غداً.. الإمارات تبدأ ثاني دراسة لمحاكاة الفضاء
تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT
آمنة الكتبي(دبي)
أخبار ذات صلةيستعد الطاقم الإماراتي غداً لبدء ثاني دراسة لمحاكاة الفضاء، وهي جزء من أبحاث محاكاة مهمات الاستكشاف البشرية «هيرا» التابعة لوكالة الفضاء الأميركية «ناسا»، حيث سينضم أعضاء الطاقم الإماراتي إلى فريق البحث في مركز جونسون للفضاء، حيث تجرى الأبحاث المخصصة لهذه الدراسة الرائدة.
ويعلن مركز محمد بن راشد للفضاء عن أسماء المشاركين ضمن الطاقم الإماراتي قريباً، حيث سيعيش في عزلة شبه تامة داخل موطن لمهمة وهمية إلى المريخ، وتم إنجاز أول دراسة إماراتية لمحاكاة الفضاء بنجاح في عام 2022، كجزء من برنامج سيريوس -21، الذي يهدف إلى اختبار تأثيرات العزلة على النفسية والفسيولوجيا البشرية.
ويعد برنامج الإمارات لمحاكاة الفضاء، أحد المشاريع التابعة لمركز محمد بن راشد للفضاء، ضمن برنامج الإمارات الوطني للفضاء، والذي يموله صندوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، التابع لهيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية، الذي يهدف إلى دعم البحث والتطوير في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
ويعد مجمع «هيرا» موقعاً فريداً مكوناً من 3 طوابق، وقد تم تصميمه خصيصاً لاستضافة أبحاث محاكاة الفضاء، حيث يوفر بيئة عازلة ويعكس سيناريوهات مواقع الاستكشاف، ستتضمن الأنشطة داخل المجمع اختبار تقنيات الواقع المعزز ومراقبة بيئته الافتراضية، فضلاً عن تجارب تفاعلية مع سيناريوهات مثل تأخير الاتصال مع فرق دعم التحكم الأرضي أثناء «الاقتراب» من قمر المريخ «فوبوس».
وتساعد الأبحاث في تطوير استراتيجيات لزيادة استقلالية أفراد الطاقم التناظري وتعزيز تفاعلهم كفريق، وتسهم في تعزيز التواصل الفعال لتحقيق الأهداف المحددة، ومن خلال هذه البيانات، يمكن للعلماء تطوير استراتيجيات تدريب أكثر فعالية لرواد الفضاء، استعداداً للمهام المستقبلية مثل استكشاف المريخ، وهي رؤية طويلة الأمد لدولة الإمارات العربية المتحدة في إطار برنامج المريخ 2117.
وتلعب الجامعات الإماراتية دوراً محورياً في ثاني دراسة إماراتية لمحاكاة الفضاء، من خلال تقديم تجارب متنوعة، حيث تقدم جامعة الإمارات العربية المتحدة 3 تجارب تركز على مجالات مختلفة، حيث ستركز التجربة الأولى على دراسة اضطرابات الأيض المتعلقة بالجلوكوز خلال فترة 45 يوماً من العزلة، عبر تحليل النواتج الأيضية، أما التجربة الثانية فستعمل على رصد الضعف في وظائف الدماغ، الناتج عن الإرهاق الذهني.
