شاركت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، أمس، في جلسة نقاشية استضافتها مؤسسة قطر في المدينة التعليمية بمناسبة اليوم الدولي للتعليم الموافق 24 يناير من كل عام. 
تأتي هذه الجلسة ضمن سلسلة من الفعاليات والأنشطة التي عُقدت بالمدينة التعليمية بمناسبة اليوم العالمي للتعليم، ضمن شراكة بين مؤسسة قطر ووزارة التّربية والتّعليم والتّعليم العالي تحت عنوان «التعليم مسؤولية الجميع»، وقد شهدت الجلسة حضور سعادة الشيخة هند بنت حمد آل ثاني، نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر والرئيس التنفيذي للمؤسسة.


ركّز النقاش على تحديات الهوية التي تواجه الجيل الجديد وطرق التصدي لهذه التحديات.
وفي بداية الجلسة أثنت صاحبة السمو على موافقة مجلس الوزراء على تخصيص 3 ساعات لمعايشة الوالدين الأجواء الدراسية في مدارس أبنائهم، وهذا مؤشر يدل على اهتمام الدولة بالتعليم وإيمانها بدور الأسرة في مسيرة الأبناء.


وتحدثت سموها عن أهم تحديات الهوية قائلة: «تكمن تحديات الهوية في ضعف الحاضن لهذه الهوية (اللغة العربية)، والمقصود هنا ليس ضعفها وإنما ضعف حضورها في تداولاتنا اليومية، فاللغة العربية هي الحاضن للفكر والحضارة والوعي الجمعي وبالتالي الهوية».
وفي حديثها عن الحلول للتصدي لهذه التحديات قالت صاحبة السمو: «تتطلّب مواجهة التحديات تكاتفاً من كل الجهات المعنية كالأسرة والمدرسة والمؤسسات الإعلامية».
وقالت صاحبة السمو في إطار حديثها عن رؤيتها لخريجي مؤسسة قطر وسائر المدارس في الدولة: «أتطلّع إلى أن يكون خريج مؤسسة قطر وخريجو المدارس في قطر مثل الشجرة الطيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، يقف على أرض صلبة من الثوابت والمسلمات، واثق من نفسه، مدرك لخصوصيته التاريخية القطرية والعربية والإسلامية، منفتح على الآخر بفهم ووعي أيضاً لخصوصية الآخر، ويرفض مفهوم المواطنة العالمية الذي يميّع الخصوصيات المحلية ويضعف الهوية والوطنية».
وشهدت الجلسة مشاركة عبير آل خليفة، رئيس التعليم ما قبل الجامعي في مؤسسة قطر؛ والشيخة نوف آل ثاني، المدير التّنفيذي للمشاريع والشّراكات الإستراتيجيّة في التّعليم ما قبل الجامعي في مؤسسة قطر؛ والدكتور إبراهيم الخليفي، الخبير التربوي الكويتي وخبير علم النّفس التّربوي وسيكولوجيا النّمو؛ والدّكتورة شريفة العمادي، المدير التّنفيذي لمعهد الدّوحة الدّوليّ للأسرة، عضو مؤسسة قطر؛ ومريم المهندي، مديرة العلاقات العامّة والاتّصال بوزارة التّربية والتّعليم والتّعليم العالي.
وخلال الجلسة النقاشية التي أدارتها مريم الهاجري، مديرة الشراكات في قسم المبادرات الإستراتيجية والشراكات في التعليم ما قبل الجامعي في مؤسسة قطر، سلط المتحدثون الضوء على المسؤولية الجماعية تجاه اللغة والهوية، ودور المناهج في تنمية الوعي بالتراث المحلي.
