باي باي طبريا.. مقاومة نساء فلسطين تتجاوز الزمن والحدود
تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT
انطلقت رحلة فيلم "باي باي طبريا" بين المهرجانات بمهرجان فينسيا السينمائي، ليجوب بعد ذلك العالم، فعرض في تورنتو ولندن وحتى الجونة ومؤخرًا عُرض خلال فعاليات بانوراما الفيلم الأوروبي بالقاهرة.
فيلم "باي باي طبريا" الوثائقي من إخراج "لينا سويلم" التي كتبت السيناريو الخاص به مع كل من "نادين ناعوس" و"جلاديوس جوجو" وتظهر فيه والدة المخرجة -الممثلة العالمية- "هيام عباس"، لتحكي للمشاهدين قصة عائلتها، و4 أجيال من النساء الفلسطينيات اللواتي عشن الشتات بأفظع صوره.
يبدأ فيلم "باي باي طبريا" بفيديو منزلي للمخرجة، وهي طفلة لم تكمل 3 أعوام من عمرها، تسبح مع أمها في مياه بحيرة طبريا خلال رحلتها الأولى إلى فلسطين، بعدما وُلدت وعاشت بدايات طفولتها في فرنسا.
لا تحمل هذه اللقطة فقط إشارة لعلاقة الأمومة والبنوة التي تربط "لينا سويلم" بوالدتها، ولكنها تبدو كطقس التعميد في الديانة المسيحية، كما لو أن الأم تضع ابنتها في ماء فلسطين لتُدخل في مسام الصغيرة تاريخ بلدها الذي يتم محوه بشكل ممنهج منذ عقود.
قدمت "لينا سويلم" في فيلمها قصتين متوازيتين، الأولى عن نساء عائلتها عبر 4 أجيال متوالية، بينما في الخلفية تظهر السردية الأهم، وهي قصة بطلتها فلسطين ما قبل النكبة وحتى اليوم.
استخدمت المخرجة مصادر عدة لفيلمها، بداية من الصور الفوتوغرافية والفيديوهات المنزلية وقصائد "هيام عباس" الشعرية، والحوار المباشر مع الشخصيات الفيلمية والصور والفيديوهات التوثيقية لفلسطين ما قبل النكبة وما بعدها، ولكن كل هذه الأدوات تتناغم مع بعضها البعض مثل لوحة من الفسيفساء، مجرد قطع حجارة ملونة صغيرة، ولكن في النهاية تصنع لوحة خلابة، لوحة يتداخل فيها تاريخ عائلي مع تاريخ المنطقة العربية بالكامل.
تبدأ قصة "لينا سويلم" بالجدة الكبرى، جدة والدتها "هيام عباس"، وهي السيدة "أم علي"، المرأة التي نزحت من منزلها خلال النكبة، مصطحبة أولادها الـ8 وزوجها "حسني"، لتفقد الزوج بعد قليل، فلم يتحمل قلبه ألم ترك ماضيه خلفه.
ظل "حسني" يسأل الرائح والغادي، هل رأيت منزلي؟ هل رأيت بقرتي؟ ثم مات كمدا، ثم تفقد ابنتها "حسنية" وقد فرقت بينهما الحدود الجغرافية، فـ"حسنية" نزحت إلى أحد مخيمات سوريا، بينما ذهبت "أم علي" مع باقي أولادها إلى "دير حنا"، لتعليمهم باستخدام ماكينة الخياطة، وتبني لنفسها حياة جديدة، وتظهر في إحدى الفيديوهات وهي تصفف خصلات شعرها البيضاء وتقول إنها لم تشعر بالسعادة منذ فارقت منزلها وأرضها.
يتمثل الجيل التالي في الجدة "نعمات"، التي نزحت وهي طالبة في كلية المعلمات، التي كان ينتظر منها تقديم الجيل الأول من المعلمات الفلسطينيات، ولكن أتت النكبة لتخرب كل الخطط، وانتقلت مع أمها إلى "دير حنا"، وفيها تزوجت وعملت كمعلمة وأنجبت عشرة أولاد وبنات، منهم "هيام عباس" التي تتسلم الشعلة من الأم، وتزيد غربتها غربة، بعدما قررت هدم آمال أسرتها بأن تصبح محامية أو طبيبة، وتتعلم التصوير الفوتوغرافي، ثم تترك فلسطين إلى فرنسا باحثة عن مستقبلها كممثلة.
ويأتي الجيل الرابع متمثلًا في "لينا سويلم" نفسها، نصف فلسطينية نصف جزائرية، تعلمت معنى الاحتلال من قصص عائلتها التي ظلت تزورها كل في عام في فلسطين، وتشربت الحزن الذي ينتقل مثل إرث ثقيل من جيل لجيل، لتقدمه في النهاية في صورة فيلم سينمائي شديد العذوبة.
الشخصي والسياسيتتبعت "لينا سويلم" قصة عائلة والدها المهاجرة من الجزائر إلى فرنسا في فيلمها الأول "جزائرهم"، والذي ركز بصورة خاصة على جدتها وجدها، وكيف تأقلما على مر السنوات مع فكرة عدم العودة لبلادهم، التي تركاها وهما يظنان أنهما ذاهبان في رحلة مؤقتة، ليستقرا بعيدا عن كل ما ألفاه في الفصل الأول من حياتهما.
