د. أحمد عبداللاه فارس

في الوقت الذي تتوالى فيه تنديدات كبار رؤساء وحكومات دول العالم بتصريحات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الخميس الماضي والذي أكد فيها "أنه لا يمكن أن يسمح بقيام دولة فلسطينية ما دام في منصبه، وأن الصراع ليس على قيام دولة فلسطينية بل القضاء على الدولة اليهودية" ربما أن هؤلاء القادة والساسة في العالم يريدون إخراج تصريحات للاستهلاك المحلي والدولي أو ينم عن عدم استعانتهم بكبرى مراكز الأبحاث الخاصة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

فمن منطلق الدراسات الدينية والسياسة لا يستطيع حزب يميني في إسرائيل حصل على أصوات جماعات دينية وجماهير داعمة لها وتكتلات سياسية يمينية وصهوينة قبول فكرة إقامة دولة فلسطينية وذلك من منظور ديني بحت، والدليل على ذلك ما جاء من مزاعم في كتابات الحاخام شلومو جورين بأن "التوراة تحظر التخلي عن أراضي أرض إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة ليس بسبب وعد سماوي فقط بل أيضًا بحكم استيلاء أبينا إبراهيم على الأرض من يد قادر عمر ملك عيلام من بني سام والملوك الذين معه" لنسلك أعطيت هذه الأرض "سفر التكوين (10:22)

كما أورد أنه وفقا لـ"الهالاخاه"الشريعة اليهودية التي تشمل تعاليم التلمود والتعاليم الحاخامية كل يوم لا نضيف فيه الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أرض إسرائيل المقدسة تحت السيادة الإسرائيلية، فإننا ننتهك وصية العمل بحسب التوراة التي أمرتنا فيها" أن نرث الأرض التي أعطاها الله لآبائنا إبراهيم وإسحق ويعقوب، ولم تترك في أيدي غيرنا من الأمم ولا إلى البرية، وقال: "وترثون الأرض وتسكنون فيها، لأني أعطيتكم الأرض لترثوها".

إن ساسة إسرائيل وعلى رأسهم نتنياهو منذ العدوان على غزة يتحدثون بخطاب ديني بأنهم ينفذون تعاليم دينية ويسعون لتحقيق نبؤاءت النبي أشعيا ومنها استمرار الاحتلال والعمل على بناء الهيكل المزعوم في القدس وتهجير أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة من أراضيهم في ظل الدعم الأمريكي لتنفيذ الرغبات الإسرائيلية.

ويقول الحاخام شموئيل إلياهو إن كل خطط التنازلات والمساومات التي تهدف إلى أرض إسرائيل المقدسة سوف تذهب سدى، كما جاء في سفر حزقائيل (الآية 20-20): "هكذا قال السيد الرب، أجمع بيت إسرائيل من الأمم الذين تفرقوا في وسطهم". وأقدسهم أمام عيون الأمم، فيجلسون على أرضهم التي أعطيتها لعبدي يعقوب، فيتكلون عليها ويبنون بيوتا، ويغرسون كروما، ويجلسون متكلين على أحكامي في جميع الأشرار الذين حولهم لهم ويعلمون أني أنا الرب إلههم ".

هاجس نهاية إسرائيل وعملية طوفان الأقصى

استغلت أحزاب اليمين وعلى رأسهم نتنياهو عملية طوفان الأقصى والحرب على غزة والمناوشات مع حزب الله فى استخدام الفزاعة التاريخية للشعب اليهودي بأن إسرائيل التي تنتهي ويشتت شعبها عند بلوغها 80 عامًا بعد التأسيس، تواجه هذا المصير حاليا ولذا يجب توحيد الجبهة الداخلية، لأنَّ هذه حرب وجودية وهذا ما تم التصريح به أكثر من مرة من قبل نتنياهو ويوآف جالانت والساسة ورجال الدين في إسرائيل.