 وركزت الجلسة على ضرورة توطين التعليم، خاصة في المدارس الدولية، لما له من تأثير على الهوية، وإبراز دور المدرسة والأسرة والإعلام في تعزيز اللغة والهوية.
وقالت عبير آل خليفة إن الاحتفال اليوم هو ترجمة للدور الأساسي الذي يضطلع به التعليم في تحقيق النمو الاجتماعي وبناء مجتمعات مستدامة ومرنة كما أنه شهادة للإرادة الراسخة بمؤسسة قطر وإيمانها بأهمية الاستثمار في العنصر البشري الذي هو الرافد الأساسي للتنمية».
وأضافت خلال كلمتها أن الاحتفال باليوم الدولي للتعليم يأتي ليؤكد بأن إحداث التغيير من أجل التعليم الجيد والشامل والمنصف بحلول 2030 يتطلب تكاتف كافة الشركاء في القطاعين العام والخاص وكذلك الأفراد، والتزامهم بإيلاء الأولوية للتعليم وعلى رأسهم أولياء الأمور، الشريك الأساسي.
وأشارت عبير آل خليفة إلى أن قرار تخفيض ساعات العمل للموظفين للمشاركة في الاحتفال باليوم العالمي للتعليم جاء ليؤكد على أهمية دور الأسرة في مسيرة تعلم الأبناء.
من جهتها أكدت الشيخة نوف آل ثاني في كلمتها بالحفل أن إدراج اللغة العربية كلغة أساسية للتعليم في مدارس مؤسسة قطر، يعد جزءًا أساسيًا من التزام المؤسسة بتعزيز اللّغة العربيّة والهويّة الوطنيّة.
وقالت إن هناك عنصرين أساسيين وهما تدريب المعلمين وتطويع المنهج الدولي ليتلاءم مع ثنائية اللغة بمفهومها الصحيح، موضحة أنه في مؤسسة قطر، ومنذ بداية مسيرتنا، نهدف إلى توفير تعليم عالي الجودة مرتبط بلغتنا وقيمنا وهويتنا الوطنية.
وفي معرض حديثها عن سبل تعزيز الوعي بأهمية التعليم كوسيلة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة الوطنية، قالت مريم المهندي: علينا أن نفخر ونعتز بهويتنا الوطنية، واللغة العربية هي أساس هويتنا وهي لغة التدريس والتعليم في منظومتنا التعليمية، أما تعلم اللغات الأخرى فهو وسيلة من وسائل التعلم وليس غاية.
وأضافت أن الإعلام القائم على تعزيز قيم المواطنة واستخدام اللغة العربية عبر برامج وأفكار إبداعية جاذبة، ينبغي أن يكون هو اختيارنا وقرارنا لتعزيز الهوية الوطنية والمسؤولية المجتمعية وبناء مجتمع قوي ومتماسك.
وقد عُقدت كافة فعاليات اليوم العالمي للتعليم في مؤسسة قطر باللغة العربية، واشتملت على معرض تفاعلي قدّم برامج تعليمية، وزيارات لطلاب المدارس الثانوية للجامعات الشريكة في مؤسسة قطر، إلى جانب سلسلة من الحلقات النقاشية، كما أتيحت الفرصة لأولياء الأمور لزيارة أبنائهم في مدارس مؤسسة قطر والمشاركة في ورش عمل وأنشطة المجتمعية متنوعة.
وشارك في البرامج المنظمة 11 مدرسة من مدارس التّعليم ما قبل الجامعيّ في مؤسّسة قطر، علاوة على استضافة 22 مركزًا لمجموعة من الأنشطة المتنوّعة ذات الصّلة.
ومن المقرر أن يتم الاحتفال باليوم الدولي للتعليم سنويًا في قطر في 24 يناير، تحت شعار «التعليم مسؤولية الجميع»، وهو شعار يطمح لتحفيز جميع المؤسسات العامة والخاصة وكذلك الأفراد بمختلف أدوارهم لدعم التعليم وتطويره في جميع أنحاء قطر.