تتخذ المخرجة "لينا سويلم" من مصطلح الشخصي سياسي (The personal is political) منهجا لها في أفلامها الوثائقية. ويؤكد هذا المصطلح على العلاقات بين التجربة الشخصية والبنى الاجتماعية والسياسية الأكبر منها، فقصة العائلة الجزائرية المهاجرة لفرنسا هي الواجهة لقصة أكبر حول الفترة المضطربة التي هاجر فيها الجزائريون إلى فرنسا على الرغم من الحرب الدائرة بين البلدين على الاستقلال، وكيف تأقلم هؤلاء المهاجرون في الغربة وصنعوا لأنفسهم مجتمعا خاصا داخل المجتمع المعادي.
تشتبك القصة مع هموم المرأة العربية متمثلة في الجدة، التي تزوجت وهي لا تزال مراهقة من رجل لا تعرفه، وتركت معه عائلتها وأرضها، لتعيش حياة لم تحبها لنصف قرن تقريبا قبل أن تنفصل عنه، لتبدأ من جديد وهي تدخل الفصل الأخير من حياتها.
يبدو فيلم "باي باي طبريا" كما لو أنه يركز على تاريخ أسرة فلسطينية من 4 أجيال، إلا إنه في الحقيقة مرآة لحياة الفلسطينيين قبل وبعد النكبة، فيمكن تغيير اسم "أم علي" إلى اسم أي امرأة أخرى لنجد أننا أمام نفس الشخصية التي شكلها النزوح والبدء من جديد في أرض غريبة، مع تربية الأبناء، ومقاومة الاحتلال.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: بای بای طبریا
إقرأ أيضاً:
مناقشة رسالة دكتوراه بعنوان «مفهوم الزمن في المسرح الإنجليزي الحديث» بآداب كفر الشيخ
نوقشت اليوم بكلية الآداب جامعة كفر الشيخ، رسالة الدكتوراه المقدمة من الباحثة سالي كمال محمد علام، بعنوان: "مفهوم الزمن في مسرحيات مختارة لبراين فرايل وكاريل تشرشل: منظور النظرية التاريخية الجديدة"، وذلك بقسم اللغة الإنجليزية بالكلية، في حضور نخبة من أساتذة الأدب الإنجليزي والباحثين.
ترأس لجنة الإشراف والمناقشة الدكتور أيمن إبراهيم الحلفاوي، أستاذ الأدب الإنجليزي ورئيس قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب - جامعة كفر الشيخ (مشرفًا ورئيسًا)، وشارك في الإشراف الدكتورة إسلام علي النجار، مدرس الأدب الإنجليزي بالكلية (مشرفًا).
كما تكونت لجنة المناقشة والحكم من:
الدكتور أيمن إبراهيم الحلفاوي (مشرفًا ورئيسًا).
الدكتور وليد سمير علي، أستاذ الأدب الإنجليزي ووكيل كلية التربية لشئون التعليم والطلاب - جامعة طنطا (مناقشًا خارجيًا).
الدكتور عادل محمد عفيفي، أستاذ الأدب الإنجليزي المتفرغ بكلية الآداب - جامعة كفر الشيخ (مناقشًا داخليًا).
وقدمت الباحثة في رسالتها دراسة تحليلية معمقة لمجموعة من المسرحيات المختارة لكل من براين فرايل وكاريل تشرشل، من خلال منظور النظرية التأريخية الجديدة، مركزة على مفهوم الزمن في هذه الأعمال المسرحية.
قسمت الباحثة دراستها إلى محورين أساسيين:
الأول تناول فكرة الزمن في السياق التاريخي من خلال رؤى المؤلفين للأحداث التاريخية، بينما ركز المحور الثاني على أهمية هذه الأحداث التاريخية في تشكيل البناء الدرامي، مستعرضة ثلاثة اتجاهات رئيسية في التعامل مع الزمن:
1. مسرحيات الذاكرة
2. مسرحيات الاقتباس،
3. مسرحيات الأحداث الواقعية.
وتتبعت الرسالة مفهوم الزمن من حيث ارتباطه بذاكرة وحنين الشخصيات، وقدمت مقارنة تحليلية بين مسرحية "الرقص في لانزا" لبراين فرايل، ومسرحية "الهروب وحيدًا" لكاريل تشرشل.
كما تناولت الباحثة إعادة إحياء المسرحيات القديمة عبر إعادة الكتابة والتكييف المسرحي، مثل معالجة فرايل لمسرحية "هيدا جابلر" لهنريك إبسن، وإعادة تشرشل كتابة وترجمة مسرحية "حلم" لأوجست ستريندبرج.
أما الاتجاه الثالث في الدراسة، فقد ركز على المسرحيات التاريخية التي تعيد سرد فترات زمنية معينة، مثل مسرحية "تزييف التاريخ" لبراين فرايل، و"الغابة المجنونة" لكاريل تشرشل.
وخلصت الرسالة إلى مقارنة شاملة بين هذه الأنماط الثلاثة من المسرحيات (الذاكرة، الاقتباس، الأحداث الواقعية) من الناحيتين النظرية والتطبيقية، في ضوء مفهوم الزمن وفقًا للنظرية التأريخية الجديدة، بما يبرز دور الزمن كأداة فنية ومعرفية في صياغة الوعي التاريخي داخل النص المسرحي الحديث.
وقد أشادت لجنة المناقشة بالجهد العلمي الذي بذلته الباحثة، ودقة التحليل، وعمق تناولها للعلاقة بين الأدب والتاريخ من منظور حداثي، متمنين لها مزيدًا من التوفيق في مسيرتها الأكاديمية والبحثية.