التجربة الثالثة
تعمل التجربة الثالثة على مراقبة المؤشرات الحيوية للقلب والأوعية الدموية باستخدام تقنيات بصرية، وتمتد الدراسة على مدار 180 يوماً من العمل البحثي عبر 4 مراحل لكل منها 45 يوماً، حيث سيدرس أعضاء طاقم كل مهمة كيفية التكيف مع العزلة والحبس والظروف البعيدة عن الأرض قبل إرسال رواد فضاء في مهام طويلة الأمد، وسيشارك أعضاء الطاقم الإماراتي بداية من المرحلة الثانية المقررة في 10 مايو 2024، بينما ستبدأ المرحلتان الثالثة والرابعة في 9 أغسطس 2024 و1 نوفمبر 2024، على التوالي.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الإمارات الفضاء وكالة الفضاء الأميركية ناسا
إقرأ أيضاً:
النموذج التركي بين مكافحة الانقلابات وترسيخ الاستقرار وشرق أوسط جديد
لم يكن الإعلان التاريخي "لعبد الله أوجلان" الذي دعا لحل التنظيم وإلقاء السلاح مجرد حدث عابر في المشهد السياسي التركي، بل مثّل لحظة فارقة في إعادة رسم ملامح الأمن القومي التركي والعلاقات الإقليمية، ومع التحولات الجارية في سوريا وسقوط نظام بشار الأسد، بات واضحا أن تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية تتحرك بخطى ثابتة نحو تثبيت موقعها الإقليمي، وإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق رؤية جديدة.
على مدى أكثر من عقدين، أثبتت التجربة الإسلامية التركية قدرتها على تحقيق الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية في بيئة إقليمية مضطربة، لكن أكثر ما لفت انتباهي، بعيدا عن النجاحات الاقتصادية والسياسية، هو نهج مكافحة الانقلابات العسكرية الذي أصبح جزءا من هوية الدولة الحديثة، ليس فقط من خلال إجراءات سياسية وأمنية، بل عبر ترسيخه في وجدان الأجيال الجديدة من خلال التعليم.
فأثناء متابعتي دروس ابنتي التي تدرس في المرحلة الإعدادية، شدّ انتباهي مادة "الانقلاب" التي تُدرّس كجزء من المناهج التعليمية التركية، لم يكن الأمر مجرد درس تاريخي جامد، بل منهج متكامل يعرض دراسات معمقة حول تاريخ الانقلابات في تركيا وتأثير التدخل العسكري في الحياة السياسية، ولا يقتصر على سرد الأحداث، بل يعمّق لدى الطلاب فهم آليات الديمقراطية، ومخاطر الاستبداد العسكري، وأهمية الحفاظ على النظام المدني.
وفي هذا الإطار تكون التجربة الإسلامية التركية قد اكتملت إلى حد كبير، وأصبحت نموذجا ملهما يجب دراسته، في إطار فشل العديد من التجارب الإسلامية المناظرة في منطقتنا العربية، فمنذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، تبنى نهجا مختلفا في إدارة السلطة، بعيدا عن الصدامات الأيديولوجية التقليدية، حيث لم يكن مشروع الحزب قائما على فرض هوية إسلامية بقدر ما كان يسعى إلى التوفيق بين القيم المحافظة والتحديث السياسي والاقتصادي. هذه الاستراتيجية مكّنته من تجاوز العديد من الأزمات والاستمرار في الحكم لفترة طويلة، رغم كل التحديات الداخلية والخارجية.
أبرز ما يميز التجربة التركية هو النجاح في المزج بين الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وبين تثبيت الاستقرار عبر بناء مؤسسات قوية، وبدلا من الدخول في مواجهات مبكرة مع الدولة العميقة، كما فعلت بعض التيارات في العالم العربي، اختار أردوغان استراتيجية التدرج، مستفيدا من شرعية الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية لتعزيز موقعه السياسي.
ولا يمكن الحديث عن نجاح حزب العدالة والتنمية دون التطرق إلى الإنجازات الاقتصادية التي حققها، فقد استطاع الحزب، خلال عقدين من الزمن، أن ينقل تركيا من اقتصاد يعاني من الأزمات إلى واحد من الاقتصادات الصاعدة على مستوى العالم. ومن أبرز ملامح هذه النهضة: مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي، وتطوير البنية التحتية عبر مشاريع ضخمة مثل الطرق السريعة والجسور والمطارات، وتقليل نسب البطالة ورفع معدلات التوظيف، ودعم قطاع الصناعة وتعزيز الصادرات التركية.
