محمد حسن خلف *

لا أزال أتذكرها جيداً، وكيف أنساها تلك اللحظة، في يوم الاثنين التاسع من يناير من العام ٢٠١٢. كنت في استوديو الخط المباشر أدير حواراً مع ضيفي الدكتور المهندس خليفة بن مصبح الطنيجي وكان يومها يترأس دائرة الإسكان في الشارقة، وبينما كنا نتلقى الاتصالات ويرد ضيفي على ملاحظات المتصلين وشكاواهم، إذا بمخرج البرنامج يخبرني أن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة يود أن يتداخل عبر الهاتف ليجيب عن بعض الاستفسارات ويوضح بعض النقاط المتعلقة بمشاكل الإسكان.

لم يكن من السهل عليّ في تلك اللحظة أن أتصور الموقف، ولم تسعفني الكلمات يومها حتى لمجرد استقبال الاتصال والترحيب بسموه، إلا أن مداخلته وأذكرها جيداً بعثت الطمأنينة والسكينة في قلبي وقلب ضيفي، وكان يومها وهو كذلك في كل مداخلاته العفوية الارتجالية حتى الوقت الراهن يختار مفرداته وعباراته بعناية من غير تكلف ولا تعقيد ليوصل رسائله الأبوية، وتتلقفها قلوب المستمعين والمشاهدين قبل آذانهم، بل باتوا ينتظرونها بين الفينة والأخرى، حتى إذا تأخرت عليهم وافتقدوها، تتابعت رسائلهم النصية القصيرة عبر البرنامج مناشدة أن لا ينقطع عنهم، وأن تظل هذه العلاقة قائمة بينه وبينهم عبر صوته الأبوي الحاني.

أما رسائل الجمهور التي تتلو مداخلات سموه فهي قصة أخرى، أقل ما يقال عنها إنها تُظهر العلاقة الحميمية والمحبة الصادقة التي يكنها الناس في قلوبهم لوالدهم، بل إن هذه العلاقة توطدت وازدادت، فلك أن تتخيل أن المتصلين أصبحوا لا يخاطبوننا نحن مقدمي البرنامج، بل يوجهون حديثهم ونداءاتهم مباشرة إلى سموه، فهم على يقين من أنه يستمع إليهم، بل وأكاد أجزم أنه لا يوجد برنامج آخر، في أي وسيلة إعلام أخرى، بأي لغة كانت، يخاطب فيه الجمهور الحاكم مباشرة، وهم على ثقة بأن الجواب سيصلهم حتى قبل أن ينهوا اتصالهم، وكثيراً ما أرد على بعضهم قائلًا: «سنقوم بالاتصال بالجهة المعنية أو الدائرة أو الوزارة المختصة»، فيقول المتصل أو المتصلة: أنا أريد أن يصل صوتي إلى صاحب السمو، وما هي إلا لحظات حتى يأتي الجواب من سموه.

إن ما يقوم به صاحب السمو من خلال تواصله المباشر مع رعيته من الجمهور على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة، بشكل عفوي ومن غير مواعيد مسبقة ولا محاور متفق عليها، وحديثه المباشر مع كل أطياف المجتمع كبيرهم وصغيرهم، مواطنهم ومقيمهم، واختياره الموضوعات والرسائل التي يوجهها للجمهور، وانتقائه المفردات التي تناسب كل طبقات المجتمع ومستوياته الثقافية والعلمية، يعتبر ظاهرة يجب أن تُدرّس في كليات ومعاهد ودورات الاتصال الحكومي والجماهيري، وهي ممارسة عملية، لكل نظريات الاتصال مع الجمهور.