المصدر: العرب القطرية

كلمات دلالية: قطر مؤسسة قطر الشيخة موزا بنت ناصر صاحبة السمو اليوم الدولي للتعليم الیوم الدولی للتعلیم اللغة العربیة فی مؤسسة قطر صاحبة السمو والت علیم الت علیم

إقرأ أيضاً:

اللغة العربية في بنغلاديش.. من التجذر التاريخي إلى التحديات الأكاديمية


                                                          د. أبو القاسم محمد عبد القادر

تُعد اللغة العربية أحد أبرز اللغات السامية وأكثرها تأثيرًا في التاريخ الإنساني، نظرًا لارتباطها الوثيق بالقرآن الكريم، ولعبها دورًا مركزيًا في تشكيل الهوية الثقافية والحضارية للعالم الإسلامي. وفي جنوب آسيا، كانت بنغلاديش من الدول التي تأثرت مبكرًا باللغة العربية نتيجةً لوصول الإسلام إلى أراضيها، الأمر الذي جعل العربية ترتبط بالهوية الدينية والاجتماعية والثقافية لمجتمعاتها المسلمة. يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على مسيرة اللغة العربية في بنغلاديش، بدءًا من دخولها إلى المنطقة وحتى التحديات الأكاديمية التي تواجهها اليوم.

تعد جمهورية بنغلاديش الشعبية من كبريات دول جنوب آسيا من حيث عدد السكان، ومعظم أهلها مسلمون يتسمون بالتمسك بدينهم الحنيف. وقد دخل الإسلام إلى منطقة البنغال في القرنين الأول والثاني من الهجرة النبوية المباركة، على يد التجار المسلمين والدعاة والمبلغين الذين قدموا من بلاد العرب، حاملين نور الهداية ومشاعل العلم.

لقد تأثر أهل هذه البلاد باللغة العربية وثقافة العرب وعاداتهم وتقاليدهم، مما أدى إلى نشوء المدارس والمعاهد والمراكز التعليمية التي جعلت من العربية لغة التعليم والتربية، بوصفها لغة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ولغة العلوم الشرعية والمعارف الإسلامية. وتواصل هذا التأثير حتى تأسست الجامعات التي أدخلت ضمن برامجها تدريس اللغة العربية والعلوم الدينية، إلا أن هذه الجهود لم تكن ـ في كثير من الأحوال ـ كافية لمواكبة تطورات العصر ولم تستطع أن تفي بمتطلباته العلمية والتقنية المتسارعة.

ومن هنا برزت الحاجة ـ ولا تزال ـ إلى تطوير المناهج الدراسية والمقررات التعليمية والمواد الأكاديمية، وإعادة النظر فيها وفق أسس علمية حديثة، بما يستجيب لخصوصية البيئة البنغلاديشية ويواكب روح العصر، ويسهم في النهوض بمستوى تعليم اللغة العربية وجودته.

لذا جاءت هذه الدراسة لتسلط الضوء على أبرز التحديات التي تعترض طريق الأساتذة والطلاب في ميدان تعليم اللغة العربية في جامعات بنغلاديش، مع تقديم مقترحات عملية وتوصيات بناءة، ووضع خطة استراتيجية شاملة لمعالجة تلك المشكلات وتجاوزها، بهدف الارتقاء بتعليم العربية وجودته في هذه الجامعات.

أهمية اللغة العربية:

اللغة العربية من أعرق لغات العالم وأقدمها، وقد بلغت ذروة البيان والفصاحة والبلاغة، وتميزت بجمال الأسلوب وروعة التركيب. إنها لغة القرآن الكريم، كتاب الله الخالد، وهي التي شرفها الله بأن جعلها لغة العبادة والتشريع، كما أنها اليوم إحدى اللغات الرسمية في منظمة الأمم المتحدة، وهذا في حد ذاته شاهد على مكانتها العالمية وأهميتها الحضارية.

إن العربية ليست مجرد وسيلة تواصل بين الناطقين بها، بل هي في جوهرها لغة الدين والثقافة والحضارة، كما أنها تعد لغة قومية تتجاوز حدود الجغرافيا لتسكن وجدان أمة عريضة من المسلمين المنتشرين في مشارق الأرض ومغاربها في هذا العصر الحديث.وإذا تأملنا في لغات العالم وجدناها تتباين في وظائفها ومرجعياتها الثقافية والحضارية، فمنها لغات تستخدم لأغراض تواصلية دون أن تستند إلى ثقافة أو ديانة محددة، مثل اللغة الأردية واللغة الكردية، ومنها لغات ذات طابع ديني بحت لا ترتبط بثقافة علمية واسعة، كاللغة العبرية واللغة السريانية، ومنها لغات تحمل طابعا ثقافيا وعلميا دون أن يكون لها صلة بدين، كاللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية.

