هل العواصم تتحول؟!
تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT
هل العواصم تتحول؟!
* د. الفاتح يس
أثناء استطلاعي على مواقع التواصل الاجتماعي؛ استوقفتني رسائل فحواها أن بعض الوزارات والمؤسسات والمصانع باشرت مهامها وأعمالها في الولايات الأخرى؛ إشارة إلى إحتمالية تحويل العاصمة من الخرطوم إلى مدينة أخرى.
منذ القدم العواصم والموانئ لا تحددها السلطات ولا الحكومات؛ وإنما تحددها مواقعها الجغرافية الاستراتيجية وتوفر الموارد الطبيعية فيها من مياه وأرض ومواد خام وغيرها.
ومنذ قديم الزمان يسكن الإنسان مكاناً قريباً من مصادر الماء، وإذا لاحظنا إلى جغرافية السودان السكانية؛ نجد المواطنين يسكنون في محاذاة النيل وروافده وأنهاره الموسمية ومجرى مياهه ومصباته وخيران مياه الأمطار، ومن هنا نبعت مشروعات حصاد المياه وتخزينها في الخيران والوديان والمناطق المنخفضة.
شئ طبيعي أن يستقر الإنسان بجانب توفر المياه والأراضي الرطبة؛ بحثاً عن الكلأ والغذاء والمسكن، ومن ثم يبدأ في تنظيم حياته ويظهر البيع بالمقايضة ومن التجارة الخفيفة في المأكولات والمشروبات ومن ثم تبدأ الصناعات الحرفية الصغيرة وتتوسع التجارة والصناعة والزراعة؛ وهذا لابد أن يكون معه لوائح تحكمها؛ حتى يكون البيع والشراء بصورة سلسة ويحفظ حقوق الناس، وبعدها يبدأ الناس في تنظيم شؤون حياتهم واحتياجاتهم، ويبدأ الحراك التنظيمي الشعبي الرسمي وتبدأ الحوكمة، ويبدأ في تكوين اللجان من أعيان وكبارات المنطقة، ومحكمة العمد والشيوخ، ومن ثم يتم تقنيين هذه المعاملات المالية ويزداد عدد السكان، ومن ثم يبدأ التمدد والتوسع العمراني، وتظهر حوجة الناس الي مسجد لأداء فريضة الصلاة ومعرفة الأحكام الشرعية، وبعدها تظهر حوجة الأطفال إلى التعليم وحوجة الناس الي العلاج، ويبدأ الناس في إنشاء المستشفي والمدرسة والمحكمة وغيرها من المؤسسات الخدمية؛ وكل هذا يحتم على السكان أن يكون هنالك محاكم ومكاتب تنظيمية وتعيين قاضٍ وتعيين حاكم وتعيين رئيس ومدير مختص في شؤون البيع والشراء والتجارة والصناعة والاستثمار والأراضي وحل وفض النزاعات، ومن هنا تبدأ الحاجة إلى وجود حكومة تسيير لهذه المعاملات، ويتم إنتخاب أعلام ورموز المنطقة ومن هنا تتكون الحكومات اللا مركزية المصغرة، وتتوسع إلى أن تصبح حكومة مكتملة المؤسسات الخدمية والمالية والحقوقية، وتصبح تلك المنطقة الصغيرة عبارة عن مدينة كبيرة وتتشكل الحكومة وبعده تصبح هذه المنطقة بمثابة العاصمة وفقاً لموقعها الجغرافي و طبيعة تضاريسها؛ بحيث تسمح للسكان أن يمارسوا حياتهم في رآحة تامة مع حفظ أمنهم وحقوقهم.
تصبح تلك المنطقة الصغيرة هي العاصمة بعد جهد وسنين وتعاقب أجيال تلو الأخري؛ ولهذا يصعب تغير هذه العاصمة من مكانها إلى مكان آخر بسبب صراع سياسي أو عسكري؛ لصعوبة الأمر، والخرطوم عاصمة السودان صعب تغير الخرطوم العاصمة، وتحويلها إلى مدينة أخرى للأسباب الكثيرة التي ذُكرت اعلاة، أضف إلى ذلك أن الولايات وبالرغم من كثرتها إلا أنها فشلت في إستيعاب وإحتضان سكان الخرطوم، وحتى أنها لم تستطع توفير لهم بيئة ولا فرص عمل ولا مساكن ولا خدمات تُنسى وجدانهم وحنينهم إلى خرطومهم ومعالم وبيوتهم ولا أطلال حلالهم التي هجروها؛ بالرغم من إجتهاد هذه الولايات بداءً من مواطنها البسيط إلى سلطاتها العليا، والسبب في ذلك أن هذه الولايات لم تتهيأ ولم تتوقع يوماً هذا الكم الهائل من سكان الخرطوم يرحلون إليها ويمكثون فيها كل هذه الفترة الزمنية الطويلة.
أضف إلى ذلك أن موقع مدينة الخرطوم موقع يتوسط مدن وولايات السودان؛ ولو كانت هنالك مدينة تنافس الخرطوم في العاصمية؛ لكانت مدينة بركات ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة؛ حيث فيها مدينة بركات التي كان بها رئاسة مشروع الجزيرة في زمن الحكم البريطاني؛ وبالرغم من هذا إلا أن الخرطوم أنتصرت عاصميتها على مدينة بركات؛ بالرغم من أن مدينة بركات فيها رئاسة أكبر مشروع زراعي إقتصادي في السودان وفي أفريقيا.
