ماذا كان فعل نواب الأمة لو كانوا مكان الحكومة؟
تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT
من استمع إلى مداخلات بعض نواب الأمة بدافع الحشرية فقط، وهم يناقشون موازنة العام 2024، لم يستغرب السبب الذي آلت اليه أوضاع اللبنانيين. فليس أسهل على المرء من أن يعتلي المنابر ويبدأ بالحديث والتنظير عن أحوال البلاد، وكأن لا دخل له بما يجري من حوله، أو كأنه كامرأة قيصر منزّه عن الخطأ. والأنكى أن بعض الذين استمعنا إليهم محاضرين في العفة هم المسؤولون أولًا وأخيرًا عن بقاء البلاد من دون رئيس للجمهورية، ونراهم يتحججون بأن الظروف الدولية والإقليمية غير مؤاتية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ونسأل هؤلاء النواب، الذين تحدّثوا في الجلسة الافتتاحية، أو أولئك الذين سيتحدّثون في الجلسات المقبلة: ماذا كانوا فعلوا لو كانوا في سدّة المسؤولية التنفيذية مع هكذا إمكانات متواضعة جدًّا؟وما هي الحلول التي كانوا سيتقدّمون بها لحلّ كل هذه المشاكل الملقاة على عاتق حكومة لا ترضي من لا يعجبه العجب حتى الصيام في رجب؟
فاللبناني الساعي وراء لقمة عيش عياله بشقّ النفس لا يهمّه كثيرًا ما يقوله هؤلاء النواب، وقد اعتاد على سماع هكذا نوع من الكلام الاستهلاكي. وبالطبع لا يهمّه إذا كان ما يُخطّط للبنان سيبصر النور اليوم أو بعده أو بعد سنة وأكثر. ومن يُقنع ذاك "الملفلف" بمئة بطانية ليطرد البرد الذي ينخر العظام عنه وعن بيته غير الدافئ لقلة المازوت أو الحطب، بأن نوايا هؤلاء النواب صافية، وبأن ما يرسم لنا من خرائط جديدة هي لمصلحة الشعوب الكادحة؟ ومن يستطيع أن يضمن بأن الأيام المقبلة ستكون أفضل مما هو عليه الوضع اليوم؟
لا مغالاة إذا قيل إن ما يريده كل لبناني من دون استثناء هو غير ما يُرَوج له من تسويات أو حلول. ففي التاريخ القديم، كما الحديث، وقائع ثابتة ودامغة بأن ما يرسمه الكبار للصغار لا يأخذ في الاعتبار ما يريح هؤلاء المعتبرين من الفئات المهمّشة وغير المسموعة أصواتها في أي حال من الأحوال. فـ "الكبار" في وادٍ و"الصغار" في وادٍ آخر، وكان بينهم هوة سحيقة. وكما حنا كما حنين. فإن ما بين الشعب ونوابه أكثر من هوة. بينهم قّلة ثقة. فالناس لم يعد يربطهم بهؤلاء النواب أي مصير، مع أنهم هم الذين انتخبوهم عن سابق تصوّر وتصميم، لكن غلطة الشاطر بألف، وأن المؤمن الذي لا يمكن أن يلدغ من الجحر مرتين قد "تعلّم من كيسو"، ولن يعيد الكرّة.
ولكي لا يبقى هذا الكلام مجرد سرد أنشائي لا بدّ من أن تُعطى أمثلة حسّية على أن ما بين هؤلاء وأولئك فوارق واضحة في الرؤية والممارسة والمعاناة والقدرة على التحمّل. فلهؤلاء أهداف غير متقاربة وغير متطابقة مع الواقع المعيوش للذين يُعتبَرون من الفئات المهمّشة، بما فيه من معاناة غير مرصودة في قواميس المجتمعات، التي اكتسبت حقّ تقرير مصيرها ومستقبلها بأيديها. فما يعانيه المواطن اللبناني لم يعانه أي مواطن آخر، باستثناء من تشبه وضعيتهم حالته اليومية. ويُذكر في هذا المضمار بالطبع الشعب الفلسطيني، الذي يقاسي ما لا قدرة لشعب آخر على احتماله.
وما يُروى عن حجم وهول مأساة أهل غزة لا يمكن وصفه بكلمات قليلة، وإن كانت صادقة وشفافة. وكذلك هي حال أهالي الجنوب، الذين تنهمر على رؤوسهم صواريخ حاقدة، ولا يزالون مصرّين على البقاء في بيوتهم وأرزاقهم.