أما اللغة العربية، فتميزت بأنها جمعت بين الخصائص كلها: فهي لغة الدين والثقافة والعلم والحضارة، ولها رصيد معرفي ضخم يمتد عبر العصور. وهي قادرة على استيعاب العلوم الحديثة والمفاهيم الجديدة بما تمتلكه من ثراء لغوي ومرونة تركيبية.

اللغة العربية لغة الدين والحضارة:

إن العربية ليست مجرد وسيلة تواصل بين الناطقين بها، بل هي في جوهرها لغة الدين والثقافة والحضارة، كما أنها تعد لغة قومية تتجاوز حدود الجغرافيا لتسكن وجدان أمة عريضة من المسلمين المنتشرين في مشارق الأرض ومغاربها في هذا العصر الحديث.

فاللغة العربية تحتل مكانة سامقة بين لغات العالم قاطبة، إذ هي لغة القرآن الكريم، ولغة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولسان الدين الإسلامي الحنيف. إنها الوعاء الذي يحمل عقيدة الأمة الإسلامية، وينقل شعائرها، ويعبر عن ثقافتها، ويجسد حضارتها. ولا ريب أن دراسة هذه اللغة لا تنفصل عن الدين، بل تعد جزءا لا يتجزأ من تعلمه وفهمه والعيش في ضيائه.

الموقع الجغرافي لبنغلاديش:

جمهورية بنغلاديش الشعبية هي واحدة من كبريات الدول الإسلامية في جنوب آسيا. حكمها المسلمون قرونا متطاولة تركوا خلالها بصمات عميقة في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية والدينية لسكانها. وتعد أرض بنغلاديش من أقدم بقاع العالم عمرانا وسكانا.

يحدها من الشمال البنغال الغربي، وولايات ميغالايا وكوش بيهار وأروناشال، ومن الشرق ولايتا آسام وتريبورا في الهند بالإضافة إلى دولة بورما، ومن الجنوب خليج البنغال، ومن الغرب البنغال الغربي الهندية. وأكثر أراضيها سهول خصبة تتخللها الأنهار والبحيرات وتغمرها المياه الموسمية.

جمهورية بنغلاديش الشعبية هي واحدة من كبريات الدول الإسلامية في جنوب آسيا. حكمها المسلمون قرونا متطاولة تركوا خلالها بصمات عميقة في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية والدينية لسكانها. وتعد أرض بنغلاديش من أقدم بقاع العالم عمرانا وسكانا.وقد عاشت بنغالا تحت وطأة الاستعمار البريطاني منذ عام 1757م حتى عام 1947م، ثم نالت استقلالها تحت اسم باكستان الشرقية، إلى أن استقلت نهائيا عام 1971م بعد حرب دامية، وأعلنت جمهورية بنغلاديش الشعبية دولة ذات سيادة.

الإسلام في منطقة بنغالة:

برزت جمهورية بنغلاديش على مسرح التاريخ كدولة مستقلة في عام 1971م، غير أن جذورها الحضارية تضرب في أعماق التاريخ. فقد سكنها الناس منذ عصور سحيقة سبقت قدوم الآريين، ثم عرف مجتمعها ظهور الديانات الهندوسية والبرهمية التي أسست لنظام الطبقات الاجتماعية وغذت العصبيات العنصرية.
وفي القرن السابع الميلادي، أنشأ الملك الهندوسي شوشانكو مملكة هندوسية في المنطقة، وأريقت خلالها دماء الملايين من البوذيين الذين فروا إلى التبت والصين وسيلان وبورما. وفي ذات القرن، بعث الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم في جزيرة العرب، فكان نوره رسالة للعالمين: سلاما عالميا، وأخوة إسلامية، وعدالة اجتماعية.

