تقف الحرائق المشتعلة والدمار الذي لحق بأكبر مصفاة للنفط في العاصمة السودانية شاهدًا على الخسائر الضخمة التي تخلفها الحرب المستعرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ نحو 9 أشهر من دون بوادر لإيقافها في أمد منظور.

وسيطرت قوات الدعم السريع على مصفاة الخرطوم للنفط بعد أيام من بدء الحرب منتصف أبريل/نيسان الماضي، ما مكّنها تأمين إمداد كبير لأرتال سياراتها التي تخوض قتالا شرسًا في الخرطوم وولايات أخرى.

تقع المصفاة في منطقة الجيلي على بعد 70 كيلومترا شمال العاصمة، وتأسست في عام 1997 وبدأت عملياتها في عام 2000 وهي مناصفة بين الحكومة السودانية ممثلة في وزارة الطاقة، والشركة الوطنية للبترول الصينية، وتعد من أكبر المصافي في السودان وترتبط بخط أنابيب للتصدير بميناء بشائر على ساحل البحر الأحمر شرقي السودان بطول 1610 كيلو مترات.

كما ترتبط بآبار النفط في ولايات غرب وجنوب كردفان، لكن سيطرة قوات الدعم السريع على عدد من الحقول في هذه الولايات، بينها حقل بليلة في ولاية غرب كردفان، أسهم بشكل ملحوظ في تقليص إمداد الخام للمصفاة، وتراجع سعتها التكريرية.

وتتعرض المنشأة التي ما زالت تعمل بشكل جزئي لقصف وهجوم متكرر، إذ يتبادل طرفا القتال الاتهامات بالمسؤولية حيال استهدافها منذ 7 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عندما قالت قوات الدعم السريع إن طيران الجيش قصف ودمر مستودعات رئيسية فيها، ليرد متحدث باسم الجيش بتحميل الطرف الآخر المسؤولية والتسبب في حريق شب داخل قسم الشركات وتعريض المصفاة بمن فيها للتدمير.

وتوالت الأحداث لاحقًا داخل المصفاة بتكرار تعرضها لحرائق، كان آخرها الأحد الماضي، إذ هزت انفجارات قوية المكان والمناطق المحيطة به وشوهدت السنة اللهب تتصاعد من المستودعات الضخمة، وقالت قوات الدعم السريع إنها نتيجة قصف بالمسيرات، وذلك بعد أسابيع من إعلان الجيش تورط الدعم السريع في تدمير غرف التحكم في المصفاة.
إعلان

ويحذر خبراء اقتصاد من أن تدمير مصفاة الخرطوم سيلقي بآثار كبيرة على قطاع النفط في السودان، علاوة على صعوبة تعويض خسائرها المالية، إذ تبلغ كُلفتها مليارات الدولارات، وسيستغرق إعادة بنائها أعوامًا.

تنتج المصفاة في الظروف الطبيعية نحو 10 آلاف طن من الغازولين و4500 طن بنزين 800 ألف طن من غاز الطهي، وكانت تعمل بأقل من طاقتها القصوى والبالغة 100 ألف برميل في اليوم.

وتعمل مصفاة الجيلي على نوعين من الخام هما مزيج النيل من إنتاج حقول هجليج بولاية جنوب كردفان والفولة، وخام دار الثقيل، وفق قول وزير الطاقة والتعدين السابق، عادل علي إبراهيم، الذي يؤكد أن المصفاة تعمل على كل نصيب السودان من الخام، في حين يغطي إنتاجها نصف حاجة البلاد من البنزين و40% من احتياجات الديزل ونصف احتياجات غاز الطهي.

ورغم الانفجارات والحرائق، يقول إبراهيم للجزيرة نت إن الوضع تحت السيطرة ولا تزال محاولات الإطفاء مستمرة ولم يتم حصر وتقييم التلف والخسائر حتى الآن.

ولم يغلق باب استيراد المشتقات النفطية، رغم تطورات الوضع الأمني، إذ انتقلت عديد من الشركات المتخصصة في الاستيراد إلى بورتسودان، وهو ما يقلل الأثر السلبي لحرائق مصفاة الخرطوم، عبر تغطية الحاجة بالاستيراد.

