الدمار لحقها.. ما الأهمية الاقتصادية لمصفاة الخرطوم للنفط؟
تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT
تقف الحرائق المشتعلة والدمار الذي لحق بأكبر مصفاة للنفط في العاصمة السودانية شاهدًا على الخسائر الضخمة التي تخلفها الحرب المستعرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ نحو 9 أشهر من دون بوادر لإيقافها في أمد منظور.
وسيطرت قوات الدعم السريع على مصفاة الخرطوم للنفط بعد أيام من بدء الحرب منتصف أبريل/نيسان الماضي، ما مكّنها تأمين إمداد كبير لأرتال سياراتها التي تخوض قتالا شرسًا في الخرطوم وولايات أخرى.
تقع المصفاة في منطقة الجيلي على بعد 70 كيلومترا شمال العاصمة، وتأسست في عام 1997 وبدأت عملياتها في عام 2000 وهي مناصفة بين الحكومة السودانية ممثلة في وزارة الطاقة، والشركة الوطنية للبترول الصينية، وتعد من أكبر المصافي في السودان وترتبط بخط أنابيب للتصدير بميناء بشائر على ساحل البحر الأحمر شرقي السودان بطول 1610 كيلو مترات.
كما ترتبط بآبار النفط في ولايات غرب وجنوب كردفان، لكن سيطرة قوات الدعم السريع على عدد من الحقول في هذه الولايات، بينها حقل بليلة في ولاية غرب كردفان، أسهم بشكل ملحوظ في تقليص إمداد الخام للمصفاة، وتراجع سعتها التكريرية.
وتتعرض المنشأة التي ما زالت تعمل بشكل جزئي لقصف وهجوم متكرر، إذ يتبادل طرفا القتال الاتهامات بالمسؤولية حيال استهدافها منذ 7 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عندما قالت قوات الدعم السريع إن طيران الجيش قصف ودمر مستودعات رئيسية فيها، ليرد متحدث باسم الجيش بتحميل الطرف الآخر المسؤولية والتسبب في حريق شب داخل قسم الشركات وتعريض المصفاة بمن فيها للتدمير.
وتوالت الأحداث لاحقًا داخل المصفاة بتكرار تعرضها لحرائق، كان آخرها الأحد الماضي، إذ هزت انفجارات قوية المكان والمناطق المحيطة به وشوهدت السنة اللهب تتصاعد من المستودعات الضخمة، وقالت قوات الدعم السريع إنها نتيجة قصف بالمسيرات، وذلك بعد أسابيع من إعلان الجيش تورط الدعم السريع في تدمير غرف التحكم في المصفاة.
إعلان
ويحذر خبراء اقتصاد من أن تدمير مصفاة الخرطوم سيلقي بآثار كبيرة على قطاع النفط في السودان، علاوة على صعوبة تعويض خسائرها المالية، إذ تبلغ كُلفتها مليارات الدولارات، وسيستغرق إعادة بنائها أعوامًا.
تنتج المصفاة في الظروف الطبيعية نحو 10 آلاف طن من الغازولين و4500 طن بنزين 800 ألف طن من غاز الطهي، وكانت تعمل بأقل من طاقتها القصوى والبالغة 100 ألف برميل في اليوم.
وتعمل مصفاة الجيلي على نوعين من الخام هما مزيج النيل من إنتاج حقول هجليج بولاية جنوب كردفان والفولة، وخام دار الثقيل، وفق قول وزير الطاقة والتعدين السابق، عادل علي إبراهيم، الذي يؤكد أن المصفاة تعمل على كل نصيب السودان من الخام، في حين يغطي إنتاجها نصف حاجة البلاد من البنزين و40% من احتياجات الديزل ونصف احتياجات غاز الطهي.
ورغم الانفجارات والحرائق، يقول إبراهيم للجزيرة نت إن الوضع تحت السيطرة ولا تزال محاولات الإطفاء مستمرة ولم يتم حصر وتقييم التلف والخسائر حتى الآن.
ولم يغلق باب استيراد المشتقات النفطية، رغم تطورات الوضع الأمني، إذ انتقلت عديد من الشركات المتخصصة في الاستيراد إلى بورتسودان، وهو ما يقلل الأثر السلبي لحرائق مصفاة الخرطوم، عبر تغطية الحاجة بالاستيراد.
لكّن وزير النفط السوداني السابق يقول إن التحدي سيكون في عمليات نقل المشتقات النفطية من ميناء بورتسودان إلى الولايات الأخرى متوقعًا ارتفاع الأسعار إذا طال أمد توقف المصفاة المحلية.