لقد غيرت هذه الرسالة الخالدة مجرى حياة العرب وسلوكهم ومعتقداتهم، ثم ما لبث أن حملها أصحابه رضوان الله عليهم إلى أصقاع الأرض، ناشرين القرآن الكريم، والأخلاق الكريمة، والدين الحنيف، مستلهمين خطى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في مسيرتهم.

ويخبرنا القرآن الكريم أن قريشا وقبائل العرب كانوا يرتحلون للتجارة شتاء وصيفا، فكانت رحلتهم في الصيف إلى بلاد الشام، وفي الشتاء إلى اليمن، لتكون تلك الرحلات بداية لنشر الإسلام وثقافته بين الأمم.

لقد سافر تجار العرب إلى الهند عبر ميناء كلكتا ومدراس، ثم ولجوا خليج البنغال على متن السفن، حتى بلغوا سواحل غونغ، ومنها امتدت رحلاتهم إلى الصين وسائر بلاد الشرق.

ويسجل لنا التاريخ أن العرب قد وطئت أقدامهم أرض الصين منذ القرن الأول الهجري، مدفوعين بأغراض تجارية، وكانت منطقة بنغالة تقع على طريقهم إلى الصين، فلا عجب إذن إذا قلنا إن الإسلام قد دخل إلى ربوع البنغال في القرن الأول الهجري، إذ كان الدعاة والمبلغون والتجار المسلمون روادا في نشر هذا الدين الحنيف في تلك البلاد، حتى استقر بعضهم فيها واتخذوها موطنا.

ومن أصدق الشواهد على هذه الحقيقة التاريخية وجود عملات تعود إلى عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد محفوظة في متاحف بنغلاديش، وهو دليل دامغ على التواصل الإسلامي المبكر مع هذه الأرض. كما أن كثيرا من المناطق البنغلاديشية لا تزال تحمل أسماء ذات جذور قريبة من اللهجة العربية، مما يعكس عمق التأثير العربي في ثقافة أهل البنغال ولغتهم وعاداتهم وتقاليدهم.

تأثير اللغة العربية في المجتمع البنغلاديشي:

بنغلاديش أرض خصبة ذات طبيعة خلابة، أنهارها جارية، وأشجارها يانعة، وحدائقها غناء، يقطنها أقوام شتى، يعتنق معظمهم الإسلام، فيما يتوزع الباقون بين الديانات الهندوسية والبوذية والمسيحية.

وقد ارتبطت بنغلاديش بالعالم العربي منذ أزمنة بعيدة، من خلال التجارة والدعوة إلى الإسلام، وشهدت هذه الروابط ازدهارا ملحوظا بعد فتح المسلمين للبنغال سنة 1204م، وهو الحدث الذي عمق الأواصر الدينية والثقافية بين الشعبين العربي والبنغالي.

ومن رحم هذه الروابط، دخلت أعداد غفيرة من سكان البنغال في الإسلام، فتوجهوا إلى تعلم اللغة العربية تعلما وتعليما، مدفوعين بوازع ديني وارتباط وثيق بلغة القرآن الكريم والسنة المطهرة. وهكذا تسربت المفردات والتراكيب العربية إلى اللغة البنغالية، وأثرت اللهجات العربية في النطق البنغالي تأثيرا ظاهرا.

واهتم أهل البنغال بتأسيس المدارس والمعاهد والجامعات التي تعنى باللغة العربية وعلومها، ولا تزال هذه المؤسسات قائمة حتى اليوم، تدرس فيها العلوم الإسلامية باللغة العربية، إلى جانب تدريس النحو والأدب العربي بصفة خاصة وعامة. وقد أفرز هذا التوجه نخبة من العلماء الأفذاذ والأدباء المبدعين الذين ساهموا بجهد مشكور في تطوير اللغة العربية وآدابها في بلاد بنغلاديش، كما ساهموا في إحياء المعارف والعلوم الشرعية باللغة العربية.

