صحيفة التغيير السودانية:
2024-11-14@05:04:55 GMT

هل العواصم تتحول؟!

تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT

هل العواصم تتحول؟!

هل العواصم تتحول؟!

* د. الفاتح يس

أثناء استطلاعي على مواقع التواصل الاجتماعي؛ استوقفتني رسائل فحواها أن بعض الوزارات والمؤسسات والمصانع باشرت مهامها وأعمالها في الولايات الأخرى؛ إشارة إلى إحتمالية تحويل العاصمة من الخرطوم إلى مدينة أخرى.

منذ القدم العواصم والموانئ لا تحددها السلطات ولا الحكومات؛ وإنما تحددها مواقعها الجغرافية الاستراتيجية وتوفر الموارد الطبيعية فيها من مياه وأرض ومواد خام وغيرها.

ومنذ قديم الزمان يسكن الإنسان مكاناً قريباً من مصادر الماء، وإذا لاحظنا إلى جغرافية السودان السكانية؛ نجد المواطنين يسكنون في محاذاة النيل وروافده وأنهاره الموسمية ومجرى مياهه ومصباته وخيران مياه الأمطار، ومن هنا نبعت مشروعات حصاد المياه وتخزينها في الخيران والوديان والمناطق المنخفضة.

شئ طبيعي أن يستقر الإنسان بجانب توفر المياه والأراضي الرطبة؛ بحثاً عن الكلأ والغذاء والمسكن، ومن ثم يبدأ في تنظيم حياته ويظهر البيع بالمقايضة ومن التجارة الخفيفة في المأكولات والمشروبات ومن ثم تبدأ الصناعات الحرفية الصغيرة وتتوسع التجارة والصناعة والزراعة؛ وهذا لابد أن يكون معه لوائح تحكمها؛ حتى يكون البيع والشراء بصورة سلسة ويحفظ حقوق الناس، وبعدها يبدأ الناس في تنظيم شؤون حياتهم واحتياجاتهم، ويبدأ الحراك التنظيمي الشعبي الرسمي وتبدأ الحوكمة، ويبدأ في تكوين اللجان من أعيان وكبارات المنطقة، ومحكمة العمد والشيوخ، ومن ثم يتم تقنيين هذه المعاملات المالية ويزداد عدد السكان، ومن ثم يبدأ التمدد والتوسع العمراني، وتظهر حوجة الناس الي مسجد لأداء فريضة الصلاة ومعرفة الأحكام الشرعية، وبعدها تظهر حوجة الأطفال إلى التعليم وحوجة الناس الي العلاج، ويبدأ الناس في إنشاء المستشفي والمدرسة والمحكمة وغيرها من المؤسسات الخدمية؛ وكل هذا يحتم على السكان أن يكون هنالك محاكم ومكاتب تنظيمية وتعيين قاضٍ وتعيين حاكم وتعيين رئيس ومدير مختص في شؤون البيع والشراء والتجارة والصناعة والاستثمار والأراضي وحل وفض النزاعات، ومن هنا تبدأ الحاجة إلى وجود حكومة تسيير لهذه المعاملات، ويتم إنتخاب أعلام ورموز المنطقة ومن هنا تتكون الحكومات اللا مركزية المصغرة، وتتوسع إلى أن تصبح حكومة مكتملة المؤسسات الخدمية والمالية والحقوقية، وتصبح تلك المنطقة الصغيرة عبارة عن مدينة كبيرة وتتشكل الحكومة وبعده تصبح هذه المنطقة بمثابة العاصمة وفقاً لموقعها الجغرافي و طبيعة تضاريسها؛ بحيث تسمح للسكان أن يمارسوا حياتهم في رآحة تامة مع حفظ أمنهم وحقوقهم.

تصبح تلك المنطقة الصغيرة هي العاصمة بعد جهد وسنين وتعاقب أجيال تلو الأخري؛ ولهذا يصعب تغير هذه العاصمة من مكانها إلى مكان آخر بسبب صراع سياسي أو عسكري؛ لصعوبة الأمر، والخرطوم عاصمة السودان صعب تغير الخرطوم العاصمة، وتحويلها إلى مدينة أخرى للأسباب الكثيرة التي ذُكرت اعلاة، أضف إلى ذلك أن الولايات وبالرغم من كثرتها إلا أنها فشلت في إستيعاب وإحتضان سكان الخرطوم، وحتى أنها لم تستطع توفير لهم بيئة ولا فرص عمل ولا مساكن ولا خدمات تُنسى وجدانهم وحنينهم إلى خرطومهم ومعالم وبيوتهم ولا أطلال حلالهم التي هجروها؛ بالرغم من إجتهاد هذه الولايات بداءً من مواطنها البسيط إلى سلطاتها العليا، والسبب في ذلك أن هذه الولايات لم تتهيأ ولم تتوقع يوماً هذا الكم الهائل من سكان الخرطوم يرحلون إليها ويمكثون فيها كل هذه الفترة الزمنية الطويلة.