هذا بالنسبة إلى السودان؛ اما إذا نظرنا إلى تاريخ الشعوب فنادراً ما تجد عاصمة تم تحويلها إلى مدينة أخرى، دونكم الجارة مصر كانت عاصمتها في العتبة ثم تحولت إلى الجيزة والآن أصبحت القاهرة؛ ولكن العتبة والجيزة والقاهرة كلهم مدن صغيرة داخل مدينة القاهرة مثل امدرمان والخرطوم والخرطوم بحري كلهم داخل مدينة الخرطوم، وكانت تُسمي بالعاصمة المثلثة.
الخلاصة تكوين العواصم لم يأت بالصدفة ولا بالصراعات ولا بفعل القرارات الحكومية؛ وإنما تكونت هذه العواصم بعد الحراك المعيشي الإجتماعي والثقافي والعمراني وحراك الرسمية والحوكمة إستمر لمئات السنين؛ شارك فيه أرتال وأجيال تلو الأخرى، وتعاقبت عليه الحكومات والثقافات والوجدانيات؛ بجانب أن التاريخ يحول دون تحويل عواصم البلدان.
alfatihyassen@gmail.com
* أستاذ جامعي وباحث في البيئة والاقتصاد الأخضر
الوسوماحمد الفاتح الننة الجزيرة الخرطوم السودان العواصم الفاتح يس بركات ود مدنيالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجزيرة الخرطوم السودان العواصم الفاتح يس بركات ود مدني ومن ثم
إقرأ أيضاً:
سودانيون يحتفون بسيطرة الجيش على مدينة سنجة
خرج سودانيون، أمس السبت، في مسيرات احتفالا بإعلان الجيش السوداني استعادة مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار (جنوب شرق السودان)، من قبضة قوات الدعم السريع، التي سيطرت عليها أواخر يونيو الماضي.
فقد أعلن الجيش السوداني استعادة سنجة، قائلا، في بيان نشره على صفحته الرسمية عبر فيسبوك أمس، "تهنئ القيادة العامة للقوات المسلحة أبناء شعبنا الأبي الصامد بتحرير منطقة سنجة واستعادة قيادة الفرقة 17 مشاة، والذي عانى القتل والتشريد والقهر والنهب وكافة أنواع الفظائع من مليشيا آل دقلو (يقصد قوات الدعم السريع)".
وتداول ناشطون ووسائل إعلام محلية عبر المنصات مقاطع فيديو أظهرت المسيرات التي خرجت في مدن" أم درمان، وبورتسودان، وشندي، والقضارف"، وإقليم النيل الأزرق، احتفالا باستعادة سنجة.
???? سنجة صباح اليوم ..
ربنا يديم الأمن والأمان pic.twitter.com/8CgEZMAVbJ
— درويش ®️ (@Derwish249) November 24, 2024
وعقب الإعلان واحتفالا باستعادة المدينة، وصل رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إلى سنجة، ووفق بيان نشره المجلس، هنأ البرهان "القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى والقوات المشتركة والمستنفرين والشعب السوداني بهذا الانتصار الكبير"، وقال إنه "سيكون له ما بعده".
القائد العام للقوات المسلحة السودانية عبدالفتاح البرهان من داخل سنجه pic.twitter.com/G1hdXLmIZG
— قوات العمل الخاص (@Sudanis0) November 23, 2024
وأظهرت مقاطع أخرى تم تداولها على منصات التواصل عودة بعض أهالي المدينة بعد سيطرة الجيش السوداني عليها.
بعد السيطرة الكاملة على سنجة وطرد المليشيا وتأمين المدينة، بدأت أولى دفعات من المواطنين بالعودة فجر اليوم، وستتوالى العودة لبقية المناطق مثل الدندر والسوكي خلال أيام. وقواتنا الآن تتقدم بثبات لتطهير محورين إضافيين، وخلال لحظات ستصلكم بشرى جديدة بإذن الله#السودان_ينتصر pic.twitter.com/vgUlOX8CMC
— Makkawi Elmalik | مكاوى الملك (@Mo_elmalik) November 24, 2024
هذه الاحتفالات انعكست على منصات التواصل الاجتماعي في البلاد، وقال مغردون تعليقا على استعادة الجيش مدينة سنجة إن هذا النصر جاء بعد تضحية كبيرة من أبناء الشعب السوداني كافة.
وتعد "سنجة" أول عاصمة ولائية يستطيع الجيش السوداني استعادتها من قبضة قوات الدعم السريع، منذ اندلاع الحرب التي يشهدها السودان منذ 15 أبريل من العام الماضي.
وفي السياق، ذكرت وسائل إعلام محلية أن قوات الدعم السريع لا تزال تتواجد في بعض مناطق من ولاية سنار، خاصة في "الدالي والمزمزم وأبو حجار وكركوج وقرى غرب الدندر".
وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، تعد سيطرة الجيش السوداني على سنجة، عاصمة ولاية سنار، إنجازا إستراتيجيا في الحرب الدائرة منذ 19 شهرا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، لوقوعها عند محور أساسي يربط بين مناطق يسيطر عليها الجيش في شرق السودان ووسطه.
وتسيطر قوات الدعم السريع على القسم الأكبر من إقليم دارفور في غرب البلاد، وعلى مساحات شاسعة من كردفان (جنوب)، كما تسيطر على غالبية العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة الواقعة جنوبها.
ومنذ أبريل/نيسان 2023 أوقعت الحرب عشرات آلاف القتلى ودفعت أكثر من 11 مليون شخص إلى النزوح، ما أدى إلى أكبر أزمة نزوح في العالم وفق الأمم المتحدة.