تعليم اللغة العربية في الجامعات البنغلاديشية:

بدأت العناية باللغة العربية في بنغلاديش منذ دخول الإسلام إلى هذه الأرض المباركة، واستمرت هذه العناية عبر العصور بفضل جهود العلماء والدعاة الذين بذلوا أنفسهم في خدمة العربية ونشر العلوم الإسلامية. وقد كان لبعض الحكام والولاة المسلمين شغف خاص بالأدب العربي والعلوم الدينية، فأقاموا المدارس والمعاهد، واستقبلوا العلماء الوافدين من شتى الأقطار الإسلامية، فتحولت مجالسهم إلى حلقات علمية ومنتديات أدبية وفنية راقية.

يسجل لنا التاريخ أن العرب قد وطئت أقدامهم أرض الصين منذ القرن الأول الهجري، مدفوعين بأغراض تجارية، وكانت منطقة بنغالة تقع على طريقهم إلى الصين، فلا عجب إذن إذا قلنا إن الإسلام قد دخل إلى ربوع البنغال في القرن الأول الهجري، إذ كان الدعاة والمبلغون والتجار المسلمون روادا في نشر هذا الدين الحنيف في تلك البلاد، حتى استقر بعضهم فيها واتخذوها موطنا.غير أن هذا الازدهار تعرض لانتكاسة كبرى مع استيلاء البريطانيين على البنغال سنة 1757م، حيث عمد المستعمرون إلى محاربة المؤسسات التعليمية الإسلامية، وقاموا بتهميش المدارس والمعاهد الدينية وألغوا معظم الدعم المادي والمعنوي المقدم لها، مما أدى إلى إغلاق العديد منها وتراجع مكانة اللغة العربية والتعليم الديني في تلك المرحلة العصيبة.

وفي خضم هذه الظروف العصيبة والأوضاع الدقيقة التي عصفت بالمنطقة، كادت اللغة العربية أن تطوى في غياهب الإهمال وتجمد في مسارات النسيان. إلا أن شعاع الأمل تجدد مع قيام دولة باكستان عام 1947م، ثم مع ولادة بنغلاديش دولة مستقلة في عام 1971م، حيث استعادت اللغة العربية مكانتها الضائعة شيئا فشيئا، حتى غدت تمارس في المدارس الحكومية وشبه الحكومية والخاصة، ممتدة من المراحل الابتدائية إلى المستويات العليا. كما أدرجت اللغة العربية كمادة اختيارية ضمن المقررات الدراسية في المدارس النظامية العامة.

وفي بنغلاديش اليوم أكثر من مائة جامعة تتنوع في طبيعتها بين حكومية وأهلية وخاصة. غير أن عددا لا يستهان به من هذه الجامعات يقتصر على تدريس العلوم الحديثة ولا يفسح مجالا لدراسة اللغة العربية. ومن بين الجامعات الحكومية، لا نجد سوى ست جامعات تضم أقسامًا مستقلة لتدريس اللغة العربية في مرحلتي البكالوريوس والماجستير، وهي: جامعة داكا، وجامعة راجشاهي، وجامعة شيتاغونغ، والجامعة الإسلامية بكوشتيا، والجامعة الوطنية، والجامعة المفتوحة.

وتتميز الجامعة الإسلامية بكوشتيا بمكانة فريدة، إذ تضطلع بتنسيق الشؤون التعليمية للمدارس الإسلامية العليا على امتداد الجمهورية، وتعنى بإدارتها، مما يجعلها ركيزة أساسية في نشر تعليم اللغة العربية وآدابها في المستويين الجامعي والعالي. كما تشرف الجامعة الوطنية على عدد من الكليات التي أدخلت اللغة العربية ضمن مناهجها الدراسية، بالإضافة إلى الجامعة المفتوحة التي تقدم دورات متخصصة في تعليم اللغة العربية، وإن كانت على نطاق محدود.

