طفلة الكرواسون وحذاء الشهيدة وصغير يلقّن شقيقه الشهادة.. مشاهد مأساوية لا تُنسى من «مجزرة المعمداني»
تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT
«أطباء بلا حدود»: مجزرة مروّعة تتطلب وقف حرب الإبادة ضد الفلسطينيين العزل
لم ينسَ العالم المشاهد التى تداولتها مختلف وسائل الإعلام فى تلك الليلة، سالت دماء الرُّضع والأطفال والشباب والنساء والمسنين، لم ينجُ مريض أو نازح من نيران القصف الإسرائيلى على المستشفى المعمدانى، وكانت الفيديوهات الموثّقة شاهدة على جرائم الاحتلال، ولن يخفيها الزمن، لتظل وصمة عار على جبين الإنسانية والعالم.
تحولت صورة «طفلة الكرواسون» إلى أيقونة قصف «المعمدانى»، إذ انتشرت صورتها كالنار فى الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعى والصحف والقنوات، والصورة لطفلة تُدعى «سوار»، تمسك بيدها الملطخة بالدماء قطعة «كرواسون» وعملة معدنية، نجت مرة من قصف منزلها فى حى الزيتون، لتحتمى وأسرتها بالمستشفى، لتلاحقها صواريخ الاحتلال مرة أخرى، لكنها ترفض الاستسلام، وتنجو بروحها، لتبقى فى ذاكرتها حكايات مؤلمة ترويها لأبنائها وأحفادها.
مشهد آخر أثار حزن العالم، وهو حذاء طفلة شهيدة، ملطخ بالدماء، استهدف الاحتلال جسدها الصغير، ولم يتبقّ منه سوى تلك القطعة التى ترتديها فى أقدامها، لتوثّق هذه الجريمة البشعة جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطينى الأعزل، كما انتشرت صورة لأطفال وشباب فى أكفان بيضاء، أجسادهم مسجاة على الأرض ووجوههم تعلوها ابتسامة اطمئنان، فهم شهداء، انتهت معاناتهم أخيراً على أرض قطاع غزة الجريح.
أحد الفيديوهات المأساوية التى خلّفها قصف «المعمدانى» كانت لأب يحمل أشلاء طفليه بين يديه فى كيسين.. يهرول نحو الخارج، حاملاً ما تبقى منهم، معبّراً عن آلامه صارخاً: «أولادى ماتوا وهذه أشلاؤهم»، ومن المشاهد المأساوية، ظهور طفل صغير يُدعى «مهدى محمد» فقد والدته ووالده وأشقاءه أثناء وجودهم داخل المستشفى، وظهر الطفل خلال مقطع فيديو وثّقه صحفى فلسطينى، مُمسكاً بقطعة «بسكويت» فى يده بعد نقله إلى مستشفى الشفاء تعلو وجهه علامات الهلع بعد فقد عائلته بالكامل. وفى مشهد آخر، جلس طفل صغير إلى جوار شقيقه الذى يحتضر يلقنه الشهادة فيُرددها وراءه: «حبيبى سامعنى.. قول أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.. قول»، بينما الآخر يلفظ أنفاسه الأخيرة، محاولاً الاستجابة لطلب أخيه، وبعد أيام، اتضح أن الطفل كان مصاباً، وعادت الحياة إليه مرة أخرى ولم يُستشهد، وفى أحد الفيديوهات، ظهر مسعف وهو يبكى بمفرده من هول الصدمة، بينما سيارات الإسعاف خلفه تنقل الجرحى إلى المستشفيات المجاورة لـ«المعمدانى»، وقال مسعف آخر إن ساحة المستشفى التى استهدفها الاحتلال الإسرائيلى فى غزة كانت تضم 1500 نازح من مواطنى حى الزيتون وحى الشجاعية.
وروى المسعف خلال فيديو أنه نتيجة شدة القصف، تناثرت الجثامين على حائط المستشفى، وطارت الأشلاء فى الهواء لتنتشر فى زوايا وساحات المستشفى، هذه المشاهد التى رآها المسعف غيّرت حياته كلياً، وبعد ساعات من قصف «المعمدانى»، ظهرت مقاطع فيديو توثّق حجم الدمار الكبير الذى لحق بساحات المستشفى، حيث ظهرت آثار الحطام وقطع الملابس المتناثرة التى كان يرتديها النازحون والمرضى ممن لجأوا إلى المستشفى للاحتماء به قبل قصفه.
الكثير من الصحف العالمية، ندّدت بمجزرة الاحتلال الإسرائيلى فى المستشفى المعمدانى، منها صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، التى قالت إن مشاهد قصف المستشفى ستبقى خالدة فى أذهان من عاصروها حتى لو عاشوا ألف سنة، كما وصفت شبكة «إن بى سى» الأمريكية القصف الإسرائيلى للمستشفى المعمدانى بالمجزرة.
وقالت «الجارديان» البريطانية إن الفلسطينيين اعتقدوا أن المستشفى ملاذ آمن، ووصفت منظمة أطباء بلا حدود قصف «المعمدانى» بأنها مجزرة مروعة وغير مقبولة، وأدانت منظمة الصحة العالمية القصف، وأشارت إلى أن المستشفى كان يحتمى به المرضى والنازحون ومقدمو الرعاية الصحية.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: المعمدانى إسرائيل الوطن الاحتلال
إقرأ أيضاً:
بطل برداء أبيض.. أبو صفية يطل صامدا من محبسه (بورتريه)
مشهدان تعلقا به سيبقيان عالقين في الذاكرة لسنوات طويلة، وهو يقف بردائه الأبيض وسماعته الطبية ويداه مرفوعتان إلى الأعلى داخل المستشفى الذي يديره، على مقربة من بوابة الدخول الرئيسية أمام جنود مدججين بالسلاح، وبجواره اثنان من مساعديه بالهيئة ذاتها، وأيضا مشهده وهو يؤم صلاة الجنازة على روح ابنه الشهيد بقلب جريح ومكسور وعيون باكية بحرقة لا توصف، وبردائه الطبي أيضا وهو يؤدي صلاة الوداع الأخير على ابنه.