وفي العام الماضي لوحده، تداخل صاحب السمو حاكم الشارقة حفظه الله مع البرنامج 15 مرة تنوعت ما بين الموضوعات الاجتماعية والحديث عن المشاريع التنموية في مختلف مدن ومناطق الإمارة، ومشاريع الإسكان والزراعة والرعي، والقضايا الرياضية ومشكلات التعليم، هذا بخلاف حديث سموه عن مؤلفاته التاريخية والأدبية وحديثه المتواصل عن قضايا اللغة العربية. وكعادته حفظه الله لا ينهي اتصاله قبل أن يوجه رسائله الأبوية ونصائحه لكل فئات المجتمع، وعادة ما تكون في المحافظة على الدين والأخلاق وقراءة القرآن والتمسك بالقيم والمحافظة على الهوية الوطنية وحب الوطن، ينقلها لهم بحسه المرهف وصوته الأبوي الدافئ الحنون، وكأني أرى تأثر المستمعين والمشاهدين بها رأي العين، وكأني بأعينهم تذرف الدموع تأثراً ومحبة، تعبر عنها رسائلهم النصية أو حتى اتصالاتهم.

إن القضايا المطروحة في برنامج الخط المباشر لا تجد تفاعل صاحب السمو معها عبر الاتصال والتعليق فحسب، وإنما كثيراً ما يردد مقدمو البرنامج عبارة: «صاحب السمو استمع لمشكلتك ويسلم عليك، ويقول لك لا تقلق، مشكلتك ستحل فوراً»، أو ربما يتداخل المسؤولون للإعلان عن توجيه سموه بحل إشكالية طرحها أحد أفراد الجمهور، ويكفينا أن نعرف أن عدد حلقات برنامج الخط المباشر في عام واحد فقط (٢٠٢٣) بلغ ١٨٣ حلقة، جاءت توجيهات صاحب السمو وتداخلاته وتفاعله فيها بما يزيد على ١٠٠ توجيه ومداخلة.

حقاً إنها حصيلة كبيرة ورسائل واضحة يوجهها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حفظه الله ورعاه، من خلال تفاعله مع مختلف فئات مجتمعه عبر برنامج مباشر، ما كان ليلقى هذا النجاح والرواج والإقبال عليه لولا تفاعل سموه مع قضايا الناس، فاللهم احفظ لنا سلطان الخير وبارك في عمره وعمله، وارفع في قلوبنا منزلته ومحبته، كما رفع قدرنا وزادت في قلبه محبتنا.

* المدير العام لهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات

إقرأ أيضاً:

سلطان القاسمي يلتقي رؤساء المجامع اللغوية العربية

أشاد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى لمجمع اللغة العربية بالشارقة، بإنجاز المعجم التاريخي للغة العربية في 127 مجلداً والذي برز فيه التعاون الكبير والجهد الوافر من كافة العلماء في المجامع العربية كلها، ليكون هديةً مباركة إلى الأمة العربية، مشيراً سموه إلى أن المعجم سيكون متاحاً بعدة طرق متنوعة لفائدة جميع الباحثين والشباب.

جاء ذلك خلال لقاء سموه، صباح اليوم الثلاثاء، برؤساء المجامع اللغوية العربية، وأعضاء مجلس أمناء مجمع اللغة العربية بالشارقة، وذلك في مقر المجمع بالمدينة الجامعية.

ورحّب صاحب السمو حاكم الشارقة في بداية حديثه بالحضور من العلماء الأجلاء، ومباركاً لهم هذا الإنجاز الكبير الذي يُنسب إلى المجامع العربية في كل البلدان بتعاونهم الشامل، وقال سموه معبراً عن تقديره لكل من عمل في هذا الإنجاز غير المسبوق // سنكتبُ أسماءهم بالذهب على هذا العمل الجليل //.

وتطرق سموه خلال حديثه إلى ما بذل من جهودٍ كبيرة في العمل على مشروع المعجم التاريخي للغة العربية والذي اكتمل في سبع سنوات فقط ويضم كل ما نطق به العرب منذ فترة ما قبل الإسلام إلى اليوم، مؤكداً أن اكتمال المعجم هو يوم مشهود في تاريخ الأمة العربية. ومقدماً سموه شكره إلى كافة المجامع في الدول العربية والعلماء وكل من عمل في المعجم التاريخي للغة العربية، مشيراً إلى دور اتحاد المجامع العربية في القاهرة والذي كان له الفضل في وضع القواعد لهذا المشروع الكبير سابقاً، وفتح الطريق إلى هذا الإنجاز.