ويشاركه الخبير في شؤون النفط، حسين محمود المخاوف ذاتها، فيقول لـ”الجزيرة نت” إن توقف المصفاة بالكامل يعني الاعتماد كليًا على الاستيراد بما يعني إرهاق خزينة الدولة للحصول على النقد الأجنبي.
ويتحدث محمود عن أن الأضرار التي وقعت في المصفاة، والتي من شأنها إلحاق تأثيرات بالغة بمئات العاملين فيها وإفقادهم أعمالهم، علاوة على الخسائر الجسيمة التي لحقت بمستودعات التخزين الخاصة بالشركات والحكومة.
وفي جانب آخر، يشير الخبير إلى أن ما لحق بالمنشأة النفطية سيلقي بتحدٍ بالغ على العمل بمشروع الجزيرة وغيره من المشروعات الزراعية فيما يخص توفير الوقود للحصاد، لا سيما وأن الوقت الحالي يصادف موسم حصاد الذرة والقطن، وحتى إذا اكتمل الحصاد ستواجه عملية نقل المحاصيل عقبات كبيرة في ظل سيطرة قوات الدعم السريع على الطرق البرية الرابطة بين ولايات الجزيرة وكردفان والنيل الأبيض.
بدوره ينوه المحلل الاقتصادي، عبد العظيم المهل في حديثه للجزيرة نت إلى أن الحريق الذي طال المنشأة النفطية أدى إلى تعطل جزئي لها، وهي التي زادت كلفة تشييدها على 500 مليون دولار، وقد تم تحصينها بأنظمة حماية ذاتية لإطفاء الحريق يجعل من الصعب وصول الحريق إلى جسم المصفاة الأساسي.
غير أن الإشكال الذي يمنع المصفاة من العمل -يضيف المهل- هو عدم تمكن المهندسين المختصين من الوصول إليها وإصلاحها، مما يؤثر سلبًا على إمداد الوقود الذي سيؤثر بدوره على الموسم الزراعي الشتوي والمصانع المتبقية وحركة المركبات وغيرها.
الجزيرة نت
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع مصفاة الخرطوم
إقرأ أيضاً:
هكذا تبدو مدينة ود مدني بعد استعادتها من قوات الدعم السريع
ود مدني- تبدو مدينة ود مدني الواقعة وسط السودان مدينة شاحبة الوجه بعد أن شردت الحرب أهلها وأحالتها لمدينة أشباح، فلا يوجد بها سوى القليل من الناس الذين أجبرتهم الظروف على البقاء تحت وطاءة الحرب.
وتحولت ود مدني، التي استطاعت قوات الجيش السوداني استعادتها من سيطرة قوات الدعم السريع، من عنوان للجمال والثقافة إلى مدينة مهجورة ينتشر فيها الدواب والكلاب والجوارح التي تتغذى على جثث قتلى الحرب في شوارع المدينة.
مركبتان تابعتان للدعم السريع تم تدميرهما خلال استعادة المدينة (الجزيرة) مدينة الدم والرصاصما يبدو لافتا بمجرد الدخول إلى مدينة ود مدني هو تردد أصوات الرصاص في كل أرجاء المدينة، فثمة احتفالات من جنود القوات المسلحة السودانية بالمدينة، إذ لا توجد وسيلة يعبرون بها عن فرحتهم باستعادة المدينة إلا إطلاق زخات من الرصاص في الهواء الطلق، وبينما يبدو صوت الرصاص مرعبا للقادمين إليها، يتعايش القاطنون بالمدينة معه كونها عانت ويلات الحرب طوال عام ونصف العام.
الرصاص ليس وحده هو العنوان الأبرز في المدينة، فرائحة الدم المنبعثة من الجثث تستقبلك بمجرد الدخول إلى ود مدني، كما أن ثمة جثثا ملقاة على الأرض صارت وجبة للكلاب الضالة التي أصابتها التخمة وهي تعتاش على لحوم البشر الذين سقطوا جراء المواجهات بين الجيش والدعم السريع.
إعلانوقد تزاحمت على الجثث أيضا الجوارح (الصقور) لا سيما بالقرب من كوبري البوليس غرب مدني، حيث توجد أكثر من 30 جثة ملقاة على الأرض لعناصر سقطوا خلال مواجهات استعادة المدينة.
المشهد ذاته يتكرر بالقرب من مدخل حي عووضة حيث لاحظ مراسل الجزيرة نت قيام جنود من الجيش بحفر قبر جماعي لأكثر من 6 جثث لعناصر الدعم السريع، أما في مدخل جسر حنتوب من الناحية الغربية فتوجد أكثر من 3 جثث محترقة تماما لعناصر الدعم السريع، وبالقرب منهم سيارات مدمرة ودبابة معطلة.