مشهد ثالث مثير نشره الاحتلال الأربعاء للطبيب نفسه في داخل سجنه وهو مكبل اليدين والقدمين، لكنه بدا شامخا رغم محالاوت الاحتلال للنيل من عزيمته.
حسام أبو صفية المولود في عام 1973 في مخيم جباليا بمدينة غزة لعائلة هجرت من بلدة حمامة قضاء عسقلان، إثر النكبة عام 1948، حاصل على شهادة البورد الفلسطيني في طب الأطفال وحديثي الولادة، واستشاري طب أطفال، عمل في القطاع الصحي بقطاع غزة حتى تقلد منصب مدير مستشفى الشهيد كمال عدوان في قطاع غزة، ذلك المستشفى الذي اقتحمه الاحتلال أكثر من 15 مرة، وقصفه بعدد ضخم من الصواريخ والرصاص وحاصره دون توقف بأرتال من الدبابات وعربات الجند، قبل أن يدمره بالكامل.
أحد الشخصيات البارزة في القطاع الصحي والطبي ليس في غزة فقط وإنما في فلسطين، يعمل على قيادة الفرق الطبية لتقديم الخدمات الطبية لسكان غزة رغم القصف والحصار والاعتقال واستهداف حياته وحياة أسرته شخصيا.
رفض مغادرة مكانه والتخلي عن مهمته الوطنية والإنسانية رغم تهديد سلطات الاحتلال له، وعقابا له على موقفه الصلب والمبدئي قام الاحتلال باعتقاله في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي خلال اقتحام القوات الإسرائيلية لمستشفى كمال عدوان وإجبار الكادر الطبي على المغادرة.
ولم يلبث الاحتلال أن أطلق سراحه بعد أن قرر الانتقام من الدكتور أبو صفية بطريقة مؤلمة جدا، فما هي إلا ساعات حتى تلقى نبأ استشهاد طفله إبراهيم نتيجة قصف القوات الإسرائيلية لمكان تواجده.
كانت صدمة وجدانية لا توصف فقد ظهر بمقطع فيديو حاملا نعش ابنه الشهيد على كتفيه ودموعه تملأ وجهه.
كما أنه أطل يبحث لفلذة كبده عن قبر بين الشوارع التي غطاها الركام، ودفن ابنه بجوار جدار المستشفى، مستقبلا التعازي ممن حوله.
وقال أبو صفية إن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل ابنه لأنه يقدم رسالة إنسانية، وسط الأحداث المؤلمة التي يشهدها شمال قطاع غزة.
وأردف قائلا: "كل شيء فقدناه في هذا المستشفى حتى أبناءنا، حرقوا قلوبنا على المستشفى وقتلوا أطفالنا أمام أعيننا لأننا نحمل رسالة إنسانية، ونقوم بدفنهم بأيدينا".
وبعد نحو شهر، أصيب أبو صفية جراء إلقاء قنبلة عليه من طائرة كواد كبتر إسرائيلية أثناء عمله داخل المستشفى، ما أدى إلى إصابته بستة شظايا اخترقت منطقة الفخذ وتسببت في تمزق الأوردة والشرايين.
هذه الإصابة اعتبرها أبو صفية "شرفا له"، مشيرا إلى أن إصابته لن تثنيه عن تقديم الخدمات، قائلا: "سنظل نقدم ما في وسعنا للفلسطينيين المتضررين من قصف الاحتلال".
اعتقل الاحتلال أبو صفية مع عدد كبير من الأطباء والمرضى والجرحى، في 28 من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ليتنقل بعدها في عدد من السجون وسط ظروف قاسية وغير إنسانية يعانيها الأسرى لدى الاحتلال.
مارس الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة وتطهيرا عرقيا ضمن خطة الجنرالات التي صادق عليها المستوى السياسي في شمال قطاع غزة وبالتحديد في مخيم جباليا، حيث قضت الخطة بحصار المخيم وتجويع السكان ودفعهم للنزوح إلى جنوب القطاع، لكن إصرار السكان على الثبات وعدم الرضوخ لمحاولات التهجير، دفع بالجيش إلى ارتكاب مجازر دامية بحق النازحين داخل مراكز الإيواء والسكان المتواجدين في منازلهم، حيث إنه عمل على تدمير المنازل فوق رؤوس ساكنيها، إلى جانب قصف مراكز الإيواء بالقذائف المدفعية، ونفّذ عمليات إعدام بحق عدد من الشباب الذين تم اعتقالهم من داخل مراكز الإيواء، إلى جانب انتشار جثث الشهداء في شوارع مخيم جباليا والمناطق المحيطة.
يمضي حسام أبو صفية، مع رفاقه، بثبات وبقناعة لا تتزحزح على درب من سبقوه من الأطباء الشهداء إياد الرنتيسي، وعدنان البرش، وآلاف من موظفي الصحة في قطاع غزة، ورغم اعتقاله وهو على رأس عمله، إلا أن يوم حريته قادم لا محالة.