وتناول صاحب السمو حاكم الشارقة أهمية توفير ونشر المعجم التاريخي للغة العربية بعدة طرق ووسائل حديثة تستوعب صعوبة اقتناء كافة مجلدات المعجم التاريخي وحمله من مكانٍ إلى آخر، وكذلك لضمان انتشار المعجم خاصة بين أجيال الشباب، ولذلك تم وضع المعجم كاملاً على الموقع الإلكتروني، كما تم إطلاق تطبيقات خاصة به على الهواتف الذكية حتى يتمكن الباحثون من البحث فيه بسهولة، إلى جانب مشروع “معجم جي بي تي” وهي تقنية تعمل بالذكاء الاصطناعي تمكّن الباحثين من التحاور مع المعجم وطلب أي من محتوياته بسهولة كبيرة، وسيكون المشروع جاهزاً خلال أشهرٍ معدودة.

وتناول صاحب السمو حاكم الشارقة الموسوعة العربية الشاملة للعلوم والآداب والفنون والتي سيستمر العمل فيها مع نخبة العلماء الذين أنجزوا المعجم التاريخي للغة العربية والتي ستكون فريدة في نوعها ومختصة ودقيقة، مما سيجعل البحث فيها سهلاً وبسرعة فائقة لما ستكون عليه من الترتيب المتقن والمتكامل.

وأعرب سموه في ختام حديثه عن أمله في أن تقوم المجامع اللغوية العربية بأدوار كبيرة في تثقيف الناس من خلال الندوات المتخصصة والمحاضرات، موضحاً أهمية هذه الأنشطة الثقافية في إبراز مكانة العلماء وإجْلالهم وإعلاء مقامهم وتعريف الناس بعلمهم وجهدهم، كما ظهر ذلك خلال عملهم في المعجم التاريخي للغة العربية، بالإضافة إلى ما تعمل عليه الثقافة، التي تركز عليها الشارقة، في الارتقاء بالأمة العربية في دينها وعِلمها وإنسانها.

وتحدث خلال اللقاء عدد من رؤساء المجامع اللغوية العربية مباركين لصاحب السمو حاكم الشارقة، اكتمال المعجم التاريخي للغة العربية، مثمنين ما ظلّ يقدمه سموه من دعمٍ لا محدود، ومتابعةٍ حثيثة، لكافة أمور المعجم حتى اكتمال صدوره في وقتٍ قياسي مقارنة بكافة المعاجم من هذا النوع في العالم، وتناول المتحدثون أهمية المعجم للباحثين والعلماء والدارسين وغيرهم لغوياً وتاريخياً، كما قدموا الشكر والامتنان إلى سموه لدعم كل ما يتعلق باللغة العربية في مختلف البلدان.


مقالات مشابهة

  • حاكم الشارقة يلتقي وفد جامعة ليفربول الإنجليزية
  • أحلام مستغانمي: حاكم الشارقة فارس انبرى لإنقاذ ذاكرة إرثنا الحضاري
  • سلطان القاسمي: انطلاق مشروع علمي عظيم لا يقل أهمية عن معجم «العربية»
  • حاكم الشارقة يفتتح الدورة الـ 43 من معرض الشارقة الدولي للكتاب
  • حاكم الفجيرة يستقبل اليماحي بمناسبة انتخابه رئيسا للبرلمان العربي
  • حاكم الفجيرة يستقبل اليماحي بمناسبة انتخابه رئيساً للبرلمان العربي
  • حاكم الشارقة يستقبل رؤساء المجامع اللغوية العربية
  • سلطان القاسمي يلتقي رؤساء المجامع اللغوية العربية
  • حاكم الشارقة يشيد بإنجاز المعجم التاريخي للغة العربية في 127 مجلداً
  • انطلاقة قوية للنسخة الثالثة من مهرجان حاكم الشارقة للهجن