لكّن وزير النفط السوداني السابق يقول إن التحدي سيكون في عمليات نقل المشتقات النفطية من ميناء بورتسودان إلى الولايات الأخرى متوقعًا ارتفاع الأسعار إذا طال أمد توقف المصفاة المحلية.

ويشاركه الخبير في شؤون النفط، حسين محمود المخاوف ذاتها، فيقول لـ”الجزيرة نت” إن توقف المصفاة بالكامل يعني الاعتماد كليًا على الاستيراد بما يعني إرهاق خزينة الدولة للحصول على النقد الأجنبي.

ويتحدث محمود عن أن الأضرار التي وقعت في المصفاة، والتي من شأنها إلحاق تأثيرات بالغة بمئات العاملين فيها وإفقادهم أعمالهم، علاوة على الخسائر الجسيمة التي لحقت بمستودعات التخزين الخاصة بالشركات والحكومة.

وفي جانب آخر، يشير الخبير إلى أن ما لحق بالمنشأة النفطية سيلقي بتحدٍ بالغ على العمل بمشروع الجزيرة وغيره من المشروعات الزراعية فيما يخص توفير الوقود للحصاد، لا سيما وأن الوقت الحالي يصادف موسم حصاد الذرة والقطن، وحتى إذا اكتمل الحصاد ستواجه عملية نقل المحاصيل عقبات كبيرة في ظل سيطرة قوات الدعم السريع على الطرق البرية الرابطة بين ولايات الجزيرة وكردفان والنيل الأبيض.

بدوره ينوه المحلل الاقتصادي، عبد العظيم المهل في حديثه للجزيرة نت إلى أن الحريق الذي طال المنشأة النفطية أدى إلى تعطل جزئي لها، وهي التي زادت كلفة تشييدها على 500 مليون دولار، وقد تم تحصينها بأنظمة حماية ذاتية لإطفاء الحريق يجعل من الصعب وصول الحريق إلى جسم المصفاة الأساسي.

غير أن الإشكال الذي يمنع المصفاة من العمل -يضيف المهل- هو عدم تمكن المهندسين المختصين من الوصول إليها وإصلاحها، مما يؤثر سلبًا على إمداد الوقود الذي سيؤثر بدوره على الموسم الزراعي الشتوي والمصانع المتبقية وحركة المركبات وغيرها.

الجزيرة نت

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع مصفاة الخرطوم

إقرأ أيضاً:

سيناتور أمريكية تدعو لمعاقبة الإمارات بسبب مساندتها الدعم السريع في السودان

دعت السيناتور في الكونغرس الأمريكي، سارة جاكوب، إلى حظر الأسلحة عن الإمارات العربية المتحدة بسبب دعمها قوات الدعم السريع في السودان، وذلك على وقع تقارير تفيد بقيام هذه الأخيرة بتسميم طعام مئات السودانيين  في ولاية الجزيرة.

وقالت جاكوب، الأربعاء، إن "التقارير التي تفيد بأن قوات الدعم السريع تسممت الطعام في السودان، حيث يعاني الملايين من الناس من المجاعة، مخزية".

Reports that the RSF poisoned food in Sudan – where millions of people are experiencing famine – are shameful. The RSF and its external supporters – namely, the UAE – must be held accountable. That’s why the U.S. should cut off weapons to the UAE until they stop arming the RSF. — Congresswoman Sara Jacobs (@RepSaraJacobs) November 13, 2024
وأضافت في تدوينة عبر حسابها الرسمي على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، "لابد من محاسبة قوات الدعم السريع وداعميها الخارجيين، وخاصة الإمارات العربية المتحدة".

وشددت السيناتور الأمريكية على ضرورة قيام "الولايات المتحدة بقطع الأسلحة عن الإمارات حتى تتوقف عن تسليح قوات الدعم السريع".