وبالعودة إلى عام 2017 أعلن نتنياهو بصفته رئيسا للحكومة وقتئذ أنه سيجتهد من أجل بلوغ إسرائيل لـ100 عام، لأنه يعلم وفقًا للتاريخ اليهودي أنه لم يسبق لكيان يهودي تخطي ال80 عاما، وبناء عليه تنهار إسرائيل ويتشتت الشعب اليهودي في الأرض وهو ما حذر منه أيضًا نفتالي بينيت عندما كان رئيس وزراء في الحكومة السابقة.

وظل هذا التخوف يلاحق ساسة إسرائيل ومفكريها ورجال الدين فيها منذ الاحتفال ببلوغ إسرائيل عامها ال74 حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك كتب مقال في يديعوت أحرونوت عام 2022 أكد فيه خشيته أن تنزل بإسرائيل لعنة العقد الثامن" في العقد الثامن من وجودها انقسمت مملكة سلالة داود وسليمان إلى يهودا وإسرائيل. وفي العقد الثامن لمملكة الحشمونائيم، نشأ استقطاب داخلي، وممثلو الأجنحة حجوا إلى بومبيوس في سوريا، وطلبوا تفكيك مملكة الحشمونائيم وأصبح جناحهم تابعا لروما حتى خراب الهيكل الثاني ".

وأن إسرائيل نتاج المشروع الصهيوني هي المحاولة الثالثة في التاريخ ووصلنا إلى العقد الثامن ونحن كمن استحوذ عليهم الهوس، بتجاهل صارخ لتحذيرات التلمود، ونعجل النهاية".

بينما دلل اللواء احتياط جرشون كوهين الباحث بمركز "بيجن- السادات" للدراسات الإسرائيلية الإستراتيجية أن المخاوف الإسرائيلية من القضاء على الدولة اليهودية مسيطر بقوة على رجال السياسة والدين في إسرائيل، حيث إن التاريخ أثبت أن "مملكة داود وسليمان"، وهي الدولة الأولى لليهود، لم تصمد أكثر من 80 عاما، وكذلك "مملكة الحشمونائيم"، وهي الدولة الثانية لهم انتهت في عقدها الثامن، في حين أن إسرائيل وهي "الثالثة" تقترب من عامها الثمانون وتحارب على جبهات عديدة تحاول القضاء عليها.

ووفقا لما سبق عرضه من أفكار فإن الحاخامية اليهودية ورجالها أمثال شلومو جورين وشموئيل الياهو ويوسف دوف يعطون لحكومة اليمين الحلول الدينية لبقاء إسرائيل وعدم زوالها وتعتبر ما حدث ويحدث في إسرائيل موجه بخطة سماوية بهدف تحقيق رؤية الفداء الثالث من أجل البقاء ويتمثل من وجهة نظرهم وتفاسيرهم الخاطئة للتوراة في تحرير الأرض من الأجانب كما ورد في سفر التثنية (3:5): "ويذهب بك الرب إلهك إلى الأرض التي ورثها آباؤك، فتمتلكها وتنجح وتكاثرك أكثر من آبائك".

وكذلك سرعة بناء الهيكل وفقا للتنبؤات التي وردت في سفر حزقائيل (11-12) عن الهيكل الثالث: "يا ابن آدم، احفظ بيت إسرائيل البيت، فيصمتون من شدائدهم ويقيسون التصميم. وإذا سكتوا عن كل شيء لقد صنعوا شكل البيت وطبيعته وأصوله ومظاهره وجميع أشكاله وجميع قوانينه وجميع أشكاله وجميع تعاليمه أخبروهم واكتبوا أمام أعينهم وسيحتفظون بكل شكله وجميع قوانينه" واعملوا بها.

وورد في السفر ذاته(5:20) "هذه هي شريعة البيت الذي على رأس الجبل المحيط بتخمة..." لتكن إرادتك أيها الرب إلهنا وإله آبائنا، أن يبنى الهيكل سريعا في أيامنا هذه ".

