات كشفت عن نيّتها وخططها المستقبلية، حيث تم استخدام كلمة "إقليم"، في إشارة للمناطق التي تخضع لسيطرتها.

الأمر الذي يبدو أنه زاد من قلق المسؤولين الأتراك، ودفعهم لرسم إستراتيجية جديدة مغايرة لما تم اعتماده سابقًا، وذلك لمواجهة الخطر المقبل الذي تم استشعاره من جانبهم، رغم قيام (قسد) بإجراء تغييرات هيكلية في عناصرها القيادية بالمناطق الخاضعة لنفوذها، واستبعادها عددًا من العناصر المتشددة والمثيرة للجدل، بهدف طمأنة تركيا بأن مشروعها السياسي للمنطقة لن يمثل لها تهديدًا يُذكر.

إلا أن وصف مناطق نفوذها بـ "الإقليم"، والحديث عن "التعددية" تحديدًا فتحا الباب على مصراعَيه أمام احتمالية أن يكون ذلك هو بداية التحرك الفعلي صوب التجهيز لإعلان حكم ذاتي لها في المنطقة، وهو ما تراه أنقرة تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، الأمر الذي دفعها لتوظيف الهجوم على جنودها لتوجيه ضربة عسكرية تقضي من خلالها على المنشآت الحيوية والبنية التحتية التي يمكن أن تكون المقوم لإعلان منطقة الحكم الذاتي بعيدًا عن مركزية الدولة السورية في دمشق.

طرد عناصر قسد من المناطق الحدودية

إخراج العناصر المسلحة المتمركزة في المناطق الحدودية التركية – السورية يمثل أيضًا أحد الأهداف التي تسعى إليها القيادة السياسية التركية من وراء عملياتها العسكرية المتكررة في المنطقة؛ لتأمين حدودها بصورة تامة من جهة، ولإفساح المجال أمام تنفيذ خطتها الرامية لتشكيل منطقة آمنة بعمق ثلاثين كيلو مترًا مربعًا داخل الأراضي السورية؛ لاستيعاب مليونين من اللاجئين السوريين، والقضاء على مشكلة تواجدهم بكثافة على أراضيها، الأمر الذي أصبح يمثل لها صداعًا مستمرًا بعد أن تم توظيفه ضدها من جانب أحزاب المعارضة في جميع الاستحقاقات الانتخابية، وأدى إلى ظهور حالة من العداء والعنصرية في الشارع التركي ضد كل ما هو أجنبي، حتى لو كان سائحًا.

اللافت في العملية العسكرية الجديدة اتساع مساحتها الجغرافية، حيث تمتد لبعض مناطق عين العرب والحسكة والرقة وتل رفعت ومنبج، إلى جانب استهداف بنيتها التحتية، ومنشآتها الحيوية، وبالذات مناطق حقول النفط التي يسيطر عليها المسلحون الأكراد، وذلك بهدف ضمان وقف مصدر تمويلهم الرئيسي، الذي يؤمن لهم استمرار عملياتهم الإرهابية ضد الدولة التركية، سواء داخل أراضيها أو استهداف جنودها المتواجدين في كل من سوريا والعراق.

اتفاق تركي – أميركي

وهي مناطق لطالما حرصت تركيا على عدم التعرض لها بسبب وجود جنود من مشاة البحرية الأميركية بها، لكن استهدافها مؤخرًا دون صدور أي رد فعل أو احتجاج من جانب الإدارة الأميركية مثلما جرت عليه العادة في مثل هذه الظروف، يشير إلى احتمالية وجود اتفاق غير معلن بين أنقرة وواشنطن عقب العمليات الإرهابية التي تعرضت لها تركيا، يقضي بغض الطرف من جانب الولايات المتحدة عما تقوم به تركيا من عمليات مقابل الاتفاق على عدد من الملفات والقضايا العالقة بينهما.

مثل ملف انضمام السويد لحلف الناتو، حيث صادق البرلمان التركي أخيرًا على قبوله عضويتها بالحلف بعد مفاوضات عسيرة طويلة امتدت لشهور، إلى جانب ملفّي الحرب على غزة، والحرب الروسية – الأوكرانية، والعلاقات التركية – الإيرانية، وقضية شرق المتوسط.