وفي الساحة الأكاديمية الأهلية، برزت الجامعات الخاصة التي أفردت أقساما مستقلة لتعليم اللغة العربية، ومن أبرزها: الجامعة الإسلامية العالمية في شيتاغونغ، وجامعة دار الإحسان في داكا. وتؤدي الجامعة الإسلامية العالمية شيتاغونغ دورا رياديا في تفعيل اللغة العربية، حيث ألزمت جميع طلابها بدراسة مواد اللغة العربية باعتبارها من المتطلبات الأساسية، وأنشأت لهذا الغرض مركزا خاصا تحت مسمى مركز مواد متطلبات الجامعة. كما أن كلية الشريعة والدراسات الإسلامية التابعة لها تحتضن عدة أقسام تدرس فيها اللغة العربية بشكل إلزامي. وتجدر الإشارة إلى أن معظم هذه الجامعات تضم معاهد مخصصة لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، بدءا من مستوى الدورات التمهيدية وصولا إلى شهادة الدبلوم. أما فيما يتعلق بالمواد الدراسية المقررة في مرحلة البكالوريوس ضمن أقسام اللغة العربية، فتتنوع كما يلي:

في السنة الأولى: تدرس العربية الوظيفية، والقواعد العربية، والمختارات من النصوص الأدبية.

في السنة الثانية: يتناول الطلاب المختارات من النثر القديم، والنثر الحديث، والمختارات من الشعر القديم والحديث، إلى جانب تاريخ الأدب العربي.

في السنة الثالثة: يدرسون فقه اللغة، والبلاغة، والعروض والقوافي والنقد الأدبي، ومناهج البحث.

في السنة الرابعة: يتعمقون في الأدب المقارن، والقصة، والأقصوصة، والأسطورة، والرواية، والمسرحية.

أما على مستوى الماجستير، فيعنى الطلاب بدراسة مواد أعمق وأرفع من حيث المستوى العلمي والمحتوى المعرفي، مما يؤهلهم للتخصص والتبحر في علوم اللغة العربية وآدابها.

تعليم اللغة العربية في جامعة شيتاغونغ:

لقد أقر قطاع التخطيط والتنمية التابع لحكومة باكستان - قبل استقلال بنغلاديش - تأسيس جامعة شيتاغونغ في منطقة شيتاغونغ عام 1962م. وانطلق البرنامج الأكاديمي للجامعة فعليا في شهر نوفمبر من عام 1966م بمائتي طالب موزعين على أربعة أقسام علمية، ركزت جميعها على العلوم المعاصرة التي تمثل فرع العلوم المادية، بينما غابت عنها القيم الأخلاقية والتعليم الديني واللغة العربية، التي لم تحظ آنذاك بأي اهتمام يذكر.

وفي عام 1974م بدأ تعليم اللغة العربية ضمن قسم اللغات الشرقية بالجامعة، إلى أن تم إنشاء قسم مستقل للغة العربية عام 1977م، بعد أن أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين بنغلاديش والدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط. جاء تأسيس هذا القسم استجابة للحاجة الماسة إلى إعداد الكوادر البشرية القادرة على سداحتياجات تلك العلاقات.

في بداياته، كان القسم يضم طالبين اثنين فقط في مرحلة البكالوريوس، وثلاثة طلاب في مرحلة الماجستير. ثم ما لبث أن تزايد الإقبال على تعلم اللغة العربية حتى بلغ عدد الطلاب اليوم نحو 398 طالبا في مرحلة البكالوريوس، و104 طلاب في مرحلة الماجستير، بالإضافة إلى أربعين باحثا يعملون للحصول على درجتي الماجستير في الفلسفة والدكتوراه. ويتولى مهمة التدريس في القسم 17 أستاذا يسهمون في نشر معارف اللغة العربية وآدابها في الجامعة.