وهذا يعكس تصميم قادة اسرائيل على المضي قدما فى استمرار الصراع والبحث عن الهيكل الثالث علي أنقاض المسجد الأقصي ورفض فكرة اقامة الدولة الفلسطينية وفقا للتعاليم الدينية التى غرست فى عقولهم بأن هذه الأرض المقدسة فى الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية المحددة لإقامة دولة فلسطينية هي أرث بنو إسرائيل وتحظر التوارة التنازل عنها للأجانب وفقا لمزاعهم .

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بحضور 35 دولة.. انطلاق اجتماع القاهرة الثامن لرؤساء المحاكم الدستورية الأفريقية

بدأت المحكمة الدستورية العليا مؤتمر المحاكم الدستورية الأفريقية الذي يبدأ اليوم الاثنين والذى ينعقد على مدى يومين متتاليين وتستضيفه القاهرة، بمشاركة من ممثلين عن المحاكم والمجالس الدستورية من 35 دولة، إلى جانب 5 منظمات دولية تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي.

أكد المستشار بولس فهمي رئيس المحكمة الدستورية العليا، فى بداية المؤتمر على حرص الدولة المصرية على الانفتاح بشكل مؤسسي وبزخم كبير على دول القارة الإفريقية، مشيرًا في هذا الصدد إلى أن اجتماع القاهرة الثامن رفيع المستوى لرؤساء المحاكم الدستورية والعليا والمجالس الدستورية الإفريقية، يمثل أحد أوجه التعاون مع الدول الإفريقية الشقيقة في مجال القضاء الدستوري الذي له تأثيرات كبيرة على توجهات الدول الإفريقية جميعًا.

وأشار إلى أن استضافة هذا العدد من الفقهاء الدستوريين الأفارقة بالقاهرة يعكس الدور المحوري الذي تمثله مصر في مجال القضاء الدستوري، وريادتها في هذا المضمار، مشددًا على أن مصر بتاريخها العريق في مجال القضاء الدستوري حريصة أشد الحرص على التعاون وتمرير هذه الخبرة النوعية للدول الإفريقية الشقيقة.
وأضاف أن المؤتمر يمثل أحد أوجه القوى الناعمة لمصر في مجال دعم الأشقاء الأفارقة من خلال مسارات التعاون القضائي الدستوري في إطار من انفتاح الدولة المصرية وحرصها على تعزيز أواصر التعاون الوثيق في مختلف المجالات مع الدول الأفريقية.

وأوضح أن اجتماع القاهرة الثامن رفيع المستوى لرؤساء المحاكم الدستورية والعليا والمجالس الدستورية الإفريقية، يعد بمثابة استحقاق دستوري باعتبار أن دستور مصر يتحدث بشكل صريح عن انتماء مصر لإفريقيا وأن الدولة المصرية، بكل مؤسساتها وعلى رأسها القيادة السياسية، ارتأت تفعيل هذا النص الدستوري الخاص بالانتماء المصري الإفريقي، واعطاءه الزخم الذي يستحق، في مختلف المجالات، وهو الأمر الذي انعكس بإنشاء مؤتمر القاهرة للمحاكم والمجالس الدستورية الإفريقية.
ولفت إلى أن القيادة السياسية أولت كل الرعاية اللازمة لإنجاح هذا المؤتمر منذ أن تأسس في عام 2014، وحينما انضمت مصر لمؤتمر الهيئات القضائية الدستورية تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، مؤكدًا أن مصر ارتأت أن مؤتمر المحاكم والمجالس الدستورية الإفريقية يجب أن يمثل منصة إفريقية على المستوى القضائي؛ لاسيما القضاء الدستوري لتعزيز أوجه التعاون في هذا المجال الذي يؤثر تأثيرًا كبيرًا على كافة مناحي حياة الدول الإفريقية، وأن هذا الأمر انعكس إيجابيًا بالنتائج المثمرة التي أفضت إليها الدورات السابقة؛ حيث هذا المؤتمر منذ إنشاءه الجانب الأعظم من أهدافه.