مركبة محترقة بعد استهدافها من قوات الجيش (الجزيرة) أحياء مهجورةوخلال جولة في أحياء المدينة التي كانت تعج بالجمال والنشاط السكاني ومزدحمة مروريا، تحولت هذه الأحياء إلى أماكن مهجورة وتغيرت ملامحها بحيث يصعب على العائدين إليها التعرف عليها، فحي الزمالك -أعرق أحياء ود مدني- يبدو كأنه خال من السكان، التجوال في الحي يجعلك تلاحظ سكونه، حيث لا يوجد غير أصوات الطيور وبعض الباحثين عما ينهبونه.
ثمة العديد من الأحياء التي تغيرت معالمها بالكامل، في حين تبدو الأحياء المطلة على النيل أكثر حيوية مثل حي القسم الأول والدباغة والقبة، كما أن المحلات التجارية منهارة في جميع أحياء ود مدني، فلا مخابز تعمل ولا متاجر ولا أسواق صغيرة، جميعها تحولت لأطلال بفعل الحرب.
ملامح الحرب والدمار تعمّ شوارع ود مدني (الجزيرة) أسواق مدمرةود مدني كانت أحد مراكز التجارة المهمة لمعظم مدن الإقليم الأوسط في السودان، وزادت الحركة التجارية في أسواقها بعد اشتعال المعارك في الخرطوم، إذ نقل الكثير من التجار تجارتهم صوب ود مدني التي تعد الأقرب للخرطوم، غير أن جميع محلاتها توقفت بمجرد دخول قوات الدعم السريع إلى المدينة.
وعند مدخل ود مدني هتفت سيدة بشكل هستيري قائلة للجزيرة نت "تعبنا لكن صمدنا"، مشيرة إلى أنها عانت من انتهاكات الدعم السريع لكنها لم تغادر منزلها لظروف أجبرتها على البقاء. الوضع لا يختلف كثيرا عن أخريات تحدثن للجزيرة نت، تقول إحداهن إنها تعرضت للضرب من قوات الدعم السريع لمجرد أنها كانت تعمل في وقت سابق طباخة لدى الجيش.
إعلانوحول كيفية الحياة في ظل انعدام المخابز والكهرباء والماء والمحلات التجارية، يقول مواطن للجزيرة نت فضل حجب اسمه، إن المواطنين كان يشترون احتياجاتهم من أسواق تمبول شرق مدني، وذلك قبل مغادرة قائد قوات درع السودان أبوعاقلة كيكل صفوف الدعم السريع للتحالف مع الجيش.
ويشير المواطن السوداني إلى أن سوق تمبول كان مستمرا في العمل ويوفر الاحتياجات الأساسية من الدقيق والسكر والزيوت، إلا أن شراء هذه المواد الغذائية لا يتم إلا بتصديق من استخبارات الدعم السريع، ودفع ضريبة مالية محددة.
ولفت إلى تعقد الأوضاع الاقتصادية بود مدني بعد انتقال أبوعاقلة كيكل للقتال إلى جوار الجيش، حيث ضيق الدعم السريع على المواطنين وقيد حركتهم، في وقت توقفت فيه الكهرباء والماء والاتصالات عن المدينة منذ اليوم الأول لدخول قوات الدعم السريع في يناير/كانون الثاني 2024.
أحد مظاهر الدمار الكبير الذي لحق بالمدينة منذ سيطرة الدعم السريع عليها (الجزيرة) خدمات نادرةوخلال فترة سيطرة عناصر الدعم السريع على المدينة، كان المواطنون يتعاملون بالطاقة الشمسية الممملوكة لتلك العناصر لشحن الهواتف المحمولة مقابل مبلغ مالي، ويستخدمون إنترنت الأقمار الاصطناعية "ستار لينك" المملوكة لقوات الدعم السريع للتواصل مع الأهل واستقبال التحويلات البنكية، ويتم إحضار الماء بوسائل نقل تقليدية من النيل عبر العربات التي تجرها الحمير والبغال.
في اليوم الثاني لدخول الجيش السوداني إلى المدينة، حضر الفريق شمس الدين كباشي مساعد قائد الجيش السوداني إلى المدينة، ووجه السلطات بضرورة الإسراع في إعادة الخدمات، كما وجه بتنظيف المدينة وتطهيرها.
وأكد قائد العمليات العسكرية بمدينة ود مدني العقيد أركان حرب عبادي الطاهر للجزيرة نت أنهم يعملون بالتنسيق مع حكومة ولاية الجزيرة لإعادة الماء والكهرباء وإزالة الألغام تمهيدا لعودة السكان إليها، كما تفقد عدد من المهندسين محطة مياه المدينة استعدادا لصيانتها وإعادتها للخدمة، كما تسعى شركات الاتصالات لإعادة خدماتها في المدينة.
إعلان