أضف إلى ذلك أن موقع مدينة الخرطوم موقع يتوسط مدن وولايات السودان؛ ولو كانت هنالك مدينة تنافس الخرطوم في العاصمية؛ لكانت مدينة بركات ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة؛ حيث فيها مدينة بركات التي كان بها رئاسة مشروع الجزيرة في زمن الحكم البريطاني؛ وبالرغم من هذا إلا أن الخرطوم أنتصرت عاصميتها على مدينة بركات؛ بالرغم من أن مدينة بركات فيها رئاسة أكبر مشروع زراعي إقتصادي في السودان وفي أفريقيا.

هذا بالنسبة إلى السودان؛ اما إذا نظرنا إلى تاريخ الشعوب فنادراً ما تجد عاصمة تم تحويلها إلى مدينة أخرى، دونكم الجارة مصر كانت عاصمتها في العتبة ثم تحولت إلى الجيزة والآن أصبحت القاهرة؛ ولكن العتبة والجيزة والقاهرة كلهم مدن صغيرة داخل مدينة القاهرة مثل امدرمان والخرطوم والخرطوم بحري كلهم داخل مدينة الخرطوم، وكانت تُسمي بالعاصمة المثلثة.

الخلاصة تكوين العواصم لم يأت بالصدفة ولا بالصراعات ولا بفعل القرارات الحكومية؛ وإنما تكونت هذه العواصم بعد الحراك المعيشي الإجتماعي والثقافي والعمراني وحراك الرسمية والحوكمة إستمر لمئات السنين؛ شارك فيه أرتال وأجيال تلو الأخرى، وتعاقبت عليه الحكومات والثقافات والوجدانيات؛ بجانب أن التاريخ يحول دون تحويل عواصم البلدان.

alfatihyassen@gmail.com

* أستاذ جامعي وباحث في البيئة والاقتصاد الأخضر

الوسوماحمد الفاتح الننة الجزيرة الخرطوم السودان العواصم الفاتح يس بركات ود مدني

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجزيرة الخرطوم السودان العواصم الفاتح يس بركات ود مدني ومن ثم

إقرأ أيضاً:

وزيرا خارجية السعودية والسودان يبحثان مستجدات الأوضاع في المنطقة

بحث وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله، اليوم الاثنين، مع وزير خارجية جمهورية السودان علي يوسف الشريف،مستجدات الأوضاع في المنطقة وخاصة السودان.

مجلس الأمن يناقش ملفات السودان واليمن والأمن الغذائي في غزة تضرر 1.4 مليون شخص ونزوح 379 ألفاً جراء الفيضانات في جنوب السودان

واستعرض الجانبان ، خلال لقائهما اليوم قبيل انطلاق القمة العربية والإسلامية غير العادية بالرياض، وفقا لوكالة الأنباء السعودية "واس"، الموضوعات المدرجة على جدول أعمال القمة، والمستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

مقالات مشابهة

  • مستقبل حميدتي وقوات الدعم السريع بعد الخسائر العسكرية الأخيرة
  • بعد تحذيرات السودان من فتحه.. ماذا تعرف عن معبر أدري؟
  • دول عربية تحذر جعجع من إحداث انقلاب سياسي في لبنان
  • إصابة 5 أشخاص في هجوم ميليشيا الدعم السريع على مدينة ود راوة وسط السودان
  • نقص المياه والكهرباء.. أزمات تحاصر المدنيين في الخرطوم وأم درمان
  • القاهرة الإخبارية: أزمات المياه والكهرباء تحاصر المدنيين في الخرطوم وأم درمان
  • كيف سيتعامل ترامب مع النزاع في السودان؟
  • وزيرا خارجية السعودية والسودان يبحثان مستجدات الأوضاع في المنطقة
  • توقف بنكك عن العمل في السودان وبنك الخرطوم يلتزم الصمت
  • زلزال قوي يهز مدينة في شرق كوبا