واستعرض رئيس المحكمة الدستورية، عددًا من أهم النتائج التي انتهت إليها المؤتمرات السابقة، والتي تعكس توطيد أوجه التعاون المصري الإفريقي؛ ومن بينها إنشاء منصة رقمية لتبادل الأحكام القضائية الدستورية على مستوى إفريقيا للمرة الأولى، إلى جانب البحث المركز في فكرة الذكاء الاصطناعي واستخداماتها، فضلًا عن إنشاء مركز البحوث والدراسات الإفريقية في مصر، مشيرًا إلى أن هذا المركز له أثر بالغ الأهمية في توطيد أواصر الصلة مع القضاء الدستوري الإفريقي، وأن هذا المركز حظي بدعم كبير من الدولة المصرية على نحو أصبح تأثيره يتجاوز المستوى الإفريقي إلى البعدين الإقليمي والدولي.

وأضاف أن هذا المؤتمر بما يمثله من زخم فكري وقضائي كان دافعًا للعديد من الدول الأوروبية والآسيوية والإقليمية على الانضمام إليه بصفة أعضاء مراقبين، ومن بين تلك الدول تركيا والأردن والعراق وقطر.

وشدد المستشار بولس فهمي على أن الدستور المصري، يفرض سياجًا من الحماية الدستورية على الحقوق والحريات لجميع المواطنين المصريين، كما تمتد هذه الحماية بمفهومها الشامل للإنسان وهو الأمر الذي لم تلتفت إليه الكثير من الدساتير الأخرى في العالم.

وأضاف أن للمحكمة الدستورية العليا، العديد من الأحكام الراسخة والمضيئة في مجال تأكيد الحريات، والمساواة، وتكافؤ الفرص وتساوي المصري مع غيره فلا اعتداء على ملكية أي أجنبي على أرض مصر، كما أن الحقوق الدستورية لغير المصريين مضمونة ومصانة في مصر وهو أمر يعكس رقي الدولة المصرية ومؤسساتها وقضائها الدستوري باعتبار أن هذا الأمر تتفرد به الدول الديمقراطية التي تعلي من حقوق الإنسان.

من جانبه، قال المستشار محمد عماد النجار، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا والأمين العام لاجتماع القاهرة الثامن رفيع المستوى، إن الاجتماع سيناقش في جلسات ثلاث رئيسية أولًا طبيعة المخاطر التي تواجه الدول الإفريقية في الظروف الاستثنائية، وكذلك دراسة التجارب التشريعية، لمواجهة الظروف الاستثنائية، إلى جانب الرقابة الدستورية على التشريعات المنظمة للظروف الاستثنائية، على أن يعقب ذلك إصدار التوصيات في ختام أعمال الاجتماع.
من جهته، قال المستشار الدكتور طارق شبل نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، إن الاجتماع يمثل أهمية بالغة في مجال توطيد أوجه التعاون مع الدول الإفريقية الشقيقة، في مجال القضاء الدستوري، مشيرًا إلى أن هذه الأهمية عكستها حرص 130 شخصية وجهة إعلامية محلية وإفريقية ودولية، على متابعة أعماله على مدى جلسات انعقاده.

مقالات مشابهة

  • السفير السعودي لدى بريطانيا: لن نطبع مع إسرائيل دون حل للقضية الفلسطينية
  • رفض عربي وإسلامي لخطة ترامب بشأن غزة ومطالب بإقامة دولة فلسطينية
  • لماذا تدافع واشنطن عن وجود إسرائيل وتتسامح مع اضطهادها للفلسطينيين؟
  • فيفا يرفض إقامة مباراة العراق وفلسطين في رام الله
  • وزير الخارجية: قيام دولة فلسطينية مستقلة الحل الوحيد لاستقرار المنطقة
  • السعودية تجدد التأكيد على شرطها للتطبيع مع إسرائيل
  • السعودية تؤكد:هذا شرط التطبيع مع إسرائيل
  • بحضور 35 دولة.. انطلاق اجتماع القاهرة الثامن لرؤساء المحاكم الدستورية الأفريقية
  • فصائل فلسطينية: عودة النازحين تثبت فشل إسرائيل في تهجير أصحاب الأرض
  • سفير المملكة ببريطانيا: لن نُطبّع مع إسرائيل دون حل للقضية الفلسطينية.. فيديو