هذه الإنجازات لم تكن مجرد تحسينات اقتصادية، بل كانت أحد أسس الاستقرار السياسي، إذ أدركت القيادة التركية أن تحقيق الرفاهية الاقتصادية للمواطن هو مفتاح أي مشروع سياسي ناجح.
كما لم يكن نجاح أردوغان في إدارة الدولة قائما على الاقتصاد فحسب، بل كان نتيجة لقدرة فائقة على المناورة السياسية، سواء داخليا أو خارجيا، فمن الناحية الداخلية، استطاع الحزب الحفاظ على علاقات متوازنة مع مؤسسات الدولة، متجنبا الصدام معها حتى تمكن تدريجيا من إعادة تشكيلها بما يخدم رؤيته السياسية.
أما على المستوى الخارجي، فقد تبنت تركيا سياسة متعددة الأبعاد، فحافظت على علاقاتها مع الغرب، وفي الوقت نفسه عمّقت شراكاتها مع روسيا والصين ودول الخليج، مما مكّنها من تعزيز نفوذها الإقليمي دون أن تصبح تابعة لأي قوة دولية.
لم يكن الطريق إلى تثبيت الحكم في تركيا سهلا، فقد واجه أردوغان تحديات كبيرة، كان أبرزها محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/ يوليو 2016. تلك الليلة كانت اختبارا حقيقيا لمدى نضج التجربة الديمقراطية التركية، إذ لم تكن المواجهة بين حكومة ومعارضين سياسيين، بل بين دولة مدنية تسعى إلى تعزيز سلطتها، ومؤسسات عسكرية كانت تسعى لاستعادة نفوذها.
ما جعل هذه الليلة فارقة في التاريخ التركي هي الطريقة التي أدارت بها القيادة الأزمة، فبدلا من التعامل معها بأسلوب قمعي مباشر، لجأ أردوغان إلى الشعب، فخرج الأتراك إلى الشوارع للدفاع عن الديمقراطية، في مشهد نادر لم يتكرر في كثير من دول العالم.
إلى جانب النجاحات الاقتصادية والسياسية، كان بناء المؤسسات القوية أحد العوامل الرئيسية التي ساعدت على استقرار التجربة التركية، فمنذ وصول العدالة والتنمية إلى الحكم، بدأ في إصلاح القضاء، وتحسين النظام التعليمي، وتعزيز المؤسسات الأمنية والاقتصادية، وقد جعلت هذه الإصلاحات النظام التركي أكثر قدرة على الصمود أمام الأزمات، وأقل عرضة للاضطرابات السياسية، إضافة إلى ذلك، كان التعليم أحد أهم المجالات التي استثمر فيها الحزب، ليس فحسب لتطوير المهارات الأكاديمية، بل أيضا لبناء وعي سياسي جديد.
ومع تزايد التحديات الإقليمية والدولية، لا تزال تركيا أمام اختبارات صعبة، لكنها أثبتت أنها قادرة على التكيف مع المتغيرات، مستفيدة من نهجها البراغماتي، وإنجازاتها الاقتصادية، وقوة مؤسساتها. ومع التحولات الجارية في سوريا، وإعلان أوجلان الذي يفتح الباب لإنهاء أحد أقدم النزاعات التي واجهتها تركيا، يبدو أن أنقرة ماضية في تعزيز مكانتها الإقليمية بثبات.
إن التجربة التركية تقدم درسا مهما في كيفية تحقيق التوازن بين الديمقراطية والاستقرار، وكيف يمكن لمجتمع أن ينهض عبر الاستثمار في التعليم، والاقتصاد، وإدارة التحالفات بذكاء، ويظل من بين أهم ما لفت الانتباه هو كيف أن هذه التجربة لا تقتصر على إنجازات حكومية، بل تمتد إلى تشكيل وعي جديد للأجيال القادمة، يضمن حماية الديمقراطية من أي محاولات ارتداد إلى الوراء.