فالمعاناة لا تُجزّأ، ولا يمكن التشارك بها تمامًا كالجمرة التي لا تكوي سوى مطرحها. وما يُقال هنا وهنا، وما يصدر من مواقف غير قابلة للصرف على موائد المصالح الدولية والإقليمية لا يقلّل من حجم القلق، الذي يعيشه اللبنانيون عمومًا، وأهل الجنوب خصوصًا، وإن كان التضامن مع أهل غزة يتمّ التعبير عنه بأشكال مختلفة، وقد يكون "التعبير بالنار والحديد"، وفق منطق عدد لا بأس به من اللبنانيين المكتوين من "الحليب" يجعلهم ينفخون على "اللبن"، وذلك لكثرة ما مرّ عليهم من تجارب مريرة كان فيها المدفع هو المتحكّم بالمصائر فكانت النتيجة أن "لا غالب ولا مغلوب".
وكما كانت حال اللبنانيين بالأمس هي اليوم. وهكذا تكون غدًا ما دامت الهوة بهذا العمق بين من يعتبرون أنفسهم مسؤولين لا يزالون يعيشون في "كواكب" غير "الكوكب" الذي يعيش فيه سائر اللبنانيين، على مختلف انتمائهم السياسي والمذهبي والطائفي والمناطقي. فجميعهم في الهمّ سواسية. فلا ابن الجنوب راضٍ ولا ابن الشمال. وهكذا يتوحدّ اللبنانيون للمرة الأولى ولو على "الهمّ والغم"، ولا يختلفون على الأقل عندما يتعلق الأمر بامتحان التفضيل بين هذا النائب أو ذاك المسؤول. فجميعهم يوضعون في سّلة واحدة.
فمن تابع وقائع جلسة مناقشة موازنة العام 2024 في مجلس النواب يدرك تمامًا ما المقصود من كل هذا الكلام الذي يصف الحالة التي نعيشها جميعًا بأوصاف مجرّدة من الغايات ومن المساحيق التجميلية ومن الرياء والتدجيل.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: هؤلاء النواب
إقرأ أيضاً:
ماذا فعل القضاء الإيراني مع الطالبة التي خلعت ملابسها بجامعة طهران؟
أعلنت السلطة القضائية الإيرانية، الثلاثاء، أنها لم توجه أي تهم للطالبة التي خلعت ملابسها في إحدى جامعات طهران في مطلع الشهر الحالي. وقال المتحدث باسم السلطة القضائية، أصغر جهانغير، في مؤتمر صحفي، إن الطالبة تم تسليمها إلى عائلتها بعد نقلها إلى المستشفى، حيث تبين أنها مريضة، ولم يتم رفع أي دعوى قضائية ضدها.
وفي مقاطع فيديو انتشرت على نطاق واسع، شوهدت الطالبة وهي تسير بملابسها الداخلية أمام جامعة آزاد في طهران قبل أن يقتادها رجال بالزي المدني بعنف إلى سيارة.
ووصف وزير العلوم الإيراني، حسين سيمائي، الأربعاء الماضي، خلع الطالبة لثيابها بأنه عمل "غير أخلاقي وغير مألوف". وأوضح سيمائي، خلال اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي، أن الطالبة "خالفت الأعراف، ولم يكن سلوكها متوافقاً مع الشريعة الإسلامية، وكان غير أخلاقي وغير مألوف"، مشيراً إلى أنها لم تُطرد من جامعتها.
وأكدت السفارة الإيرانية في فرنسا أن الطالبة تعاني من مشاكل عائلية وحالة نفسية هشة. وكانت الخارجية الفرنسية قد وجهت في الأربعاء الماضي رسائل أعربت فيها عن القلق والصدمة بعد اعتقال الطالبة.
ويذكر أنه في 30 نيسان/ابريل الماضي أرسلت لجنة برلمانية إيرانية نسخة منقحة من مشروع قانون خاص بالحجاب لمجلس صيانة الدستور، وهو كيان إشرافي محافظ غير منتخب، لمراجعته، وفقاً لوكالة أنباء تسنيم الإيرانية.
وفي حال تمت الموافقة على المسودة، يمكن فرض عقوبات قاسية على انتهاك قواعد الزي في البلاد، بما في ذلك إلزام النساء بتغطية شعورهن في الأماكن العامة.
وفي 16 أيلول/سبتمبر الماضي٬ تعهد الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، بمنع "مضايقة" شرطة الأخلاق للنساء فيما يتعلق بلباسهن، خصوصاً الحجاب الإلزامي في الجمهورية الإسلامية.
وأكد بزشكيان في مؤتمر صحفي عقده في طهران، وهو الأول منذ توليه منصبه مطلع آب/أغسطس الماضي، أن "شرطة الأخلاق ليست مكلفة بمواجهة النساء، وسأحرص على ألا تقوم بمضايقتهن".
منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979، تفرض إيران قواعد صارمة على النساء تشمل ارتداء الحجاب وملابس فضفاضة.