أما المناهج الدراسية لقسم اللغة العربية في مرحلة البكالوريوس بجامعة شيتاغونغ فتشمل ما يلي:

السنة الأولى:

قواعد اللغة العربية
اللغة العربية التطبيقية
النثر العربي القديم
الشعر العربي القديم
الأيديولوجيا الإسلامية
التاريخ الإسلامي


السنة الثانية:

النثر العربي القديم
الشعر العربي القديم
اللغة العربية التطبيقية
تاريخ الأدب العربي القديم
الفلسفة الإسلامية
تاريخ الحكم الإسلامي في شبه القارة الهندية


السنة الثالثة:

النثر العربي الحديث
الشعر العربي الحديث
المسرحية العربية
علم البلاغة والعروض
فقه اللغة
علم الأصوات
النقد الأدبي
علم الترجمة والإنشاء
تاريخ الأدب العربي في العصر العباسي

في السنة الرابعة:

 الشعر العربي الحديث
 والرواية العربية
 والأدب الإسلامي
وأدب السيرة والرحلة
والأدب المقارن
 ومناهج البحث
وتاريخ الأدب العربي في العصر الحديث
 الاقتصاد الإسلامي
ومساهمات المسلمين في مجالات العلوم والفنون.

أما في مرحلة الماجستير، فيرتقي الطالب إلى دراسة مواد أكثر تخصصا وشمولا، تشمل: النثر العربي القديم والحديث، والشعر العربي في عصريه القديم والحديث، وفقه اللغة، وتاريخ الخط العربي، وتاريخ الحضارة الإسلامية، والرواية العربية، وتاريخ الأدب العربي الحديث، إضافة إلى النقد الأدبي في العصر الحديث، ومباحث الاقتصاد الإسلامي.

الخطة الإستراتيجية لتطوير التعليم العالي في بنغلاديش:

وقد أعلن المجلس الأعلى لإدارة الجامعات في بنغلاديش في عام 2011م عن خطة إستراتيجية طموحة تهدف إلى الارتقاء بجودة التعليم الجامعي، تنقسم إلى خطة قصيرة المدى تمتد لعامين، وأخرى طويلة المدى تمتد لعقد من الزمان. وتستهدف هذه الخطة إعداد جيل صالح ومؤهل يسهم في نهضة الأمة، من خلال تحسين مستوى التعليم في الجامعات الحكومية والخاصة على حد سواء، مع التركيز على تنمية مهارات الطلاب وأعضاء هيئة التدريس.

وتعد هذه المبادرة نقلة نوعية في منظومة التعليم العالي بالبلاد، حيث تعتمد على المنهج التحليلي الحديث بديلا عن الأساليب التقليدية الجامدة. ويطبق هذا التوجه في مرحلة الماجستير على وجه الخصوص، بهدف تعزيز الكفاءات اللغوية والمهارات القيادية والريادية لدى طلاب أقسام اللغة العربية، ليتمكنوا من المنافسة على المستوى العالمي. كما تبنى المجلس برنامجا خاصا لتدريب المعلمين، يهدف إلى رفع مستواهم الأكاديمي وتعزيز كفاءاتهم اللغوية بما يتوافق مع متطلبات العصر.

يتبع..

*أستاذ بقسم اللغة العربية ـ جامعة شيتاغونغ، بنغلاديش

مقالات مشابهة

  • «التعليم العالي»: تشكيل اللجنة الاستشارية للتعليم العالي ومهارات المستقبل
  • مجمع اللغة العربية يرصد لغة الحرب في السودان.. من “جغم” إلى “بل بس“
  • اللغة العربية في بنغلاديش.. من التجذر التاريخي إلى التحديات الأكاديمية
  • جلسة تشريعية في البرلمان.. وتوقعات بمشادة سياسية
  • محكمة إسرائيلية توافق على إلغاء شهادة نتنياهو خلال الجلسة المقبلة
  • مجلس عُمان يشارك في أعمال جلسة البرلمان العربي بالقاهرة
  • رونالدو: أنا برتغالي ولكنّي أنتمي للمملكة العربية (فيديو)
  • التعليم الشرعي في بصرى الشام… حلقات مكملة للتعليم العام
  • جلسة TECH WIN الرابعة في أورنج الأردن تفتح آفاقاً جديدة لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع الاتصالات
  • الهوية العربية في مرمى التفكيك... واللغة سلاحها الأخير.. قراءة في كتاب