ويتهم السودان دولة الإمارات بتقديم الدعم لقوات الدعم السريع التي تخوض صراعا ضد الجيش للعام الثاني على التوالي، الأمر الذي أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية وانتشار المجاعة.


وعبر تصريح لـ"عربي21" قبل أيام، اتهم السفير السوداني بتونس، أحمد عبد الواحد، دولة الإمارات بـ"دعم الدعم السريع التي تسببت في نزوح ولجوء ملايين المواطنين السودانيين"، مشيرا إلى أن "السودان لم يكن في أي يوم  من الأيام عدوا لهذه الدولة".

وتحدثت تقارير صحفية عديدة عن دور الإمارات في دعم قوات الدعم السريع في الصراع المتواصل بالسودان، بما في ذلك تقرير سابق لصحيفة "الغارديان" البريطانية، قالت فيه إنها حصلت على معلومات حصرية تؤكد مشاركة الدولة الخليجية في الحرب بالسودان إلى جانب قوات "الدعم السريع".

ويأتي حديث  السيناتور في الكونغرس الأمريكي على وقع استمرار قوات الدعم السريع في حصارها لمدينة الهلالية بولاية الجزيرة وسط السودان ما أدى إلى مقتل المئات/ منذ 20 تشرين الأول /أكتوبر الماضي.

والأسبوع الماضي، قال "نداء الوسط"، وهو كيان مدني سوداني يضم مجموعة ناشطين، بأنه "بعد 19 يوم من حصار قوات الدعم السريع للمواطنين في مدينة الهلالية بلغ عدد الشهداء 450 بينهم أطفال".

واتهمت العديد من الجهات، قوات الدعم السريع اتهم بتسميم الطعام الذي أدخلته إلى المدينة المحاصرة.

وكان المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيرييلو، قال إن "التقارير التي تفيد بأن جنود الدعم السريع قاموا بتسميم مئات السودانيين في مدينة الهلالية صدمت الضمير".

وأضاف في تدوينة عبر حسابه على منصة "إكس" ، أن "تسميم الطعام في بلد بعاني بالفعل من المجاعة هو عمل شنيع، وإذا تأكد ذلك يجب على قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو ’حميدتي’ الإجابة على هذا السؤال".


ومنذ نيسان/ أبريل 2023، تدور معارك عنيفة بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ما خلف أكثر من 20 ألف قتيل وأكثر من 10 ملايين نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة.

وفي شهر أيلول /سبتمبر الماضي، خلص الخبراء المكلفون من قبل مجلس حقوق الإنسان في تقرير، إلى أن المتحاربين "ارتكبوا سلسلة مروعة من انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم دولية، يمكن وصف الكثير منها بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".

وأوصت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان، بحظر الأسلحة وإرسال قوة لحفظ السلام من أجل حماية المدنيين، مشيرة إلى أن "الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، مسؤولان عن هجمات على مدنيين، ونفذا عمليات تعذيب واعتقال قسري".

مقالات مشابهة

  • إطلاق سراح شباب من أبيي بعد دفع فدية لقوات الدعم السريع
  • عقب اجتياحها بواسطة قوات الدعم السريع وفرض الحصار عليها .. تعرف على مدينة الهلالية
  • مؤسسة النفط تقدم عرضًا جديدًا لشركة “تراستا” للطاقة بشأن مصفاة رأس لانوف
  • سيناتورة أمريكية تدعو لمعاقبة الإمارات بسبب مساندتها الدعم السريع في السودان
  • بي بي سي: مناشدات للإفراج عن مصريين محتجزين لدى قوات الدعم السريع
  • سيناتور أمريكية تدعو لمعاقبة الإمارات بسبب مساندتها الدعم السريع في السودان
  • مستقبل حميدتي وقوات الدعم السريع بعد الخسائر العسكرية الأخيرة
  • دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني: بين الواقع والمأمول
  • واشنطن تفرض عقوبات على أحد قادة قوات الدعم السريع في السودان
  • الولايات المتحدة تفرض عقوبات على أحد قادة قوات الدعم السريع في السودان