مصالح سياسية

ولما كانت المصالح هي التي تحرك دومًا بوصلة المواقف السياسية، فلا عجب أن كلًا من روسيا وإيران لم تعارضا ما تقوم به تركيا، ولم تبديا أي رد فعل ينبئ عن رفضهما التحرك التركي، فروسيا نجحت بالتعاون مع تركيا في إدخال قوات للجيش العربي السوري إلى عدد من مناطق شمال شرق سوريا، الأمر الذي أمن للنظام التواجد في أماكن لا تخضع لسيطرته، ومنح تركيا الأمل في إمكانية التعاون مع دمشق مستقبلًا لإعادة إحكام سيطرتها على المناطق الواقعة تحت نفوذ (قسد)، وإخراجها منها وتأمينها.

بينما ترى إيران أن (قسد) إحدى أذرع الإدارة الأميركية في المنطقة التي يجب اجتثاث عناصرها، وإخراجهم منها، وهي في هذا الطرح تؤيد المخاوف الأمنية التي يبديها المسؤولون الأتراك، مما يشير إلى أن تركيا لديها فرصة تاريخية لتحقيق أهدافها، وضمان وحدتها الترابية، والحفاظ على أمنها القومي إذا ما أحسنت استغلالها.

 

 

 

 

 

 

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الأمر الذی فی المنطقة من جانب

إقرأ أيضاً:

السوداني يعلن مقتل والي سوريا والعراق بتنظيم الدولة في عملية أمنية

أعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، مقتل قيادي كبير في تنظيم الدولة، بعملية مشتركة بين المخابرات العراقية وقيادة العمليات المشتركة للتحالف الدولي ضد التنظيم.

وأوضح السوداني، أن القتيل يدعى عبد الله مكي مصلح الرفيعي، وهو ويشغل في التنظيم موقع "والي العراق وسوريا".

وقال السوداني في بيان صدر عنه اليوم الجمعة: "يواصل العراقيون انتصاراتهم المبهرة على قوى الظلام والإرهاب، حيث تمكن أبطال جهاز المخابرات الوطني العراقي، بإسناد وتنسيق من قيادة العمليات المشتركة وقوات التحالف الدولي، من قتل الإرهابي عبد الله مكي مصلح الرفيعي المكنى أبو خديجة".

وأوضح السوداني أن الرفيعي كان بمثابة "نائب الخليفة" بمنصب ما يسمى "والي العراق وسوريا، ومسؤول اللجنة المفوضة ومسؤول مكاتب العمليات الخارجية، ويعد أحد أخطر الإرهابيين في العراق والعالم".



وكانت السلطات السورية ألقت القبض قبل أسابيع على القيادي في تنظيم الدولة "أبو الحارث العراقي"، المسؤول عن هجمات "إرهابية".

وذكرت وكالة الأنباء السورية "سانا"، أن الاستخبارات السورية، قبضت على "أبو الحارث العراقي" الذي كان يشغل مناصب مهمة فيما يسمى "ولاية العراق"، أبرزها ملف الوافدين ونائب مسؤول التجهيز، والذي يعتبر مسؤولاً عن تجهيز الهجمات الإرهابية".

وكشف المصدر، بحسب الوكالة نفسها، أن العراقي كان يقف وراء التخطيط لعدة عمليات، أبرزها اغتيال القيادي "أبو مارية القحطاني" أو "ميسر الجبوري" وعدد من الاغتيالات الأخرى.

وأعلن المصدر أن الخلية التي تم إحباط مخططها في استهداف مقام السيدة زينب في محيط العاصمة دمشق، كانت تعمل بتوجيه من القيادي "أبو الحارث العراقي".

مقالات مشابهة

  • إسرائيل قلقة من احتمال توسيع تركيا وجودها العسكري داخل سوريا
  • وزير الخارجية التركي: لا تنازلات بشأن الحكم الذاتي في سوريا
  • بابل.. احتجاجات ليلية أمام المستشفى التركي للمطالبة بإلغاء عقد الشركة التركية
  • وزيرا خارجية سوريا والعراق  يؤكدان على أهمية العلاقات التاريخية بين البلدين وتطويرها
  • السوداني يعلن مقتل والي سوريا والعراق بتنظيم الدولة في عملية أمنية
  • لماذا لم يتم تطوير «فن العرائس» حتى الآن؟.. ناصر عبد التواب يٌجيب
  • خطة جديدة لتنظيم تجارة الذهب في تركيا.. ما الذي سيتغير؟
  • اعتقال مراسل التلفزيون التركي وبحوزته مخدرات في سوريا
  • رغم اتفاق قسد والشرع.. تركيا تقتل 24 من الأكراد بسوريا والعراق
  • الجيش: تسلمنا العسكري الذي اختطفته إسرائيل